مصر وحميدتي.. أسباب التصعيد ومآلاته
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
فجأة وبدون أية مقدمات، شنّ قائد قوات الدعم السريع السودانية محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2024، هجومًا عنيفًا على مصر، محمّلًا إياها المسؤولية عن الإخفاقات التي تعرضت لها قواته مؤخرًا، خاصة في منطقة جبل موية الإستراتيجية بولاية سنار، ولم يكتف بذلك، بل هدد مصر من خلال إعلانه القبض على بعض الجنود المصريين "المرتزقة"، من وجهة نظره، وفرض عقوبات على التجار في المناطق الخاضعة لسيطرة قواته في حال تصديرهم أي منتجات "للعدو" (مصر).
هذا الخطاب العفوي، وما تلاه من بيان أكثر توضيحًا صادر عن قواته بعده بيومين، يطرح تساؤلات عدة عن أسبابه وتوقيته من ناحية، وحقيقة هذه الاتهامات، والموقف المصري من التطورات في السودان من ناحية أخرى، ثم مآلات هذا التصعيد، وهل هو تصعيد لفظي فقط، أم قد تتطور الأمور لأكثر من ذلك؟
الأسئلة السابقة، حاولت الإجابة عنها ورقة تحليلية نشرها مركز الجزيرة للدراسات لأستاذ الدراسات الأفريقية بدر حسن شافعي، الخبير في تسوية الصراعات.
الاتهاماتوتطرقت الورقة في البداية إلى الاتهامات التي كالها حميدتي لمصر في خطابه المتلفز، ثم في البيان الصادر عن قواته، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
اتهام مصر بالمشاركة في عمليات التدريب والقتال مع الجيش السوداني، وأنها ظلت تدعم الجيش بكل الإمكانيات العسكرية. الربط بين مصر والجيش السوداني الذي تهيمن عليه جماعة الإخوان المسلمين! اتهام مصر بعرقلة مفاوضات جدة الأولى والثانية، والمنامة، ومفاوضات جنيف الأخيرة؛ لكونها لا تضمن بقاء الجيش في السلطة. اتهام مصر بعدم الحياد من خلال وصف الخارجية المصرية في أحد بياناتها الدعم السريع "بالمليشيا".وتلا هذه الاتهامات قرارات إدارية بفرض حظر تجاري على تصدير السلع السودانية إلى مصر من المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع، باعتبار مصر "عدوًّا صريحًا". وفي اليوم التالي للبيان، أي يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، صدر تحذير لمصر بعدم التدخل حمايةً لأرواح أسرى من الجيش المصري في حوزة قوات الدعم السريع، تم وصفهم بأنهم "مرتزقة مصريون".
أسباب التصعيدهذه اللهجة "التصعيدية" في مثل هذا التوقيت فسرتها الورقة بجملة من الأسباب، داخلية وخارجية، إقليمية ودولية:
داخليا، أشارت الورقة إلى أن هذه التصريحات جاءت بعد التراجع العسكري الكبير لقوات الدعم السريع في منطقة جبل موية الإستراتيجية بولاية سنار، والتي يستهدف حميدتي من السيطرة عليها السيطرة على سنار والتمدد جنوبًا للوصول إلى الحدود الإثيوبية لتأمين خطوط إمداد من أقصى الشرق إلى الغرب.
كما أن هذه التصريحات جاءت أيضًا بعد فشل قوات الدعم السريع في إحكام السيطرة بشكل كامل على إقليم دارفور في الغرب، وإمكانية تحقيق انفصاله عن الكيان الأم حال فشلها في الوصول إلى الحكم في الخرطوم.
فضلا عن أن حميدتي يبحث عن طرف ثالث، يحمِّله الخسائر التي تعرّضت لها قواته مؤخرًا، خاصة في ظل زيادة الحاضنة الشعبية للجيش من كل الأطياف وانضمام عناصر إسلامية قوية له، مقابل زيادة الرفض الشعبي للدعم السريع بسبب استمرار الانتهاكات "الفظيعة" بحق المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرته.
أما إقليميا، فمن الواضح أن هذه التصريحات ترتبط بتراجع الدعم الإقليمي لحميدتي مقابل زيادته للجيش، وهو ما أشار إليه في خطابه الذي يمكن فهمه أيضا في سياق التباين الكبير بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة، والتحركات المصرية الأخيرة في القرن الأفريقي لتشكيل تحالف مناوئ لإثيوبيا ومحاصرة النفوذ الإثيوبي في المنطقة. ولهذا، يمكن فهم تصريحات حميدتي بأنها تمت بتحريض إثيوبي للتأثير على التحركات المصرية في القرن الأفريقي.
ويتضح التقارب بين آبي أحمد وحميدتي في محطات عديدة، منذ الوساطة بين المجلس العسكري والقوى المدنية التي قادت الثورة على البشير، مرورا باستقبال حميدتي في أديس أبابا استقبالا رسميا بعد الحرب، ورعايتها المفاوضات التي جرت بينه وبين رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) عبد الله حمدوك، أوائل هذا العام.
وأما دوليا، فيمكن الربط بين تصريحات حميدتي وتراجع التأييد الدولي له بملف حقوق الإنسان، وسعي المؤسسة العسكرية في المقابل إلى تقديم بعض العروض "السخية" لبعض الدول وفي مقدمتها روسيا، مما دفع حميدتي في خطابه لتوجيه اللوم إلى الأطراف الدولية بعدم دعم تنفيذ الاتفاق الإطاري في ديسمبر/كانون الأول 2022 للمرحلة الانتقالية والحكم المدني عبر تخليها عن دعم قواته ومشروعه الذي يتمحور بصورة أساسية حول القضاء على الإسلاميين، وتمكين هذه القوات -من خلال هذا الاتفاق بالتحالف مع بعض القوى المدنية مثل قوى الحرية والتغيير- من الاستئثار بالسلطة والحكم.
ووفق بعض التقارير الدولية، فإن من أسباب تراجع حميدتي عسكريًّا التفوقَ النوعي للجيش خاصة في مجال سلاح الطيران الذي يمتلك قرابة 200 طائرة، وتوفير دول كبرى لهذه الطائرات مثل الصين وروسيا وتركيا وإيران وغيرها.
لكن ربما تكون الجزئية الأهم في هذا الصدد هي تحول الموقف الروسي من داعم لحميدتي إلى داعم رئيسي للجيش السوداني، وهو ما أشار إليه حميدتي في خطابه الأخير حيث اعترف بقتال عناصر من قوات فاغنر إلى جانب قواته، ثم تبدل الموقف الروسي إلى النقيض بدعم روسيا الجيش السوداني.
الموقف المصري من حميدتيرغم نفي الخارجة المصرية اتهامات حميدتي جملة وتفصيلًا، فإن هذا يطرح تساؤلًا عن إمكانية حدوث الدعم المصري الفعلي للجيش السوداني، وعن الموقف المصري من حميدتي والتطورات التي تشهدها البلاد. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الاتفاقات الأمنية المصرية مع السودان والتدريبات العسكرية، بعضها تم توقيعه قبل الإطاحة بالبشير، وبعضها الآخر قبل الحرب الأخيرة بين البرهان وحميدتي منذ 15 أبريل/نيسان 2023.
بعد الإطاحة بالبشير، سعت مصر لتبني موقف الحياد ودعم المجلس العسكري بقيادته المزدوجة بين الرئيس البرهان ونائبه حميدتي، واستهدفت الحصول على تأييد المجلس العسكري السوداني بشأن سد النهضة، وهو ما جعل السودان لا يطالب فقط بضرورة التوسط الأفريقي في أزمة السد، بل بضرورة تدويلها عبر مشاركة الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لعدم قدرة الاتحاد الأفريقي بمفرده على الوساطة.
كما حرصت مصر أيضًا على استغلال تقاربها من المجلس العسكري لتجفيف منابع جماعة الإخوان، وإغلاق ملفهم بصورة كاملة، والتعاون الأمني بشأن تسليم أعضاء منهم.
ورغم ما بدا سابقًا من انحياز النظام المصري للمؤسسة العسكرية بقيادة البرهان، والتدريبات المشتركة بين الجانبين في مطار مروي شمال الخرطوم، فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي أعلن بعد يومين من أسر بعض الجنود والضباط المصريين في مروي يوم 17 أبريل/نيسان 2023، عدم الانحياز لأي من طرفي الصراع، عارضًا الوساطة لتسوية الأزمة بينهما.
واستضافت القاهرة في 13 يوليو/تموز 2023 قمة جوار السودان بمشاركة رؤساء دول وحكومات أفريقية وحضور رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي والأمين العام لـجامعة الدول العربية لبحث كيفية معالجة الأزمة السودانية.
لكن من الواضح أن الموقف المصري تحوّل إلى الانحياز للمؤسسة العسكرية بعد التباعد بينه وبين حميدتي، وبسبب التصعيد العسكري للأخير في مناطق مختلفة من البلاد، وسعيه للسيطرة على مقاليد الحكم، ورفضه أية فكرة لتسوية الصراع وتقاسم السلطة، وهو ما يعني تهديد الأمن القومي لمصر خاصة فيما يتعلق باستمرار تدفق اللاجئين إليها الذين بلغوا حتى 30 سبتمبر/أيلول 2024 نحو 1.2 مليون شخص.
كما أن التقارب الكبير بين حميدتي وآبي أحمد جعل من مصلحة مصر التقارب مع البرهان الذي لا يزال يرفض الممارسات الإثيوبية بشأن ملفي سد النهضة واتفاقية عنتيبي، فضلا عن وجهة النظر المصرية التي ترى أن الجيوش القومية، لا الجهات الفاعلة غير الحكومية، هي الأولى بالدعم.
مآلات العلاقة بين مصر وحميدتييمكن القول إننا أمام ثلاثة سيناريوهات رئيسية للعلاقة بين القاهرة وحميدتي، ترتبط أساسًا بميزان القوى وسير المعارك بينه وبين البرهان:
الأول: استمرار تراجع قوات الدعم السريع عسكريًّا في مواجهة المجلس العسكري وانتصار البرهان، وهذا يعني أن مصر ستعزز تعاونها مع الجيش، وتواصل تقديم الدعم له. وفي الحقيقة، هناك مجموعة من المؤشرات الآنية على إمكانية تحقق هذا السيناريو.
الثاني: استعادة حميدتي النفوذ العسكري ونجاحه في هزيمة الجيش: حينئذ قد تضطر مصر لتحسين علاقاتها معه -ولو عبر وسطاء- باعتباره الفاعل الرئيسي في البلاد، وإن كان هذا سيكلفها الكثير.
الثالث: التهدئة والتوصل إلى تسوية سياسية بين البرهان وحميدتي: وهنا قد تكون الدول الإقليمية من بين الوسطاء بين حميدتي والقاهرة، مما قد يعطي العلاقات بين مصر وحميدتي صيغة جديدة. وسيكون هذا السيناريو مقبولا مصريًّا شريطة تحقيق أهداف الأمن القومي المصري.
[يمكنكم الاطلاع النص الأصلي للورقة التحليلية، أو تحميله من هـنـا]
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المجلس العسکری الموقف المصری حمیدتی فی فی خطابه خاصة فی بین مصر وهو ما
إقرأ أيضاً:
السودان...إصابات بقصف مدفعي للدعم السريع على أم درمان
أعلن الجيش السوداني إصابة 4 مدنيين إثر قصف مدفعي شنته الدعم السريع على أم درمان في ولاية الخرطوم.
اقرأ ايضاًخلال أسبوع ...71 قتيلا بهجمات للدعم السريع على الفاشر السودانيةوأوضحت منصة الناطق باسم القوات المسلحة إن 4 مدنيين أصيبوا إثر قصف مدفعي شنته الدعم السريع على الأحياء السكنية بمحلية كرري في مدينة أم درمان.
بموازاة ذلك ذكر الجيش السوداني أن قواته استطاعت إسقاط 4 مسيرات كانت تستهدف المواطنين بالأحياء الغربية مدينة الفاشر في دارفور.
في سياق متصل قال حاكم إقليم دارفور، "مني أركو مناوي" إن قرية "أبوزريقة" في جنوب الفاشر، تتعرض لمأساة إنسانية مروعة إثر قتل عشرات المدنيين على يد الدعم السريع على أساس عرقي وإثني.
وأمس الجمعة اتهمت الأمم المتحدة في تقرير قوات الدعم السريع تسببها بمقتل 782 مدنيا وإصابة أكثر من 1143 آخرين في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور جراء الحصار الذي تفرضه على المدينة منذ أشهر.
حاكم إقليم دارفور: الدع-م السري-ع تقتل سكان "أبوزريقة" بالفاشر على أساس عرقي وإثني:
قال حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، إن قرية "أبوزريقة" في جنوب الفاشر، تتعرض لمأساة إنسانية مروعة إثر قتل عشرات المدنيين على يد الدعم السريع على أساس عرقي وإثني.
وأضاف في تدوينة على "فيسبوك"،… pic.twitter.com/3TBIpp82hh
— الراكوبة- أخبار السودان (@alrakoba1) December 21, 2024
الأمم المتحدة: مقتل 782 مدنيا وإصابة أكثر من 1143 آخرين في مدينة #الفاشر بولاية شمال دارفور غربي #السودان، جراء حصار قوات الدعم السريع للمدينة منذ أشهرhttps://t.co/LpZoyDNYA2#الراكوبة#الراكوبة_اخبار_السودان
— الراكوبة- أخبار السودان (@alrakoba1) December 21, 2024
المصدر: وكالات
© 2000 - 2024 البوابة (www.albawaba.com)
محرر البوابةيتابع طاقم تحرير البوابة أحدث الأخبار العالمية والإقليمية على مدار الساعة بتغطية موضوعية وشاملة
الأحدثترند السودان...إصابات بقصف مدفعي للدعم السريع على أم درمان الصحة الأردنية ترد حول إقامة مستشفى سرطان في الكرك إصابة 16 إسرائيليا جراء سقوط صاروخ أطلق من اليمن على يافا 82 بين شهيد وجريح.. والصحة تحذر من "الموت ببطء" لأطفال غزة السفارة السورية في الأردن تصدر إعلانا مهما لرعاياها Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا فريقنا حل مشكلة فنية اعمل معنا الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTubeاشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن
© 2000 - 2024 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter