صحيفة التغيير السودانية:
2025-03-18@04:14:54 GMT

حرب السودان ضد سيادته الوطنية

تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT

حرب السودان ضد سيادته الوطنية

حرب السودان ضد سيادته الوطنية

د. الشفيع خضر سعيد

بالنظر إلى جرائم الإبادة الجماعية للمدنيين العزل التي لاتزال قوات الدعم السريع ترتكبها في قرى الجزيرة، وقبل ذلك جرائم الإبادة التي ارتكبتها في مدينة الجنينة وفي العديد من المناطق الأخرى في دارفور وكردفان وغيرهما.

وبالنظر إلى التدمير الممنهج للبنى التحتية والمراكز الصناعية والمساحات الزراعية الذي مارسته هذه القوات في عاصمة البلاد وفي منطقة الجزيرة.

وبالنظر إلى فرضها النزوح القسري للمواطنين وإجلائهم من منازلهم ومن المدن والقرى، بالأمر المباشر أو التهديد بالقتل، أو هروبا من القهر وعمليات الاغتصاب الجماعي. وبالنظر إلى فشل القوات المسلحة السودانية في ممارسة واجبها الدستوري في حماية المدنيين، بما في ذلك انسحابها من العديد من المواقع والحاميات لتترك المدنيين فريسة لتلك الجرائم البشعة، ودون تفسير مقنع حتى الآن لأسباب هذه الانسحابات. وبالنظر إلى عجز المجتمع الدولي والإقليمي عن اتخاذ أي خطوات عملية لإنقاذ شعب السودان وفق ما نصت عليه المواثيق والعهود الدولية والإقليمية مكتفيا فقط بإصدار بيانات الشجب والإدانة. بالنظر إلى كل ذلك، وإلى غيره من الشواهد، كان جنوحنا لأن نتناول طبيعة حرب السودان من منظور آخر يعيد تعريف هذه الحرب، وهو ما ناقشناه في مقالنا السابق. وكان طرحنا ذاك بهدف إثراء النقاش، وتحفيزا لتقديم مقترحات لصالح كيفية وقف الحرب وإنقاذ شعب السودان. وبالفعل، أثار المقال ردود فعل واسعة، كلها موضوعي ومفيد ويناقش في صلب الموضوع، إلا اثنان أو ثلاثة سقطوا في فخ الذاتية المضرة، متوسدين موقعهم بارتياح خارج الشبكة، كما يقول الشباب.

ومن ضمن ردود الفعل الموضوعية والمفيدة، والتي تناولت صلب الموضوع، المساهمة التي وصلتنا من الصديق الأستاذ حيدر عبد الرحمن وجاء فيها: «اطلعت على مقالك الأخير، وأعتقد أنه يؤسس لفهم جديد لطبيعة الصراع الدامي الدائر حاليا في بلادنا. إن التعريف السائد للحرب الدائرة في البلاد، هو أنها صراع داخلي حول السلطة ومحاولة من النظام القديم والفلول أو مراكز القوى المتعددة لاستعادة السيطرة على السلطة. لكن المقال يفتح الباب لإعادة النظر في هذا التعريف من خلال فحص وتشريح طبيعة الصراع والأسس التي أدت لتفاقم الحرب وتطاولها وانتشارها، خاصة في مناطق الزراعة والموارد والإنتاج، وهذا هو جوهر ما تشير إليه الفكرة الرئيسية في المقال.

أعتقد من الضروري أن تأخذ المكونات السياسية والمدنية في الاعتبار الصراع الدولي حول الأراضي الزراعية وحول الموانئ والسيطرة علي الممرات المائية، وكل هذا ليس ببعيد عن الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على الغذاء في العالم. التفكير الضيق الذي يحصر الصراع في كونه صراعا داخليا حول السلطة بين المكونات المحلية دون الأخذ في الاعتبار البعد الخارجي، لن يقود إلى وحدة داخلية بين هذه المكونات. وأعتقد أن المكونات السياسية مازالت رهينة لصراعها التاريخي المرتبط بالمصالح الداخلية، بينما يغيب عنها بعد النظر والتفكير الاستراتيجي، والذي لابد منه لاستبصار ودراسة تعقيدات الصراع الدولي وتطوراته وانتقاله بشكل عميق إلى افريقيا بعد أن فقدت أوروبا بريقها واضمحلت الثروات التي كدستها إبان الاستعمار، إضافة إلى ظهور مراكز جديدة للهيمنة، مثل الصين وغيرها، تسعى للاستفادة من الدول الغنية بالثروات. عموما، أعتقد من المهم جدا أن نعيد تعريف الحرب بأنها حرب ضد السيادة السودانية، وتسعى داوئر متعددة لاستغلال هشاشة الدولة وتفككها لضرب وحدة السودان وتفتيتها.

ولمواجهة كل ذلك، نحتاج إلى سياسيين يشتغلون بالفكر والتفكير السياسي، وينظرون إلى أعمق مما يبدو على السطح، وليس سياسيين تقليديين ديدنهم التفكير التكتيكي التقليدي. لا بديل غير توحيد كافة القوى السياسية والمدنية حول هذا التوجه وهذه النظرة العميقة لمواجهة التدخلات الخارجية وسعيها المحموم للاستفادة من الحرب في تنفيذ مخططاتها السياسية والاستراتيجية، وفي نهب موارد البلاد».

وفي ختام رسالته يقترح الأستاذ حيدر أن تبادر أي من الجهات السودانية، كمراكز الدراسات والأبحاث، بتنظيم منتدى أو حلقة نقاش فكري تضم مساهمين من مختلف الاتجاهات السياسية والمدارس الفكرية لإدارة حوار حول هذه التحديات، بعيدا عن نقاشات الصراع السياسي المباشر والتقليدي، ورفضا لممارسات التخوين والاتهامات المتبادلة التي لا تستند على أي أسس أو وقائع. وحتى لا يتحول المنتدى إلى ترف فكري أو حوار طرشان، يرى الأستاذ حيدر أن يستصحب الحوار حلولا وأطروحات ملموسة بغرض الوصول إلى تعريف جديد للحرب وفي الوقت نفسه تحديد أولويات السودان وحماية سيادته ووحدته. كما يرى الأستاذ حيدر إمكانية الاستفادة من المنتدى المقترح في وضع خطوط عريضة لإعلان مبادئ لوقف الحرب، وأن يكون المنتدى طريقا ثالثا بعيدا عن الثنائية والاستقطاب الحالي، وكذلك أن يكون حلا سودانيا خالصا دون تأثيرات خارجية. وكل ذلك، يمكن أن يمهد لرؤية واقع البلاد لما بعد الحرب لجهة أن تعريف الأولويات ستقودنا في المستقبل للخروج من الفشل المزمن الذي لازم دولة ما بعد الاستعمار السودانية. ويختم الأستاذ حيدر رسالته قائلا: «قد تبدو هذا الأفكار ضربا من الخيال في ظل هذا الجنون والعبث ولكن اعتقد أنها ممكنة التجسيد».

أعتقد أن رسالة الأستاذ حيدر عبد الرحمن تستحق الاهتمام وتنفيذ ما بها من مقترحات، وهو ما سنسعى له.

لكن، لا يمكننا اختتام هذا المقال دون الإشارة إلى الجريمة الوحشية تجاه المدنيين في شرق الجزيرة بوسط السودان. وهي جريمة تستدعي التحرك العاجل بعيداً عن أي أجندات سياسية، لتشكيل أوسع جبهة مدنية من الجهات المحلية والإقليمية والعالمية المعنية بكرامة وحقوق الإنسان، لإنقاذ مواطني ولاية الجزيرة، وفك الحصار المضروب عليهم بكل الوسائل، بما في ذلك الضغط بكل الطرق على قوات الدعم السريع لوقف ما تمارسه من جرائم وانتهاكات، وتشكيل لجنة تحقيق دولية للتحقيق في هذه الجرائم وتوثيقها، وتحديد المتورطين المباشرين وغير المباشرين في هذه الجرائم وإدراجهم في قوائم المطالبين للمحاسبة والعدالة الدولية.

* نقلا عن القدس العربي

الوسومالإبادة الجماعية الجزيرة الجنينة الدعم السريع الضعين الهلالية حرب السودان د. الشفيع خضر سعيد دارفور كردفان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الإبادة الجماعية الجزيرة الجنينة الدعم السريع الضعين الهلالية حرب السودان دارفور كردفان حرب السودان

إقرأ أيضاً:

السودان الجديد وصورة دوران قري (1-2)

ملخص
(لم تكن دولة جنوب السودان التي تحكمها حركة سياسية، وُلد مبدأ السودان الجديد في رؤاها وممارستها، عند توقع جماعة نيروبي. فانقدحت فيها في الثامن من مارس (آذار) الجاري شرارة الحرب بين رئيس الجمهورية سلفا كير ونائبه رياك مشار حتى قال معلق إن "جنوب السودان عاد لصراع القوى المستهتر الذي انقض ظهر البلد في الماضي". وأنذر المعلق باندلاع الحرب الأهلية الرابعة منذ استقلال أحدث دول العالم).
قدمت المنظمات السودانية التي اجتمعت في نيروبي في منتصف فبراير الماضي لإنشاء حكومة بديلة لـ"حكومة بورتسودان"، نفسها على أنها التجسيد التاريخي للسودان الجديد الذي هو رؤية الحركة الشعبية لتحرير السودان، العقيد جون قرنق، لدى قيامها عام 1983. وما لبثوا إلا قليلاً حتى أخرجت دولة جنوب السودان، مصنع فكرة هذا السودان الأول، أثقالها وقال العالم مالها. وظلل خطاب السودان الجديد اجتماع نيروبي في مثل قولهم "وجوب مخاطبة جذور أزمة السودان" و"التزام التنوع التاريخي والمعاصر" الراجعة للعقيد جون قرنق (توفي في 30 يوليو عام 2005) قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان. وصدح الحضور بشعار مبتكر وهو "سودان قديم يتحطم وسودان جديد يتقدم".
ولم تكُن دولة جنوب السودان، التي تحكمها حركة سياسية وُلِد مبدأ السودان الجديد في رؤاها وممارستها، عند توقع جماعة نيروبي. فانقدحت فيها في الثامن من مارس الجاري شرارة الحرب بين رئيس الجمهورية سلفا كير ونائبه رياك مشار حتى قال معلق إن "جنوب السودان عاد لصراع القوى المستهتر الذي انقض ظهر البلد في الماضي"، وأنذر المعلق باندلاع الحرب الأهلية الرابعة منذ استقلال أحدث دول العالم لأنه لا سلفا كير ولا مشار، ممن بينهما ما صنع الحداد، من سيأتي بالأمر إلى بر آمن. ووجهت الأمم المتحدة موظفيها بمغادرة البلد إلا من القائمين بأحوال الحرج والطوارئ لأن "تدهوراً منذراً قد يمسح بالأرض سنوات من التقدم المحرز بعسر شديد في جنوب السودان". وكان الجيش الأبيض، المنسوب لشعب النوير، الجماعة الأغزر عدداً ومنهم مشار بعد شعب الدينكا الذين منهم سلفا كير، استولى على حامية الناصر في ولاية أعالي النيل. فحاصرت الحكومة بيت مشار في جوبا وآخرين من جماعته بمن فيهم نائب رئيس هيئة أركان الجيش جبرائيل ديوب. وخشي الناس أن تؤدي تلك المواجهات إلى دورة جديدة من الحرب الأهلية التي بدأت عام 2013 لأربع سنوات وحصدت 400 ألف ضحية.
واندلعت تلك الحرب على خطوط إثنية، دينكا ونوير، بعد اتهام سلفا كير لمشار بالتدبير للانقلاب عليه وأخذ مقاليد الحكم. وهرب مشار من جوبا وكاد أنصاره أن يستولوا على جوبا لولا تدخل قوات أوغندية خاصة كما فعلت منذ أيام دعماً لسلفا كير بحسب تصريح قيادة الجيش الأوغندي. وكانت قوى إقليمية وغربية حملت الزعيمين للصلح باتفاق سياسي عام 2018 تضمن عقد انتخابات عامة ظلت تؤجل وآخر موعد مضروب لها هو عام 2026. ولم يتقدم الطرفان في تنفيذ الاتفاق وخرق كل منهما وقف إطلاق النار مرات، وكانت أكبر عقبات تنفيذ الاتفاق دمج جيشي الرئيس ونائبه. وهذا سودان جديد يتحطم.
دوريان قري
بدا من فرح اجتماع نيروبي بـ"السودان الجديد"، وهو على ما رأينا منه مطبقاً (أو منسياً) في جنوب السودان كمثل علاقة دوريان قري وصورته في الرواية المشهورة للكاتب الإنجليزي أوسكار وايلد. فاختار دوريان قري لصورته أن تأخذ عنه وطء اطراد العمر ووخطه بالتجاعيد وخطاياه في حين يبقى هو شاباً نضراً عظيم الحلاوة. وبالمثل اختار الهامش ومناصروه أن يبقوا على وسامتهم السودانية الجديدة كما في مؤتمر نيروبي بينما تشيخ صورة السودان الجديد في جنوب السودان وتذبل.
فليس من بين من تصارخوا للسودان الجديد في نيروبي من لم يكن ضحية له بصورة أو أخرى. وأشهر ضحاياه هو عبدالعزيز الحلو قائد "الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال" التي كانت جزءاً عضوياً في الحركة الشعبية الجنوبية قبل انفصال جنوب السودان عام 2011. فلم يمنح اتفاق السلام الشامل الذي عقد بين حكومة السودان والحركة الشعبية (2005) مناطق جبال النوبة والنيل الأزرق، مناطق نفوذ الحلو، ما انعقد لجنوب السودان وهو ألا يخضع لأحكام الشريعة الإسلامية وحق تقرير المصير. وكانت حجة الحكومة أن المنطقتين واقعتان في حدود شمال السودان منذ استقلاله عام 1956 ويجري عليهما ما يجري عليه. ولما جعلت الحكومة استفتاء المنطقتين عن مصائرهما خطاً أحمر تكون به المفاوضات أو لا تكون، تنازل قرنق متحرجاً. ووجدت الدبلوماسية النرويجية التي شاركت في مفاوضات السلام السودانية ودونت مجرياتها في كتابها "شن السلام في السودان" هيلدا جونسون أن قرنق كان في حال حرج لخذلانه رفاق السلاح. فاقترحت عليه منح المنطقتين ما عرف لاحقاً بـ"المشورة الشعبية" التي قالت إنها مستمدة من تجربة تيمور الشرقية مع إندونيسيا. وبمقتضاها لا يسقط عن المنطقتين حق الانفصال فحسب، بل تطبق الشريعة الإسلامية فيهما كذلك. وتعويضاً لهما عن الفقد ستكون لمجالس المنطقتين النيابية الشورى في مدى التزام الحكومة ما اتفقت عليه حيالهما في اتفاق السلام الشامل. ومن حق تلك المجالس أن تقرر، على ضوء جردها لما تحقق من ذلك الالتزام، إن كانت سعيدة بسجل الحكومة في الخصوص أو أن تعطل اتفاق السلام معها، وتطلب الاستفتاء المؤدي إلى الانفصال. وتركوا كل ذلك لزمانه ومكانه تحت الحكومة الانتقالية التي سيكون للحركة الشعبية فيها حظ كبير. وفسدت خطة "المشورة الشعبية" واندلعت الحرب بين الحركة الشعبية والحكومة مجدداً. وهذا قبح في السودان الجديد تنكر فيه لمقاتلي النوبة الذين لم يدخروا وسعاً في حرب الحكومة كتفاً لكتف مع الجنوبيين.
حق تقرير المصير وسياسة الإقصاء
ولم يحسن السودان الجديد، لا ل"حزب الأمة"، ولا "الاتحادي الديمقراطي" ولا "مؤتمر البجا" التي وقّع عنها في "تأسيس" (في مؤتمر نيروبي) من طعن آخرون في شرعية تمثيلهم لهذه الجماعات التي كانت اجتمعت عام 1991 مع "الحركة الشعبية" في التجمع الوطني الديمقراطي المعارض لـ"دولة الإنقاذ". وبلغ من حلفها معه أن تبنى "التجمع" حق تقرير المصير بصور مختلفة للجنوب وجبال النوبة والنيل الأزرق. ولكن ما جاء وقت التفاوض بين الحركة والحكومة عام 2002، الذي انتهى إلى اتفاق السلام الشامل عام 2005، حتى اقتصر التفاوض عليهما من دون التجمع حتى يتفقا على شيء في مسألتهما ثم يعقد مؤتمر دستوري ينظر في مسألة حلفاء الحركة. ولم يتفق ذلك التدبير للتجمع وساءه استبعاده من مفاوضات هو في صميمها. وسمى الكاتب والوزير منصور خالد تململ "التجمع" لإقصائه من المفاوضات "غيرة سياسية". فالقضية في مفاوضات الحكومة والحركة هي الحرب والسلام، والتجمع ليس جزءاً منها (الاتحاد الظبيانية 7 أغسطس 2002).
ونواصل

ibrahima@missouri.edu  

مقالات مشابهة

  • محللون: الصراع بين نتنياهو وبار يقرب إسرائيل من الحرب الأهلية
  • عادل الباز يكتب: الخطة (ط): التطويق (1)
  • اختفاء 2000 شخص فى السودان منذ بدء الحرب
  • السودان الجديد وصورة دوران قري (1-2)
  • "محسن حيدر درويش" تستضيف "إفطار الأسطول" لعملاء "جيب" و"دودج" و"رام"
  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو
  • مدير الموانىء يدعم المبادرة الوطنية للتعايش السلمي ب 640 سلة رمضانية لأسر شهداء وجرحى معركة الكرامة
  • هل دخل السودان عصر الميليشيات؟
  • السلاح والغذاء في حرب السودان
  • وزارة الثقافة والإعلام تبدأ تدشين عمل المكاتب الإعلامية الخارجية بسفارات السودان