سواليف:
2024-11-14@00:59:19 GMT

الشرع في ميزان العقل

تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT

#الشرع في #ميزان_العقل
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
قد يبدو العنوان مستهجنا، فالعقل ليس حكما على الشرع، بل العكس، لكن مقصدي من هذا القلب سيتبين لاحقاً.
لغايات مساعدة الإنسان في اتخاذ القرارات الصائبة، أوجد له الخالق الحكيم ثلاثة موازين مرجعية، لكي يحتكم اليها:
الأول هو الفطرة المودعة في كل كائن حي، توجهه وتتحكم في قراراته، ما عدا الإنسان، لتميزه من بينها بحرية الإرادة، وذلك لأنه مكلف بالاختيار بين طاعة الخالق أو عصيانه، فبإمكانه اتباع ما تمليه عليه الفطرة أو مخالفتها.


الثاني هو العقل، وحكمه صائب لاعتماده على المحاكمة المنطقية، لكن عيبه ان الهوى والذي تشكله الرغبات والشهوات ليس محايدا، فقد تفسد هذه المحاكمة أو تحرفها، كما تختلف النفوس بمقدار اتباعها الهوى أو مقاومته، ولذلك أوجد الله ميزانا ثالثا، حكما معياريا لا يتأثر بالهوى.
وهذا الميزان هو الشرع، وهو جملة أحكام تسمى الحلال والحرام، تتناول أهم نقاط ضعف النفس البشرية أمام الأهواء، وحددت ما هو واجب فعله أو واجب تركه، كما حددت ما بينهما كمستحب أو جائز أو مكروه.
ولما أن الله تعالى أغدق إكراماته على الإنسان، فزيادة على خلقه إياه في أحسن تقويم، سخر له كل ما في الأرض من جمادات وكائنات حية، ينتفع منها، خلق له نعيما أبديا يناله في الجنة، التي أعدها لعباده المتقين، لذلك فلا ينالها إلا من آمن به واتبع هديه، وبيّن الاستحقاقات والشروط التفصيلية لذلك الاتباع في رسالاته.
وفي حياتهم الأخروية هذه لن يكون نعيمها للجميع على السواء بل على درجات متفاوتة، وأكثر تباينا من درجات حياتهم الدنيوية، والارتقاء فيها بمقدار صلاح أعمالهم في الحياة الأولى.
لقد أراد الله من تعدد الموازين المرجعية مساعدة البشر في اجتياز ابتلاء الدنيا، والذي أوجده لتأهيلهم الى الحياة الآخرة، والتنافس لنيل نعيمها، وكدافع آخر لأجل حسن الاختيار، توعد المصرين على مخالفة كل تلك الموازين بعقاب شديد ومقيم في الحياة الأخروية.
قد يتساءل بعض المكذبين بالدين: لماذا جعل الله هذا التباين الهائل في مصير الناس: إما جنة نعيمها أكثر ما يمكن تصوره، أو نارا تفوق تحمله؟.
ذلك لإحقاق العدالة، فقد آتى الله الناس جميعا فرصا متساوية في الاختيار، فمن لم تقو فطرته على توجيهه للصلاح، جعل له العقل يتفكر به فيجد في الآيات الكونية والتكوينية والقرآنية أدلة دالة على وجود الخالق، ثم أرسل الرسل يهدون الى الصراط المستقيم، ومبشرين من آمن واتبع، ومنذرين من كذب وعادى منهج الله.
فهل تبقى بعد ذلك حجة!؟.
فلا يجوز أن يعامل الله من اختار الهدى والصلاح بمثل من اختار الفجور والصد عن سبيل الله.
حجة المكذبين الوحيدة أنهم اتبعوا ما تمليه عليهم عقولهم، فلا يؤمنون بما هو وراء ادراكاتهم الحسية.
لكن لو تصوروا أن الله تعالى كان مرئيا.. من كان بإمكانه التكذيب بوجوده؟.
وإذاً كيف سيكون ابتلاء وتمحيص بين من آمن بما غيب عن حواسه (الغيبيات) باتباع العقل والمنطق، وبين من آمن بناء على رؤيتها.
ولو لم يغيّب مصير الإنسان ما بعد الموت، وكان هنالك تواصل للأموات مع الأحياء، لأخبروهم بما وجدوه بعد الموت، ولن يبق مكذب بيوم الدين.
ولو كانت الجنة والنارمرئيتين لمن في الدنيا… من كان سيجرؤ على ارتكاب معصية!؟.
أذاً بكشف الغيبيات سينعدم الابتلاء، لذلك قضى الله ان تغيب العواقب عن إدراك الناس، فلا يعرف نتاج عمله إلا بعد انتهاء الزمن المتاح له لأداء الامتحان: “فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ” [ق:22]، فيفوز فقط من اتبع ما اتفقت عليه أحكام الموازين الثلاثة: الفطرة والعقل والشرع، أي من اتبع الفطرة السليمة، وصدق بها العقل البشري الرشيد الذي يوقن بالاستدلال المنطقي وليس بالحسي فقط كالأنعام، ثم لما جاءه المرسلون بالهدى اتّبعهم.
هؤلاء هم المتقون الفائزون برضا الله ورحمته: “ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ” [البقرة:2-3].
نستخلص أنه لا يصح أن يكون العقل حكما على الشرع، فالعقل يحكم بناء على المعلومات المودعة فيه التي راكمتها معارفه الحسية والتجريبية.
لكن الشرع أوسع، فهو يحوي ما كشف للعقل وما غيّب عنه.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: الشرع هاشم غرايبه من آمن

إقرأ أيضاً:

بالفيديو.. “البحوث الإسلامية”: غياب التربية الإيمانية يعتبر أول سبب رئيسي في السرقة

 قال الدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد بمجمع البحوث الإسلامية، إن غياب التربية الإيمانية للأبناء يعتبر أول سبب رئيسي من أسباب السرقة ويمكن أن يؤدي إلى السرقات بأنواعها، مؤكدًا أن الإنسان الذي يفتقر إلى الوعي الديني والإيماني يصبح عرضة للعديد من المشاعر السلبية التي تدفعه للبحث عن حلول غير مشروعة لتحقيق رغباته.

 

وأشار الأمين العام المساعد بمجمع البحوث الإسلامية، خلال حلقة برنامج "مع الناس"، المذاع على قناة الناس، اليوم الثلاثاء، إلي أن التوجه الدائم نحو مقارنة النفس بالآخرين يمكن أن يكون من الأسباب المؤدية للسرقة، موضحًا أنه من الخطأ أن يظل الإنسان عينه متطلعة إلى ما في أيدي الآخرين، فالإسلام ليس ضد الطموح، لكن كلما شعر المرء بأن شخصاً ما يمتلك شيئاً أكثر منه، تنشأ لديه رغبة في الحصول على هذا الشيء، وقد يصل به الأمر إلى السعي وراءه بأي وسيلة، سواء مشروعة أو غير مشروعة.


وأضاف :"القرآن الكريم حذرنا من هذا الأمر في قوله تعالى وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ، لافتا إلى أن غياب القناعة والرضا بالوضع القائم، وعدم القبول بما يمتلكه الإنسان، يساهم بشكل كبير في دفعه إلى السعي وراء المفقود، وهذا يمكن أن يؤدي به في النهاية إلى السرقات.
وأضاف أن هذا هو السبب الأساسي الذي يجعل العديد من الناس يتخذون قرارات غير صائبة، مثل اللجوء إلى السرقة، لتحقيق ما يظنون أنه قد ينقصهم، مشيرا إلى ضرورة غرس القيم الصحيحة في الشباب منذ الصغر، ومنها أن تحقيق الطموح يجب أن يكون من خلال طرق مشروعة. 
وقال: "من المهم أن نعلم أبنائنا أن الطموح أمر جيد، ولكن يجب أن يتم تحقيقه وفقاً لأسس دينية وقانونية.. نحن نعلمهم أن يحلموا، ولكن نعلمهم أيضاً كيف يحققون أحلامهم عبر الاجتهاد والعمل الحلال".

كما استشهد بحياة النبي صلى الله عليه وسلم كمثال حي على الرضا والتوكل على الله، مشيراً إلى أن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم عاش في ظروف صعبة للغاية، حيث مر عليه الهلال بعد الهلال دون أن يوقد في بيته نار للطعام، ومع ذلك لم يطلب ما ليس عنده، بل كان يعيش مع صحابته في صبر ورضا. 

وحذر من غرس القيم المادية، مثل التركيز على المال كمؤشر رئيسي للنجاح، قد يؤدي إلى تداعيات سلبية، ويشجع على الرغبة في الحصول على المال بطرق غير قانونية، لافتا إلى الرزق ليس فقط مالاً، بل قد يكون محبة الناس، أو التوفيق في العمل والطاعة، كم من شخص لديه كل أسباب الراحة المادية لكنه يعاني من قلة الراحة النفسية.
 

مقالات مشابهة

  • حكم الشرع في عدم القدرة على الوضوء
  • عاجل| العجزي في ميزان التجاري يقفز 21.3% خلال أغسطس
  • ميزان نيابي يُبقي عون في اليرزة
  • بالفيديو.. “البحوث الإسلامية”: غياب التربية الإيمانية يعتبر أول سبب رئيسي في السرقة
  • القسمة والنصيب
  • كيفية تحصين النفس من الفتن؟.. الإفتاء تجيب
  • حكم الشرع في غسل الأواني التي لمسها الكلب
  • تشيلسي وأرسنال.. «ديربي لندن» في ميزان الأرقام
  • «على المتضرر اللجوء إلى القضاء».. ما حكم الشرع في توريث عقود الإيجار القديم؟