ما وراء تحريك أمريكا لورقة المرتزِقة في المناطق المحتلّة؟
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
يمانيون – متابعات
في ظِلِّ المعطياتِ التي أفرزتها مواجهاتُ صنعاءَ البحرية ضد “إسرائيلَ” والأمريكان وبريطانيا ومِن بعدهم دول تحالف “أسبيدس” والحضور الخليجي للرياض وأبو ظبي.. يمكن فَهْمُ حقيقة هذا التحَرّك وما وراءه.
مع هزيمة التحالُفِ الأمريكي بحريًّا في اليمن، ونجاح الأخيرة في استمرار وتوسيع الحصار البحري على “إسرائيل”، تصطفُّ الدولُ المذكورة ضمن حلف أمريكي ومشروع “الشرق الأوسط الجديد” الساعي لاستمرار الهيمنة الأمريكية وتعزيز حضور “إسرائيل” في المنطقة؛ باعتبَار أن انتصارَ صنعاء هو هزيمةٌ للمشروع الصهيوني بحضوره الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة؛ ما يجعل من صنعاء حجرَ عثرة أمام أحلام الصهيو-أمريكان التوسعية.
هناك كثيرٌ من السخط في دوائر العمل الصهيونية -سواء في أمريكا أَو “إسرائيل”- من استمرار هجمات اليمن في العمق الإسرائيلي، خَاصَّةً بعد استهداف اليمن لعاصمة الكيان الإسرائيلي بطائرة “يافا” المسيرة، والرد اليمني على عدوان “إسرائيل” على ميناء الحديدة، والأهم نجاحُ اليمن في فرضِ حصار بحري على الموانئ الإسرائيلية منذ ما يزيدُ على عام كامل.
بداية ديسمبر من العام الماضي، التقى طارق عفاش، أثناء تواجُدِه في جيبوتي، بضباطٍ أمريكيين وإسرائيليين في القاعدة العسكرية الأمريكية برفقة ضباط من المخابرات “الإماراتية”، في إطار تنسيق تعمل عليه الولايات المتحدة لمواجهة قوات صنعاء البحرية التي تستهدف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر.
وعقب استهداف القوات المسلحة اليمنية في نفس الشهر ديسمبر 2023، لناقلة نفط نرويجية كانت متجهة إلى “إسرائيل”، وبعد يوم واحد من زيارة وفد عسكري سعوديّ إلى المخاء؛ لبحث الدور الذي ستقوم به قواته في حماية السفن الإسرائيلية التي تهدّدها قواتُ صنعاء، ظهر تابعُ الإمارات “طارق” في استعراض لقوات خفر السواحل التابعة لتشكيلِه العسكري.
وقتَها تحدث بشكل مباشر أن قواته ستعمل على تأمين حرية “الملاحة البحرية”، واصفًا الهجمات التي تنفذها قوات صنعاء ضد السفن الإسرائيلية بـ “الإرهابية”.
لم يكن لوحده مَن سَابَقَ في تقديم خدمات الولاء لعدو الأُمَّــة الأول؛ فرئيس المجلس الانتقالي فعل مثلما فعل وزاد بأن استعد جهارًا لـ “التطبيع” مع كيان العدوّ مقابل الاعتراف بانفصال الجنوب اليمني، متجاوزًا رفض الشارع اليمني الجنوبي وقواه الحرة.
والواقع أن الأمريكيين يرون أن “إسرائيل” غير قادرة على مواجهة قوات صنعاء، حَيثُ هناك الحرب على غزة والمواجهات مع حزب الله في الجبهة الشمالية، فضلًا عن أن أية عمليات تحتاج “إسرائيل” لتنفيذها في اليمن تستلزم دعمًا لوجستيًّا لطول المسافة، مع مخاطر متعددة قد تواجه طائراتها في اليمن، وفي النهاية قد لا تكون عمليات كيان العدوّ على اليمن ذات تأثير كبير، حَيثُ اتساع وتعقيد الجغرافية اليمنية تضعف فرص التأثير الكبير على القوة المسلحة اليمنية وعناصرها، إلى جانب أن صنعاء قد جفَّفت كَثيرًا مصادرَ الاستخبارات الأمريكية الغربية الإسرائيلية، بما فيها المصادرُ التي كانت تعمل لصالح النظام السعوديّ.
امتعاضٌ إسرائيلي كبير:
يحلِّلُ الأمريكيون أن الحضور الأجنبي في اليمن -خَاصَّة الحضور الإسرائيلي- سيزيدُ من شعبيّة نظام صنعاء والقوات المسلحة اليمنية، وبالتالي فَــإنَّ اختيار المرتزِقة للقيام بهذه المهمة سيكون الأنسب في هذا التوقيت، بحسب التصور الأمريكي ليس من مصلحتها أَو مصلحة “إسرائيل” المغامرة في حرب برية بعناصرَ أمريكية غربية، حَيثُ ما تزال هزائمُ الأمريكيين في فيتنام والعراق وأفغانستان حاضرةً ضمن معطيات التفكير العسكري الأمريكي.
يمكن أن نتذكَّرَ تصريحَ ناطق الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، نهاية العام الماضي، عندما سُئِلَ عن خطط “إسرائيل” للرد على هجمات اليمن، فأجاب “ما يفعله الحوثيون يشغل بال جميع الدول في المنطقة ومنها دول عربية… نحن ننسق مع الولايات المتحدة ودولٍ أُخرى بشأن هجمات الحوثيين”.
فمنذ بدء حرب غزة كان الامتعاض الإسرائيلي واضحًا من أن أمريكا لم تستطع أن تمنع الإسناد اليمني للمقاومة الفلسطينية في غزة.
ما بعد الاستيلاء على السفينة “غالاكسي” ثم فرض الحصار البحري على السفن الإسرائيلية، ومنع كُـلّ سفن تحالف أمريكا و”إسرائيل” من العبور صوبَ موانئ الكيان المحتلّ، وُصُـولًا إلى فشل أمريكا وتأكيد العجز عن حماية سفن العدوّ وحتى سفنها وقطعها البحرية بما فيها حاملات الطائرات.
هذا ألقى بالكثير من اللوم على الإدارة الأمريكية التي ترى أنها عاجزة في الحقيقة أمام مفاجآت اليمن العسكرية، وأمام محاذير السقوط في مستنقع اليمن لصالح الصين وروسيا.
التحريضُ للحرب:
في الأيّام القليلةِ الماضية كان الشغل الشاغل للصحافة البريطانية، التحريض على حربٍ في اليمن، حَيثُ ظهر المحور المقاوم الداعم لغزة والحق الفلسطيني واللبناني كجدار وحائط صَدٍّ للطموحات الاستعمارية الجديدة في الشرق الأوسط.
من ذلك التحريض، ما جاء على لسان القائد السابق للقوات البريطانية في أفغانستان، ريتشارد كيمب، لصحيفة “ذا صن” البريطانية، إذ قال: “إن التعامُـلَ مع ”الحوثيين” يجبُ أن تكونَ الآن أولوية أعلى بالنسبة للغرب”.
مع هذا الاستدعاء المقتضَبِ للمواقف يمكن معرفة من يقف وراء تحَرّكات مليشيات التكتل الجديد التابع في الأَسَاس للسعوديّة والإمارات والذي يمثل نسخة جديدة من مجلس رئاسة “العليمي”، حَيثُ تقود دوائر التأثير الصهيونية المشهد، وتنسجم تحَرّكاتها مع تحَرّكات قادة كيان العدوّ الداعية إلى الانتقام من أذرع المقاومة الإسلامية الداعمة لفلسطين ولبنان، سواءٌ أكانت في اليمن أَو العراق أَو سوريا أو إيران.
من يستمع لتصريحات مجرم الحرب نتنياهو يدرك تمامًا أن أبجديات المرحلة هذه والقادمة تتعلقُ بصراع كسر الخصوم وتغيير الواقع وإن ظهرت بعض الممانعة أَو الرفض السياسي في أمريكا أَو الغرب أَو بقية دول العالم.
هذا ما فسَّر التحَرُّكَ الأمريكي، بعد أن فشل في مساومة صنعاءَ مقابل وقف استهدافها لـ “إسرائيل”؛ إذ نشط تحَرّك الأمريكان خلال الفترة الماضية في عقد لقاءات مكثّـفة مع فصائل تحالف العدوان شملت عناصر مؤتمر الخارج، وفصيل طارق عفاش، وجماعة “الإصلاح”، الاشتراكي، والناصري، وبقية الأحزاب التي لا تشكل في الأَسَاس رقمًا كَبيرًا على المستوى الشعبي والجماهيري، ذلك التحَرّك يترجم التوجّـه المنسجم مع تهديدات “إسرائيل” بالانتقام من جبهة اليمن ونظام صنعاء وحركة أنصار الله والأحزاب والقوى الوطنية المقاومة لمشاريع الهيمنة الصهيو أمريكية والساعية ضمن هذا المشروع لتصفية القضية الفلسطينية، ثم التوسع في الجوار الفلسطيني.
انتكاسة وتأثير سلبي على العدو:
وبالنظر إلى واقع المحور المقاوم، تبدو غزة مع استمرار حرب الإبادة الجماعية لسكانها في حالة صمود هو محل إعجاب عالمي، ظهرت فيه غزة الجغرافيا التي عرَّت الوجهَ الإجرامي الخبيث للصهيونية وتحالفاتها على مستوى العالم.
فيما لبنانُ تقودُ معركةَ استنزاف كبيرة للجيش والخزينة الصهيونية؛ ما عبَّر عن انتكاسة وتأثير سلبي عميق على الكيان، فشلت فيه نخب العدوّ العسكرية في تغيير المشهد على الأرض، وتحولت إلى لقمة سائغة لانتقام المقاومة في لبنان، ومعها هجمات العراق واليمن وتوالي العمليات الإيرانية غير المسبوقة ضد الكيان، حَيثُ حطّم التأثير المتراكم لعمليات محور المقاومة -وأبرزها عمليتَا الوعد الصادق الأولى والثانية، واستهداف حزب الله المُستمرّ لمدن الكيان المحتلّ بالصواريخ والمسيَّرات– جدار الأمن الإسرائيلي، حَيثُ ترتكز حياة الإسرائيليين على هذا الأَسَاس، هذه الهزيمة الإسرائيلية في بُعدها الاستراتيجي أثارت سخطَ الدوائر الصهيونية في ظل تعاظم الكراهية العالمية للكيان الإسرائيلي المحتلّ، حَيثُ برزت أحداث أمستردام كمؤشر إضافي لنظرة العالم اليومَ للإجرام الصهيوني مقابل المقاومة والحق الفلسطيني الأصيل.
أمام هذا التحَرّك الأمريكي المعبِّر في الأَسَاس عن ضعف، يبدو السلوك السعوديّ واضحًا في التعامل مع السلام في اليمن.
لقد عمدت السعوديّة إلى تأجيل اتّفاقيات السلام من عام لآخر منذ انتهاء الهدنة في أبريل 2024م، حَيثُ تقود مفاوضات تكتيكية تؤجل خيار الصراع إلى مرحلة أكثر ملائمة؛ إذ بدت هذه الدول في حالة ضعف ظاهر عن مواجهة اليمن ما بعد عمليات كسر الحصار الثانية على وجه الخصوص وما بعد نجاح اليمن في إطباق الحصار على موانئ كيان العدوّ الإسرائيلي ونجاح صواريخ ومسيرات اليمن في اختراق الدروع الأمنية للمدن الإسرائيلية وتحاوظ المنظومات الأمريكية الغربية الإسرائيلية وحتى العربية في طريق الوصول إلى “إسرائيل”.
مع كُـلّ هذا الفشل كان لا بد من تحريك ورقة الداخل اليمني، فيما أتت اجتماعات سفير أمريكا، ستيفن فاجن، مع قادة الأحزاب اليمنية الموالية للخارج كفرصة أخيرة يلوِّحُ بها الأمريكان لعملائهم من الأحزاب والقيادات اليمنية في الخارج، حَيثُ تتبنى واشنطن دعمها السياسي والإعلامي وتسوّق للمرتزِقة شعارات “استعادة الدولة ومحاربة الإرهاب وحماية الملاحة الدولية”، لمواجهة السخط الشعبي المنتظر من أي عدوان قادم يستهدفُ صنعاء المقاومة والمساندة للحق الفلسطيني.
هذه الفرصة التي قدّمها السفير الأمريكي على أَسَاسِ تحريك تلك “الدُّمَى” في مواجهة صنعاء التي باتت أكثر شعبيّة وحضورًا على مستوى محلي وعربي وإسلامي بموقفها المشرِّف الرافض لفك الحصار البحري عن الكيان الإسرائيلي والمساومة بالحق الفلسطيني والإسلامي المقدَّس، يجعل من مخاوفِ السقوط المزدوج للداعم والمرتزِق مأخوذةً على محمل الجد، فجماعاتُ الارتزاق في المناطق المحتلّة تظهر اليوم أمام الرأي العام المكبوت، فاقدةً للقيمة والقرار والكرامة والمسؤولية، ومع أيِّ تحَرّك ستكون الصورة قد تعزَّزت لدى الشارع اليمني عن تلك العناصر.
مغامرة غير مجدية للرياض وأبو ظبي:
في الواقع يمكن ملاحظة تكرار إعلان ضباط وأفراد من مليشيات التحالف الانشقاق والعودة إلى صنعاء، كذلك حملات الاعتقالات والتخوين داخل فصائل المرتزِقة، والزج بأفراد وضباط في سجون قادة التحالف، وأخيرًا مقتل ضباط وأفراد من الجيش السعوديّ في سيئون حضرموت على يد مجند يمني تابع للواء 135، حَيثُ إن هذه مؤشرات قوية تعزِّزُ مخاوفَ العدوّ من أية مغامرة قد يُستهدَفُ بها نظام صنعاء وقواته المسلحة.
ومع الأخذ بكل الاحتمالات تظل قوى مليشيات التحالف أعجز من أن تدير حربًا حقيقية أَو أن تواجه صنعاء التي تتهيأ لما هو أكبر من مواجهة المليشيات، حَيثُ الخيارات والمعطيات في صالح صنعاء، فيما لا يتوقع أن تتجرأ الرياض وأبو ظبي على مسايرة واشنطن وتل أبيب في هذه المغامرة تحديدًا.
وعلى مستوى المتغيرات فصنعاءُ اليوم في جانب الاستعداد والقدرات شيءٌ مختلِفٌ. ولعل قوى العدوان تتذكر جزءًا من خطاب للسيد القائد قال فيه: إن “اليمن كما فاجأكم في البحر سيفاجِئُكم في البر” وهو صادق بهذا، ولا داعيَ للخوض في تفاصيل القدرات وإمْكَانيات اليوم التي تمتلكُها القوات المسلحة اليمنية.
تغريدةُ القيادي حسين العزي ربما لخّصت المشهدَ القادم إن وقع وهو أن صنعاء هذه المرة ستكنسُ مرتزِقة التحالف كنسًا وسيفضي الأمرُ في نهاية المطاف إلى قطعٍ لأذرع العدوان في الداخل إلى غير رجعة.
———————————————–
المسيرة – إبراهيم العنسي
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: السفن الإسرائیلیة المسلحة الیمنیة کیان العدو فی الیمن الیمن فی فی الأ التح ر
إقرأ أيضاً:
ما وراء نشر قاذفات بي 52 الأمريكية في المنطقة؟
تحاولُ أمريكا -خُصُوصاً في هذه المرحلة المفصلية من المواجهة- توفيرَ ما يمكن من تجهيزات وقدرات دفاعية؛ لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة.
ولحماية كيان العدوّ الصهيوني، وبنيته التحتية التي أصبحت تحت مقصلة الصواريخ الباليستية والمسيَّرات لمحور المقاومة، بالإضافة إلى حماية قواعدها العسكرية ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة من أي استهداف، ولهذا دفعت الولاياتُ المتحدة بقاذفات أمريكية استراتيجية من طراز “بي-52” إلى المنطقة، ومنظومات “ثاد” للدفاع الجوي إلى الاحتلال الإسرائيلي.
وفي هذا الشأن يرى الخبير العسكري زين العابدين عثمان أن نشرَ قاذفات القنابل بعيدة المدى التابعة للقوات الجوية الأمريكية من طراز بي-52 في المنطقة، ومدمّـرات إضافية للدفاع الصاروخي الباليستي، وسرب من المقاتلات، يأتي “ضمن الترتيبات الأمريكية لحماية قواعدها العسكرية في المنطقة من أي استهداف، وللدفاع عن كيان العدوّ الصهيوني”.
ويضيف: “أرسلت الإدارة الأمريكية في وقت سابق بطاريتين من أنظمة الدفاع الصاروخي “ثاد” مع تجهيزات تشغيلية تسعى من خلالها للدفاع عن هذا الكيان وإنقاذه من جحيم الضربات الصاروخية التي يتعرض لها، من اليمن وحزب الله وإيران”، مؤكّـداً أنه خلال “عملية الوعد الصادق 2 الإيرانية” تعرض كيان العدوّ لضربة قاصمة دمّـرت عدداً كَبيراً من قواعده الجوية الاستراتيجية ومنشآته ومواقعه الحيوية في ظل فشل مطبِق لكامل أنظمته الدفاعية التي لم تتمكّن من توفير أدنى مستوى من الحماية.
ويؤكّـد عثمان أن أمريكا اليوم تكثّـِفُ جُهدَها العسكري لحماية هذا الكيان من عمليات هجومية قادمة، خُصُوصاً أن إيران تتحضر لرد استراتيجي يفوق ما سبقه من ردود فعل في عمليات الوعد الصادق الأولى والثانية، مبينًا أن أمريكا لم تتوقف فقط عند إرسال أنظمة “ثاد” للكيان، بل عملت مؤخّراً على إرسال المزيد من قواتها الجوية إلى قواعدها في المنطقة (البحرَين وقطر) من هذه القوات قاذفات الشبح B-52H وسرب من المقاتلات الاعتراضية F16، والتي تأتي جميعها في سياقِ تعزيز الموقف الأمريكي المباشر للدفاع عن كيان العدوّ أمام جبهات الإسناد، ورد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
استعراض وحماية:
وفيما يتعلق بإرسال قاذفات B-52 إلى المنطقة، يوضح الخبير العسكري عثمان أن هذه القاذفات “لا تعني بالضرورة أن أمريكا لا تزالُ قويةً، بقدر ما هي جزءٌ من استعراض القوة التي تعتمدُها للترهيب والحرب النفسية ضد بيئة محور المقاومة والرأي العام كما كان حال حاملات الطائرات”، مؤكّـداً أن “أمريكا ليست كما يتصوَّرُها البعضُ بأنها ما تزال تحتفظُ بعناصر قوةٍ تمكّنُها من قلب الموازين أَو الدخول في حرب شاملة؛ فهي في هذه المرحلة أضعفُ من أي وقت مضى، وقد فقدت قوةَ الردع والمبادَرة بشكل كامل في مواجهة جبهات محور المقاومة؛ فهزيمة قواتها البحرية وحاملة الطائرات “أيزنهاور” أمام ضربات اليمن من أوضح دلائل فشل أمريكا، وتحطّم قدراتها الردعية التي كانت في السابق تركِّعُ بها دول العالم”.
ولهذا نؤكّـد أن “جهد أمريكا اليوم منكفئ فقط للدفاع عن كيان العدوّ الصهيوني ومحاولة منعه من الانهيار؛ كونه شرطيَّها الأَسَاسي الذي تستخدمه لحماية مصالحها ومشاريعها الاستعمارية في المنطقة والشرق الأوسط، ولو كان العدوّ الصهيوني منتصراً، أَو يحرز تقدماً في الميدان العسكري على المستويَّين الدفاعي أَو الهجومي باتّجاه تحقيق أهداف حملته العسكرية، لَمَا أرسلت أمريكا له منظومات ثاد للدفاع الجوي، ولَمَا أرسلت قاذفات B52 إلى المنطقة، ووفق ذلك فإن المؤشرات تشير إلى قرب المنطقة من حرب كبرى؛ ولهذا تسعى أمريكا للدفاع عن مراكز نفوذها في المنطقة، والتي يبدو أنها في خطر كبير، ليس بسَببِ القوة العسكرية المتصاعدة لمحور المقاومة فقط، بل لتغير المزاج الشعبي في المنطقة ضد أمريكا وفهم حقيقتها وحقيقة سلوكها، وهذا هو أخطر ما تخشاه أمريكا نفسُها”.
عملية تهديد فاشلة:
ويرى خبراءُ عسكريون أن الولايات المتحدة تسعى من خلال إرسال طائرات قاذفة وطائرات مقاتلة وسفن حربية أُخرى تابعة للبحرية إلى الشرق الأوسط، لتعزيز الوجود الأمريكي في المنطقة من جديد، وإظهار قدرتها على الانتشار في جميع أنحاء العالم في غضون مهلة قصيرة لمواجهة التهديدات الأمنية الوطنية المتطورة.
ويعد نشر هذه القاذفات في الشرق الأوسط خطوةً ذات دلالات كبيرة؛ فقد أوضحت مصادر عسكرية أن هذا الانتشار يأتي كإشارة تهديد فاشلة لطهران، ولمحور المقاومة، وهذا يعني أنه إذَا تم استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة، فإن الولايات المتحدة ستتخذ كُـلّ الإجراءات اللازمة للدفاع عنها، وهذا يأتي في ظل احتمالية شن هجوم إيراني واسع ضد أهداف إسرائيلية، بما في ذلك المنشآت النووية.
وبحسب المعلومات فإنه تم نشر القاذفة بعيدة المدى القادرة على حمل رؤوس نووية من طراز B-52 مرارًا وتكرارًا في الشرق الأوسط في تحذيرات موجَّهة لإيران وهذه هي المرة الثانية التي سيتم فيها استخدامُ القاذفات الاستراتيجية الأمريكية لدعم الدفاعات الأمريكية في المنطقة.
القاذفة الأمريكية بي-52:
وعن قاذفات “بي-52”، فإنها تعتبر ركيزة أَسَاسية في ترسانة القوات الجوية الأمريكية، حَيثُ شاركت في العديد من الحروب والصراعات، بَدءاً من الحرب الباردة، وُصُـولاً إلى حرب العراق والحرب على سورية.
ومن المتوقع أن تبقى هذه القاذفات في الخدمة حتى منتصف القرن الحالي؛ وذلك بفضل تحديثاتها المُستمرّة التي تشمل إلكترونيات الطيران، وأنظمة الاستهداف، وتتميز “بي-52” بقدرتها على حمل حمولة ضخمة تصل إلى 31500 كيلوغرام، ومدى تشغيلي يتجاوز 14 ألف كيلومتر بدون إعادة التزود بالوقود، ولديها قدرة على حمل الأسلحة النووية على رأس 12 صاروخ كروز متقدم من نوع AGM-129، و20 صاروخ كروز من نوع AGM-86A، كما تدعم القاذفة الضخمة قائمة شاملة من الأسلحة لتنفيذ مجموعة واسعة من المهام التقليدية، من بينها صواريخ AGM-84 Harpoon، وذخائر الهجوم المباشر المشترك (JDAM)، وصواريخ AGM-142 Raptor وَAGM-86C الجوية التقليدية، وصواريخ كروز CALCM، وهناك خطط لتزويدها بصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، وفق المعلومات.
ولقاذفات “بي-52″ تاريخ حافل في العمليات العسكرية الأمريكية، فقد نفذت ما يُعرف بـ ”القصف البِساطي” خلال حرب فيتنام وحرب الكويت عام 1991، حَيثُ كانت تُقلِعُ من الولايات المتحدة لقصف أهدافٍ في العراق، ثم تهبطُ في قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، كما استُخدمت بكثافة في الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001م.
وعلى الرغم من حجمها الضخم، إلا أن مساحة الحركة داخل “بي-52” محدودة، حَيثُ يُشبه تصميمها الداخلي الغواصاتِ أكثرَ من الطائرات، مع إضاءة حمراءَ وشاشات تُعتبر المصدر الرئيسي للضوء على متنها.
تعودُ جذورُ القاذفة الأمريكية من طراز بي-52 إلى الأربعينيات من القرن الماضي، عندما بدأت الولاياتُ المتحدة بالتفكير بقاذفة استراتيجية ثقيلة بعد الحرب العالمية الثانية، وسرعان ما قدمت شركة بوينغ، إلى جانب العديد من الشركات المنافسة، عروضاً لسلاح الجو لتصميم الطائرة، ونجحت الشركة العملاقة بالحصول على عقد التصميم، وبعد مفاوضات ونماذج مرفوضة عديدة، نجحت بوينغ بتصميم طائرة أخفَّ وأسرعَ من التصميم الأولي، وبعد 6 سنوات، في عام 1952، بدأت النماذجُ الأولية في دخول مرحلة الإنتاج.
المسيرة نت