لأول مرة في مصر تنشر الأعمال الكاملة للشاعر السعودي الكبير د. عبد الله باشراحيل ، وذلك في حفل كبير في مركز الإبداع الفني في الأوبرا مساء اليوم الثلاثاء ،بحضور جمع كبير من أدباء ومثقفي مصر ، ويشهد حفل التوقيع انطلاق جائزة الشاعر د. باشراحيل لتكون إضافة كبيرة للحياة الثقافية العربية ، ومنصة لإثراء الحياة الأدبية ، خاصة أن أمانة الجائزة ستقوم بطباعة الكتب الفائزة ، علاوة على استكمال منتدى الشاعر الذي يواصل دعم المواهب الأدبية ، وطباعة وتسويق كتبهم مجانا .

وأعمال الشاعر د. عبد الله باشراحيل عبارة عن سبعة مجلدات ، تضم خمسة وثلاثين كتابا ، وتتنوع ما بين الشعر العمودي الفصيح ، والشعر الشعبي ، والنثر الذي يضم مقالات الشاعر التي نشرت في الصحف .

ويشهد حفل التوقيع الإعلان الرسمي عن إنطلاق جائزة الشيخ محمد صالح باشراحيل رحمه الله ، وهو والد الشاعر ، وذلك عن دار نشر ( منازل ) التي تولت نشر الأعمال الكاملة للشاعر باشراحيل . 
وكان الراحل الشيخ محمد صالح باشراحيل صاحب منتدى ثقافي في مكة المكرمة ، وكان يستضيف كبار علماء الدين ، ورجال الأدب والثقافة والفكر، وقد استكمل ابنه مسيرته الثقافية ، فواصل عقد المنتدى ، وقام بطباعة أبرز الأعمال التي تبناها ، كما أطلق المنتدى جائزة باشراحيل التي كرمت في دورتها الأولى علي أحمد سعيد ( أدونيس ) ، وكان يساهم بالإشراف عليها من الشخصيات المصرية : عمرو موسى ، ود. صلاح فضل ، ود. حسين كامل بهاء الدين . 
والشاعر د. عبد الله باشراحيل حاصل على ليسانس كلية الحقوق من جامعة القاهرة ، ويعتبر نفسه مصريا حيث إن أخواله من مدينة الزقازيق ، كما يفتخر بجذوره الممتدة إلى شاعر قبيلة كندة ( امرؤ القيس ) ، فهو عربي قح ، مصري الهوى ، ابن مكة المكرمة ، وعاشق كل ما هو عربي ، فقد سبق وكرمه الرئيس السوداني عمر البشير ، وكتب الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة مقدمة ديوانه ( وحشة الروح ) ، وهو شاعر كلاسيكي ، ومجدد مخضرم ، يعتز بتراثه مضمونا وشكلا ، كما أنه شاعر لا يصادر على أية تجارب حداثية ، وفي باب المديح يقرض الشعر ليس للتكسب بل لإظهار سجايا الممدوح ، وعلى سبيل المثال له قصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم من مائة وخمسين بيتا بعنوان ( مئوية الحب ) ، كما أن له ديوان بعنوان ( أقمار مكة ) ، وديوان كامل في مدح الصحابة كلهم ، فضلا عن قصائده في مدح ورثاء والده ، وله ديوان ( سيد الصحراء ) في مدح الملك المؤسس للشقيقة السعودية ، فضلا عن قصائده في رثاء أصدقائه مثل محمود درويش ، وسميح القاسم وغيرهما . 
ويقول في قصيدته ( قرابين الوداع ) : 
( تذكرت الزمان وكيف كنا – شموعا يستضيء بها النزيل ) 
( يساهرنا الصبا والروح نشوى – وليل الحالمين بنا يطول ) 
( شربنا من دنان الصدق حتى – ليحسبها الرقيب هي الشمول ) 
( وكم خضنا الصعاب ولم نبال – لجمع شتات أقوام تحول ) 
حتى يقول : 
( حبيبي كيف كنا ، كيف صرنا ؟ - يرود حياتنا قال وقيل ) 
( وما زلت المحارب دون قومي – أفدي ما استطعت ولا أقول ) 
( حملت هموم أحبابي وحيدا – وحمل أحبتي دوما ثقيل ) 
( ولست معاديا أهلي وقومي – ولا يعدو على الأهل الأصيل ) 
ويختم قصيدته بقوله : 
( سيذكرني الأكارم بعد موتي – بأني الصادق الشهم النبيل ) 
( وأحمد خالقي كم ذا حباني – بفضل ما يناظره مثيل ) 
( وأعلم أن لي عمرا قصيرا – وتدركني المنايا والرحيل ) 
( سأرحل راضيا عني لأني – صدقت ، وبالوفاء أنا الجميل )

كتب في إهداء ديوانه ( قرابين الوداع ) ثلاثة أبيات إلى رسول الله جاء فيها : 
( إلى رسول الهدى أهدي الذي انكتبا – مدائحا فيه تحوي الشعر قد عذبا ) 
( للشمس أمي ، وللبدر العلي أبي – من أورثاني التقى والفضل والنسبا ) 
( لكعبة الله نور الأرض قاطبة – لأرض مكة ، أرضي أنشر الأدبا ) 
ويقول في مقدمة ديوانه عن مفهومه للشعر : 
( إن الشعر قضية ، والشاعر إذا لم يكن صاحب قضية في شعره فليس بشاعر ، وكل ما يقوله مجرد لصق الكلمات بعضها إلى بعض  مفتقدة إلى رجاحة القول ، وقوة المعنى والمبنى ، ولم يكن الشعر قط قائلا بالإسفاف وضحالة المعنى ، وتكلف الأداء الشعري الذي تمجه الذائقة العقلية ، ويعرض عنه حذاق الشعر ، وأهل البيان ، فما هذا المسخ الذي جاء به دعاة التغريب وأرداوا إلحاق نسبة المولود سفاحا إلى الشعر العربي ؟!) . 
وعن رأي النقاد في شعره يقول الناقد الراحل د. صلاح فضل : 
( يقدم المشروع الإبداعي لعبد الله باشراحيل الذي استمر منذ ربع قرن بالوتيرة ذاتها نموذجا فائقا لانتصار شعر الحياة المحافظ في قوالبه والمتمرد في دلالته ، فهو مفعم بالغنائية ومثقل بالتعبير الشجي عن وجدان الإنسان المعاصر وضميره ) . 
ويقول الناقد د. عبد الله المسدي : 
( هو رجل في أبهى سنوات عمره ، عريق الجذور في عروبته البعيدة ، حجازي العشرة والمؤالفة ، سعودي الأمانة والوفاء حد الامتلاء ، .. وفي شعره اقتناص شديد للواقع مع التناص الذاتي ) . 
ويقول د. محمد مصطفى هدارة عن شعره : 
( المضامين الثرية التي ينداح بها شعره في دوائر متصلة بواقع الإنسان المعاصر بوجه والإنسان العربي المعاصر بوجه خاص ، تمتع العقل والوجدان معا ) . 
وقال د. ناصر الدين ألسد في مقدمة ديوانه ( البرق الحجازي ) : 
( باشراحيل شاعر يعطي شعره بسخاء من ذوب عاطفته ومن ذات فكره وخياله ، فيبادله شعره عطاء بعطاء ، وسخاء بسخاء ، تقرأ القصائد فتحس بما تمتليء به نفس الشاعر من صفاء ، وترفع عن الصغائر ، وصفح عن الحاقدين والحاسدين ) . 
وقال فيه علي أحمد باكثير وعبد الله عمر بلخير : 
( الشاعر باشراحيل مرآة نفسه ، ومنارة عصره ، وشعره حافل بالجمال والخيال ، ومجمع الوزن والموسيقى ) . 
وقال أدونيس في رسالة إليه : 
( إنني رأيت فيك ما يؤكد شاعريتك المتوثبة ، وشواغلك الغبداعية ، إضافة إلى تحقيق قفزات تعبيرية وجمالية ) . 
ولد الشاعر د. عبد الله باشراحيل في مكة المكرمة في 8 أبريل سنة 1951م ، وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة ، ويترأس أكثر من مجموعة ومؤسسة ، وعضو بأكثر من جمعية ثقافية ، وصدر له سبعة وعشرين ديوانا شعريا بداية من ديوان ( معذبتي ) سنة 1978م وحتى ديوان ( اللأليء ) سنة 2017م  ثم ( قرابين الوداع ) سنة 2023م ، وله ستة كتب نثرية ، علاوة على كتب نقدية مثل ( أصداء الصمت ) و( خريف الفكر ) و( شذرات ) ، وترجم شعره إلى لغات كثيرة مثل الانجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والإيطالية ، وكتبت عنه مؤلفات نقدية عديدة ، وأكثر من رسالة جامعية ، وجرى تكريمه في أكثر من بلد عربي ، علاوة على مشاركته في أكثر من مهرجان شعري في عواصم عربية وأوربية وأمريكية .

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: عبد الله باشراحيل الشاعر د فی مدح

إقرأ أيضاً:

«حفظ القرآن ونجا من محاولة خطف».. محطات في مشوار الشاعر الراحل محمد إبراهيم أبو سنة

إرث كبير من الشعر والأدب وأعمال إذاعية عظيمة ستخلد اسم محمد إبراهيم أبو سنة، الذي ودَّع عالمنا بالأمس، عن عمر ناهز 87 عاما، واختتم مشواره بجائزة النيل في الآداب لعام 2024.

في أسرة متدينة، ولد الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة في مركز الصف بالجيزة في 15 مارس 1937، إذ كان والده شيخا للبلد، وتوفيت والدته وهو في السابعة من العمر.

وحفظ أبو سنة جزءًا من القرآن في الكُتَّاب، وفي العاشرة من عمره أوفده والده إلى القاهرة ليحفظ القرآن الكريم كاملا بمدرسة شويكار قادن الأولية لتحفيظ القرآن الكريم بجوار مسجد الحسين، ثم التحق بمعهد القاهرة الديني الابتدائي والثانوي.

محاولة اختطاف

قال الشاعر الراحل، في حواره مع الإعلامية فاطمة السردي، عبر قناة النيل الثقافية، إنه تعرض عندما كان صغيرا، لمحاولة اختطاف في القاهرة، حيث كان يتفقد العاصمة عبر قراءة لافتات المحال التجارية والأطباء والمؤسسات وغيرها، إذ أمسك المختطفون يده واستسلم في البداية لكنه سحب يده بسرعة ونجا من المأزق وانطلق جريا بعيدا عن المنطقة، وتوقف عن التعرف عليها بهذه الطريقة، مفضلا طريقة معرفة البشر مثل الأساتذة والتلاميذ والأصدقاء إلى أن تخرج في كلية الدراسات العربية.

وتردد أبو سنة على دار الكتاب في باب الخلق لقراءة الكتب التي لا يستطيع شراءها، مثل بعض الدواوين التي كانت تطبع في بيروت مثل ديوان نزار قباني وكان يحمل كشكولا وقلما ويذهب لنقل هذه الدواوين بيده، فتعرف على المدينة تعارفا ثقافيا بعد الصدمة التي تعرض لها في صغره.

كيف شكَّلت ثورة 23 يوليو موهبة «أبو سنة» الشعرية؟

كانت ثورة 23 يوليو عام 1952 الشرارة التي أضاءت إبداع «أبو سنة» في الشِعر، وهو ما أوضحه في لقاء مع برنامج «كنوز الوطن»، عبر التليفزيون المصري، قائلا إنّ الشعارات الوطنية التي كانت تترامى في أجواء الوطن عقب الثورة حول آلامها وآمالها وكانت تطلق من حناجر الشباب والمتظاهرين ألهمته الأنغام الأولى للشعر.

كما استطاع أبو سنة، من خلال الدراسة المنهجية في الأزهر، معرفة النصوص الأدبية والشعرية، منذ العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث، وكتب على نمط القصيدة التقليدية التي كانت تكتب منذ العصر الجاهلي، لكن هذه القصائد فُقدت بحسب ما صرح لبرنامج «كنوز الوطن».

البداية الحقيقية للشاعر الراحل مع الشعر كانت في نهاية خمسينيات القرن الماضي، من خلال رابطة الأدب الحديث، بعدما كتب قصائد بشكل تجريبي، وبدأ حياته بالقصيدة العمودية ثم اتجه إلى شعر التفعيلة (الشعر الحر) لأنه عبّر عن العصر الذي عاشه في أعقاب ثورة 23 يوليو.

أول قصيدة

أول قصيدة نشرها كانت في نهاية الخمسينيات بالملحق الثقافي الأدبي لجريدة المساء، وعندما تجمعت لديه مجموعة من القصائد التي تتناول تجاربه الشعرية والإنسانية والفنية والعاطفية أصدر ديوانه الأول في عام 1965 في بيروت بعنوان «قلبي وغازلة الثوب الأزرق»، متضمِّنا 48 قصيدة.

نشر أبو سنة قصائده في جريدة الأهرام تحت إشراف لويس عوض، بعد فترة من نشر أعماله الشعرية في مجلتي الشعر والمجلة، ونشر بعض القصائد في مجلة الآداب البيروتية ومنها قصيدة مرثية شهداء الجزائر عام 1962 بعد استقلال الجزائر.

وقال الشاعر الراحل إنّ الخمسينيات والستينيات أهم مرحلة في حياته، وأصدر عبر مشواره الأدبي المديد 14 ديوانا ومسرحيتين شعريتين وصياغة فنية لـ100 قصيدة من الشعر الأرمني.

سافر إلى بلدان كثيرة حول العالم

سافر أبو سنة إلى عدد كبير من بلدان العالم شمالا وشرقا وغربا مثل ماليزيا وكولومبيا وشارك في عدد كبير من المهرجانات والملتقيات، والتحق بكلية الدراسات العربية والإسلامية في جامعة الأزهر وحصل على شهادة الليسانس في عام 1964.

أبرز التكريمات كانت حصوله على جائزة الدولة التشجيعية 1984، وجائزة الدولة للتفوق عام 2001، وجائزة الدولة التقديرية 2011، وجائزة العويس في الإمارات، وجائزة محمد حسن فقي، وجائزة أندلسية، وجائزة كفافيس بالمناصفة مع أحمد عبد المعطي حجازي في دورتها الأولى.

تمنى أن يصبح سكرتير عام الأمم المتحدة

تمنى أبو سنة في حداثة سنه أن يكون سكرتيرا عاما للأمم المتحدة بسبب إعجابه الشديد بـ«داج همرشولد» أمين عام الأمم المتحدة الذي تولى المسؤولية في خمسينيات القرن الماضي.

عمل الشاعر الراحل في الهيئة العامة للاستعلامات في بداية تخرجه، وكان محررا سياسيا، لكن الشعر كان هدفه ومركز وجوده في هذا العالم، ومارس موهبته كشاعر في أثناء فترة عمله، حسبما صرح في حواره مع الإعلامي هاني توفيق على القناة الثانية.

قدم أبو سنة عددا من البرامج الإذاعية مثل ألوان من الشعر وبرنامج مع النقاد وبرنامج قصيدة وشاعر وبرنامج حدائق الأوراق وبقي في إذاعة البرنامج الثاني، لفترة طويلة وأصبح مديرا لها ثم نائبا لرئيس الشبكة الثقافية ثم نائبا رئيس الإذاعة.

وفي هذه الفترة حصل الشاعر الراحل على منحتين للتفرغ الأدبي عامي 1968م و1967 وكتب مسرحيتين شعريتين هما حمزة العرب وحصار القلعة، اللتين جرى تقديمهما إذاعيا وهما مسجلتان في إذاعة البرنامج الثاني.

ماذا قال عن لويس عوض؟

وقال أبو سنة إنّ المفكر الراحل لويس عوض كان قاسيا قسوة الأب الذي يريد أن يعلم ابنه ويدفعه للطريق الصحيح، موضحا أن «عوض» كان أستاذا له وقال إنه مريض بالرومانسية في لقائه الأول معه، عندما ذهب إلى مكتبه في جريدة الأهرام ليطلب منه نشر إحدى قصائده، فقال له عوض إنها صالحة للنشر لكنها لن تنشر في الجريدة، ويفضل نشرها في الملحق الثقافي مع كبار رموز الثقافة والفكر آنذاك مثل صلاح عبدالصبور ونجيب محفوظ وعبدالرحمن الشرقاوي وعبدالوهاب البياتي، وعندما دُهش واكفهر وجهه، قال له لويس عوض «أنت مريض بالمرض الرومانسي»، ثم طمأنه قائلا «لا تقلق أنا أيضا مريض بالمرض الرومانسي».

مقالات مشابهة

  • إطلاق جائزة باشراحيل للإبداع الأدبي
  • «دم النار» للمتوكل طه.. جسر بين الكلاسيكية والحداثة
  • إثراءً للواقع الثقافي العربي .. إطلاق جائزة باشراحيل للإبداع الأدبي
  • قصائد تتلألأ وتسمو في بيت الشعر بالشارقة
  • الشاعر قاسم حداد: الشعر رحلة لا تنتهي
  • الوجوه المتعددة في مجموعة «مذكرات رجل وحيد» لأحمد الشحي
  • «حفظ القرآن ونجا من محاولة خطف».. محطات في مشوار الشاعر الراحل محمد إبراهيم أبو سنة
  • رحيل محمد إبراهيم أبو سنة.. آخر شعراء الواقعية الرومانسية في مصر
  • مكتبة الإسكندرية تنعي الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة