جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-18@16:46:03 GMT

التجارة المستترة

تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT

التجارة المستترة

 

محمد بن حمد البادي

mohd.albadi1@moe.om

جهودٌ مضنيةٌ تبذلها وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار نحو خلق مناخ اقتصادي مستقر وآمن من خلال اتخاذ جملة من الإجراءات والتدابير الإدارية والتشريعية والرقابية لتهيئة البيئة المثالية للتجارة والاستثمار في سلطنة عُمان، ولعل آخر هذه التدابير صدور القرار الوزاري رقم (412/ 2023) بشأن مكافحة التجارة المستترة، وذلك بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية.

ويأتي إصدار هذا القرار الوزاري- الذي نشرته الجريدة الرسمية في عددها رقم (1504)- سعيًا من الوزارة لتحقيق جملةً من الأهداف. لعل أبرزها التصدي لظاهرة التجارة المُستترة في سلطنة عُمان للحد من انعكاساتها الاقتصادية على أصحاب الأعمال والمجتمع؛ واستجابة لمناشدة المواطنين على مدى السنوات الماضية للقضاء على هذه الظاهرة، حيث سيعمل بهذا القرار بعد مضي 90 يومًا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.

هذا التشريع يأتي ليكون رادعًا لكل من تسوِّل له نفسه المتاجرة بطموحات أبناء الوطن، وتفويت الفرصة على شبابنا الواعد المُكافح، علاوة على ما تسببه هذه الظاهرة إلى هجرة مليارات الريالات سنويًا إلى خارج السلطنة من خلال التحويلات البنكية الضخمة، أضف إلى ذلك ما تؤدي إليه التجارة المستترة من اضطرابات اجتماعية أخرى كفتح المجال أمام تنامي ظاهرة العمالة الوافدة السائبة أو المُسرحة.

وتأتي مبادرة وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بإصدار هذا القرار من أجل القضاء على كل الآثار السلبية الناتجة عن التجارة المستترة المتمثلة في تنامي حالات الغش التجاري، والتأثير المُباشر بشكل سلبي على سوق العمل؛ والمنافسة غير المتكافئة مع رواد الأعمال وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ والتهرب الضريبي؛ والتحايل على الإجراءات المعمول بها.

وبالرجوع إلى القرار الوزاري، فقد جاء بلغة سهلة بسيطة مُيسرة خالية من التعقيد يفهمها الجميع؛ حيث عرّف القرار التجارة المستترة على أنها تمكين أي شخص من ممارسة نشاط تجاري لا تسمح القوانين والمراسيم السلطانية النافذة في سلطنة عُمان بممارسة هذا النشاط؛ سواءً كان لحسابه الخاص أو المشاركة مع الغير، بمعنى أن أوراق وتراخيص السجل التجاري لهذه المنشأة تكون لشخص آخر غير مالك المنشأة؛ ليقوم هذا الشخص بالتصرف المطلق في هذه الأوراق والتراخيص لهذه المنشأة التجارية.

كما عرّف المُتستِّر على أنه كل شخص يمارس التجارة المستترة، والمُتستَّر عليه على أنه كل شخص يمارس التجارة بمساعدة المتستر.

وأوضح قرار مكافحة التجارة المستترة أنه يعد قرينة على القيام بالتستر إحدى الحالات الآتية: أن تؤول إيرادات المنشأة أو أرباحها أو عوائد العقود التي تبرمها بشكل مباشر أو غير مباشر إلى حساب شخصي أو حساب آخر وليس إلى حساب المنشأة، بما في ذلك أن يستوفي شخص غير مالك المنشأة حصيلة أو عوائد بيع أو نقل أصول أو تصفية المنشأة لحسابه الشخصي، أو أن يحصل على عائد أو مُقابل مالي مُتغير من أي نوع لا يتناسب مع طبيعة الأعمال المنوط به أداؤها في المنشأة، وذلك مع مراعاة عقود العمل التي تقرر حق العامل في الحصول على نسبة من أرباح أو إيرادات المنشأة، وتقديم بيانات أو معلومات غير صحيحة في وثائق تأسيس المنشأة أو في طلب الحصول على الترخيص، أو في فتح حسابات للمنشأة، أو عدم الإفصاح عن الوضع المالي الحقيقي للمنشأة بأي طريقة، وقيام مالك المنشأة بمنح غير العماني صلاحيات تؤدي إلى التصرف المطلق في المنشأة، وهذا في حصيلته النهائية حيازة غير العماني على كل الأرباح والإيرادات ويقنع الكفيل العماني بالفتات القليل ليغض الطرف عن الممارسات غير المشروعة التي يقوم بها الوافد، بالإضافة إلى ذلك استخدام المنشأة في تعاملاتها الخاصة بنشاطها التجاري حسابا مصرفيا آخر غير مسجل باسم الشركة
وبين القرار أنه يجب على كل شخص يصل إلى علمه قيام أي شخص بالتجارة المستترة إبلاغ وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بذلك فورا.

كما أن الوزارة بصدد إيجاد آلية للرقابة على كافة المنشآت التجارية في ما يتعلق بهذا الخصوص؛ ومن ثم تطبيق العقوبات المنصوص عليها في القرار على المُخالفين، واضعةً في اعتبارها التدرج في العقوبات- مراعية أنَّ التدرج في العقوبات قاعدة عامة في التشريع- أولها شطب النشاط من السجل التجاري ثم توقيع عقوبة مالية مقدارها خمسة آلاف ريال وفي حالة التكرار تضاعف إلى عشرة آلاف ريال مع وقف النشاط لمدة ثلاثة أشهر، وفي حالة التكرار تضاعف العقوبة غرامة إدارية خمسة عشر ألف ريال مع وقف النشاط لمدة سنة كاملة، وهذا التدرج يكون وفق جسامة المُخالفة، كما أن الوزارة لها حق تخفيف هذه العقوبة أو إلغائها حسب الأحوال إذا ما بادر المتستر أو المتستر عليه بالإبلاغ عن حالة التستر الواقعة في أي قطاع من قطاعات الأنشطة الاقتصادية.

تداعيات كثيرة وانعكاسات سلبية سواءً كانت على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي كانت سببًا رئيسيًا في قيام وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بإصدار قرار مُكافحة التجارة المستترة، وأيضًا توجه حكومة سلطنة عُمان نحو القضاء على التجارة المستترة، ومناشدات المواطنين ورواد الأعمال من أجل القضاء على هذه الظاهرة السلبية والحد منها.

ومن خلال هذا القرار تتولى الوزارة تشجيع المواطنين والمقيمين على هذه الأرض الطيبة بأي وسيلة من وسائل الإعلان وحثهم على الإسهام في الحد من هذه الظاهرة والإبلاغ عنها.

ولكي تكلل جهود وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بالنجاح في هذا الشأن؛ نضم صوتنا ومناشداتنا- من خلال هذا المقال- إلى مناشدات الوزارة الساعية إلى حث الجميع من مواطنين ومسؤولين وقطاع حكومي وخاص على التعاون مع الوزارة للتصدي لهذه الظاهرة السلبية من أجل القضاء عليها تمامًا، وعدم رضاهم بالفتات القليل الذي يُرمى إليهم، فلا تساهموا في تحطيم طموحات أبنائكم وإخوانكم وأقاربكم وأهل بلدكم، ولا تفوِّتوا الفرص عليهم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

التجارة الإلكترونية في سلطنة عُمان.. نمو وتطلعات

ليس من المستغرب أن تشهد مؤشرات سلطنة عُمان في التجارة الإلكترونية نموًّا يحقق التطلعات ويبشّر بمستقبل واعد لهذا النوع من التجارة خلال السنوات القليلة المقبلة؛ فمبادرات الخطة الوطنية للتجارة الإلكترونية التي تشرف عليها وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أنجزت بنسبة 70% حتى نوفمبر الماضي بإكمال 21 مبادرة مقارنة بـ14 مبادرة عام 2023م، حيث اقتربت تراخيص التجارة الإلكترونية من 6 آلاف ترخيص وتوثيق 100 متجر إلكتروني عبر منصة «معروف عُمان»، غالبية البنى الأساسية لممارسة التجارة الإلكترونية اكتملت ومرتكزات وممكنات هذا النوع من التجارة متوفّرة وتشهد تحديثا باستمرار من حيث التشريعات الداعمة واللوائح المنظمة، مما يجعل سلطنة عُمان إحدى الدول الرائدة في مجال التجارة الإلكترونية.

تابعت لقاءً قبل أيام في إذاعة سلطنة عُمان بشأن الخطة الوطنية للتجارة الإلكترونية، حقيقة استمتعت بالإنصات للقاء؛ لما تضمّن من مؤشرات وأرقام مطمئنة عن الخطة والجهود التي تبذل لتنفيذها وتطبيق مبادراتها على أرض الواقع، مما تساعد على تعزيز الاقتصاد الرقمي وبالتالي ينمو الاقتصاد الوطني. التجارة الإلكترونية رغم عدم انتشارها كثيرا في المجتمع، إلا أنها ساهمت في تحفيز السوق وتعزيز القوة الشرائية خاصة بعد الصدمة الاقتصادية التي أوجدتها جائحة كوفيد19، وسرَعت من نمو التجارة الإلكترونية؛ بهدف التغلب على الصعاب التي واجهتها التجارة بصورتها التقليدية خلال فترة الجائحة، وخلال فترة التغيرات المناخية التي يترتب عليها إغلاق المحال وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى.

إن تعزيز التجارة الإلكترونية في سلطنة عُمان أصبح مطلبا لابتكار نماذج جديدة من المنتجات والسلع وهي فرصة لتقليل تكاليف إطلاق المشاريع والتكاليف التشغيلية؛ خاصة وأن وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار وهيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تقومان بعمل كبير لتسهيل وتحفيز التجارة الإلكترونية عبر دعم روّاد ورائدات الأعمال من حيث الورش والبرامج الداعمة لتنمية الموارد البشرية في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وإقرار الدفع الإلكتروني للمتاجر بمختلف أنواعها، إضافة إلى التمكين التقني والرقمي الذي تحظى به هذه المؤسسات في مجالات التسويق والإدارة؛ للنهوض بها واستدامتها، وبذلك تحقق تنمية اقتصادية مستدامة تعزز من فرص تحقيق أولويات ومستهدفات «رؤية عُمان 2040».

في رأيي إن استمرار نمو التجارة الإلكترونية في سلطنة عُمان يعكس مدى قابلية المجتمع وروّاد الأعمال لممارسة هذا النوع من التجارة وتفهمهم لضرورة التحول الإلكتروني في ممارسة الأعمال، ولا يعني ذلك أننا لا نشجع على ممارسة التجارة التقليدية بقدر ما نأمل أن يتم دمج الأفكار لنوعي التجارة ودراسة مدى الحاجة لاستدامة الاقتصاد الوطني بالاستفادة من نجاح التجارة الإلكترونية في استمرارية الأعمال واستدامتها. أيضا من الجيد أن نبحث عن آليات ومنهجيات لتعزيز ثقة المستهلك في التجارة الإلكترونية عبر زيادة الوعي بهذه التجارة بتكثيف المعرفة وتبيان إيجابياتها، وتغليظ العقوبات في حق مسيئي ممارستها مثل الانتحال والغش التجاري. خلال الأيام الماضية اطلعت على عديد الدراسات والمقالات عن التجارة الإلكترونية عموما، وتساءلت هل هناك علاقة بين انتشار التجارة الإلكترونية وثقة روّاد الأعمال والمستثمرين بها؟ توصلت إلى إجابة «نعم» فكلما نمت التجارة الإلكترونية في البلد زادت ثقة ممارسي الأعمال بالسوق وبالاقتصاد، ويعطي مؤشرات حيوية وقوية على قوة الاقتصاد ومواكبته للتطور التقني والتكنولوجي؛ فالتجارة الإلكترونية هي المحرك الرئيس والجديد للاقتصاد الوطني، وهي العامل المحفّز للوصول سريعا للأسواق العالمية عبر الترويج للمنتجات المحلية باستخدام التسويق الرقمي وأدواته، وفي السياق ذاته ينبغي أن نفعّل أدوات الرصد وآليات التحري إضافة إلى تعزيز التواصل مع الجمهور للقضاء على طرق النصب والاحتيال في التجارة الإلكترونية مع تكثيف الحملات الإعلامية التوعوية؛ لتجنب التسوق من متاجر وحسابات وهمية على منصات التواصل الاجتماعي.

مع انتشار التجارة الإلكترونية على نطاق عالمي واسع وتنوّع طرق ممارستها وآليات التعامل معها، من المهم أن تتوفّر لدينا مؤشرات واضحة عن الاقتصاد الرقمي وأثره على تحفيز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والأعمال الأخرى عموما؛ وذلك للنهوض بهذا القطاع والوقوف على التحديات التي تواجهه ودراسة إمكانية تطويره وتنميته؛ ليكون رافدا وداعما للاقتصاد العُماني في هذه المرحلة التي تشهد نموّا مطردا في جميع مكوّناته. لقد استفاد الاقتصاد العالمي في مرحلة من تعرضه لصدمات قاسية أربكت مؤشراته وأرقامه، مما تسارعت الخطى ليكون الاقتصاد الرقمي أحد المدخلات العلاجية الفعّالة عبر تعزيز التجارة الإلكترونية وتهيئة المناخ المناسب والداعم لتقدمها وتحسّن مؤشراتها، وبفضل الله وحمده تكللت الجهود بإنجاز (21) مبادرة من الخطة الوطنية للتجارة الإلكترونية حتى نوفمبر 2024م، وهي دعوة جادة لضرورة التحول نحو التجارة الإلكترونية وابتكار نماذج جديدة في العمل داخل المؤسسة الخاصة لمواكبة التطور التقني والتكنولوجي، ولإيجاد طرق جديدة في التسويق والترويج عن المنتجات والخدمات باستخدام التسويق الرقمي، وإيجاد حلول للتكاليف التشغيلية، إضافة إلى التوسع في الأسواق الخارجية بالاستفادة من منصّات التواصل الاجتماعي.

مقالات مشابهة

  • العقبة!!
  • «الصحة العالمية»: الظروف في مستشفى كمال عدوان «مروعة»
  • تخفيض صرف التموين بالجيش بنسبة 30%
  • واقع التجارة الخارجية السورية وأبرز الواردات والموردين
  • توضيح من وزارة العمل حول القرار الوزاري رقم 729/2024 .. عاجل
  • التجارة الخارجية تفرض رسوما نهائية لمكافحة الإغراق على واردات نسج أو أقمشة مغطاة بمادة البولي فينيل كلوريد (PVC) من الصين وكوريا
  • “التجارة الخارجية” تفرض رسومًا لمكافحة الإغراق على المنسوجات المغطاة بـ”PVC” الواردة من الصين وكوريا
  • سلطنة عمان .. “العمل” تُصدر قرارين لتنظيم حماية الأجور وانتقال القوى العاملة غير العمانية
  • التجارة الإلكترونية في سلطنة عُمان.. نمو وتطلعات
  • الأم الصالحة.. هذه هي صفاتها