مركز المستقبل يصدر كتاب “الإخوان.. إعلام ما بعد السقوط” لضياء رشوان
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
أبوظبي – الوطن:
أصدر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، ضمن سلسلة “كتب المستقبل”، كتاباً جديداً بعنوان “الإخوان.. إعلام ما بعد السقوط”، من تأليف ضياء رشوان، رئيس مجلس إدارة جائزة الإعلام العربي، ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات والمنسق العام للحوار الوطني، جمهورية مصر العربية، والرئيس الفخري للاتحاد العام للصحفيين العرب.
المتتبع لأساليب العمل السياسي والجماهيري لجماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها، وحتى ما بعد إطاحة الشعب المصري بحكمها القصير المظلم لبلده بثورته العظيمة في 30 يونيو 2013، يجد أن الإعلام بمختلف صوره المتعاقبة والمتطورة مع التقدم الزمني، قد مثل واحداً من اهتمامات الجماعة وإحدى وسائلها في الدعاية، والانتشار الجماهيري، والتحريض، والتعبئة. وقد تعددت وسائل الإعلام التابعة للجماعة منذ عام 1933 بمجلات وصحف يومية وأسبوعية وشهرية. ومع ظهور وانتشار الإنترنت والصحافة الإلكترونية في نهايات الألفية الثانية وبدايات الألفية الجديدة، أولت الجماعة مبكراً اهتماماً ملحوظاً بها، وأسست منابرها المتعددة على الشبكة العنكبوتية.
ومع المرحلة الراهنة التي تمر بها الجماعة منذ عقد تقريباً لحقت تغييرات هائلة بإعلام الجماعة، والملتحق بها الموجه كاملاً من خارج مصر، فالهزائم الهائلة التي تلقتها الجماعة على صعيد المجتمع المصري، دفعت إعلام فرقها المتباينة إلى تغيير جوهر رسالته القديمة، والذي كان الدعاية للجماعة بما يزيد من شعبيتها، إلى حيث أصبح يستهدف فقط التحريض على الحكم في مصر والسعي بأي وسيلة لخلخلته.
في هذا الإطار يتناول الكتاب ملامح إعلام الإخوان عقب الإطاحة بحكمها في مصر وذلك في أربعة فصول، يستعرض الفصل الأول العلاقة بين الإرهاب وجماعة الإخوان، والمنطلقات الفكرية للتنظيمات الإرهابية العنيفة التي تشابكت معها الجماعة، ويتناول الفصل الثاني القائمين على إعلام الإخوان، وحدود الإنفاق عليه ومصادره، والجمهور المستهدف، كذلك حجم ومستوى المتابعين له، مع التطرق لخصائص البنية والمضمون وانعكاساتها على تحقيق أهداف الجماعة وأهدافه.
ويستكشف الفصل الثالث الهدف الرئيسي من تأسيس جماعة الإخوان لإعلامها، كذلك الهدف الذي ركزت عليه شاشاتها ووسائل الإعلام الجديد التابعة لها. كما يتطرق هذا الفصل إلى سمات وخصائص إعلام الجماعة، وقصوره في القراءة وفشله حتى في الدعاية و”البروباغندا”، إضافة إلى إخفاقه في تحقيق هدفه.وأخيراً يحاول الفصل الرابع توثيق وتأريخ ما كانت عليه مصر وكانت عليه الجماعة في ظل هيمنتها الكاملة على حكم مصر، لعام هو الأكثر قتامة وخطراً في كل تاريخها الحديث.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
الإعلام والحرب: “الرسالة دي للقائد الأمير حميدتي حفظه الله وصولها ليهو” (2-2)
لم ينجح إعلامنا في بناء رسالة ملحاحة للعالم في لغاته تحمله على الاقتناع بأن “الدعم السريع” منظمة إرهابية حقاً بينما حقيقة إرهابها هي كل ما في جعبتها.
أثار تعيين إعلاميين في كل من سفارة السودان في القاهرة وأديس أبابا مسألة الإعلام في الحرب من أكأب زواياها وهي فقه الوظيفة لا رسالتها. ومن بين رسائل الإعلام دعوة الفريق ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة تصويب الجهود السياسة والإعلامية ليرى العالم قوات الدعم السريع كما هي في حقيقتها: طاقة إرهابية لا جيشاً في مقابل القوات المسلحة كما طرأ لمجتمع دولي كسير ذابل.
ونواصل حديث الأمس:
من جهة أخرى ليست الحرب القائمة في السودان حرباً لمن أراد الاحتكام إلى قانون الحرب. فقام هذا القانون على افتراض أن الحرب مما يقع بين قوتين عسكريتين، وشدد على المهنية لأنها مدار تقليل فداحة الحرب لا على المدنيين كما ينبغي وحسب، بل حتى على العسكريين أيضاً. فيحكم القانون ضرب حتى الهدف العسكري، ناهيك بالمدني، بضوابط معروفة بالتناسب، فعلى القوة التي انتخبت هدفاً عسكرياً لضربه أن تحسب بدقة قوة النيران الكافية لغرضها لتصيبه بلا تفريط يتعدى الأثر إلى غيره. ويريد القانون بالتناسب أن تصيب هدفك لغرض ساعتك بلا زيادة. وشرط إحسان التناسب هو المهنية. فالقانون يطلبها نصاً بقوله إن على المتحاربين أن يكونوا على قدر كبير من التدريب في الفن العسكري ليحسنوا إدارة عملية ضرب الأهداف بتناسب. وينوه بأن تتمتع الأطراف المتحاربة باستخبارات ذكية تقع على الهدف العسكري بمهنية لا رجماً. بل شدد القانون على هذا التدريب نفسه ليحول دون السرقة والنهب في الحرب، فما وقع النهب والسلب، في قول التقرير، حتى دل ذلك على بؤس في تدريب القوة العسكرية المعنية وضعف قادتها الذين ينتهزون سانحة الفوضى العاقبة للمعارك فتمتد يدهم إلى أشياء من لا حول لهم لردهم.
فلم نرَ هذه المهنية في “الدعم” لنعدهم قوة محاربة ينطبق عليها قانون الحرب، فأول ما ينقصه هو سلسلة القيادة التي تضبط إدارته، ويشاهد السودانيون منذ الحرب فيديوهات فيها بيان كافٍ عن انحلال تلك السلسلة، ولكنهم يصرفونها كـ”هرج جاهلين” بينما هي بينة مرموقة على الطبيعة المليشياوية لـ”الدعم السريع”.
فيظهر أي جندي منهم بحديث مباشر للقائد محمد حمدان دقلو يبثه شكواه واحتجاجه، بل وخطته المثلى لإدارة الحرب. فتسمع ممن يريده تغيير وجهة الحرب من الخرطوم إلى ولاية النيل والشمالية، أو من يبث شكواه عن إهمالهم حتى إنهم يعالجون جرحاهم من المعارك على حسابهم. ويشتكي آخر في معركة الخرطوم أن عربات السلاح لم تدخل المعركة لأنها بطرف قادتهم الذين هم بين أزواجهم في دور غيرهم. بل اشتكى أحدهم للقائد حميدتي من سوء توزيع العربات القتالية. فهي في قوله راكزة في الصحراء بكبار القادة يسفيها الرمل بينما كانت الحاجة إليها ماسة في الخرطوم. وكان من رأيه أن تكون في طريقها لاحتلال بورتسودان مقر حكومة الفلول بدلاً من ضلالها عن الحرب في الخلاء، بل زاد قائلاً إن هذه الحرب في “دار صباح” (وهي لغة في الشرق عند أهل الغرب في السودان) داخلتها “ملعوبية” من الفلول الكيزان.
وجاء آخر بفيديو غاضب موجه للقائد دقلو إثر هزيمة قواتهم من الخرطوم. قال إنهم لم يجدوا معهم في ميدان القتال سوى لواءين بالاسم، أما الآخرون فغابوا بسياراتهم والذخائر التي نفدت بين أيديهم ولم يجدوا مدداً. وقال لحميدتي إنه قائم بالأمر كما ينبغي ولو نقصت فالكمال لله، وقال إنهم لم يجدوا من يمدهم بالسلاح أو الذخيرة في حر المعركة، ولم يشوش أحد على مسيرات الجيش التي قرضت الناس، واشتكى غياب السيارات ذات المدافع عن المعركة لأنها بيد قادة فضلوا أن يلازموا بيوتهم الجديدة في حي المنشية الراقي بالخرطوم.
وتجد في هذه الفيديوهات من يعبر عن قبيلته صريحاً مقابل قبيلة أخرى وبخاصة ما كان بين قبيلة المسيرية (كردفان) والماهرية (دارفور)، فقال أحدهم إنه من الفرقة 40، فرقة الجنرال جلحة، الذي كانت قتلته القوات المسلحة قبل شهرين أو نحوه، وهي فرقة مسيرية خالصة. وبدا أن المتهمين بالاستفراد بالسيارات هم من الماهرية. فقال الدعامي المسيري إن هذه السيارات للدواس ولا سبب لتكون في غير ميدانها الذي راح ضحيته منهم بالنتيجة 52 قتيلاً. وجاء بأسماء قادتهم ممن لقوا حتفهم. وقال إنهم لم ينسحبوا من كوبري المنشية بالخرطوم إلا بعد إطلاق آخر رصاصة بجعبتهم. ولم يتورع من القول إن هزيمتهم ثمرة خيانة. فوراؤها “لعبة” بينما هم أهل قضية.
وفي إشارة إلى استقلالهم كمسيرية في “الدعم السريع” قال إن فرقتهم خسرت سبع عربات في المعركة وهي ملك للفرقة 40 لا لـ”الدعم السريع”. وبدا للرجل كأن القتال صار على مثلهم لا غيرهم، وبدا كمن يقول إن شعب المسيرية هو من وقع عليه القتال بينما توارى آخرون، وربما قصد جماعة الماهرية الذين هم من خاصة أهل حميدتي. وتكررت الشكوى من اعتزالهم القتال وتمتعهم بما وقع لهم من حظ منه.
من الصعب بالطبع وصف هذه العلاقة بين الجند الدعامة والقيادة بأنها مما يستأهل به “الدعم السريع” أن يكون قوة عسكرية مما رأينا اشتراطاتها في قانون الحرب. فليس بينهم وبين قيادتهم “ضبط وربط” الذي هو ميسم المهنية. فبدا أن لكل دعامي خطة الحرب غير ما اتفق لقيادته، بل ويطلق الواحد منهم لسانه على الملأ عن “ملعوبية” في الحرب أوردتهم موارد التهلكة. وعلى هذا فالقول إن حرب السودان هي بين قوتين عسكريتين من فضول القول، فبنية “الدعم السريع” خلت من النظامية والمهنية، وبدت كطاقة إرهابية فقط.
مما يسعد أن يستعيد الإعلام موقعين في سفارتين مركزيتين للسودان في القاهرة وأديس أبابا. وليس بشارة أن غلب فقه الوظيفة في تناول هذا التعيين على فقه وظيفة الإعلام لدولة تخوض حرب موت أو حياة في عالم ذابل. ولا من يغالط أن إعلام الحكومة لم ينم تقليداً في المبادأة والطلاقة لأنه ربيب نظم حكم ديكتاتورية طال أمدها. فصار بها بوقاً لحكومة الوقت. واحتاجت حكومة الوقت في يومنا، وفي شرط الحرب، كما لم تحتج حكومة قبلها إلى إعلام بلا ضفاف لإذاعة قضيتها في الحرب برصانة. وسيحتاج إعلامها بهذا إلى الاشتباك مع العالم في منصاته ومعارفه وأعرافه بسرديات مخدومة يخرج به سيفاً لدولة لا بوقاً:
إذا كان بعض الناس سيفاً لدولة ففي الناس بوقات لها وطبول
عبد الله علي إبراهيم
إنضم لقناة النيلين على واتساب