لعنة بودابست.. هل تتحمل أوروبا قومية أمريكا أولاً؟
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
رأى الكاتب السياسي جدعون راخمان أنه بالنسبة للقوميين والشعبويين في أوروبا، تبدو العودة الوشيكة لدونالد ترامب إلى البيت الأبيض وكأنها عودة للنفوذ الأمريكي.
ربما تأتي لعنة بودابست في نهاية المطاف إلى ترامب أيضاً
كتب راخمان في صحيفة "فايننشال تايمز" أن المفوضية الأوروبية وإدارة الرئيس جو بايدن اتهمتا رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان بتقويض ديمقراطية بلاده.
وحيّا أوربان فوز ترامب باعتباره علامة على أن "التاريخ تسارع... والعالم سيتغير".
وفي هولندا، فرح زعيم حزب الحرية خيرت فيلدرز بأن "الوطنيين يفوزون بالانتخابات في جميع أنحاء العالم".
زفي روسيا، ابتهج الأيديولوجي المؤيد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ألكسندر دوغين قائلاً: "لقد فزنا... لقد خسر أنصار العولمة معركتهم الأخيرة".
تعاطف فكريوتحتل الأحزاب السياسية التي ترحب على نطاق واسع بفوز ترامب مناصب قوية في جميع أنحاء أوروبا.
ففي النمسا وهولندا، فاز الشعبويون القوميون بأكبر حصة من الأصوات في الانتخابات الأخيرة، فيما يحتل حزب البديل من أجل ألمانيا المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي مع اقتراب انتخابات عامة، وفي فرنسا، يقترب حزب التجمع الوطني من السلطة.
وسوف يشعر حزب الإصلاح في بريطانيا والقانون والعدالة في بولندا وفوكس في إسبانيا بالتمكين بعد فوز ترامب.
ويقول الكاتب إن هناك تقارباً أيديولوجياً قوياً بين الحركة التي يتزعمها ترامب والشعبويين الأوروبيين، فهم جميعاً مناهضون للهجرة والعولمة، وهم أيضاً يتعاطفون في كثير من الأحيان مع روسيا ويدعمون إسرائيل بشدة. كما أنهم ينجذبون في كثير من الأحيان إلى نفس نظريات المؤامرة – مثل تلك المتعلقة باللقاحات أو جورج سوروس أو "الاستبدال العظيم" للسكان الأصليين بالمهاجرين ذوي البشرة السمراء.
ولكن على الرغم من وجود العديد من الموضوعات المشتركة التي من شأنها أن توحد إدارة ترامب مع القوى القومية الشعبوية في أوروبا، قد يثبت التحالف أنه هش جداً.
التجارة والأمنوبحسب الكاتب، من المرجح أن تصطدم قومية "أمريكا أولاً" بقيادة ترامب وبسرعة كبيرة مع الأجندة الشعبوية في أوروبا.
وتشير الخبيرة في الشعبوية الأوروبية كاثرين فيسكي إلى أن مطالب ترامب بفتح أوروبا أبوابها أمام المنتجات الزراعية الأمريكية ــ مثل لحوم البقر التي تتغذى على الهرمونات أو الدجاج المغسول بالكلور ــ ستلقى استياء شديداً بين المزارعين هناك، وستلعب أيضاً دوراً في تعزيز التيار القوي من معاداة أمريكا والذي كان يميز دائماً اليمين المتطرف في فرنسا وألمانيا.
وإذا مضى ترامب قدماً في تهديده بفرض تعريفات جمركية تتراوح بين 10 و20% على جميع الواردات، فستتأثر أوروبا بأكملها.
وقد تؤدي رغبة ترامب بفرض اتفاق سلام على أوكرانيا إلى تنفير بعض الشعبويين الأوروبيين، إذ تقود رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني حزباً له جذوره في أقصى اليمين وتتعاطف مع "حرب ترامب على اليقظوية". لكنها أيضاً مؤيدة قوية لأوكرانيا.
سجل تاريخي سيئوحتى أوربان قد يواجه صعوبات، فبينما يغازل ترامب، ويقدم أوربان نفسه كأفضل صديق للصين داخل الاتحاد الأوروبي، واستضاف مؤخراً الرئيس الصيني شي جينبينغ في بودابست. وعاجلاً أم آجلاً، سيلاحظ البيت الأبيض في عهد ترامب عدم التناسق هذا.
ومع ذلك، فإن حصول زعيم المجر على مثل هذه المكانة الرفيعة في حركة ترامب هو إنجاز ملحوظ، إذ يعتقد أوربان أن التاريخ الآن إلى جانبه رغم أن المجر ليس لديها سجل تاريخي جيد في التحالف مع المنتصرين.
ويذكر الكاتب أنه عندما انضمت المجر إلى الاتحاد الأوروبي قال له أحد الأكاديميين في بودابست إن المشروع الأوروبي محكوم عليه بالفشل قائلاً: "كل ما ننضم إليه ينهار في النهاية"، في إشارة إلى الإمبراطورية النمساوية المجرية، وتحالف المحور في الحرب العالمية الثانية، والكتلة السوفياتية.
وختم راخمان بقوله: "ربما تأتي لعنة بودابست في نهاية المطاف إلى ترامب أيضاً".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الانتخابات الأمريكية عودة ترامب
إقرأ أيضاً:
ما هي عقيدة القدر المتجلي الخطيرة التي يسعى ترامب إلى إحيائها؟
في مستهلّ ولايته الرئاسية الثانية، وأثناء خطاب تنصيبه في 20 يناير/كانون الثاني، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب: "من هذا اليوم فصاعدًا، ستزدهر بلادنا وتُحترم مجددًا في جميع أنحاء العالم. سنكون محط غيرة كل أمة، ولن نسمح لأنفسنا أن يستغلّنا أحد بعد اليوم. خلال كل يوم من أيام إدارة ترامب، سأضع ببساطة، أميركا أولًا".
وأضاف: "ستستعاد سيادتنا، وسيُعاد الأمن إلى ربوعنا، وموازين العدالة إلى نصابها. وأولويتنا القصوى ستكون بناء أمة فخورة، مزدهرة، وحرة. ستصبح أميركا قريبًا أعظم، وأقوى، وأكثر تفوقًا من أي وقت مضى".
وأردف قائلًا: "من هذه اللحظة فصاعدًا، انتهى انحدار أميركا". مؤكدًا: "لقد أنقذني الله لأجعل أميركا عظيمة مرة أخرى". كما عبّر عن رغبته في تغيير "اسم خليج المكسيك إلى خليج أميركا"، وأعلن عزمه على "إرسال رواد فضاء أميركيين لغرز العلم الأميركي على كوكب المريخ". وختم مؤكدًا: "نحن شعب واحد، وعائلة واحدة، وأمة مجيدة واحدة تحت قيادة الله".
لكن التصريح الأكثر إثارة للجدل جاء في نهاية يناير/ كانون الثاني 2025، حين كشف ترامب في مقابلة عزمه على استعادة قناة بنما، وقال صراحة: "لقد بنيناها، دفعنا ثمنها، ولن نتنازل عنها للأبد"(رويترز-2025).
كما ألمح إلى إمكانية ضم غرينلاند وكندا قائلًا: "غرينلاند أراضٍ بكر، غنية بالموارد، وهي أقرب إلينا من بعض ولاياتنا" (أسوشيتد برس 27 يناير/ كانون الثاني 2025).
إعلانمن خلال هذا الخطاب، أعاد ترامب إلى الواجهة مفهومًا أيديولوجيًا عميقًا من تاريخ أميركا السياسي، وهو مفهوم "القدر المتجلي" (Manifest Destiny)، الذي برز في أربعينيات القرن التاسع عشر، وتحوّل إلى عقيدة قومية تبرّر التوسع باسم "الإرادة الإلهية".
إعلان ترامب أن "الحقبة الذهبية لأميركا تبدأ الآن"، وغرز العلم الأميركي على المريخ، لم يكن مجرد دعاية انتخابية، بل إحياءً لواحدة من أخطر العقائد الأميركية: "القدر المتجلي"، التي تبرر التوسع الإمبراطوري باسم "الإرادة الإلهية".
جذور الفكرة: من الإبادة إلى الإمبراطوريةنشأت فكرة "القدر المتجلي" على يد الصحفي الأميركي جون أوسوليفان، في عام 1845، الذي دعا الأميركيين إلى اعتبار أنفسهم شعبًا مختارًا من قبل العناية الإلهية، ومكلَّفين بنشر الحضارة (وفق الرؤية الغربية البروتستانتية الأنجلوسكسونية) عبر القارة الأميركية، ومن ثم إلى العالم بأسره.
وفقًا لهذا التصور، فإن "القدر" قد حدد غايته واختار"البيض الأنجلوسكسون البروتستانت" كحاملي هذه الرسالة، ومكّنهم من الهيمنة على الأراضي الهندية أولًا، ثم التوسّع خارج الحدود الجغرافية الطبيعية. إن "القدر"، كما رآه أوسوليفان، يجب أن يُرسم بخط مستقيم يقود نحو مستقبل تتسيّده أميركا كقوة مُخلِّصة ومهيمِنة.
على الرغم من صياغتها بخطاب سياسي وعلماني، حملت هذه العقيدة جوهرًا استعلائيًا عرقيًا ودينيًا، إذ قدمت فكرة أن الرب فضَّل "البيض الأنجلوسكسون البروتستانت"، وجعلهم "شعبًا فوق كل الشعوب"، مما ساهم في تبرير الإبادة ضد السكان الأصليين، والتوسعات الأميركية مثل شراء لويزيانا (1803)، وضم تكساس (1845)، والحرب مع المكسيك (1846-1848)، وضم كاليفورنيا، وأريزونا، ونيو مكسيكو، وصولًا إلى غزو الفلبين، وهاواي، وبورتوريكو في أواخر القرن التاسع عشر.
هكذا أصبحت هذه الفكرة غطاءً أيديولوجيًا يخفي الطموحات التوسعية خلف ستار أخلاقي، يجمع بين التفوق العرقي والإرادة الإلهية.
إعلان على خطى أوسوليفانترامب، في إحيائه هذا المفهوم، لم يكتفِ بالرمزية، بل استخدم مفرداته بشكل مباشر: التوسع في الفضاء، إعادة تسمية جغرافيا الآخرين، وتجديد مفاهيم السيطرة القومية.
قد تبدو هذه التصريحات شعبوية، لكنها تُعيد إنتاج خطاب أميركي يرى في بلاده قوة استثنائية، لا تخضع للمعايير العالمية، بل تعيد تشكيلها.
ورغم أن تطبيق هذه الفكرة بدأ قبل تأسيس الدولة الأميركية نفسها، فإن إضفاء الطابع الفكري عليها عبر مبدأ "القدر المتجلي" منح السياسيين لاحقًا غطاءً لشرعنة سياسات الغزو والهيمنة، أو العزلة عند الحاجة.
اليوم، لا يُنظر إلى "القدر المتجلي" كذكرى تاريخية، بل كنهج حي يعود بصيغة جديدة في الإدارة الأميركية. ويتجلى هذا الحضور بوضوح في كتاب (American Crusade: Our Fight to Stay Free ) لوزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، حيث يظهر الامتداد الأيديولوجي الواضح للفكرة، وإن لم تُذكر بالاسم.
الهيمنة، السيطرة، واستعادة مؤسسات الدولة (كالتعليم، القضاء، الإعلام…) من "اليسار العدو"، كلها تتجسد في مضمون الكتاب، لتصبح العقيدة القديمة أداة حديثة لإعادة "أمركة أميركا"، وتطهيرها من كل ما لا ينسجم مع النموذج المحافظ والإنجيلي الذي يتبنّاه.
النسخة الترامبيةغير أن النسخة الترامبية من هذه الفكرة تبتعد عن الغطاء الأخلاقي التقليدي الذي استخدمته الإدارات السابقة كذرائع لتدخلاتها. فبدلًا من الشعارات حول "حقوق الإنسان" أو "نشر الديمقراطية"، يصرح ترامب بأن الغاية هي المصلحة القومية، والقوة، والهيمنة.
في هذا السياق، يرى بعض الباحثين أن هذا التحول يُعيد الولايات المتحدة إلى منطق الإمبراطوريات القديمة، حين كان التوسع غاية في حد ذاته، وليس وسيلة لتحقيق مبادئ عُليا.
ويقول المؤرخ الأميركي هاورد زين إن: "القدر المتجلي لم يكن أبدًا بريئًا، بل أداة إمبريالية مغطاة بأخلاق مصطنعة"، ويبدو أن ترامب قد قرر إزالة هذا الغطاء نهائيًا.
إعلانتبعًا لذلك، فإن "القدر المتجلي" في نسخته الترامبية لا يتوقف عند الحدود الجغرافية، بل يتعداها إلى الفضاء، والتكنولوجيا، وربما الاقتصاد العالمي.
فالدعوة إلى "استعادة" مناطق مثل كندا، وغرينلاند، تعكس تصورًا للقوة ليس قائمًا فقط على النفوذ، بل على الملكية المباشرة. كذلك، فإن تصريحه بأن على أميركا أن تكون "سيدة الفضاء"، يعكس توجهًا نحو عسكرة الفضاء، في تحدٍّ واضح للاتفاقات الدولية التي تمنع تحويل الفضاء إلى ساحة صراع عسكري.
إن هذا التوجه الأميركي الجديد قد يُنتج عواقب دولية خطيرة، من بينها تصاعد النزعة القومية في مناطق أخرى، وسباق تسلّح في الفضاء، وعودة خطاب الاستعمار والضم إلى واجهة العلاقات الدولية.
خلاصة القول: إحياء ترامب مفهوم "القدر المتجلي" ليس مجرد خطاب بلاغي، بل أداة سياسية تعكس فلسفة حُكم قائمة على السيطرة والتفوق، تُعيد صياغة الهيمنة الأميركية بأساليب معاصرة تتجاوز حدود الزمان والمكان.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline