في رحيل هاشم صديق
حين امتنع الرئيس نميري عن مصافحة شرير المسرح
عبد الله علي إبراهيم
نشرت جريدة "الأحداث" (13 أغسطس 2011) مقابلة طريفة مع مكي سنادة عن تأثير مسرحه على الجمهور. وتعرض فيه لتأثير مسرحيتين لهاشم صديق "نبتة حبيبتي" و"خطوبة سهير". وفي المقابلة إشارات لنميري كمشاهد شاف حاجة.
س: أستاذ مكي سنادة دعنا نبدأ من العمق.
ج:"خطوبة سهير» و»سفر الجفا» من الاعمال التي وضح أثرها على الناس.. الطريف أن ثلاثة اشخاص تابوا عن شرب الخمر بسبب «خليل» الشخصية التي جسدتها في «خطوبة سهير».
شخصية خليل الذي كان مدمناً على الخمر والذي تسبب إدمانه في (فركشة) خطوبة ابنته أكثر من مرة.
هؤلاء الذين تابوا اتصلت بي أسرهم لإبلاغي نبأ إقلاعهم عن الخمر، بعد مشاهدتهم للعرض المسرحي.
فأما مسرحية «سفر الجفا» فقد أثرت على شخص داخل صالة المسرح تأثيراً عميقاً جداً جداً وكنا نسمع بكائه بصوت عالٍ «جعير» لانفعاله بما يراه أثناء العرض حيث كانت المسرحية تناقش الهجرة من الريف الى الحضر التي اطلت برأسها بشكل لافت في تلك السنوات.
وقد تدهشون لو قلت لكم إن من الأشخاص الذين أثَّرت عليهم «سفر الجفا» الرئيس الراحل جعفر نميري واذكر انه حضر لمشاهدة أحد العروض وعند نهايته صعد الى المسرح لتهنئة الممثلين وكانت المفاجأة رفض مصافحة الممثل الذي جسد دور(حسن) «وهي الشخصية الكانت عاملة المشكلة في المسرحية».
} رفض مصافحته لفرط تأثره بالمسرحية؟
بالتأكيد من درجة تأثره بالمسرحية، وتاني يوم سمعنا انو سافر «ودنميري» في الشمالية وقعد ليهو حكاية بتاعة شهر مع اهله هناك. وفي ناس فعلاً بتأثروا بالمسرح وفي «خطوبة سهير» انا كنت بسمع ناس بتحتج من الصالة «لما اجي طاشم» وفي ناس بتشتمني وتقول لي «يا راجل ما تختشي خربت على بتك» ومش كده وبس في ناس كانوا بجوا بعد العرض ويقعدوا يشموا فينا عشان يشوفوا «خليل» اللي هو أنا سكران فعلاً أم غير سكران.
س: ممازحة.. يا أستاذ لم ترشف ليك ولا رشفة واحدة.. عشان تدخل في الدور؟.
يضحك بشدة بالطبع لو عملت كده ما كنت حأقدر أقيف على خشبة المسرح وامثل.. ما حدث كان درجة عالية من التقمص.
س: نميري هل أتى عرضاً الى المسرحية أم بدعوة خاصة؟
نميري كان يأتي لمشاهدة العروض المسرحية بانتظام وكان حريصاً على ذلك الأمر.
س: وهل كان يأتي الى المسرح متخفيا؟
لا أبداً كان يأتي عياناً بيانا. المرة الوحيدة التي جاء فيها متخفياً الى المسرح كانت اثناء عرض مسرحية «نبتة حبيتي» ولهذا قصة رواها لي بنفسه عندما قابلته في مكتب «مهدي مصطفى الهادي» وكشف عن حضوره المسرحية واذكر قوله لي «ده نوع المسرح النحن دايرنو». وشاهد العديد من الأعمال التي شاركت فيها منها «خطوبة سهير» و«سفر الجفا» و«جواهر» في مسرح قاعة الصداقة.
س: أستاذ مكي سنادة دعنا نبدأ من العمق.. ما هي الأعمال التي تشعر بأنها أثرت على المجتمع؟.. وأن رسالتها وصلت للجمهور؟.
«خطوبة سهير» و»سفر الجفا» من الاعمال التي وضح أثرها على الناس.. الطريف أن ثلاثة اشخاص تابوا عن شرب الخمر بسبب «خليل» الشخصية التي جسدتها في «خطوبة سهير».
شخصية خليل الذي كان مدمناً على الخمر والذي تسبب إدمانه في (فركشة) خطوبة ابنته أكثر من مرة.
هؤلاء الذين تابوا اتصلت بي أسرهم لإبلاغي نبأ إقلاعهم عن الخمر، بعد مشاهدتهم للعرض المسرحي.
أما مسرحية «سفر الجفا» فقد أثرت على شخص داخل صالة المسرح تأثيراً عميقاً جداً جداً وكنا نسمع بكائه بصوت عالٍ «جعير» لانفعاله بما يراه أثناء العرض حيث كانت المسرحية تناقش الهجرة من الريف الى الحضر التي أطلت برأسها بشكل لافت في تلك السنوات.
وقد تدهشون لو قلت لكم إن من الأشخاص الذين أثَّرت عليهم «سفر الجفا» الرئيس الراحل جعفر نميري واذكر انه حضر لمشاهدة أحد العروض وعند نهايته صعد الى المسرح لتهنئة الممثلين وكانت المفاجأة رفض مصافحة الممثل الذي جسد دور(حسن) «وهي الشخصية الكانت عاملة المشكلة في المسرحية».
س: رفض مصافحته لفرط تأثره بالمسرحية؟
بالتأكيد من درجة تأثره بالمسرحية، وتاني يوم سمعنا انو سافر «ودنميري» في الشمالية وقعد ليهو حكاية بتاعة شهر مع اهله هناك. وفي ناس فعلاً بتأثروا بالمسرح وفي «خطوبة سهير» انا كنت بسمع ناس بتحتج من الصالة «لما اجي طاشم» وفي ناس بتشتمني وتقول لي «يا راجل ما تختشي خربت على بتك» ومش كده وبس في ناس كانوا بجوا بعد العرض ويقعدوا يشموا فينا عشان يشوفوا «خليل» اللي هو أنا سكران فعلاً أم غير سكران.
***"سفر الجفا" من تأليف بدر الدين هاشم.
ibrahima@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الى المسرح أثرت على وفی ناس فی ناس
إقرأ أيضاً:
في ذكرى رحيل فؤاد سالم .. قصة تسجيل شريط (شهداء الطريق) !
بقلم: فالح حسون الدراجي ..
مرت أمس الذكرى الحادية عشرة لرحيل فنان الشعب فؤاد سالم، وهنا أود أن أتذكر معكم قصة واحد من أهم الأعمال الغنائية الوطنية لهذا الفنان المكافح، الذي تشرفت باللقاء والتعارف معه منذ اكثر من نصف قرن، وكتابة ثلاث عشرة أغنية له.. ومن بينها شريط ( شهداء الطريق) الذي ضم عشر أغنيات عن بسالة عشرة شهداء شيوعيين أبطال..
وعن قصة هذا الشريط أتذكر ذات يوم، تلقيت دعوة كريمة من الصديق المندائي مالك عنيد، ومالك هو أحد المناضلين القدامى الذين عملوا في صفوف الحزب الشيوعي العراقي منذ مطلع ستينات القرن الماضي، وقد أتيحت له فرصة العمل مع الشهيد الخالد سلام عادل، فنهل من خبرته، وتجربته، وبسالته الأسطورية الكثير.
وإذا كانت كل أحاديث أبي أطياف ممتعة، ودافئة، فإن حديثه عن سيرة أبطال الحزب الشيوعي، وشهدائه أكثر متعة ودفئاً. وفي وهج ذلك الوجد والإنفعال العاطفي الذي غمر كل مسامات روحي، وهو يحدثني عن صمود سلام عادل، قام بوضع شريط غنائي في جهاز التسجيل، لينساب صوت فؤاد سالم الى مسامعنا هادئاً، ونبيلاً، وموجعاً، فيمتلئ البيت بعطر الشهداء، وهو يغني : ” سلام الحب على أحلى الأسامي .. گبرك وين حتى أبعث سلامي؟
وما أن وصلنا هذا النداء المهيب، حتى يفجعنا فؤاد سالم مرة أخرى بنداء موجع إلى الشهيد، جمال الحيدري بقوله : يجمال الغالي عذَّبنا الفراق .. مدري نبچي إعليك مدري إعله العراق؟
وهكذا تتوالى الأغنيات عن الشهداء الخالدين واحدة بعد الأخرى حتى يكتمل الشريط بأغنياته العشر، وقبل أن أجفف الدمع، التفت لي صديقي أبو أطياف وهو يقول لي : كيف كتبت هذه الأغنيات العشر يافالح، واستطعت أن تصف بدقة أشكال ومزايا وتطلعات هؤلاء الشهداء دون أن تراهم، فكأنك عشت معهم، وصابحتهُم، ومسَّيتهُم، وتمعنت بوجوههم واحداً واحدا، ثم كيف نقلت كل هذا الثراء، والروعة عن حياتهم، وصمودهم؟.. احكِ لي رجاء قصة هذا الشريط المذهل الموجع، وكيف اجتمعتما أنت والفنان فؤاد سالم، وكيف تولدت الفكرة لديكما، فنسجتما الإبداع خيطاً خيطا، احكِ لنا يافالح، فهذا ليس ملكك فقط، بل هو مُلك الناس جميعاً، لانه تاريخ حزب، وشعب، وسجل لكواكب مضيئة، يجب أن يعرفه الآخرون مثلما تعرفه انت، بخاصة وقد وجدت هذه الأغنيات على (اليوتيوب) دون ذكر لاسمك أو اسم الملحن، فقد وضعت هذه الأغنيات دون تعريف !
قلت له، سأتحدث لك يا صاحبي عن ظروف هذا الشريط كما هي، والمفرح أن شخوص هذه الرواية مازالوا طيبين، وأحياء يرزقون.. والحكاية تبدأ قبل نهاية عام 2000 بأيام قليلة، حين أقام أنصار الحركة الوطنية في ديترويت حفلاً صغيراً احتفاءً بقدوم الدكتور فائق بطي عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وقد غنى في ذلك الحفل فنان الشعب فؤاد سالم بعضاً من أغنياته الوطنية، ثم قرأتُ بعدها قصيدة عن الشهيد سلام عادل، أعجبت الحاضرين، وأبكت بعضهم وبعضهن مما دفع الدكتور بطي الى أن يطلب مني تحويل هذه القصيدة الى نص غنائي يقدَّم بصوت الفنان فؤاد سالم. وللحق فإن الفكرة أعجبت فؤاد سالم قبل أن تعجبني، فطلب مني فؤاد تحقيق ذلك بسرعة إن أمكن، لأنه – أي فؤاد – سيذهب الى لندن لإقامة حفلتين هناك، وبعدها سيذهب الى سوريا، وربما لن يعود أبداً الى أمريكا – وقد فعلها فؤاد فعلاً، فذهب ولم يعد حتى هذه اللحظة! المهم أن الحفلة انتهت، وعدت الى بيتي، لكن تفكيري بالموضوع لم ينته، فشغلني تماماً .. وأثناء ذلك قدحت بذهني فكرة كتابة شريط غنائي كامل عن شهداء الحزب وليس أغنية واحدة فقط، لكن المشكلة كانت تكمن في فؤاد الذي سيغادر بعد ثمانية أيام الى لندن، وحتماً أن ثمانية أيام لا تكفي لإنجاز مثل هكذا مشروع كبير. ناهيك من صعوبة تحديد أسماء الشهداء بعشرة فقط، إذ من سنختار، ومن سنترك، إذا كان لدى الحزب آلاف الشهداء الميامين الذين يستحقون الشكر والثناء والتغني ببطولاتهم؟
ولم أنتظر، فبدأت الكتابة في الساعة الواحدة من بعد منتصف نفس الليلة، وقبل أن تشرق شمس الصباح، كنت قد أكملت كتابة أغنية الشهيد فهد، وأغنية الشهيد سلام عادل. فذهبت الى فراشي (صباحاً) وأنا فرح لما أنجزت، وأقسم أني لم أنم وقتها غير ساعتين، أو ثلاث لأنهض من فراشي مسرعاً وأمضي الى بيت فؤاد لأخبره بالموضوع، فوجدته فرحاً مثلي أيضاً، لكنه قال لي متسائلاً : هل تعتقد أننا سنتمكن من تحقيق ذلك خلال هذه الأيام الثمانية؟
قلت له : أجل سنتمكن يا أبا حسن، وسننجح حتماً مادمنا مؤمنين بجدوى وأهمية ما نسعى اليه، وسيكون لهذا الشريط صدى عظيم، لاسيما واننا أول من بدأ، ونفذ فكرة تقديم شريط غنائي كامل عن شهداء الطريق..
إقتنع ( أبو حسن) بذلك، وقد ازداد قناعة .. لكن مشكلة أخرى واجهتنا أيضاً، فالشريط الغنائي يحتاج لعازف موسيقي، واستوديو، وهذا يعني أننا سنحتاج الى مبلغ لا يقل عن ألفي دولار، خاصة وأن فؤاد مثلي لايملك ربع هذا المبلغ .. مما دفعنا لأن نذهب الى أحد أعضاء سكرتارية الإتحاد الديمقراطي العراقي في الولايات المتحدة آنذاك، وما أن عرضنا عليه الأمر ، حتى فرح وأعلن عن استعداد الإتحاد لتحمل كافة مصاريف التسجيل .. كل هذا، وأنا لم أكتب بعد من الشريط سوى نصّين اثنين فقط. وقد سلمت النصَّين الى فؤاد سالم، ذهبت الى بيتي منتشياً، وحالماً بهذا المشروع الفني والوطني الجميل، وقبل أن أصل البيت، كنت قد أكملت كتابة أغنية الشهيد جمال الحيدري، وبعد ساعتين أو ربما أكثر بقليل إتصل بي فؤاد، ليخبرني أن الوقت قصير لايسمح بالتواصل مع أحد الملحنين الكبار، لذلك سيضطر إلى أن يلحن جميع الأغنيات بنفسه !! وهكذا بدأ فؤاد سالم تلحين أغنيات الشريط…
بعد ثلاثة أيام فقط، كنت قد انتهيت من كتابة أحد عشر نصاً غنائياً، لأحد عشر شهيداً، وبعد يومين على إكمال كتابة النصوص ( أي في اليوم الخامس )، كان فؤاد سالم قد أكمل تلحين جميع الأغنيات، لنمضي بعدها في البحث عن الموسيقي الذي سيعزف موسيقى الإغاني، والأستوديو الذي تسجَّل فيه .. وبعد جهد غير قليل اهتدينا الى الموسيقي نوار العزاوي، الذي كان قد وصل الى ديترويت تواً، ولعل من الأمور التي أفرحتنا كثيراً، أن نوار العزاوي يملك ايضاً أجهزة تسجيل، وإذا ما توفر لها مكان خاص، فسيمكن لنا تسجيل الشريط عبرها..!
وفعلاً تم الحصول على مكان مناسب، بمساعدة الأخ العزيز خيون التميمي عضو سكرتارية الإتحاد الديمقراطي، كما تم استحصال المبلغ المطلوب من الأخ نبيل رومايا. وبدأ التسجيل، فكانت الأغنية الأولى للشهيد فهد، ثم أغنية الشهيد سلام عادل ثم أغنية جمال الحيدري، وعايدة ياسين، وجورج تلو، ثم أغنية حسن السريع ومحمد الخضري، ثم هندال البصري، ثم أبو گاطع، ثم أغنية الشهيدين بيا صليوة، وفكرت جاويد، وقبل أن نصل الى الأغنية الأخيرة في الشريط، التي تحمل رقم (11) والمخصصة لشقيقي الشهيد خيون حسون الدراجي، انتهى الشريط للأسف، ولم يعد ثمة مجال للأغنية الحادية عشرة، بعد أن نفدت الدقائق الستون تماماً .. وهنا اقترح بعض الأخوة رفع أغنية ( أبو گاطع ) من الشريط، ووضع أغنية شقيقي خيون بدلاً عنها، على اعتبار أن أبا گاطع هو الوحيد – في الشريط – الذي لم يستشهد، إنما توفي في حادث سيارة على الحدود الهنغارية، لكنني رفضت ذلك، وأصررت على بقاء أغنيته متنازلاً عن حقي في أغنية شقيقي خيون، لتبقى أغنية أبي گاطع، وفاءً للرجل الذي نذر حياته للشعب، والحزب، ووفاءً لدوره الكبير في رعايتي ودعمي وإسنادي منذ مطلع حياتي السياسية والشعرية، والصحفية. على أمل أن نستكمل في المستقبل سلسلة أغاني الشهداء، فأضع أغنية شقيقي خيون في أول شريط قادم، لكن الأيام تصادمت، وتنافرت، فأبعدتنا الواحد عن الآخر بما فيهم فؤاد سالم نفسه، ولم نلتق حتى بعد سقوط النظام، فقد غاب أبوحسن في لجة السفر، والمرض، والمشاغل، ولم نستطع إكمال حلمنا في مواصلة السلسلة الإستذكارية لأقمار وطنية أنارت بدمها ليل العراق الطويل، فضاع الكثير من الأغنيات، والنصوص في سجلات النسيان … ولعل من أهم الأشياء التي أسجلها هنا لفنان الشعب فؤاد سالم، حرصه الكبير على إكمال هذا الشريط رغم ظروف السفر، ورغم إصابته بالأنفلونزا، حتى أنه سجل أغنية (أبي گاطع) في تمام الساعة الخامسة فجراً، وما أن انتهى من تسجيلها حتى حمل حقيبته الى المطار حالاً، ليسافر الى لندن دون أن ينام لحظة واحدة وهو يعاني من اعراض الأنفلونزا، وقطعاً ما كان لأي مطرب آخر غير فؤاد أن يفعل ذلك.. وقبل أن أكمل حديثي للصديق العزيز مالك عنيد، وأروي له قصة شريط (شهداء الطريق)، فإني أردت أن أسجل للأخوة الغالين عامر جميل، ونبيل رومايا وخيون التميمي دورهم في تحقيق هذا الشريط، إذ لولاهم لما تحقق هذا المشروع أبداً .. أبداً .
فالح حسون الدراجي