سعودية ولي العهد و مصر السيسي و سودان النخب الفاشلة
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
ولي العهد السعودي إلتقط موجات إرسال عالم حديث أصبح تاريخه مشترك منذ قيام الثورة الصناعية عام 1776 و أصبحت فيه حيلتا الإنكفاء و الإلتواء لا تجديان في عالم أصبح متداخل و أصبحت همومه و شجونه لا تهدهدها غير معادلة الحرية و العدالة.
قدم ولي العهد السعودي مشروعه النهضوي 2030 لكي يتخطى حيرة ما بعد الصحوة الإسلامية و قد أخذت من العالم العربي و الإسلامي نصف قرن و هو غارق في معاداته للحداثة بعد فشل جمال عبد الناصر في إنزال قيم الجمهورية فاذا بحشوده تورثها الحركات الإسلامية و تسير بها كالسائر في نومه لتستيقظ على كابوس أي أنها تتأهب للخروج من التاريخ.
منذ بدايات سبعينيات القرن المنصرم لم تنتبه النخب في العالم العربي و الإسلامي أن تاريخ العالم بعد الثورة الصناعية أصبح و لأول مرة تاريخ مشترك للإنسانية كافة و تسوقة معاني الشرط الإنساني الذي يصبح الأفق الذي لا يمكن تجاوزه و هو يتجسد في الفلسفة السياسية فيما يتعلق بتجسيد فكرة العدالة و المساواة نتاج الفعل الإجتماعي لظاهرة المجتمع البشري.
بالتالي يصبح المدخل لبوابتها المفتوحة فكرة النزعة الإنسانية القائمة على مجد العقلانية و إبداع العقل البشري أي أن تجربة الإنسانية قد أتاحت في نضجها أن يفارق الفكر الإنساني ما ظل المفكر في العالم العربي غائص في وحله أي وحل الفكر الديني الذي يقف خلفه رجال دين في العالم العربي و الإسلامي بنهضة عرجاء لم تستطع أن تساير عقل العالم الحديث منذ أيام الأفغاني و تلميذه الإمام محمد عبده بل هي نفسها نتاج أزمة حضارة عربية إسلامية تقليدية لم تنتج غير إختناقات إقتصادية متسلسلة و إزمات سياسية متسارعة.
و عليه يمكننا أن نقول أن فكرة ولي العهد السعودي بإبعاده لرجال الدين و خطابهم و أنه بهم و معهم لا يمكن تحقيق تنمية على صعيدي الإقتصاد و الإجتماع هي نقلة فكرية هائلة و غير متوقعة أن تخرج من السعودية التي قد كانت في قلب موجات الصحوة الإسلامية بل كانت متماهية مع خطاب الإسلاميين الى أن وصل لمرحلة التضخم و بداءت نيران إرهابه تلحق بالداخل السعودي في بعض مدنه.
و حينها قد أدركت السعودية أن برامج الصحوة و الهوس الديني لا يفتح إلا على أبواب الخروج من التاريخ و بالتالي إستدارت السعودية لتتصالح مع العالم الحديث بإبعادها لرجال الدين من المشهد و يصبح طريقها مفتوح لتنقل تجربة المجتمعات الصناعية و تصبح أول من يلتقط موجات البث أي أن تاريخ العالم بعد الثورة الصناعية قد أصبح تاريخ للبشرية كافة أما تاريخ بلدك لوحده أو تاريخ قارته التي ينتمي لها ليس له معنى في مسيرة تكامل العالم لكي يصبح وحدة يهمها سلام و إزدهار العالم في مواثيقه فيما يتعلق بحقوق الإنسان و قطفه لثمار الإزدهار المادي.
من هنا يمكننا القول أن ولي العهد السعودي يدرك أن السعودية على المدى الطويل تنتظر قفزة أخرى كقفزته التي أبعدت رجال الدين من المشهد السياسي و الفكري بل هي أكثر أهمية و هي مسألة الإصلاح السياسي الذي ينقل المجتمع بإتجاه التحول نحو مجتمعات الحرية و العدالة و هي أكثر حرج للملوك و السلاطين و الأمراء في العالم العربي و الإسلامي فيما يتعلق بالتحول نحو الديمقراطية و نضج المجتمعات في العالم الحديث.
لذلك نجد أن دول الخليج كانت محرجة بربيع الحريات و لم تدّخر جهد لم يفشله لصالح الدكتوريات و الملوك و السلاطيين و الأمراء ريثما يتجهزوا للتحول و الإصلاح السياسي و بالتالي نجد دول الخليج قد ساعدت السياسي في مصر إقتصاديا ليؤسس نظام حكم تسلطي و يفشّل مثيرة التحول الديمقراطي نتيجة ثورة الربيع في مصر لأن نظام حكم تسلطي في مصر يشبه نظم الحكم التقليدية في دول الخليج من ملوك و سلاطيين و أمراء و كما رأينا كيف أعادت الدول العربية ترتيب البيت لعودة سوريا الى حضن النظم التقليدية في الجامعة العربية و كلها جهود تقوم بها نظم الحكم التقليدية في العالم العربي لكي تعطل نتاج ثورات الربيع العربي و توق الشعوب للحرية و العدالة ريثما تجهّز النظم العربية التقليدية بيتها و ترتبه من الداخل لإصلاح سياسي لا محالة آت.
و قد يتذكر السودانيون كيف حاولت كل من السعودية و مصر عرقلة التحول الديمقراطي في السودان و لكن بفضل إعجاب العالم بثوار ثورة ديسمبر نتذكر كيف خاطبت الولايات المتحدة كل من مصر و السعودية و منعهما من تدخلهما فيما يتعلق بالتحول الديمقراطي في السودان و ها هي الحرب العبثية قد أخمدت شعلة الثورة بتشريد الشعب نتيجة لحرب الكل ضد الكل.
يبقى في هذا المقال إمكانية مقاربة إبعاد ولي العهد السعودي لرجال الدين المزعجين من المشهد السياسي و الفكري في السعودية و هنا يمكننا أن نقول أن ولي العهد السعودي قد حقق جزء من نظرة ماكس فيبر الفكرية في أن الايمان الديني التقليدي لم يعد كجالب لسلام العالم كما أكده ولي العهد السعودي عندما قال مع الفكر التقليدي و الايمان التقليدي به و معه لا يمكننا تحقيق تنمية و لا إنتماء لعالم حديث إلا أن السعودية كمملكة تظل في فكر ماكس فيبر تجسد نظام ملكي تقليدي قد تجاوزه الزمن.
في نظر ماكس فيبر عندما يتحدث عن النظم الملكية التقليدية و قد تجاوزها الزمن و كذلك نظم الحكم الشمولية في نظر ماكس فيبر قد تجاوزها الزمن و كما قلنا في هذا المقال و شبهناه بما يؤسس له السيسي في مصر و سيفتح على نظام حكم شمولي تسلطي يبقى يمكننا أن نقول أن إبعاد السعودية للفكر الديني التقليدي هو تطبيق لنصف فكرة من أفكار ماكس فيبر و حديثه عن زوال سحر العالم أي أن الدين لم يعد أن يكون قادر على لعب دور بنيوي على صعد السياسة و الإجتماع و الإقتصاد كما أكده ولي العهد السعودي إلا أن النظام الملكي التقليدي في السعودية يظل في فكر ماكس فيبر لا علاقة له بمفهوم الدولة الحديثة.
و عنده أي أن مفهوم الدولة الحديثة عند ماكس فيبر تجسيد لقيم الجمهورية و تحقيق للعدالة و المساواة عبر معادلة الحرية و العدالة و لا تفسرها غير مسيرة الفكر الليبرالي لهذا قد قلنا في أعلى المقال على المدى الطويل ينتظر السعودية إصلاح سياسي يسير بإتجاه مفهوم الدولة الحديثة التي تحدث عنها ماكس فيبر و هو يعني قيم الجمهورية و القيم الليبرالية التي قد إنتصرت على النظم الملكية التقليدية و النظم الشمولية كالشيوعية و تبقى مسيرة الفكر الليبرالي عند ماكس فيبر هي ما تفسر ظاهرة المجتمع البشري.
من هنا في هذا المقال دعوتنا للنخب السودانية و قولنا لهم أن مسيرة التحول الديمقراطي تتطلب أن ينتشر فكر ماكس فيبر في حديثه عن مفهوم الدولة الحديثة و هي تجسيد لقيم الجمهورية و عند ماكس فيبر أن البشرية قد تخطت النظم الملكية التقليدية و النظم الشمولية كالشيوعية.
هذا هو فكر ماكس فيبر في إرتكازه على فلسفة النيوكانطية في قدرتها على فصل الدين عن الدولة و بعدها تصبح الديمقراطية ليست نظم حكم فحسب بل فلسفة لتجسيد فكرة العيش المشترك لتحقيق فكرة العدالة و المساواة التي لا تتحقق في ظل الخطاب الديني أي دين.
و نختم مقالنا و نؤكد فيه أن ماكس فيبر عندما يتحدث عن مفهوم الدولة الحديثة يقصد إنتصار الفكر الليبرالي و شرحه لظاهرة المجتمع البشري في تخطيها للنظم الملكية التقليدية و النظم الشمولية كالشيوعية و المؤسف نجد كثر من المفكريين السودانيين ما زالوا من ضحايا الإلتباس عن مفهوم الدولة الحديثة و يظنون أن الدولة يمكن تكون تحت نظام شمولي أو ملكي تقليدي أو عسكري مثل البرهان و جيشه و كثر يعتقدون أنه أي البرهان و جيشه في حربه العبثية مع صنيعته الدعم السريع يمثل الدولة.
و هذا الإلتباس قد أفسد مفهومي ممارسة السلطة في الدولة الحديثة و مفهوم الدولة الحديثة كما يتحدث عنهما ماكس فيبر عند أغلب النخب السودانية لذلك تجد أغلب النخب السودانية يطلبون النصح من الدكتاتوريات من حولنا في الدول المحيطة بالسودان كنظام سلفاكير أو رئيس إترتريا أو عبد الفتاح السيسي في وقت كان على النخب السودانية أن تنتبه أن التحول الديمقراطي أفكاره تحتاج لإجتهاد مفارق لآفاق الأسر الملكية التقليدية و النظم الشمولية المحيطة بالسودان.
taheromer86@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: العالم العربی و الإسلامی التحول الدیمقراطی ولی العهد السعودی فی العالم العربی فیما یتعلق فی مصر
إقرأ أيضاً:
ولي العهد السعودي: سنقف بجانب الأشقاء في لبنان وغزة لتجاوز آثار العدوان
قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إنّ استمرار إسرائيل في جرائمها في حق الأبرياء، والإمعان في انتهاك قدسية المسجد الأقصى المبارك، والانتقاص من الدور المحوري للسلطة الوطنية الفلسطينية على كل أراضيها، من شأنها تقويض جهود حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وإحلال السلام في المنطقة.
وأضاف، في كلمته أمام القمة العربية الإسلامية غير العادية، أنّ المملكة تشجب منع وكالة غوث لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» من أعمالها الإغاثية على الآراضي الفلسطينية، وإعاقة عمل المنظمات الإنسانية من تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني.
وأعرب عن إدانته للعمليات العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت الأراضي اللبنانية، مؤكدا رفض تهديد أمن واستقرار لبنان وتهجير مواطنيها، مشددا على وقوف المملكة بجوار الأشقاء في لبنان وغزة لتجاوز التبعات الكارثية الإنسانية للعدوان المتواصل.