المشاط: النظام المالي العالمي الحالي لا يُلبي متطلبات الدول النامية والناشئة
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ألقت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، الكلمة الافتتاحية بالدورة الـ18 للمؤتمر الاقتصادي "الناس والبنوك"، الذي ينظمه المركز الإعلامي العربي.
جاء ذلك بمشاركة علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، والدكتور مصطفى الفقي، رئيس المركز، وطارق الخولي، نائب محافظ البنك المركزي، ومحمد الإتربي، رئيس اتحاد بنوك مصر والرئيس التنفيذي للبنك الأهلي، وهشام عكاشة، الرئيس التنفيذي لبنك مصر، ويحيى أبو الفتوح، نائب الرئيس التنفيذي للبنك الأهلي، ونخبة من المصرفيين وشركات القطاع الخاص.
وقالت الدكتورة رانيا المشاط خلال كلمتها، إن المؤتمر يمث لمنصّة مهمة للحوار وتبادل الرؤى والأفكار حول أبرز القضايا التي تشغل المعنيين بالشأن الاقتصادي المصري، موجهة الشكر للدكتور مصطفى الفقي، رئيس مجلس إدارة المركز الإعلامي العربي، على الإعداد والتنظيم للمؤتمر، الذي تأتي أهميته في ضوء ما يتناوله من موضوعات وقضايا محورية؛ لعلَّ أبرزها التحديات والفرص التي تواجه الاقتصاد المصري في ظل المتغيّرات الإقليمية والدولية الراهنة.
وأوضحت، أن النظام المالي العالمي، يتعرَّض لاختبار غير مسبوق، يتَزامن مع تباطؤ النشاط الاقتصادي من جرَّاء الأزمات الصحية والاقتصادية والجيوسياسية المتتالية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة، هذا بالإضافة إلى التحديات الناجمة عن التغيّرات المناخية، فقد أثرت هذه الأزمات والتحديات بالسَلب على قدرة الدول على الوفاء بالتزاماتها المالية والتنموية.
وأكدت أن تلك التحديات كشفت عن قصور قدرة النظام المالي العالمي على حشد التمويل المستقر وطويل الأجل على نطاقٍ واسع للاستثمارات اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة خصوصاً مع تزايد الاحتياجات التنموية للدول، حيث اتسعت فجوات التمويل للدول النامية بين 2.5 تريليون دولار و4 تريليونات دولار سنويًا، وتفاقمت التحديات الإنمائية والتي طالت جميع الدول دون استثناء، خاصة الدول النامية والأق نمواً.
وتابعت، أنه على الرغم من الجهود المبذولة من قِبَل مؤسسات التمويل الدولية والحكومات، إلا أن شدة التحديات تقتضى مواصلة التعاون بين مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية لتوفير التمويل العادل والمُنصِف الذي يُلبي الاحتياجات التنموية للدول، إلى جانب تنسيق الجهود بين البنوك المركزية والحكومات على المستوى الدولي لمواجهة الأزمات الدولية المتفاقمة، من خلال التنسيق بين السياستين المالية والنقدية، والتأكد من اتساق تلك السياسات مع إجراءات الإصلاح الاقتصادي، بما يدعم الاستجابة المشتركة للتقلبات المالية.
الاستدامة والتمويل من أجل التنمية الاقتصادية
وأضافت أنه في ظل هذه الظروف الإقليمية و الدولية الاستثنائية، سَعَت الدولة المصرية بكافة مؤسساتها لتعزيز صمود الاقتصاد المصري من خلال إصلاحات جادة، مشيرة إلى أن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، بعد الدمج، أطلقت «إطار الاستدامة والتمويل من أجل التنمية الاقتصادية»، الذي تسعى الوزارة من خلاله إلى صياغة سياسة التنمية الاقتصادية القائمة على البيانات والأدلة، لتوفير المعلومات التي تُعزز المناقشات حول الاحتياجات والفرص، وسد الفجوات في مجالات التنمية المختلفة، مع ضمان آليات مراقبة وتقييم قوية لتتبع التقدم وتحسين النتائج، بالإضافة إلى بناء اقتصاد مرن، وتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، من خلال تنفيذ الإصلاحات الهيكلية لزيادة القدرة التنافسية وتحسين بيئة الأعمال، ودعم مرونة السياسات المالية الكلية، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر.
وأوضحت، كما يعمل الإطار الجديد للوزارة، على حشد التمويلات المحلية والخارجية لتحقيق التنمية المستدامة من خلال إطار وطني مُتكامل للتمويل، يُعزز تخصيص الموارد للقطاعات ذات الأولوية، ويُحفز استثمارات القطاع الخاص، ويُسرّع وتيرة التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية
ومن خلال البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية، تعمل الدولة على تنفيذ إصلاحات متنوعة، تُساعد على تعزيز الثقة في الاقتصاد المصري، وتدعم تحقيق نمو احتوائي ومستدام.
ويستهدف المحور الأول من محاور برنامج الإصلاح الهيكلي، تعزيز صمود واستقرار الاقتصاد الكلي، بينما يتناول المحور الثاني تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري وتحسين بيئة الأعمال وتحفيز دور القطاع الخاص، في حين يستهدف المحور الثالث للبرنامج دعم التحول الأخضر، وفي هذا المحور فقد نفذت الدولة إصلاحات من شأنها زيادة استثمارات الطاقة المتجددة، وتدشين أول سوق طوعي للكربون في مصر، وغيرها من الإجراءات الطموحة.
التمويل من أجل التنمية
وأكدت أن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، تسعى إلى دفع جهود التمويل من أجل التنمية، وزيادة التمويلات الخضراء، وعلى مدار السنوات الماضية، عززنا شراكاتنا الدولية، وهو ما انعكس على زيادة محفظة التعاون بين القطاع المصرفي المصري، والمؤسسات الدولية والإقليمية، من خلال إتاحة التمويلات الميسرة، وخطوط الائتمان، والاستثمارات المباشرة في الشركات، وغيرها من آليات التعاون، لتبلغ محفظة تمويلات واستثمارات المؤسسات الدولية للقطاع الخاص في مصر أكثر من 11 مليار دولار منذ عام 2020 حتى الآن، تستحوذ البنوك والمؤسسات المالية منها على نسبة تتجاوز 57%، وقد استفاد من تلك التمويلات العديد من البنوك من بينها بنكي الأهلي، ومصر، والبنك التجاري الدولي، والقاهرة، وغيرهم من البنوك الحكومية والخاصة.
وذكرت أن تلك التمويلات والاستثمارات، ساهمت في إتاحة المزيد من الموارد للبنوك المصرية من أجل إعادة توجيهها نحو تنمية قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، فضلًا عن تعزيز التزامها بالتوسع في تمويل المشروعات الصديقة للبيئة، بما يمكنها من المساهمة بفعالية في جهود التحول الأخضر في مصر.
وأشارت إلى توقيع اتفاقية برنامج الصناعة المستدامة الخضراء (GSI)، مع بنك الاستثمار الأوروبي، بهدف مساعدة ودعم الصناعة على تحسين الأداء وتقليل استهلاك الموارد وخفض انبعاثات الكربون و الامتثال للوائح البيئية. ومن خلال برنامج الصناعة المستدامة الخضراء يتيح الشركاء الدوليون 271 مليون يورو، لتمويل مشروعات كفاءة وترشيد الموارد و الطاقة المتجددة، والهيدروجين منخفض الكربون وكذلك مشروعات ازالة الكربون، موضحة أن النجاح في هذا البرنامج يفتح الآفاق لمزيد من التعاون مع المؤسسات الدولية.
كما أطلقت الوزارة الاتفاق التنفيذي لبرنامج الاتحاد الأوروبي لدعم التجارة والصناعة والنمو والوصول السريع للأسواق (EU Tigara)، الذي يعمل على تحقيق هدفين رئيسيين هما تحسين قدرة وكفاءة المنظومة المصرية المعنية بتنمية المنشآت والتجارة، وثانيًا زيادة مشاركة المنشآت المصرية الصغيرة والمتوسطة الحجم في سلاسل القيمة الصناعية المختارة.
وأوضحت أن المؤسسات الدولية ساهمت في تمكين البنوك المصرية من إصدار أول سندات خضراء للقطاع الخاص في عام 2021، فإننا نشهد اليوم تطورًا كبيرًا وتنوعًا في الأدوات المالية المبتكرة التي تتيحها مؤسسات التمويل الدولية للبنوك المصرية، حيث أعلن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية مؤخرًا، توقيع أول اتفاقية من نوعها لضمان المخاطر بقيمة 70 مليون يورو، مع بنك QNB، لدعم نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر في مصر والحد من مخاطر الائتمان، بما يُدعم قدراتها التنافسية والتشغيلية ويضمن استمرارية أعمالها.
ونوهت إلى أن هذه الاتفاقية تعزز الحلول المبتكرة التي تتيحها المؤسسات الدولية وتعكس الثقة الكبيرة بين القطاع المصرفي ومؤسسات التمويل الدولية، كما تفتح الآفاق لمزيد من التعاون البناء بين الشركاء الدوليين والبنوك في مصر.
ومن أجل تعزيز تلك العلاقة أطلقت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي منصّة "حافز" للدعم المالي والفني للقطاع الخاص، في إطار جهود الدولة للاستفادة من أفضل بدائل التمويل المُبتكرة المتاحة من مؤسسات التمويل الدولية، وشركاء التنمية لتمكين القطاع الخاص، وتعظيم الاستفادة من التمويلات التنموية والدعم الفني والاستشارات في تحفيز دور القطاع الخاص لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
كما تطرقت إلى الجهود التي تقوم بها الحكومة من أجل تعزيز بيئة ريادة الأعمال والابتكار في مختلف القطاعات، من خلال تشكيل مجموعة عمل وزارية متخصصة لريادة الأعمال، للنهوض بالقطاع، وتشجيع ريادة الأعمال من أجل بناء اقتصاد تنافسي جاذب للاستثمارات، موضحة أنه من خلال تلك المجموعة، نعمل جاهدين على التنسيق بين مختلف المبادرات الحكومية الداعمة للشركات الناشئة، وإشراك مجتمع الشركات الناشئة، والقطاعات الداعمة، ومختلف الأطراف ومن بينها ممثلي البنك المركزي والبنوك، من أجل ترسيخ مكانة مصر كمركز إقليمي محوري للشركات الناشئة وريادة الأعمال للمؤتمر الاقتصادي "الناس والبنوك".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: التخطيط وزيرة التخطيط التخطیط والتنمیة الاقتصادیة والتعاون الدولی مؤسسات التمویل الدولیة التمویل من أجل التنمیة المؤسسات الدولیة القطاع الخاص من خلال فی مصر
إقرأ أيضاً:
الاقتصاد الأخضر حجر الزاوية في العلاقات الدولية
د. طارق عشيري **
لعل انشغال البعض بالأحداث السياسية المعتادة يجعلهم لا ينتبهون إلى صراعات قد تبدو في الأفق خاصة في الدول النامية التي يسعى البعض منها لترتيب أبسط مقومات الحياة؛ بينما هناك دول تسعى إلى السيطرة على موارد الطاقة وتضع من الدراسات ما يؤمِّن مستقبلها، وتنفق على البحوث والدراسات الملايين، بل وتضع من الاحترازات الكفيلة بما بحقق رضا شعوبها. وهنا ياتي دورنا في لفت الانتباه لما يجري في العالم من تسابق محموم حول موارد الطاقة والمياه والغذاء وخاصة على صعيد (الصراع حول المياه العذبة) أو في (مستقبليات الاقتصاد الأخضر).
ونؤكد أن العالم اليوم وغدا سيشهد تحولًا غير مسبوق في العلاقة بين المناخ والطاقة والسياسة الدولية، حيث باتت التغيرات المناخية واحدة من أبرز القضايا التي تؤثر في صياغة التوجهات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية.
ومع ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الكوارث الطبيعية، يتزايد الضغط على الدول لتبني استراتيجيات مستدامة للطاقة، مما أعاد تشكيل التحالفات الدولية وأولويات الأمن القومي.
وفي هذا السياق، لم تعد مصادر الطاقة التقليدية وحدها محور النزاعات والتنافس، بل أصبحت تقنيات الطاقة النظيفة والموارد النادرة اللازمة لها ميدانًا جديدًا للصراع والتعاون على حد سواء.
إن فهم تأثير المناخ والطاقة على السياسة العالمية يفتح نافذة على مستقبل مليء بالتحديات، ولكنه يحمل أيضًا فرصًا لإعادة تشكيل العالم نحو نظام أكثر استدامة وعدالة.
ويشهد العالم تحولًا جذريًا في العلاقة بين المناخ والطاقة، حيث أصبحت هذه القضايا محورًا رئيسًا للتغيرات السياسية والاقتصادية العالمية. ومع تصاعد تأثيرات تغير المناخ، مثل ارتفاع درجات الحرارة والكوارث الطبيعية المتزايدة، أصبح من الواضح أن الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية لم يعد مستدامًا، مما دفع الدول إلى البحث عن بدائل نظيفة وفعالة لتلبية احتياجاتها.
وهذا التحول لم يقتصر على الجانب البيئي فحسب، بل امتد ليُعيد تشكيل خرائط القوة والنفوذ على الساحة الدولية.
واليوم، تتنافس القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، على قيادة التحول نحو الاقتصاد الأخضر، بينما تواجه الدول النامية تحديات معقدة تتعلق بتمويل هذه الانتقالات. وفي الوقت نفسه، أفرزت ندرة الموارد الحيوية للطاقة النظيفة، مثل (الليثيوم) و(الكوبالت)، سباقًا جديدًا للسيطرة على هذه المعادن، مما زاد من حدة التوترات الجيوسياسية.
ومن ناحية أخرى، سوف يتسبب تغير المناخ في أزمات إنسانية متزايدة، مثل الهجرة البيئية وندرة المياه، مما يعزز من احتمالات الصراعات الإقليمية ويدفع بالمجتمع الدولي إلى ضرورة تبني حلول جماعية لمواجهة هذه التحديات.
وفي ظل هذه الديناميكية المتسارعة، باتت السياسات المرتبطة بالمناخ والطاقة تمثل حجر الزاوية في صياغة مستقبل العلاقات الدولية وتحقيق الاستقرار العالمي؛ حيث يشهد العالم مرحلة دقيقة من التغيرات العميقة التي تربط بين المناخ والطاقة والسياسة، فقد أصبحت قضايا البيئة والطاقة النظيفة أكثر من مجرد تحديات علمية أو اقتصادية؛ بل باتت عوامل حاسمة في رسم ملامح العلاقات الدولية وإعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية.
ومع اشتداد ظاهرة الاحتباس الحراري وازدياد الكوارث الطبيعية، أصبح من الواضح أن أزمة المناخ ليست تهديدًا مستقبليًا فحسب، بل واقعًا يفرض نفسه على جميع الدول، مهددًا الأمن الغذائي والمائي، وملقيًا بظلاله الثقيلة على استقرار المجتمعات.
وفي هذا الإطار، يتزايد التحول نحو الطاقة المتجددة كضرورة بيئية واستراتيجية، حيث تعيد الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين، صياغة سياساتها الداخلية والخارجية لضمان موقعها في السباق العالمي نحو الاقتصاد الأخضر. هذا التحول يفتح أفقًا جديدًا للتنافس على الموارد الحيوية مثل(الليثيوم) و(الكوبالت) الضروريين في صناعة وتكنولوجيا البطاريات والطاقة الشمسية، مما يثير نزاعات جديدة ويدفع بتحالفات غير تقليدية.
وفي المقابل، تعاني الدول النامية من ضغوط مزدوجة، تتمثل في تحمل آثار تغير المناخ من جهة، ومحاولة اللحاق بركب التحول الأخضر من جهة أخرى، وسط تحديات التمويل والتكنولوجيا. وفي الوقت ذاته، تؤدي أزمات الهجرة المناخية والنزاعات على الموارد إلى تصعيد الأوضاع الإقليمية، مما يعزز الحاجة إلى استجابات جماعية واتفاقيات دولية أكثر عدالة وفعالية.
ويبقى القول.. إنَّ العلاقة المتشابكة بين المناخ والطاقة لم تعد مجرد قضية علمية أو اقتصادية؛ بل أصبحت معركة سياسية متعددة الأوجه، تتطلب إرادة دولية حقيقية لإعادة صياغة النظام العالمي بما يضمن التوازن بين التنمية المستدامة والعدالة المناخية، ويؤسس لعالم أكثر استقرارًا وإنصافًا.
** أكاديمي سوداني