تؤدي تقلبات الدولار الأميركي إلى تأثيرات ممتدة عبر الاقتصاد العالمي، وربما يكون أحد هذه التقلبات الكبيرة الواردة، في الوقت الذي تبدو فيه السياسات الاقتصادية التي وعد بها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، داعمة للعملة الوطنية مما يعني مشاكل للنمو في بقية العالم، وفق ما ذكر تقرير "إيكونوميست".

ولم يتضح بعد على وجه التحديد ما الأجزاء التي قد ينفذها ترامب من أجندته الاقتصادية أو قد يرغب في تنفيذها، أو قد يكون قادرا على تنفيذها، لكن ارتفاعات أسواق الأسهم الأميركية تعطينا أدلة على ما يتوقعه المستثمرون، إذ سجل مؤشر ستاندرد آند بورز 500، وهو مؤشر للشركات الأميركية الكبرى، أرقاما قياسية متتالية في 6 و7 و8 نوفمبر/تشرين الثاني، كما تقول الصحيفة البريطانية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ضغوط واشنطن على صادرات الرقائق تنعش الشركات الصينيةlist 2 of 2الذهب يواصل التراجع مع ترقب بيانات أميركية.. وخطة الصين تضغط على النفطend of list تعزيز الأرباح

يعتقد المتداولون أن الإدارة القادمة ستعزز الأرباح بالشركات الأميركية من خلال التخفيضات الضريبية وإلغاء القيود التنظيمية، مع زيادة الاقتراض الحكومي، وقد يؤدي الجمع بين العجز الأعلى والتضخم المتجدد، بدوره، إلى إجبار البنك المركزي على إبقاء الفائدة أعلى مما كانت لتكون عليه دون وصول ترامب إلى السلطة.

ومن شأن هذه المعدلات المرتفعة أن تجعل الاحتفاظ بالأوراق المالية المقومة بالدولار أكثر جاذبية، مما يوفر فرصة للعملة الأميركية.

وبدأ تنفيذ جزء من هذا بالفعل، ففي 7 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي خفض بنك الاحتياطي الاتحادي، كما كان متوقعًا، سعر الفائدة ربع نقطة مئوية، وخفض نطاقه المستهدف إلى ما بين 4.5 و4.75%، لكن رئيس البنك جيروم باول ترك الباب مفتوحًا لاحتمال تثبيت الفائدة باجتماعه في ديسمبر/كانون الأول، بدلاً من الاستمرار في خفضها.

وغالبًا ما يأتي ارتفاع الدولار جنبًا إلى جنب مع ضعف التوقعات الاقتصادية العالمية، وأحد أسباب ذلك أنه خلال أوقات الاضطرابات الاقتصادية، يميل المستثمرون إلى بيع أصولهم المحفوفة بالمخاطر والاستحواذ على أصول يعتبرونها آمنة، وخاصة الدولار وسندات الخزانة الأميركية.

وقد وجدت أبحاث لصندوق النقد الدولي المنشورة عام 2023 أنه بعد عام واحد، يؤدي ارتفاع قيمة الدولار بنسبة 10% إلى انخفاض الناتج في الاقتصادات الناشئة بنسبة 1.9%.

وتتأثر الدول الغنية بشكل أقل، لكنها لا تزال تشهد انخفاض ناتجها 0.6%، وتميل التأثيرات الضارة للدولار القوي إلى عامين ونصف العام للاقتصادات الناشئة، ولمدة عام واحد للدول الغنية.

من شأن تقوية الدولار التأثير سلبا على الاقتصاد العالمي (شترستوك) تقلبات الدولار

وتسري التقلبات بقيمة الدولار في أوصال الاقتصاد العالمي عبر قناتين رئيسيتين وهما التجارة والتمويل:

 1- التجارة

تؤثر قوة الدولار على التجارة العالمية بالنظر إلى هذه المعطيات:

أكثر من 40% من التجارة العالمية يتم بالدولار. يؤدي ارتفاع قيمة العملة الأميركية إلى رفع التكاليف على المستوردين، مما يخفف الطلب على السلع من الخارج ويقلل من أحجام التجارة الإجمالية. تُعد تحركات قيمة الدولار في مختلف أنحاء آسيا وأميركا اللاتينية أكثر أهمية من العملات المحلية، فقد وجدت دراسة أكاديمية نشرت عام 2020 أن ارتفاع قيمة الدولار بنسبة 1% مقابل جميع العملات ينذر بانخفاض 0.6% بالتجارة بين البلدان في بقية العالم، بعد ضبط العوامل الأخرى. يؤدي ارتفاع الدولار إلى زيادة التكاليف على مشتريي السلع الوسيطة، مما يهدد بانهيار سلاسل التوريد الطويلة، وفق بنك التسويات الدولية، الذي يعرف بأنه مركزي البنوك المركزية العالمية. 

2- التمويل

ثمة تأثيرات على تمويل المالية العامة العالمية من ارتفاع الدولار، كذلك بالنظر إلى أنه:

بالنسبة للدول والشركات التي اقترضت بالدولار لكنها تفتقر لمصادر الإيرادات الدولارية، فإن ارتفاع العملة الخضراء يؤدي تلقائياً إلى تضخم أعباء ديونها وزيادة تكاليف الفائدة، كما أن ارتفاع أسعار الفائدة بأميركا، إلى جانب زيادة قيمة الدولار، يجعلان الاستثمار في بقية العالم أقل جاذبية. يميل رأس المال إلى الخروج من الأسواق الناشئة، مما يضطرها إلى رفع أسعار الفائدة أيضًا، (لإعادة جذب ما خرج منها) الأمر الذي يؤدي إلى تشديد الظروف النقدية ورفع كلفة الاقتراض في الوقت الذي قد تبدأ فيه اقتصاداتها المعاناة من تباطؤ التجارة بشكل عام.

ويتضح هذا "الجذب المغناطيسي" لتكاليف الاقتراض خارج أميركا -وفق تعبير إيكونوميست- من خلال الساعات الأولى من صباح 6 نوفمبر/تشرين الثاني، عندما اتضحت نتيجة الانتخابات، فقد زاد العائد على سندات الخزانة الأميركية بشكل حاد، كما ارتفعت عائدات السندات الحكومية الأسترالية والنيوزيلندية واليابانية.

ويبقى أن نرى -تقول الصحيفة- ما إذا كانت قوة الدولار ستستمر، فقد اشتكى ترامب نفسه لفترة طويلة من أن الدولار القوي يضر بالمصنعين المحليين ويفقد الاقتصاد الوظائف، لكنه لا يستطيع بسهولة إجبار "المركزي" على خفض الفائدة.

وتضيف "إيكونوميست" إنه طالما ظلت أسعار الفائدة مرتفعة، فإن العملة الأميركية ستظل الملاذ المفضل للمستثمرين، ومشكلة شائكة للعالم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قیمة الدولار

إقرأ أيضاً:

محمد كركوتي يكتب: الفائدة الأميركية بالمنطقة الحرجة

الجميع كان يتوقع خفض الفائدة الأميركية، ليس لأسباب سياسية، بل لأهداف اقتصادية بحتة. 
مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي)، بات مقتنعاً تماماً، بأن السيطرة على التضخم تمت، على الرغم من أنه لا يزال مرتفعاً قليلاً عن 2% وهو الحد الأقصى الرسمي. 
صحيح أن الخفض الأخير كان بحدود ربع نقطة مئوية، لكن الصحيح أيضاً، أن «الفيدرالي» كسر في سبتمبر الماضي، سياسة التشديد النقدي التي دامت أربع سنوات تقريباً، وأقدم على خفض تكاليف الاقتراض بنسبة نصف نقطة مئوية.
 القرار الأخير، جاء في وقت حساس من الناحية السياسية. فقد انتخب الأميركيون دونالد ترامب رئيساً للبلاد، الذي حقق فوزاً ساحقاً. 
بينما يتطلع الأميركيون إلى تحقيق مزيد من النمو في الفترة المقبلة، والقضاء نهائياً على منغصات التضخم.
خفض الفائدة الأخيرة، سيعزز حتماً فرص النمو، التي تحتاجها الولايات المتحدة، كما هو الحال على الساحة الدولية كلها. وإذا ما سارت الأمور بصورة مقبولة، فليس مستبعداً أن يتم إقرار خفض جديد في ديسمبر المقبل. ما يعني أن الحراك الاقتصادي الأميركي المحلي، سيشهد قوة دفع مهمة بحلول العام المقبل. 
كما أنه سيعزز بالضرورة وضعية الرئيس الجديد على الساحة المحلية. علماً بأن أداء الاقتصاد الأميركي في الفترة الماضية، يعد الأفضل بين الاقتصادات الغربية الكبرى. واللافت أن قرار خفض تكاليف الاقتراض، دفع قيمة الدولار إلى الأعلى، على عكس ما يجري عادة. لكن العملة الأميركية تعزز وضعها في أعقاب انتخاب ترامب، إلى جانب ارتفاع سندات الخزانة. 
تقف الفائدة الأميركية حالياً عند 4.5% و4.75%، ولا تزال مرتفعة فيما لو قورنت مستوياتها بالسنوات الأخيرة من العقد الماضي.  لكن يبدو أن التوجهات الجديدة لـ«الفيدرالي»، ستكون أكثر تساهلاً على الصعيد المالي، لسبب واحد أساسي، وهو تعزيز ما أمكن من فرص النمو التي تحتاجها البلاد كثيراً في هذه الفترة بالذات. فغالبية المخاطر لم تعد كبيرة في الوقت الراهن، بما في ذلك تلك الآتية من سوق العمل وبالطبع التضخم. 
وإذا ما استمر نهج خفض الفائدة في العام المقبل، ستكون هناك قفزات نوعية على الساحة الاقتصادية الأميركية، التي سيعاد رسمها بصورة مختلفة إلى حد بعيد، من قبل الجمهوريين الذين سيصلون إلى البيت الأبيض مطلع 2025.

أخبار ذات صلة محمد كركوتي يكتب: مأزق أكبر اقتصاد أوروبي محمد كركوتي يكتب: المخاطر المالية العالمية

مقالات مشابهة

  • الدولار يستقر قرب أعلى مستوى له في 6 أشهر ونصف
  • ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية مع استمرار تقييم تأثير فوز ترامب على أسعار الفائدة
  • الغرب يتنبأ بحدوث اضطرابات في جميع أنحاء العالم بسبب سياسة ترامب الاقتصادية
  • سياسة ترامب الاقتصادية ترخي بظلالها اضطرابات على الاقتصاد العالمي
  • أسعار الذهب تتراجع 6 دولارات مع ارتفاع العملة الأميركية
  • بعد فوز ترامب.. الدولار عند أعلى مستوياته خلال عام
  • تراجع أسعار الذهب العالمية بالتزامن مع ارتفاع قيمة الدولار
  • محمد كركوتي يكتب: الفائدة الأميركية بالمنطقة الحرجة
  • العالم بعد عودة ترامب