دخلت كبرى الشركات التقنية في سباق محموم لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وطرح التقنية الأكثر استخدامًا، وفي خضم هذا السباق الذي يركز على هذه التقنيات والنماذج اللغوية وقدراتها المختلفة، تناسى الجميع أحد أكبر التحديات الملازمة لتقنيات الذكاء الاصطناعي.

تتمثل هذه المشكلة في استهلاك الطاقة الذي تحتاجه خوادم الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات التي تستضيفها، إذ تحتاج هذه المراكز إلى كم كبير من الطاقة نظرًا لتعقيد عمليات الذكاء الاصطناعي وتطور الخوادم التي تستخدمها، فضلًا عن الحاجة إلى تأدية هذه العمليات بشكل سريع للغاية ودقيق حتى تتمكن الخدمات من التنافس في هذا القطاع الشرس.

وبينما لا يمثل استهلاك الطاقة في حد ذاته تحديًا أو عائقًا أمام هذه الشركات، يمثل مصدر هذه الطاقة عائقا، إذ جرت العادة أن تعمل مراكز البيانات عبر استخدام شبكات الطاقة الكهربائية التي تعتمد بشكل أساسي على المحروقات، مما يزيد من البصمة الكربونية التي تتركها هذه الشركات وراءها.

الدور المجتمعي ورحلة خفض البصمة الكربونية

في السنوات الماضية، شهد قطاع التقنية توجّه العديد من الشركات إلى آليات خفض البصمة الكربونية كجزء من الدور المجتمعي الذي تقوم به كل شركة عملاقة، وفي هذا السياق، قررت شركة آبل سابقًا إزالة رأس الشاحن من العلبة الخاصة بها، ثم قررت خفض حجم العلبة لتستهلك أوراقًا أقل، فضلًا عن خفض مساحة التخزين اللازمة لصندوق الهاتف، وبالتالي تحقيق أكبر قدر استفادة من حاويات الشحن وجعلها تسع عددًا أكبر من الهواتف، مما يجعلها تستهلك وقودًا أقل بنسبة كبيرة.

قررت شركة آبل جملة إجراءات تجعلها تستهلك وقودًا أقل بنسبة كبيرة (رويترز)

ولا يمكن القول بأن آبل هي أول من سار في هذا الطريق، إذ سبقتها مايكروسوفت التي بدأت رحلتها في خفض البصمة الكربونية منذ عام 2012 وربما قبل ذلك عبر تبني مؤسس الشركة ومديرها التنفيذي لفترة طويلة بيل غيتس فكرة الأقراص الضوئية المضغوطة التي وفرت مساحة تخزين توازي العديد من الأوراق وحمت الأشجار من القطع، وهو الذي كان واضحًا في الصورة الشهيرة التي انتشرت له سابقًا.

وتحاول شركات أمازون وفورد وسامسونغ خفض انبعاثاتها الكربونية بشكل كبير، كل منها بطريقتها الخاصة، بدءًا من الاعتماد على مصادر طاقة صديقة للبيئة مثل مزارع الرياح لتوليد الكهرباء من الهواء أو حتى الانتقال إلى السيارات الكهربائية سواءً كان في الاستخدام أو التطوير.

تعد مايكروسوفت من كبار الداعمين لحملة التحول للأخضر والحفاظ على البيئة، ورغم ذلك، فإنها من أكبر المستثمرين في شركة "آوبن إيه آي" صاحبة أكبر نموذج ذكاء اصطناعي وأكثرهم شهرةً واستخدامًا، فضلًا عن كونه الأكثر استهلاكًا للطاقة، لذا من المتوقع أن تحاول مايكروسوفت وغيرها من المستثمرين الكبار في الذكاء الاصطناعي الوصول إلى حالة حياد كربوني في المستقبل القريب.

معدل استهلاك مرتفع

يتمثل جزء من مشكلة الطاقة في تقنيات الذكاء الاصطناعي في كونها تحتاج إلى مصادر طاقة كبيرة ومستمرة لتشغيل التقنيات بكفاءة وجودة، وبحسب دراسة أجريت في جامعة كاليفورنيا، فإن "شات جي بي تي" يحتاج إلى 500 مليلتر من المياه مقابل كل 50 أمر يوجه له، وعند النظر لحجم مستخدمي "شات جي بي تي"، وفق أحدث بيانات الشركة، فإننا نجد أنهم يتجاوزون 200 مليون مستخدم أسبوعيًا.

وبحسب الدراسة، فإن هذا العدد من المستخدمين إذا وجه كحد أدنى أمرا واحدا فقط للنموذج فهو يحتاج لاستهلاك ما يعادل مليوني لتر من المياه، ويذكر أن هذا الاستهلاك هو لنموذج ذكاء اصطناعي واحد يستخدمه شخص في أمر واحد أسبوعيًا، وهو تقدير منخفض لمعدل استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي.

وفي تقرير آخر نشره موقع "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs) التابع للمؤسسة المالية الشهيرة، فإن استخدام "شات جي بي تي" في أمر واحد يستهلك كهرباء أكثر بـ10 أضعاف من استخدام محرك "غوغل"، لذا تتوقع المؤسسة أن هذا الاستهلاك المرتفع يزيد من حاجة مراكز البيانات إلى الطاقة بمعدل 160% بحلول عام 2030.

وفي الوقت الحالي، فإن مراكز البيانات تستهلك قرب 2% من إجمالي الطاقة المنتجة في العالم، لذا فإن مضاعفة هذا الاستهلاك تجعله يصل إلى 4% من إجمالي الطاقة المستهلكة فقط لصالح مراكز البيانات، وذلك دون النظر إلى بقية التقنيات سواءً كان تعدين العملات الرقمية أو الاستخدام المعتاد للحواسيب والتقنيات.

شركات عملاقة عاملة في الذكاء الاصطناعي توجهت إلى الطاقة النووية لتغطية احتياجات خوادمها من الطاقة (غيتي)

ترى غولدمان ساكس أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب لن يكون مجديًا وسيقدم تكاليف أكثر من العائد الخاص به، وذلك لأسباب عديدة في مقدمتها استهلاك الطاقة المرتفع لهذه التقنية وكلفته، لذا على الشركات حل هذا العائق قبل السعي لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل أكبر.

لماذا الطاقة النووية وليس طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية؟

تحدثت التقارير مؤخرًا عن توجه الشركات التقنية العملاقة العاملة في الذكاء الاصطناعي إلى الطاقة النووية لتغطية احتياجات خوادمها من الطاقة بشكل عام، وفي مقدمة هذه الشركات جاءت غوغل، التي قررت التعاون مع شركة "كايروس باور" للطاقة النووية، وأما مايكروسوفت فقد تعاقدت مع إحدى كبرى شركات الطاقة في الولايات المتحدة وهي "كونستليشن" (Constellation) لتزويد خوادمها بالطاقة النووية، في حين قررت أمازون الاستثمار في بناء معالج نووي مصغر خاص بها بالتعاون مع شركة "دومينيون للطاقة" (Dominion Energy).

تؤكد هذه التقارير التفات شركات التقنية الكبرى والشركات العاملة في الذكاء الاصطناعي تحديدًا إلى الطاقة النووية دون بقية مصادر الطاقة الخضراء، سواءً كانت مزارع الرياح والطاقة المولدة منها أو الطاقة الشمسية أو حتى الطاقة المولدة من المياه.

يعود السبب وراء هذا التوجه إلى الطاقة النووية كونها قادرة على تغطية حاجة مراكز البيانات بشكل كامل عبر مجهود أقل كثيرًا من مصادر الطاقة المتجددة الأخرى سواءً كان في الكلفة الأساسية لبناء المحطة أو في كلفة التشغيل النهائية.

وبحسب تقرير نشره موقع "كلايمت كنترول" التابع لمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا، فإن استبدال مصانع الطاقة النووية المتوسطة الحجم القادرة على توليد وتخزين 900 ميغاواط من الطاقة يحتاج إلى مزرعة رياح مكونة من 800 توربينات رياح متوسطة الحجم.

وهذا بمفرده يفسر سبب توجه العديد من الشركات إلى الطاقة النووية مثل مايكروسوفت التي تملك مزارع رياح عديدة وتستخدمها بالفعل في بعض مراكزها، ويتكرر السيناريو ذاته في جميع مصادر الطاقة المتجددة سواءً كانت مياها أو شمسية أو غازا طبيعيا.

بالطبع، لا تأتي مفاعلات الطاقة النووية دون التحديات الخاصة بها، إذ تتطلب هذه المفاعلات آليات حماية خاصة وإدارة خاصة من أجل خفض فرص الانفجار والتسرب الإشعاعي في المنطقة المحيطة بها، ولكن يمكن القول إن معدلات هذه التسريبات قد انخفضت بفضل تطور التقنية وآليات السلامة المستخدمة في المفاعلات النووية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی الذکاء الاصطناعی إلى الطاقة النوویة البصمة الکربونیة مراکز البیانات من الطاقة استهلاک ا

إقرأ أيضاً:

نقص العناصر الغذائية الخفية التي تستنزف طاقتك

هل تشعر بالتعب المستمر حتى بعد النوم جيدًا ودون القيام بأنشطة مرهقة جسديًا؟ قد يؤدي نقص بعض العناصر الغذائية المهمة إلى تعطيل بعض وظائف الجسم الحيوية، مما قد يُبطئك، فلا تتجاهل تعبك واتخذ خطوات فعّالة لمعرفة احتياجات جسمك.

إليك بعض أوجه نقص التغذية التي قد تُلحق الضرر بمستويات طاقتك.

الحديد

قد يُشعرك نقص الحديد في جسمك بالخمول والنعاس والخمول. تساءل، ما وظيفة هذا العنصر الغذائي المهم؟ يُساعد على إنتاج الهيموغلوبين، وهو البروتين الموجود في خلايا الدم الحمراء الذي يُساعد على حمل الأكسجين إلى جميع أنحاء الجسم دون مستويات كافية من الأكسجين، قد يشعر المرء بالتعب والإرهاق باستمرار.

تناول الكثير من العدس والسبانخ والبقوليات والكرنب وغيرها للحصول على كمية كافية من الحديد من النظام الغذائي إذا كنت تعاني من نقص الحديد، فاطلب من طبيبك أن يصف لك مُكملًا غذائيًا.

المغنيسيوم

يُعد المغنيسيوم من العناصر الغذائية الأساسية التي تُعزز صحة الجسم وتمنحك شعورًا بالصحة والنشاط، بل وحتى السعادة فدون هذا المعدن المهم، قد لا يُنتج جسمك طاقة كافية. 

يُساعد المغنيسيوم في إنتاج ATP، وهو المصدر الرئيسي للطاقة لخلاياك مع نقص مستويات المغنيسيوم، قد يُعاني الشخص من نقص الطاقة والتعب والضعف كما يلعب المغنيسيوم دورًا رئيسيًا في وظائف العضلات، والإشارات العصبية، وتنظيم التوتر يمكن أن يؤدي نقص المغنيسيوم إلى تقلصات عضلية، وقلة النوم، وإرهاق ذهني.

تشمل المصادر المهمة للمغنيسيوم الخضراوات الورقية الخضراء، والمكسرات والبذور، ومنتجات الصويا، والفول السوداني، وغيرها.

فيتامين ب12

قد يكون أحد أسباب شعورك بالتعب غير المبرر هو نقص فيتامين ب12، وهو عنصر غذائي مهم جدًا يحتاجه الجسم لإنتاج خلايا الدم الحمراء ودعم وظائف الدماغ والأعصاب، كما أنه مهم لإنتاج الحمض النووي، فمن المرجح أن يُعاني الأشخاص من التعب والضعف وضبابية الدماغ، وغيرها من المشاكل العصبية عند نقص فيتامين ب12، يوجد فيتامين ب12 في المنتجات الحيوانية كاللحوم والأسماك والبيض ومنتجات الألبان، وفي الأطعمة المدعمة كالحبوب والحليب النباتي.

أوميغا 3

أوميغا 3، وخاصةً حمضي EPA وDHA، قد تساعد في تقليل التعب، إذا لم يكن لديك ما يكفي من العناصر الغذائية في طعامك، فقد يؤدي ذلك إلى تعب مستمر وانخفاض في الطاقة، يُعد أوميغا 3 عنصرًا غذائيًا حيويًا جدًا لوظائف الدماغ، فهو يساعد على تحسين التركيز والإنتاجية العامة، كما أنه ضروري لصحة الدورة الدموية وتقليل الالتهابات.

تناول الأسماك الدهنية (مثل السلمون والماكريل)، وبذور الكتان، وبذور الشيا، والجوز، والمكملات الغذائية المصنوعة من الطحالب للحفاظ على مستويات أوميغا 3 في الجسم.

فيتامين د
يُطلق عليه غالبًا اسم فيتامين أشعة الشمس، ويلعب فيتامين د دورًا حيويًا في الحفاظ على مستويات الطاقة والمزاج وصحة المناعة يمكن أن يؤدي نقص فيتامين د إلى تعب مستمر، وضعف عضلي، وانخفاض في المزاج، وحتى اضطرابات في النوم ولأن الجسم يُنتج فيتامين د عند التعرض لأشعة الشمس، فإن قلة قضاء الوقت في الهواء الطلق أو استخدام واقي شمسي مكثف قد يُسهم في نقصه.

للحفاظ على مستويات مناسبة من هذا الفيتامين، احرص على التعرض لأشعة الشمس بانتظام، وتناول أطعمة مثل الأسماك الدهنية، وصفار البيض، ومنتجات الألبان المدعمة، أو البدائل النباتية، ويمكنك أيضًا استشارة طبيبك للحصول على مكملات غذائية في حال كنت تعاني من نقص فيه.

مقالات مشابهة

  • كيف خسرت آبل عرش الذكاء الاصطناعي لصالح ميتا؟
  • الصين تتصدر العالم.. ريادة جديدة في مجال الطاقة النووية
  • عسكرة الذكاء الاصطناعي .. كيف تتحول التكنولوجيا إلى أداة قتل عمياء؟
  • البنك الدولي: دعم المحرومين من الكهرباء ضرورة.. وهذا موقف الطاقة النووية
  • أمازون وإنفيديا: كل الخيارات متاحة لتطوير الذكاء الاصطناعي بما في ذلك الوقود الأحفوري
  • انضمام 7 شركات عُمانية ناشئة إلى "مختبرات عُمانتل للابتكار"
  • نقص العناصر الغذائية الخفية التي تستنزف طاقتك
  • الرئيس الصيني: الذكاء الاصطناعي سيغير أسلوب الحياة البشرية بشكل جذري
  • المشاريع المشاركة في هاكاثون الذكاء الاصطناعي تقدم حلولاً لقطاعات استراتيجية
  • سام ألتمان يستقيل من رئاسة مجلس إدارة في شركة أوكلو النووية