تعرضت المصارف السودانية والبنوك لعمليات نهب كبيرة مع بداية الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في شهر أبريل 2023 كما انتشرت كميات كبيرة من العملات مجهولة المصدر و غير مطابقة للمواصفات الفنية من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه الأمر الذي أدى إلى زيادة مستوى السيولة النقدية بشكل واضح.

الخرطوم ــ التغيير

بهذا التصريح برر بنك السودان المركزي قراره بطرح عملة جديدة من فئة الألف جنيه وسحب العملة من فئة الخمسمائة جنيه.


وأكد البنك أن المصارف التجارية وفروعها ستستمر في استلام العملات من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه من المواطنين وتوريدها وحفظها في حساباتهم وتمكينهم من استخدام أرصدتهم عبر وسائل الدفع المختلفة حيث سيعلن البنك لاحقاً عن تاريخ إيقاف التعامل بالطبعات الحالية من الفئتين باعتبارها عملة غير مبرئة للذمة.

مخطط

قوات الدعم السريع، من جانبها وصفت خطوة بنك السودان المركزي، بطرح عملة نقدية جديدة، بأنه يأتي في سياق مخطط تقسيم السودان وفصل أقاليمه ودعت المواطنين إلى عدم الاستجابة لقرارات الحكومة وإيداع أموالهم، كما دعتهم كذلك إلى عدم التعامل بالعملة الجديدة باعتبارها غير مبرئه للذمة.
يقول الاقتصادي الصادق سالم إن مسألة تبديل العملة بهذه الطريقة كأنما الغرض منه، معاقبة المواطنين المقيمين في مناطق سيطرة الدعم السريع، وربما يكون الهدف الاستراتيجي النهائي، الذي يخفيه الكيزان هو الذهاب في اتجاه التقسيم الإداري فعندما تطالب المواطنين بالذهاب إلى البنوك، لإيداع العملات القديمة قبل فقدان قيمتها، وأنت تعلم أن أكثر من ٨٥٪ من مدن السودان لا توجد بها بنوك عاملة، هذا يعني انك تريد معاقبتهم.
وحتى لو ذهب المواطنين في مناطق كردفان ودارفور إلى البنوك في مناطق سيطرة الجيش سيتم القبض عليهم وفق قانون الوجوه الغريبة الذي سنه الكيزان.
و أشار سالم إلى أن الخطوة تعكس التخبط الذي تعاني منه حكومة بورتسودان، وأضاف “كيف تصدر قرار كهذا وهي لا تسيطر إلا علي ولايات الشرق والشمال مع علمها أن القرار لن يطبق في بقية الولايات”.
يقول : سالم هذه الإجراءات ربما تدفع القوات المسيطرة على دارفور لصناعة تحالف وعلاقات اقتصادية مع دول الجوار كتشاد وجنوب السودان وغرب افريقيا واستخدام عملتهم بتبادل المصالح التجارية بفك الحصار ، كمثال مع دولة الكاميرون التي تحصل المواد الخام والماشية ودولة تشاد التي تعتبر المدخل الرئيسي لكل ما هو قادم للسودان، وعلى هذا اعتقد انها ستكون شراكة مربحة مع أهل دارفور خصوصا وكردفان عموما.

قرار سليم

أن تأتي متأخرا خير من الا تأتي، هكذا وصف المحلل الاقتصادي عبد العزيز طه قرار تبديل العملة قائلاً: “القرار سليم ويجب الإسراع في تنفيذه وتشديد الضوابط الخاصة بعملية فتح الحسابات”.
وأوضح طه أن كافة الأسباب الاقتصادية والأمنية لتغيير العملة متوفرة، وأضاف البنك المركزي بعد عمليات النهب التي طالت البنوك والمواطنين أصبح لا يدرك حجم الكتلة النقدية كما أن السوق أصبح مليئ بالعملات المزورة لذلك كان لابد من هذه الخطوة بهدف  جلب الأموال السائلة إلى القطاع البنكي الرسمي للدولة وجذب الأموال المُتداولة في السوق المُوازي إلى القنوات الرسمية للدولة، وهذا يُساعد في معرفة حجم الأموال خارج القطاع الرسمي بدقة أكبر وإعادة توجيهها داخل الاقتصاد الوطني، وتقليل نسبة التضخم النقدي.

مشيرا إلى ان التوجيه ينص علي توريد العملة في حساب مصرفي وليس المقصود ان تأتي بالفئة الورقية إلى المصرف وتستلم المقابل بالفئة الجديدة علي طول وهذا سيقطع الطريق علي لصوص الدعم السريع ومن علي شاكلتهم الذين سرقوا تلك الأموال من البنوك ومنازل المواطنين هل يستطيع هؤلاء الذهاب إلى البنوك والمصارف؟.
واضاف : من المتوقع ان تصل للبنوك أموال كثيرة جدا وهنا تكمن اهمية جهاز الأمن والمخابرات في معرفة المجرمين والمتعاونين معهم وفيما يتعلق بالمواطنين في مناطق الدعم السريع تحديدا في سنجة والجزيرة هؤلاء ليس لديهم كتلة نقدية كبيرة ولا توجد مصارف إلا في امدرمان وربما تكون هناك كتلة نقدية في النيل الابيض وشمال كردفان وهذه مناطق تحت سيطرة الجيش لكنها في وضع حصار.
وهنالك مناطق الخرطوم وغرب كردفان ودارفور وهذه فيها كميات من الأموال المنهوبة القرار قصد اتلافها في أيدي اللصوص مع الوضع في الاعتبار ان هنالك مواطنين يتضررون من هذا الإجراء لكن هذا ضروري لتعافي الاقتصاد .

واختتم طه حديثه قائلا: حتى يكون القرار ذو جدوى يجب أن تبسط القوات المسلحة سيطرتها علي أكبر رقعة جغرافية وتسترد مناطق سنجة والجزيرة أولا قبل التوجه لدارفور .
معانأة
الباحث الاقتصادي أحمد بن عمر يقول في افاداته “للتغيير” وضع السودان منذ بداية الفترة الانتقالية في 2019 كان يعاني من إشكاليات في السياسة النقدية التي ينفذها بنك السودان من ضمنها عدم معرفة حجم العملة المتداولة عند الجمهور فبحسب بعض الاحصائيات فأن الكتلة النقدية داخل المصارف “9%” فقط وما عند الجمهور “91%” وهي نسبة مئوية ولكن كرقم وعدد حجم العملة غير معروف.
ولذلك كان من الصعب تحديد نسب التمويل الممنوحة والسيطرة للاستدانة بجانب صعوبة عمل صيغة جديدة لنسب السيولة وضبط للقطاع المصرفي والتضخم هذا لا يتم إلا بتغيير العملة.
ويتساءل أحمد بن عمر هل هذه الأشياء متوفرة الإجابة لا لجهة ان السودان حاليا ليس لدية اقتصاد بالمعني المعروف نحن في حالة الحرب كما أن أداة تغيير العملة تستخدم أثناء فترات الاستقرار وليس خلال الحرب.
لذلك الخطوة لن يكون لديها تأثير في الوقت الحالي خاصة في ظل وجود كتلة نقدية ضخمة في دارفور وهي بالطبع خارج القطاع المصرفي ولا توجد طريقها لوصولها للبنوك مما لا ينجح الفكرة في تقديري الشخصي خطوة بنك السودان غير مبررة وغير منطقية في الوقت الحالي.
إنفصال
ووصف بن عمر الإجراء بالتصعيد لمقابلة قرار قوات الدعم السريع بمنع وصول منتجات الغرب للمناطق التي يسيطر عليها الجيش حتى لا تحصل الحكومة في بورتسودان علي موارد إضافية من الضرائب والرسوم بناء علي ذلك أعلن البنك المركزي اصدار عملة وسحب العملة القديمة تدريجيا .
واستغرب بن عمر من إجراء بنك السودان الذي دعا المواطنين لفتح حسابات مصرفية جديدة للذين ليس لديهم حسابات حتي يتمكنوا من إيداع أموالهم من العملات القديمة بالبنوك قائلا: علي سبيل المثال كيف سيتمكن مواطني الطينة كرنوي وبقية مناطق ولايات دارفور من الإيداع وليس لديهم مصارف .
واعتبر بن عمر قرار بنك السودان يصب في صالح في فكرة الانفصال الإداري بما يشبه ما تم في اليمن حيث قامت الحكومة الشرعية هناك بنقل البنك المركزي لمناطقها وإصدار عملة جديدة فأصبحت هنالك عملتين متداولتين .
وبالتالي هذا الأمر ربما يؤدي لتعميق أزمة سعر الصرف في السودان والتبادل التجاري بين الدول ومن الممكن أن يسبب إشكاليات في التحصيل للإيرادات لجهة ان فكرة تداول العملة ستكون صعبة كذلك سيتم تحديث السيستم في النظام المصرفي وفق ما يعرف ” بالرسم التجاري بإعادة ضخ الأموال الى الجهاز المصرفي.
حلول
يتساءل البروف احمد مجذوب احمد على اين كان البنك المركزي طوال “18” شهرا بعد نهب المصارف والمواطنين ؟ وهل قام البنك المركزي بعمل ضمانات حتى لا يتكرر عملية التزوير.
الحقائق المعلومة ان المطابع التى تتعامل فى العملة محدودة ومعروفة عالميا بل وحتى الشركات المصنعة لماكينات الطباعة معلومة وأن الشركات المنتجة لورق العملة أيضا معروفة ، فهل تعجز مؤسساتنا عن معرفة من يشنون عليها مثل هذه الحرب؟ وما هي الضمانات إذا لم تتخذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المزورين ، حتى لا تواصل ذات الجهات في طباعة العملة الجديدة ؟
ويري المجذوب أن التوسع فى التقنية المالية وتحقيق الشمول المالى ونشر نقاط البيع وتسهيل فتح الحسابات وإصدار البطاقات الائتمانية هو المخرج من هذه الدوامة ،والكل يعلم أن بعض فئات العملة تقل قيمتها عن تكلفة طباعتها ، ولا سبيل غير التوسع فى التقنية المالية وسن التشريعات اللازمة التى تنظم ذلك وتلزم جمهور المتعاملين بالدفع عبر بطاقات الدفع الآلي ، ولم تعد نظم التقنية المالية مكلفة كما كانت من قبل ، فهى تحتاج فقط للقرارات الحاسمة من الأجهزة المختصة .

الوسومالبنك المركزي تغيير عملة فئة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: البنك المركزي تغيير عملة فئة البنک المرکزی الدعم السریع بنک السودان فی مناطق بن عمر

إقرأ أيضاً:

حول مقال الدرديري وزير الخارجية الأسبق: عودة ترمب ماذا تعني للسودان؟

كتب الدرديري محمد أحمد، وزير الخارجية الأسبق، مقالاً بعنوان (عودة ترمب: ماذا تعني للسودان؟)، خَلُص فيه إلى أن إدارة ترامب الجديدة هي أهون الشرور الأمريكية، بل جاز للمتحمس منهم ان يقول عنها إنها أفضل هدية تتلقاها القيادة السودانية والجيش السوداني، وتمثل أفضل ترحيب بوزير الخارجية السوداني الجديد، علي يوسف، في بداية عهده. فالتغييرات التي ستحدثها هذه الإدارة في الساحة الدولية تتيح فرصة نادرة للسودان لإيجاد علاقات خارجية تعين على كسب الحرب بسرعة، ولتكوين شراكات لإعادة الاعمار فور سكوت البنادق. وهي ولا شك أقوى صفعة تتلقاها “تقدم” ويتلقاها معها الدعم السريع.
هذا المقال يلقي الضؤ على جوانب أغفلها الدرديري في مقاله، وربما أصيب الوزير السابق بما يعرف بالإنحياز التأكيدي وهو الميل للبحث عن، وتفسير، وتذكُّر المعلومات بطريقة تتوافق مع معتقدات وافتراضات الفرد، بينما لا يولي انتباهًا مماثلًا للمعلومات المناقضة لها فأسرف في تفاؤله.

(١) عالم متعدد الأقطاب تحت إدارة ترمب

تشتري حكومة بورتسودان السلاح الروسي والإيراني منذ عام تقريباً، و لكن هل حصلت على أسلحة نوعية أتاحت لها النصر السريع. في الغالب أن روسيا لن تسمح بأسلحة نوعية إلا مقابل قاعدة بحرية روسية، وفي ظروف حربها الحالية وهي تقوم باستيراد الأسلحة من كوريا الشمالية وإيران يزيد من صعوبة الأمر. ولكن هل سيسمح ترمب أو غيره في البيت الأبيض بقاعدة روسية في البحر الأحمر!!. سياسة ترمب الخارجية السابقة في الواقع لم تساهم في تسريع عالم متعدد الأقطاب، كما يقول الدرديري، بل يمكن القول إنها عززت الانعزالية الأمريكية وقلصت التزامات الولايات المتحدة الدولية، مما قد يعطي الفرصة لقوى أخرى مثل الصين وروسيا لتعزيز نفوذها في مناطق محددة ليس من بينها السودان، فإدارة ترمب السابقة نفسها هي من عرقلت قيام القاعدة البحرية الروسية أواخر سنوات البشير، وحتى الآن لم يرد في الأخبار أن الصين تدعم بورتسودان عسكرياً، بل هي تتعامل كتاجر وتبيع السلاح لمن يريد. إنعزال إدارة ترمب لا يعني بالضرورة التحوّل إلى عالم متعدد الأقطاب بمعناه التقليدي مباشرة وربما يحتاج الأمر لسنوات طويلة. اتفق مع الدرديري أن سياسات ترمب تميل إلى الانعزال وعدم الاهتمام بتوسيع النفوذ الأمريكي في أفريقيا، ولا يُتوقع أن يغير نهجه هذا، وهكذا سيستمر السودان في كونه على هامش الأولويات الأمريكية، ما قد يمنح دولاً أخرى، كالإمارات وإسرائيل، لا تكترث لإنتهاكات الدعم السريع، فرصة أكبر لتعزيز نفوذها في المنطقة.

(٢) الانسحاب الأمريكي من أفريقيا

افتراض الدرديري بأن إدارة ترمب قد تسعى لمصالح اقتصادية في أفريقيا لمواجهة الصين صحيح جزئياً، ولكن حتى لو تحركت إدارة ترامب في هذا الاتجاه، فمن المستبعد أن تؤدي هذه الخطوات إلى تدخل فعلي أو اهتمام مستمر بالسودان، أو تعاون مع حكومة بورتسودان في وجود الكيزان (كما ذكر الدرديري)، فليس لأمريكا مصالح إقتصادية واضحة في السودان. في الواقع، تجاهل ملف السودان قد يكون أكبر خدمة تُقدَّم للإمارات، التي ستحظى حينها بحرية أكبر لتواصل وتزيد من دعمها للدعم السريع دون معارضة حقيقية من واشنطن، وربما نفقد حتى الإدانات التي تحصل حالياً في إدارة بايدن، مما يباعد من الحصول على إدانة في المنظمات الدولية كما تسعى بورتسودان.

(٣) الإمارات وعودة ترمب

يرى الدرديري أن ترحيب الإمارات بعودة ترمب يرتبط بالأساس بمصالح استراتيجية بعيدة عن موقفها تجاه السودان وهو محق. لكن هذه القراءة تتجاهل حقيقة أن الإمارات تدعم فعلياً مشروعاً استبدادياً سلطوياً في السودان عبر دعمها للدعم السريع أو التقسيم كما فعلت في ظروف مماثلة في ليبيا واليمن وانتهت تدخلاتها وتدخل دول أخرى إلى ليبيا واليمن مقسمين فعلياً مع شكل مشوه للدولة بتعدد جيوش ومليشيات وسلطات متعددة، هذه التدخلات في هذه الدول بدأت في عهد أوباما وزادت وتيرتها في فترة ترمب الأولى فأنتهت بليبيا لشكل الدولة المشوه الحالي. على الدرديري، كوزير خارجية سابق، أن يُدرك أن مشروع الإمارات في السودان ليس مشروعاً مدنياً ديمقراطياً، بل في أفضل الأحوال قد يحمل واجهة مدنية تخفي سلطوية شديدة، كما يحدث في تونس الآن أو حتى طابعاً ميليشياوياً كخليفة حفتر في ليبيا والمجلس الإنتقالي الجنوبي في اليمن، وهذه التدخلات الإماراتية ومعها دول أخرى حولت دول إلى مناطق سيطرة مقسمة بين مليشيات وأمراء حرب كل له ظهير خارجي، ويبدو أن أمريكا لا تعارض هذا السيناريو، الواقع أن إدارة ترمب عززت منه وسرعت وتيرة تنفيذه عبر إطلاقها العنان لشركائها ووكلائها الإقليميين وإنعزالها، كما حدث في ليبيا واليمن. على الدرديري ألا يقصر نظرته في إنتصار متوهم أو صفعة على غرمائه السياسيين في تقدم، الحقيقة أن المهزوم هو السودان ووحدته على المحك.

(٤) عزوف إدارة ترمب عن دعم الديمقراطية

يدعي الدرديري أن إدارة ترامب لن تدعم حركة مدنية ديمقراطية ويخص بالذكر حركة تقدم وهو استنتاج صحيح، لكنه يغفل حقيقة أن الإمارات تستثمر في مشروع دعم سريع يتميز بنزعة سلطوية استحواذية، فبالتالي إن تجاهل واشنطن للملف السوداني المتوقع من إدارة ترامب، سيفتح المجال أكثر للإمارات لدعم الدعم السريع والتغاضي عن انتهاكاته لحقوق الإنسان، كما تتجاهل الإدارات الجمهورية الأمريكية انتهاكات حلفائها كما ذكر الدرديري في مقاله. هل يرى الدرديري في رؤيته أن دعم إدارة أمريكية (يقصد حال فوز هاريس) لتقدم هو الأخطر، وليس تجاهل إدارة ترمب المتوقع لدعم الامارات للدعم السريع!!.

(٥) الاتفاقات الإبراهيمية وتأثيرات طوفان الأقصى

يفترض الدرديري أن تأثيرات طوفان الأقصى قد تُضعف الاتفاقات الإبراهيمية. ولكن الواقع هو أن الأنظمة العربية التي وقّعت على هذه الاتفاقات لا تعتمد على الرأي العام المحلي بقدر ما تعتمد على دعم الولايات المتحدة وإسرائيل. لذا من غير المتوقع أن يغير الغضب الشعبي مسار التعاون الاستراتيجي بين هذه الأنظمة وواشنطن أو إسرائيل، لأن هذا التعاون يشكّل ركيزة مهمة لبقاء هذه الأنظمة في السلطة، وهو ما يفسره مقابلة البرهان منفرداً لنتنياهو في يوغندا وزيارات الجيش والدعم السريع إلى إسرائيل وزيارات مسؤولين إسرائيليين لهما خلال الفترة الإنتقالية. كذلك يعبر الدرديري عن تفاؤل مفرط بقدرة الإرادة الدولية واتجاهها لحل القضية الفلسطينية عبر حل الدولتين، فالواقع يظهر أن المجتمع الدولي لم يتمكن حتى من إيقاف الإبادة الجماعية في غزة، فكيف له أن يُحقق حل الدولتين. أي حديث عن حل الدولتين يبقى بعيداً عن التطبيق الواقعي في ظل الفشل المتواصل في وقف الانتهاكات. الحقيقة هي أن إسرائيل إذا توقفت عن حربها في غزة ولبنان، فالسبب هو أنها وصلت لأهدافها فحماس وحزب الله قد تضررا بشدة، وإيران باتت تخشى على نفسها من شن إسرائيل وامريكا حرباً عليها بعد وصول ترمب للبيت الأبيض.

(٦) التراجع الإسرائيلي تجاه حماس وأثره على السودان

يشير الدرديري إلى تراجع إسرائيل عن القضاء على حماس ويفترض أن هذا التراجع سيفقد أجندة محاربة الإسلاميين جاذبيتها لإدارة ترمب. في الواقع، إسرائيل لم تتراجع عن القضاء على حماس بل ألحقت أضراراً جسيمة بالحركة وببيئة حماس في غزة، وكادت أن تدمر القطاع تماماً، فأين التراجع الذي يراه الدرديري، بل انتقلت إسرائيل الآن إلى تصفية إسلام سياسي آخر هو حزب الله في لبنان، بل أن تصريحات المرشد الإيراني الأخيرة ورئيس الحكومة بأنهم يجب أن يتحلوا بالحكمة لكي لا يقعوا في فخ الرد على إسرائيل حتى لا يتم ضربهم تشير بوضوح إلى أن إيران تخلت عن أذرعها في سبيل سلامتها. كذلك من المرجح أن تدعم إدارة ترمب ضمنياً أي توجه لتصفية الإسلاميين في أي منطقة إذا ما قام به أي من حلفائها أو أدواته كالدعم السريع، وربما تسهل إدارة ترمب المهمة خصوصاً إذا كانت دون أي تكلفة مالية على الإدارة الأمريكية.

في الختام، في ضؤ ما تم ذكره لا يمكن القول بأن وصول ترمب للبيت الأبيض هو أهون الشرين، فالخطر محدق بالسودان بحيث تواصل الامارات دعمها للدعم السريع. كذلك هل يتوقع الدرديري بعد وصول ترمب أن يحصل السودان على دعم كبير من روسيا أو إيران يمكن من القضاء التام على الدعم السريع وإعادة الإعمار، وإذا حدث هذا فما هو المقابل الذي ستقدمه بورتسودان؟، وزير الخارجية الجديد صرح في لقاء بأنهم سيسمحون لكل دولة تريد قاعدة بحرية على شاطئ السودان وضرب مثلاً بجيبوتي، فهل ستسمح إدارة ترمب بأن يصبح السودان بؤرة نفوذ جديدة لروسيا أو الصين ومدخل إلى أفريقيا التي يرى الدرديري أن إدارة ترمب ربما تتشارك معها؟، وهل الدرديري ورهطه لا يرون في وجود قواعد عسكرية أجنبية في السودان تهديداً للأمن القومي وسيادة البلاد!!.
السودان اليوم يواجه أزمة وجود تتطلب قراءة شاملة وواقعية بعيداً عن المصالح الحزبية والتحيزات الذاتية، فسواءاً جلس في البيت الأبيض ترمب أو هاريس فتظل المشكلة سودانية والمعاناة يدفع ثمنها السودانيون وأبناءهم ومستقبلهم ووطنهم وسيادته ووحدته، فالأفضل ترك هذه الأوهام أن هاريس ستدعم تقدم وترمب وجوده في صالح الإسلاميين. الراجح أن سياسة ترمب الإنعزالية ستسمح لأطراف بالتدخل في السودان ولكن هذا التدخل سيكون على غرار النموذج الليبي، والخشية أن يصبح الدرديري مواطناً في دولة دارفور في السودان المقسم.

mkaawadalla@yahoo.com

محمد خالد  

مقالات مشابهة

  • البرهان يلتقي مبعوث اليابان الخاص للقرن الأفريقي
  • 9 نقاط لفهم تغيير الفئات الكبيرة من العملة السودانية وآثارها الاقتصادية
  • جدل واسع في السودان بعد قرار البنك المركزي تغيير الفئات الكبيرة من العملة
  • توقعات بتغيير نسب الدعم الموجهه للمصدرين فى البرنامج الجديد
  • نصر جديد للسودان.. تحرير قري شمال غرب النيل الأبيض من قبضة الميليشيات
  • حول مقال الدرديري وزير الخارجية الأسبق: عودة ترمب ماذا تعني للسودان؟
  • لماذا الآن؟.. السودان يطرح أوراقا نقدية من فئتي الـ500 والـ1000 جنيه
  • “الدعم السريع” يتحدث عن مخطط لتقسيم السودان بعد تغيير العملة
  • "الدعم السريع" يتحدث عن مخطط لتقسيم السودان بعد تغيير العملة