بيروت، أم الشرائع، مدينةٌ وُلِد فيها القانون منذ آلاف السنين، وتفتّحت فيها براعم العدالة قبل أن يخطُّ التاريخ أولى صفحاته. هنا، كانت المحاكم تُعقد تحت ظلال الزيتون، وكأنّ العدالة نفسها تتنفس من هواء البحر وتستمد قوتها من صمود جباله. هذه المدينة التي علّمت العالم أصول الحق وأرسَت قواعد القانون، أصبحت اليوم في صراع مرير مع قوى تحاول إطفاء نورها وشلّ قدرتها على إقامة العدالة، فشأنها شأن باقي القطاعات في لبنان، ترزح السلطة القضائية، التي أصلا تعاني منذ العام 2019، تحت تأثير آلة الحرب الإسرائيلية التي شلّت عملها، واوقفت مسار الحق والعدالة داخل العديد من الدوائر القضائية، حيث تجد المحاكم اللبنانية نفسها عاجزة عن مواكبة التحديات العاجلة التي تفرضها قضايا المواطنين، وهي اصلا الخارجة من سلسلة أزمات كانت تتفاوت بين وضع القضاة ما بعد الازمة الاقتصادية اللبنانية، ومدى تمكنهم من الاستمرار في تسيير مرفق القضاء، بالاضافة إلى ما واكبه من إضرابات وتوقفات متتالية عن العمل من قبل جهات تعمل في السلطة القضائية، كانت تطالب بتحسين الوضع الوظيفي.

هذا بالاضافة إلى إخراج المرفق من السيطرة السياسية، عدا عن تأثر البنى التحتية للسلطة القضائية التي كانت أصلا متهالكة ما قبل الحرب.
من هنا، لا تخفي المصادر القضائية لـ"لبنان24" حجم تأثر السلطة القضائية والمحاكم والجلسات بهذه الحرب، إذ تشير إلى أن المحاكم تواجه ضغطًا مستمرا بسبب التهديدات المباشرة وغير المباشرة، فضلا عن الاجواء الملبدة بالخوف والقلق، إذ نقلت هذه المصادر عن الموظفين داخل المحاكم خوفهم الدائم من اي استهداف إسرائيلي، ما يعني العمل تحت خطر وتهديد مستمر، ما يضرب إنتاجية وكفاءة الموظفين، خاصةً وأنّ المواطن لا يزال لديه ملء الثقة بهذه السلطة، التي على الرغم من التدخلات السياسية المستمرة كانت ملجأ أساسيا لهم.
ولا تخفي هذه المصادر الضغط النفسي الخطير الذي يعمل القضاة تحت وطأته نتيجة العنف المستمر والتوتر الأمني الحاد الذي يترك أثره الواضح عليهم، هذا عدا عن تحمله كمًا هائلاً من الملفات مع توالي الاستقالات التي نخرت جسم القضاء، إذ يوضح المصدر أن عددًا لا يستهان به من القضاة رأى أن فرصة العمل كمستشار في دول الخليج هي أهم بكثير من العمل كقاض في لبنان. ويوضح المصدر لـ"لبنان24" أن قرابة 25 استقالة شهدها الجسم القضائي تتراوح بين استقالات تأديبية، واستقالات لاسباب غير تأديبية، قرابة 3 منها حصلت خلال العام 2024، أما الـ22 استقالة الاخرى فهي قد بدأت عام 2020 واستمرت حتى عام 2023.
في هذا السياق، يؤكّد المحامي بالاستئناف شارلي ابو نعمة أن ما تشهده المحاكم هو امتداد لأزمة بدأت عام 2019 ضربت المحاكم والدوائر العقارية ووزارة المالية، فهذه الأزمة بدأت عقب إضراب القضاة (قبل 2019) واستمرت خلال 17 تشرين 2019، و جائحة كورونا، حيث أثّرت على عمل المحاكم والقطاع المالي إذ لم يعد للمحامين المقدرة على الحصول على قيم تأجير وإفادات عقارية وغيرها من الاوراق الجوهرية والأساسية من وزارة المالية.
من جهة ثانية، يؤكّد ابو نعمة أنّه على صعيد المحاكم شهدت السلطة القضائية إضرابا للموظفين الذين كانوا قد تراجعوا قبل بداية الحرب عن إضرابهم مع القضاة، وكانت قد بدأت الدوائر المالية في العمل أيام الثلاثاء والاربعاء والخميس، مشيرًا إلى أن هذه الفترة شهدت انعقاد بعض الجلسات إنّما بوتيرة بطيئة، لافتًا إلى أنّه اليوم، ومع تأثير الحرب على عمل المحاكم، صدر تعميم عننقيب المحامين بالتشاور مع وزير العدل هنري خوري ورئيس مجلس القضاء الاعلى أفضى إلى أن المحامي الذي لا يستطيع  أن يحضر الجلسة يكون للقاضي سلطة استنسابية حسب كل ظرف باتخاذ القرار المناسب، وهذا ما معناه ان القاضي يستطيع أن لا يحاكم المدعى عليه في هذه الجلسة، وهذا ما سيؤثر على صدور الحكم، في وقت يؤجل بعض القضاة الجلسات بحالتها الراهنة إلى حين انتهاء الحرب. وحسب ابو نعمة فإن هذا الامر هو مؤشر خطير لناحية مدة تمديد الدعاوى التي من الممكن أن تصل إلى سنوات، ويخالف المبدأ الذي ينص على أنّه لا يحق للقاضي الاعتكاف عن إحقاق الحق.
ما وضع الملفات القضائية اليوم؟
انطلاقًا من تأجيل القضاة للجلسات على حالتها الراهنة أكّدت مصادر قضائية لـ"لبنان24" أنّ القضاة يرون أن الاستئخار هو الحل الافضل في المرحلة الراهنة، والامر قد يطول أكثر من المتوقع، حتى لو عقدت الجلسات أو تم تأجيل جلسة أخرى، خاصة وأن القضاة يعمدون الى تأخير الجلسات لأشهر إلى الأمام، وذلك لاستشراف المرحلة الجديدة، وكم من الممكن أن تطول الحرب.
وتترافق هذه القرارت مع التعاميم الاستثنائية التي تصدر عن السلطة القضائة، فبالاضافة إلى ما أوردناه عن تعميم صادر عن نقيب المحامين، اصدر النائب العام التمييزي إجراءً قضائيا يقضي بتسهيل إجراءات تقديم المدعى عليه الموقوف طلبات لتخلية سبيله وتأمين وصولها إلى المراجع القضائية التي تضع يدها على ملفات صاحب الطلب، ويقول ابو نعمة في السياق أنّه قبل هذا القرار كان المحامي ملزما بالحصول على وكالة من كاتب العدل ليستطيع إمضاء طلب تخلية السبيل، وهذا ما تم الاستغناء عنه في سياق هذا القرار، إذ من الممكن للسجين اليوم أن يكتب هو بنفسه طلب إخلاء السبيل بواسطة نموذج معين، على أن يتم تحويل الطلب إلى قاضي التحقيق الذي يبت به إيجابا أو سلبًا.
 
ماذا عن طلبات إسقاط المهل؟
خلال الأسابيع الأخيرة شهدت صالونات القضاء مشاورات بين محامين طالبوا بضرورة إسقاط المهل القضائية، على غرار ما حصل خلال جائحة كورونا، لما يعود بالامر الايجابي بالنسبة للمتخاصمين. وعليه، يقول المحامي شارلي ابو نعمة أنّه خلال جائحة كورونا كانت تصدر مثل هكذا قرارات بالنسبة للمهل التعاقدية والقانونية، ويتم تصديقها من مجلس النواب (تعليق المهل يحتاج إلى قانون من مجلس النواب)، وفور تصديقه يتم تأخير المهل التعاقدية، وقطع المهل، أما اليوم، يرى ابو نعمة أنّه من الضروري أن يصدر قانون تعليق المهل القانونية والقضائية، وهذا ما لم يحصل إلى حدّ اليوم. ويلفت إلى أنّ هكذا قرار من شأنه أن يقلل من الخلافات والنزاعات، فمثلا تعليق المهل لا يُجبر من خلاله المستأجر أن يخلي المأجور في حال انتهاء العقد.
ومن رحم هذه المعاناة، لا يزال القضاء يكافح للحدّ من الازمات، خاصة وان النظارات تعاني على صعيد التوقيفات التي وصلت إلى مستويات قياسية، هذا عدا عن عملية نقل المساجين والموقوفين من مناطق النزاع إلى مناطق أكثر أمانا، ويقول ابو نعمة في هذا السياق أن الوقت حان لإثبات دور القضاء وفرض سلطته لردع أي كان، وللحد من التجاوزات القانونية التي من الممكن أن تعالج بمجرد فرض الهيبة القضائية. المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: السلطة القضائیة من الممکن وهذا ما إلى أن

إقرأ أيضاً:

الدمار في غزة.. ارتكاب إسرائيل جرائم حرب ضد البيئة

خلفت الحرب في غزة خسائر فادحة في البيئة، وتلوثت إمدادات المياه، وتدفقت مياه الصرف الصحي الخام إلى البحر الأبيض المتوسط، ودمرت التربة الخصبة، وجردت الأرض من الأشجار.

أدت الحرب إلى قطع إمدادات المياه وتعطيل مرافق معالجة مياه الصرف الصحي، مما تسبب في تدفق النفايات الخام عبر الأرض، مما أدى إلى تلويث البحر الأبيض المتوسط واحتياطيات المياه الجوفية الضرورية لري المحاصيل.


كما تضرر أكثر من ثلثي الأراضي الزراعية في غزة، بما في ذلك الآبار والدفيئات الزراعية، أو دُمر بسبب القصف والأعمال العسكرية.

وتظهر الصور التفصيلية التي التقطتها الأقمار الصناعية منذ بدء وقف إطلاق النار في التاسع عشر من يناير، أن 80% من أشجار غزة قد ضاعت. فضلاً عن ذلك، عانت الأراضي الرطبة الحيوية، والكثبان الرملية، والمياه الساحلية، والنهر الوحيد المهم، وادي غزة، من أضرار بالغة.


ويحذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أن تجريد الأشجار والشجيرات والمحاصيل من الأشجار ألحق أضراراً بالغة بالتربة في هذه المنطقة التي كانت خصبة ومتنوعة بيولوجياً وذات مياه وفيرة، مما يجعلها تواجه خطر التصحر على المدى الطويل.

قال سعيد باقري، المحاضر في القانون الدولي بجامعة ريدينج في المملكة المتحدة، إن الطبيعة هي “الضحية الصامتة لحرب إسرائيل على غزة”.

في ظل توقف مرافق المياه، تلجأ الأسر الفلسطينية إلى أخذ المياه من آبار ملوثة محتملة أو من صهاريج غير خاضعة للرقابة.

لجنة دولية لتقصي الحقائق وتقييم الأضرار

وفي الأسبوع الماضي، دعا العالم أحمد حلس، رئيس المعهد الوطني للبيئة والتنمية، وهو مركز أبحاث فلسطيني رائد، إلى تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق “لتقييم الأضرار ووضع الأساس لاستعادة البيئة والتعافي على المدى الطويل”.

وقال حلس، هذه اللجنة يجب أن “تعطي الأولوية لإعادة تأهيل مصادر المياه، وإصلاح التربة، واستعادة الأراضي الزراعية”.

وكشف تقرير تفصيلي لمنصة Yale Environment 360، الكثير من الأرقام والحقائق والوثائق والمصادر بشأن ما تتعرض لها البيئة في غزة، حيث تمتد أراضي غزة الفلسطينية على طول 24 ميلاً على طول ساحل شرق البحر الأبيض المتوسط، ورغم صغر مساحتها، فإنها تشكل نقطة ساخنة للتنوع البيولوجي، حيث تلتقي الحياة البرية من أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.

وتضم أكثر من 250 نوعًا من الطيور و100 نوع من الثدييات، من القطط البرية والذئاب إلى النمس وجرذان الخلد، وفقًا لأبحاث أجريت على مدى العقدين الماضيين من قبل الخبير الأول في حيوانات ونباتات المنطقة، عبد الفتاح عبد ربه من الجامعة الإسلامية في مدينة غزة، حيث كانت احتياطيات المياه الجوفية الوفيرة سبباً في دعم الحياة البرية والبشرية في غزة.

فيما قال مارك زيتون، المدير العام لمركز جنيف للمياه، الذي يدافع عن السلام من خلال الدبلوماسية بشأن المياه: “لقد وفرت الآبار الرملية الضحلة إمداداً وفيراً من المياه العذبة التي تمنح الحياة”، وكانت هذه المياه، التي تغطيها تربة خصبة، السبب وراء فرار العديد من الفلسطينيين إلى غزة بعد طردهم من ديارهم على يد الميليشيات في أعقاب إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948.

ولكن عدد سكان غزة ارتفع منذ ذلك الحين إلى أكثر من مليوني نسمة، مما يجعلها واحدة من أكثر الأماكن كثافة سكانية على وجه الأرض ــ وهي تنافس سنغافورة، ولكن من دون ناطحات السحاب.

أدى هذا إلى فرض ضغوط هائلة على المياه الجوفية، وكان الاستخراج قبل الحرب أكبر بثلاث مرات من إعادة تغذية المياه من مياه الأمطار والتسرب من وادي غزة، الذي تقلص بسبب السدود المقامة أعلى النهر في إسرائيل.

 المياه الجوفية

وتناولت مضة Yale Environment 360 ، وضع المياه الجوفية وما تسبب فيه من تسلل مياه البحر المالحة إلى طبقة المياه الجوفية، والتي وصلت إلى أن أكثر من 97% من المياه الجوفية التي كانت حلوة ذات يوم في غزة أصبحت مع 2023 غير صالحة للشرب، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، وعلى نحو متزايد، اقتصر استخدام مياه الآبار على ري المحاصيل.

وتأتي إمدادات المياه العامة إلى حد كبير من محطات تحلية مياه البحر التي تم بناؤها بمساعدة دولية، بالإضافة إلى المياه التي يتم توصيلها من إسرائيل عبر ثلاثة خطوط أنابيب عبر الحدود.

ولكن منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023، تقلصت الإمدادات العامة بشكل كبير ففي أكتوبر الماضي، أفادت سلطة المياه الفلسطينية بأن 85% من مرافق المياه أصبحت معطلة جزئيا على الأقل، وانخفض إنتاج ابار إمدادات المياه بأكثر من النصف، وتفتقر محطات تحلية المياه إلى الطاقة، في حين قلصت إسرائيل الإمدادات عبر خطوط الأنابيب.

ووجدت دراسة استقصائية، كشفت عنها منصة Yale Environment 360 ، أن 14% فقط من الأسر لا تزال تعتمد على الإمدادات العامة، وكان معظمهم يأخذون المياه من آبار مفتوحة ملوثة أو من صهاريج خاصة غير خاضعة للتنظيم.

وفي سبتمبر، اتهم بيدرو أروجو أجودو، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في مياه الشرب الآمنة والصرف الصحي، تقييد الوصول إلى المياه النظيفة “بأنه يستخدم بوضوح كسلاح في غزة ضد السكان المدنيين الفلسطينيين”.

بعد بدء الحرب، أصبحت محطات معالجة مياه الصرف الصحي خارج الخدمة، وأظهرت صور الأقمار الصناعية سحبًا من مياه الصرف الصحي تتدفق إلى البحر.

تسرب مياه الصرف الصحي إلى المياه الجوفية
وأصبح مصير المياه الجوفية الوفيرة ذات يوم ــ شريان الحياة لكل من الحياة البشرية والطبيعية ــ معلقاً بخيط رفيع.

ومع توقف معظم الآبار حالياً عن الاستخدام في الزراعة المروية، ربما يكون سحب المياه من طبقة المياه الجوفية قد انخفض، ولكن الحرب أدت إلى زيادة تلوث ما تبقى من المياه.

وتتعدد التهديدات، إذ يحذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أن الجهود الإسرائيلية لاستخدام مياه البحر لإغراق ما يقدر بنحو 300 ميل من الأنفاق التي حفرتها حماس تحت غزة قد تؤدي إلى تلويث المياه الجوفية تحتها.

كما تختنق البيئة البحرية بمياه الصرف الصحي، ففي عام 2022، نجح عالم البيئة الإسرائيلي جدعون برومبرج، الذي يرأس منظمة إيكوبيس الشرق الأوسط غير الحكومية العابرة للحدود الوطنية، في إقناع السلطات الأمنية الإسرائيلية بالسماح لغزة باستيراد الأسمنت لبناء ثلاث محطات جديدة لمعالجة مياه الصرف الصحي على طول الساحل.

واكتمل العمل، وفي الصيف التالي، تمكن الفلسطينيون والإسرائيليون، لأول مرة منذ سنوات عديدة، من السباحة بأمان من شواطئهم المتوسطية دون مواجهة مياه الصرف الصحي الخام في غزة.

وعادت الأسماك وتم تسجيل فقمة البحر الأبيض المتوسط لأول مرة على الإطلاق قبالة غزة.

ولكن بحلول بداية عام 2024، بعد بضعة أشهر من بدء الحرب، كانت جميع المحطات معطلة وأظهرت صور الأقمار الصناعية أعمدة من مياه الصرف الصحي تتدفق إلى البحر.

تدمير البيئة المبنية في غزة يشكل أيضاً تهديداً للبيئة الطبيعية. وتقدر وكالات الأمم المتحدة، أن الحرب خلفت أكثر من 40 مليون طن من الأنقاض، التي تحتوي على بقايا بشرية، وأسبستوس ومواد خطرة أخرى، وذخائر غير منفجرة.

يؤكد بعض المحامين الدوليين، أن إسرائيل مذنبة بارتكاب جرائم حرب ضد البيئة الطبيعية في غزة بقدر ما ترتكب جرائم حرب ضد شعبها، وتحظر اتفاقية جنيف الحرب التي قد تسبب “أضراراً واسعة النطاق وطويلة الأمد وشديدة للبيئة الطبيعية”.

ووجدت تحليلات صور الأقمار الصناعية التي أجرتها مجموعة Forensic Architecture، وهي مجموعة متعددة التخصصات من الباحثين في كلية جولدسميث، وهي جزء من جامعة لندن، مكرسة لكشف “عنف الدولة والشركات”، أن أكثر من 2000 مزرعة ودفيئة ومواقع زراعية أخرى قد دمرت، “غالبًا لتحل محلها أعمال ترابية عسكرية إسرائيلية”.

ومن بين الكنوز البيئية الأخرى التي لحقت بها أضرار بالغة منطقة المواصي، وهي شريط ضيق خصيب من الكثبان الرملية بالقرب من الحدود مع مصر.

ففي الماضي كانت قليلة السكان وغنية بالحياة البرية التي تجتذبها المستنقعات الصغيرة التي تتشكل وسط الكثبان الرملية حيث تطفو المياه الجوفية على السطح.

وقد سجل 135 نوعاً من الطيور هناك، بما في ذلك العديد من طيور الشمس الفلسطينية، فضلاً عن 14 نوعاً من الثدييات و20 نوعاً من الزواحف، وتكشف صور يين للمنطقة عن فقدان شبه كامل للأشجار منذ مايو، والتي حلت محلها في بعض الأحيان حفر القصف.

كل هذا يشكل نبأ سيئاً ليس فقط بالنسبة للناس، بل وأيضاً بالنسبة للحياة البرية، فالمساحة المتاحة للطبيعة للازدهار في غزة محدودة للغاية، ومع ذلك، فقد توصلت الأبحاث طويلة الأمد التي أجراها عبد ربه إلى أنه على الرغم من الضغوط السكانية البشرية، فقد انتعشت بعض الأنواع في السنوات الأخيرة.

فبعد إخلاء سلسلة من المستوطنات الإسرائيلية في المنطقة في عام 2005، “تسللت العشرات من الذئاب العربية وغيرها من الحيوانات آكلة اللحوم بشكل متقطع عبر ثغرات في الحدود إلى الشرق من قطاع غزة”.

حفرت الحيوانات جحورًا تحت الأسوار الأمنية الإسرائيلية للوصول إلى الماشية والدواجن المنزلية، بالإضافة إلى الفرائس الصغيرة التي تعيش في مكبات النفايات ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي.

ولكن هناك أيضًا عوامل جذب طبيعية للحياة البرية، فوادي غزة، الذي يقسم المنطقة، يعد محطة توقف مهمة للطيور المائية المهاجرة، بما في ذلك طيور البلشون واللقالق وطيور النحام والطيور الجارحة، فضلاً عن كونه موطنًا لطائر الشمس الفلسطيني، الطائر الوطني للمنطقة.

ولا يزال الوادي يتمتع بجاذبية كبيرة على الرغم من معاناته الشديدة في العقود الأخيرة من تحويلات المياه إلى المنبع ومياه الصرف الصحي التي يتم تصريفها من مخيمات اللاجئين.

وفي عام 2000، جعلت السلطة الفلسطينية من الوادي المحمية الطبيعية الوحيدة في المنطقة، وفي عام 2022، بدأ العمل في مشروع للأمم المتحدة بقيمة 50 مليون دولار للحد من التلوث واستعادة بيئته.

ولكن مع بدء الحرب توقفت هذه الأعمال، وعلى مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية، تحول الوادي مرة أخرى إلى مجاري صرف صحي ومكب نفايات

مقالات مشابهة

  • الدمار في غزة.. ارتكاب إسرائيل جرائم حرب ضد البيئة
  • عالم بالأوقاف يكشف أعظم نعمة يمنحها الله لعباده في الدنيا
  • ما هي الدول الأوروبية التي ستشارك في "تحالف الراغبين" من أجل أوكرانيا؟
  • محمد بن راشد: ثقتنا راسخة بكفاءة أعضاء المنظومة القضائية بدبي
  • محمد بن راشد: ثقتنا راسخة في كفاءة أعضاء المنظومة القضائية بدبي
  • ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
  • الأردن يدين قرار إسرائيل وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة
  • تقرير فرنسي: 30 ألف من المتقاعدين يهاجرون إلى المغرب سنوياً بحثاً عن الشمس
  • لدعم أعمالهم القضائية ذات الصلة.. اختتام برنامج “بناء القدرات لأصحاب الفضيلة القضاة في مجال الأمن السيبراني”
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم قريتي كفر نعمة ودير أبزيع غرب رام الله