قمة الرياض | غضب من البيانات المألوفة.. وتهكم على مفارقات الشقيقة والأسد
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
في الرياض على مرمى حجرين من غزة، عقدت القمة العربية الإسلامية غير العادية وسط مناخ إقليمي مشحون على وقع حرب مدمرة في القطاع وأخرى تشابهها في لبنان، بالتزامن مع توتر متصاعد مع إيران، وصواريخ وطائرات مسيرة من اليمن والعراق تجاه الأراضي المحتلة.
تزامنت القمة العربية مع اتساع بركة الدم في غزة، وانعدام أفق الحل في لبنان، وفوز ترامب في الانتخابات الأمريكية، كل تلك المستجدات جعلت القمة غير عادية، أكثر من دلالات صفتها الرسمية، فهل جاءت بما تأمل به الشعوب.
بين الإدانة والاستنكار
لم تخرج بيانات الزعماء العرب والمسلمين عن السياق الروتيني المألوف من بيانات الإدانة والاستنكار ومطالبة المجتمع الدولي بالتدخل لوقف الحرب.
ودعت القمة مجلس الأمن الدولي بقرار ملزم لوقف إطلاق النار في غزة، كما طالبت بحظر تصدير أو نقل الأسلحة إلى دولة الاحتلال، التي اتهمتها بارتكاب إبادة جماعية في غزة، مؤكدة أن لا سلام مع الاحتلال قبل انسحابه إلى حدود 1967.
وندد القادة بالجرائم المروعة والصادمة" التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة "في سياق جريمة الإبادة الجماعية" بحق الفلسطينيين، مشيرين إلى "المقابر الجماعية وجريمة التعذيب والإعدام الميداني والإخفاء القسري والنهب والتطهير العرقي" خصوصا شمال القطاع.
وحتت البيان الختامي على "توفير كافة أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي والحماية الدولية للشعب الفلسطيني ودولة فلسطين وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتوليها مسؤولياتها بشكل فعال على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها قطاع غزة وتوحيده مع الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس".
وأكد البيان، على سيادة دولة فلسطين الكاملة على القدس الشرقية المحتلة، عاصمة فلسطين الأبدية" مضيفا أن المسجد الأقصى "خط أحمر".
من جانبه، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إن لجنة ثلاثية مشكلة من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي ستتحرك دبلوماسيا في مسعى لوقف الحرب في غزة ولبنان.
وتعليقا على البيان الختامي يقول الكاتب والباحث السياسي نظير الكندوري، إن خلاصته تراوحت ما بين الإدانة والرفض والاستنكار لكل جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني واللبناني والسوري. لكن خلاصتها لا تختلف عن القمة التي سبقتها قبل سنة إلا بأمر واحد فقط، وهو إن سلسلة الادانات والاستنكارات والرفض، كانت أطول من القمة السابقة، نظرًا لزيادة الجرائم الإسرائيلية طيلة السنة الفائتة، واتساع نطاقها لتشمل دول أخرى غير فلسطين المحتلة.
وأضاف في حديث لـ "عربي21" ، "ليس مؤملًا من هذه القمة أن تحدث فارقًا حقيقيًا ونوعيًا في إيقاف الجرائم الإسرائيلية وردع دولة الاحتلال، كما فشلت سابقتها في تحقيق ذلك".
قمة مشابهة
لم تختلف مخرجات القمة الأخيرة عن تلك التي سبقتها العام الماضي بداية العدوان، دعوات وبيانات إدانة ومطالبات بالتحرك، حينها دعا مشروع القرار في القمة العربية الإسلامية، إلى "كسر الحصار على غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري".
وحث على عقد مؤتمر دولي للسلام، في أقرب وقت ممكن، تنطلق من خلاله عملية سلام ذات مصداقية على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام، ضمن إطار زمني مُحدد وبضمانات دولية.
وعقب كل قمة عربية يظهر السؤال المتكرر ما نتج عنها؟ وهل هناك متابعة لتنفيذ القرارات إن وجدت؟
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 انتقد رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني، تأخر تشكيل اللجنة التي قررت القمة العربية الإسلامية حينها، تشكيلها بهدف متابعة العدوان الإسرائيلي على غزة.
وكتب على حسابه في منصة إكس (تويتر سابقا): "أتذكر أن القمة العربية الإسلامية الأخيرة قررت تشكيل لجنة لمتابعة الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، والتحرك لإيجاد حل عاجل يوقف المآسي الدموية والمجازر التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة".
كما أتذكر فإن القمة العربية الإسلامية الأخيرة قررت تشكيل لجنة لمتابعة الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، والتحرك لإيجاد حل عاجل يوقف المآسي الدموية والمجازر التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة.
وبعد مرور أسبوع على انعقاد القمة فإني أتساءل عما إذا كانت اللجنة المقترحة قد قررت… — حمد بن جاسم بن جبر (@hamadjjalthani) November 18, 2023
وتابع متسائلا: "وبعد مرور أسبوع على انعقاد القمة فإني أتساءل عما إذا كانت اللجنة المقترحة قد قررت تشكيلتها وسير وجدول أعمالها أم إنها ما زالت تتداول في ذلك؟".
ومع هذه القمة أعيد ذات السؤال، فيجيب عليه الكندوري قائلا، "هذه الدول المجتمعة في الرياض، لو امتلكت الإرادة الحقيقية لردع العدوان الإسرائيلي وإيقاف جرائمه، لكانت فعلت ذلك من وقت طويل، بالرغم من امتلاكها لقدرات يجعلها قادرة على فعل ذلك، لكن لا تمتلك تلك الإرادة، بل إن بعض الدول المشاركة بهذه القمة، ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر بدعم العدوان والمجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد أهلنا في فلسطين أو لبنان".
انفصال عن الشعوب
وتصدرت القمة العربية الإسلامية وبيانها الختامي، حديث رواد مواقع التواصل حيث رآها كثيرون لا تلبي أدنى احتياجات المرحلة ولم ترتق لحجم الحرب الدائرة في المنطقة والتي قد تمتد لدول أخرى.
وعن تأثير ذلك على العلاقة بين القرار الرسمي العربي والمزاج الشعبي يؤكد الكندوري، أن "هذا الموقف الرسمي الضعيف للدول العربية والإسلامية، سيبني حاجزا سميكا بينها وبين شعوبها، لان سياساتهم وقراراتهم لا تمثل شعوبهم التي تتوقف إلى موقف حقيقي يكون ضاغط على دولة الاحتلال لإنهاء عدوانها وتحمل مسؤولية جرائمها".
وتابع، "ليس مستبعدًا إن هذه الشعوب التي بدأت تشعر باليأس من حكوماتها وثبت لها بالدليل على تواطئ بعضها مع الاحتلال، أن تقوم بعمليات رفض لأنظمتها، تتجاوز الأساليب السلمية، لإن معظم الأنظمة، لا تبيح لشعوبها بالتعبير السلمي عن توجهاتها، فليس مستغربًا إذا ما جنحت هذه الشعوب لاستخدام العنف لحمل أنظمتها على اتخاذ مواقف تتناسب مع الحدث جلل الذي يحدث في فلسطين ولبنان، وهنا تكمن الخطورة، حينما تضطر الشعوب لاستخدام العنف لإجبار أنظمتها على مراعاة الثوابت التي تؤمن بها".
مفارقات القمة
حملت قمة الرياض جملة مفارقات لفتت أنظار ناشطين وكتاب، حيث لم يعد مستغربا حضور رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى القمة إلا أن حديثه عن العدوان وجرائم الاحتلال في غزة، أثار غضب الكثير من السوريين خصوصا أن الأسد يتهم بقتل عشرات الآلاف من المدنيين والتسبب بالمأساة السورية المستمرة، هذا فضلا عن صمت النظام تجاه العدوان الإسرائيلي على سوريا الذي بات شبه يومي.
حضور بشار الأسد قمة الرياض، لن يغير من واقع حاله أو من مصيره شيئا. حتى فكرة إعادة تأهيل نظامه لم تعد مناسبة للسياق المتفجر في المنطقة، وما عادت هذه الفكرة أو الرغبة بيد أحد، بعدما تدحرجت كرة اللهب، وما زالت.
ليس مرجحا أن دعوته كانت مقصودة كرسالة لصالحه، بل هي جزء من بروتوكول… — لقاء مكي (@liqaa_maki) November 11, 2024
بشار الاسد يتحدث عن مأساة الفلسطينيين في غزة ، بينما حفرة التضامن بدمشق شاهده على عصابة بشار الذين قتلوا الفلسطينيين فيها pic.twitter.com/RMkPN7MlMo — عمر مدنيه (@Omar_Madaniah) November 11, 2024
عندما يتحدث الجلاد عن الرحمة، والمذنب عن العدالة، تكون المفارقة صارخة والحقائق مقلوبة. عجبي من زمن يتصدر فيه القتلة مشاهد الوعظ والحديث عن القيم!!#بشار_الأسد_مجرم_حرب pic.twitter.com/LA9gbKKQUy — علي بن أحمد المهندي (@Aahalmohannadi) November 11, 2024
ومن زاوية أخرى كان لحضور الأسد ووصف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إيران بـ "الشقيقة" مدار حديث في مواقع التواصل، حيث تحدث مدونون عن تناقض المواقف العربية، فمن جهة شيطنت بعض الدول العربية حركة حماس وصنفتها على قوائم الإرهاب بسبب علاقتها بإيران، التي توصف اليوم بـ "الشقيقة" ومن ولي العهد السعودي ذاته.
إلى من انكروا على حماس والمقاومة استعانتهم بالدعم الإيراني واتهموهم بأبشع الأوصاف
ماذا يكون ردكم اليوم على كلام بن سلمان ووصفه لإيران بأنها جمهورية إسلامية شقيقة
وتوقيع اتفاقية تعاون عسكري بينهم ؟!#القمة_العربية_والإسلامية #فلسطين #جباليا_تباد_Jabalia pic.twitter.com/0wlArBax4B — ????????سالم الصبيحي (@slmbdlmydlbyy1) November 12, 2024
يشيطنون #حماس ويطلعوها من الملة لان عدها علاقات وية الشقيقة ! pic.twitter.com/arQhLWYDnQ — محمد شفيق (@momshf9) November 11, 2024
الأمر الأكثر غرابة وفق الباحث السياسي العراقي نظير الكندوري كان إصرار القمة على "حل الدولتين" والانسحاب حتى حدود 1967.
وعن ذلك يقول، إن الأمر المستغرب أن البيان الختامي ربط السلام في المنطقة بموافقة "إسرائيل" على حل الدولتين وانسحاب الاحتلال إلى حدود 1967، وإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وكأنهم هم بيدهم قرار الحرب والسلم مع "إسرائيل".
وأضاف، في الوقت الذي تطالب هذه الدول بحل الدولتين، تقوم "إسرائيل" بتوسيع خططها للتوسع على حساب الأراضي الفلسطينية وغير الفلسطينية، وبالتزامن مع مطالبتهم بإدانة "إسرائيل" وتجميد عضويتها في الأمم المتحدة، تقوم الدولة التي استضافت القمة في عاصمتها، بالتفاوض مع الولايات المتحدة و"إسرائيل"، لإعلان التطبيع مع "إسرائيل"، ناهيك عن عدد كبير من الدول المشاركة بالقمة، لديها إما اتفاقيات سلام مع دولة الاحتلال أو تطبيع علني أو سري معها، هل يعتقدون إن الناس في غفلة عن هذا، أم إنهم يضحكون على ذقون شعوبهم؟
وأشار إلى أن الأمر الاعجب من ذلك، هو إن "إسرائيل" التي اجتمع هؤلاء الزعماء لإدانتها، يسخر إعلامها ويستهزئ من المجتمعين في القمة ومن مقررات القمة في اعلامهم، لعلمهم إن هؤلاء الزعماء غير قادرون على تنفذها ولو بحدها الأدنى.
بدوره يقول الباحث والكاتب الفلسطيني ياسر الزعاترة، إن المفارقة كانت عجيبة وصارت عادية، نتنياهو يحلم باستغلال ولاية ترامب لضمّ الضفة الغربية، أو أجزاء منها، كمقدّمة للضمّ النهائي والتهجير، فيما يواصل بعض العرب اللهاث وراء وهْم حلّ الدولتين.
وأضاف في منشور على منصة "إكس" أن تلك مطاردة تريحهم، وفي مقدّمتهم سلطة عباس، من الأسئلة المُترتّبة على الاعتراف بالحقيقة، الأخير باقٍ على نهجه، ولو تركوا له بضعة كيلو مترات من حول المقاطعة في رام الله.
مفارقة كانت عجيبة وصارت عادية!!
نتنياهو يحلم باستغلال ولاية ترامب لضمّ الضفة الغربية، أو أجزاء منها، كمقدّمة للضمّ النهائي والتهجير، فيما يواصل بعض العرب اللهاث وراء وهْم حلّ الدولتين.
مطاردة تريحهم، وفي مقدّمتهم سلطة عباس، من الأسئلة المُترتّبة على الاعتراف بالحقيقة.
الأخير… — ياسر الزعاترة (@YZaatreh) November 11, 2024
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية غزة القمة لبنان لبنان السعودية غزة القمة القمة العربية الاسلامية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القمة العربیة الإسلامیة دولة الاحتلال pic twitter com فی غزة
إقرأ أيضاً:
هذه هي المخططات الخفية التي تُدبّرها إسرائيل لتركيا
لم يعد اليمين الأكثر تطرفًا في إسرائيل، يبدي أي قدرٍ من الحياء أو التحسب والحذر، وهو يبوح بما يختزنه في عقله الأسود، من مخططات ومشاريع، تكاد تطال مختلف دول المنطقة ومجتمعاتها، وتمسّ بالعمق، أمنها واستقرارها وسيادتها وسلامة أراضيها ووحدة شعوبها.
آخر الصيحات التي خرجت من أفواه قادته، جاءت على لسان الوزير جدعون ساعر، ودعوته لتشكيل "حلف أقليات" في الإقليم، تستند إليه إسرائيل في استهداف أعدائها من شرقي المتوسط إلى ضفاف قزوين.
لم يكن الرجل قد قضى سوى أيام قلائل، في منصبه على رأس وزارة الخارجية، إثر انقلاب نتنياهو على وزير دفاعه، حتى بدأ يُلقي على مسامعنا، بعضًا من فصول "نظرته الإستراتيجية" للإقليم، الذي تشكل إسرائيل فيه، "أقلية وسط أغلبية معادية"، مُقترحًا البحث عن "مُشتركات" مع أقليات أخرى، بدءًا بدروز سوريا ولبنان، وليس انتهاء بأكراد سوريا، والعراق، وتركيا، وإيران، فاللعب على ورقة "المكونات"، كفيل بجعل إسرائيل، "أكبر الأقليات وأقواها"، في فسيفساء المشرق العربي وهلاله الخصيب ودول الجوار الإقليمي للأمة العربية.
الأمر الذي يدفع على الاعتقاد الجازم، بأن ساعر لم يعرض سوى رأس جبل الجليد من مشروعه لـ "تجزئة المجزَّأ"، في حين ظل الجزء الأكبر منه، غاطسًا تحت السطح، وهو بالقطع، يشمل مختلف "المكونات" الاجتماعية في دول المشرق وجوارها الإقليمي.
وبالنظر إلى السياق الذي طُرح فيه، "حلف الأقليات" وتوقيت هذا الطرح، يمكن الافتراض، بأن تركيا، قبل غيرها، وأكثر من غيرها من الدول المستهدفة، هي الحلقة الأولى في إستراتيجية التفكيك المنهجي المنظم، لبنية هذه المجتمعات ووحدة وسلامة أراضي هذه الدول.
فأنقرة، رفعت وتيرة انتقاداتها لحرب إسرائيل البربرية على غزة ولبنان، وهي تقدم حماس والجهاد وبقية الفصائل الفلسطينية، بوصفها حركات تحرر وطني مشروعة، في مواجهة "طوفان الشيطنة" و"حرب الإلغاء" اللذين تتعرض له من قبل آلة "البروباغندا" الإسرائيلية، المدعومة من قبل أوساط غربية وإقليمية وازنة.
ولعلّ هذا ما تنبهت إليه القيادة التركية، مبكرًا وقبل أن يُخرج ساعر ما في جوفه، عندما بدأت التحذير من مغبة تطاير شرارات الحرب إلى سوريا، وعلى مقربة من حدودها، بل وإبداء الاستعداد لمواجهة تركية – إسرائيلية إن تدحرجت كرة النار، وعجز المجتمع الدولي عن وقفها.
وفي كل مرة صدرت فيها عن أنقرة، تحذيرات من هذا النوع، كانت أنظار المسؤولين والناطقين باسمها، تتجه إلى لعبة "المكونات" التي تريد إسرائيل فرضها على الإقليم، بدعم وإسناد من دوائر غربية عديدة، وتحت حجج وذرائع ومزاعم شتى.
مبادرتان استباقيتانفي هذا السياق، يمكن النظر إلى المبادرات الاستباقية الأخيرة التي صدرت عن أنقرة، وأهمها اثنتان: الأولى؛ داخلية، وصدرت عن دولت بهتشلي، حليف أردوغان وزعيم الحركة القومية و"ذئابها الرمادية"، الرامية لإغلاق ملف المصالحة بين أتراك تركيا وكردها، وهي مبادرة كانت مفاجئة لجهة توقيتها والجهة التي صدرت عنها، وسط قناعة عامة بأنها لم تأتِ منبتّة عن السياق الإقليمي، وانفلات "التوحش" الإسرائيلي من كل عقال، وأنها لم تأتِ من دون تنسيق مسبق بين الحليفين: بهتشلي وأردوغان.
صحيح أن المبادرة، فجّرت قلق خصومها الداخليين، بالذات على "ضفتي التطرف القومي" الكردي – التركي، وأنها أثارت انقسامًا بين "تيار قنديل" داخل أكراد المنطقة، وتيار المصالحة والاعتدال، الذي يُعتقد أن عبدالله أوجلان، يقف على رأسه، من مَحبَسه على جزيرة "إمرالي".
وصحيح أن خصوم المصالحة عملوا على تفجير مركبها قبل إبحاره وسط تلاطم أمواج المواقف والمصالح المتناقضة، بدلالة الهجوم على شركة "توساش" في قلب العاصمة التركية في الثالث والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وما أعقبه من تصعيد في العمليات طال مناطق داخل تركيا وخارجها (سوريا والعراق).. لكن الصحيح كذلك، أن قطار المبادرة ما زال على سكته، رغم العرقلة، وأنه قد يواصل مسيره، ما دام أن وجهته النهائية، تحصين الداخل التركي في مواجهة مؤامرات التفكيك.
أما المبادرة الثانية؛ فسابقة على تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وإن كانت اكتسبت زخمًا إضافيًا في الأسابيع الأخيرة، والمقصود بها، الرغبة التركية الجارفة بالمصالحة مع دمشق، وعروض الرئيس التركي المتكررة، للقاء الأسد، وإغلاق صفحات الخلاف (الصراع) بين البلدين.. وهي المبادرة، المدفوعة بجملة من الحسابات والاعتبارات التركية، من بينها قضية اللاجئين السوريين، وأهمها "المسألة الكردية".
والحقيقة أن أنقرة، لم تكن بحاجة لأن تنتظر جدعون ساعر ليخرج ما في "صندوقه الأسود" من مشاريع طافحة بالعدائية لتركيا، حتى تبدأ بالتحرك المضاد، وتشرع في العمل على إحباط مراميها وأهدافها، والمؤكد أنها كانت تدرك، أن "النجاحات" التي سجلتها إسرائيل على الجبهة الشمالية مع لبنان، وفي مواجهة حزب الله، وتكثيفها العمليات ضد حزب الله وإيران في سوريا، فيما يشبه الاستباحة الكاملة للأجواء والسيادة السوريتين، من شأنها إحياء النزعات الانفصالية لدى بعض تيارات الحركة الكردية في المنطقة، ما دام أن هذه النزعات كانت قد تغذّت تاريخيًا وتضخمت، على جذع "الغطرسة" و"الاستعلاء" الإسرائيلي.
كما أن التطاول الإسرائيلي المتكرر على إيران، سواء في عمقها أو مناطق نفوذها، وعدم نجاح الأخيرة في بناء معادلة ردع صارمة في مواجهة التهديدات باستهداف برنامجَيها النووي والصاروخي – من ضمن أهداف إستراتيجية أخرى – ساهم بدوره في زيادة المخاوف التركية، من تضخم الدور الإقليمي لإسرائيل، ولجوء تل أبيب لاستخدام أسلحة وأدوات من النوع الذي تحدث عنه ساعر: "حلف الأقليات".
العامل الأميركيلم تكن علاقات تركيا بإدارة بايدن سلسة دائمًا، وغلب عليها التوتر في بعض الأحيان على حساب مقتضيات عضوية البلدين في "الناتو"، ومن بين جملة الأسباب الباعثة على فتور العلاقات وأحيانًا توترها، احتلت "المسألة الكردية" مكانة متميزة في صياغة شكل ومحددات العلاقة مع إدارة بايدن الديمقراطية.
فالرئيس بايدن، عُرِفَ عنه، تاريخيًا، تعاطفه الشخصي مع "الانفصالية" الكردية، وهو كان سبّاقًا من موقعه في مجلس الشيوخ لعرض تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث. ودعم بكل قوة، قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والأطر والأذرع السياسية والاجتماعية والمالية المنبثقة عنها والموازية لها.
ونافح بقوة أيضًا عن بقاء وحدات من الجيش الأميركي في مناطق شمال شرق سوريا؛ لحماية الحركة الكردية وتدعيمها، إن في مواجهة دمشق وطهران وحلفائهما، أو بالأخص في مواجهة تركيا. وهو أغدق على أكراد سوريا، الأكثر قربًا من "مدرسة أوجلان" والـ "بي كي كي"، السلاح والعتاد، الأمر الذي لطالما قرع نواقيس الخطر في مراكز صنع القرار في الدولة التركية.
وربما لهذا السبب بالذات، سقطت أنباء فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية واكتساح حزبه الجمهوري مقاعد الأغلبية في مجلسَي الشيوخ والنواب، بردًا وسلامًا على تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، فالأول نجح في إقامة "علاقات عمل" مثمرة، ونسج بعض خيوط الصداقة مع الأخير، لأسباب لا مجال للخوض فيها في هذه المقالة، وهو متحرر من أية صلات أو "مشاعر" حيال كُرد المنطقة، والأهم، أنه بادر في ولايته الأولى إلى الإعلان عن نيته سحب قواته من شمال سوريا، وقد يستكمل في ولايته الثانية، ما كان بدأ به، قبل تدخل مؤسسات "الدولة العميقة" الأميركية لإحباط مساعيه آنذاك.
على أن مشاعر الارتياح للتحولات الأخيرة في الإدارة والكونغرس الأميركيين، لا تكفي لتبديد مخاوف أنقرة مما يمكن لتل أبيب، أن تقدم عليه. فالأتراك، بلا شك، يدركون أتم الإدراك، "مساحات المناورة وحرية الحركة" التي تتمتع بها إسرائيل في علاقاتها مع الولايات المتحدة.
ويعرفون تمام المعرفة، أن اليمين الفاشي في تل أبيب، قادر على مغازلة مشاعر اليمين الأميركي المتطرف، ومداعبة أولويات "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، وبالضد من إرادة الإدارة في بعض الأحيان، إن تطلب الأمر و"المصلحة العليا" ذلك. ومن هنا يمكن القول إن مشوار تركيا في تعاملها مع "المسألة الكردية"، لن يكون معبدًا وسلسًا.
أنقرة تعوّل أيضًا على قلّة اهتمام ترامب بالقضية السورية، وتلمّست خلال ولايته الأولى، استعداده للتسامح مع دور روسي متنامٍ في سوريا، وتحبيذه تنامي هذا الدور على حساب الدور الإيراني بالأخص، فيما الرجل ربما يكون مقبلًا على فتح صفحة من التعاون مع الكرملين في أوكرانيا، وملفات أخرى، على الساحة الدولية.
وأنقرة تعوّل أيضًا على ما يمكن لموسكو أن تفعله بوحي من مصلحتها في خروج القوات الأميركية من سوريا، إن لجهة حفز جهودها للمصالحة مع دمشق، أو لجهة التوسط بين القامشلي والأسد، فضلًا عن تخفيف احتقانات علاقاتها مع إسرائيل، في ضوء ما يشاع عن جهود روسية للدخول على ملفات الوساطة بين إسرائيل ولبنان، ونوايا لم تتضح بعد، تنمّ على دعم روسي لقيام سوريا، بدور في الحد من قدرة حزب الله على إعادة بناء قدراته العسكرية، حال وضعت الحرب على هذه الجبهة، أوزارها.
هي مرحلة جديدة، تدخلها العلاقات التركية الإسرائيلية، تحكمها ثوابت ومتغيرات لدى الطرفين، في بيئة محلية وإقليمية بالغة التعقيد، والأيام المقبلة، تبدو محمّلة بكل جديد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية