قرر العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، عام 1972، إنهاء النزاع الليبي التشادي حول شريط أوزو الحدودي بالقوة العسكرية، ويمتد الشريط بطول 600 كم، وبعمق 100 كم، بإجمالي مساحة 80 ألف كم مربع، وهو غني باليورانيوم.
وكانت فرنسا وإيطاليا قد وقعتا معاهدة تقضي بضم هذا الشريط الحدودي إلى ليبيا عام 1935، ولم يصادق عليها البرلمان الإيطالي حينها، وحينما تولى مصطفى بن حليم الحكومة الليبية عقد معاهدة تحالف وحسن جوار مع فرنسا في آب/ أغسطس 1955، وكان من ضمنها التنازل عن إقليم أوزو، واستند في ذلك إلى رفض فرنسا تنفيذ اتفاقية عام 1935 بعد الانتصار في الحرب العالمية الثانية، إذ شرَّعت معاهدة إيطاليا مع الحلفاء اختيار الدولة الحليفة ما تشاء من معاهدات واتفاقيات، سابقة على تلك المعاهدة، فتقرره، وما لا تقرره يسقط.
وفي عام 1981، وعلى خلفية صراع تشادي داخلي بين الرئيس كوكني وداي ووزير الدفاع حسين حبري، دخل القذافي إلى عاصمة تشاد إنجامينا، مساندا وداي، وبعد دخوله، أعلن الوحدة من طرف واحد مع تشاد، لكنه حاول اغتيال وداي بعد ذلك، فانضمت قواته إلى حبري. وبعد سنوات، استطاعت تشاد استعادة فادا في 2 كانون الثاني/ يناير 1987، فكلف القذافي حفتر بالانتقال من طبرق إلى فادا لاستعادتها، ومن هنا بدأ سقوط وادي الدوم.
تعد قاعدة وادي الدوم أكبر قاعدة عسكرية في أفريقيا، وكانت المقر الرئيس لعمليات الجيش الليبي في تشاد، وُضع لحمايتها قرابة 7 آلاف جندي، وأكثر من 300 دبابة، وأحيطت بحقول ألغام، فضلا عن تسليح القاعدة بكميات هائلة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة، كما وُفِّر لها غطاء جوي من الطائرات الحربية، وأجهزة رادار وإنذار. وكان مهبط طائراتها هو الأكبر في تشاد، كل ذلك جعل من مهاجمتها أمرا شديد الصعوبة، أما سقوطها في أيدي القوات التشادية فقد كان يُعد مستحيلا.
بدأت الوقائع العسكرية يوم 10 آذار/ مارس عندما خرجت دورية من قاعدة وادي الدوم، لكنها تجاوزت المدة المفترضة لخروجها وفقدت التموين، فاتصلت بالقيادة لطلب بديل لها، فأجابت القيادة بالانتظار إلى الصباح، وسيأتي البديل، وعند حضور موعد الاستبدال، فوجئوا أن القوة التي وصلت معادية، وأطلقوا عليهم الرصاص، وأخذوا جميع الأسلحة، ومع نجاة بعضهم وعودتهم إلى القاعدة، لم يجرِ تحقيق في الواقعة.
أرسل حفتر جحفلا عسكريا يوم 19 آذار/ مارس إلى فادا، وتبلغ المسافة بينهما 184 كم، لكنه أرسل القوات عبر بئر كوران التي تبعد عن قاعدة وادي دوم بـ177 كم، وتبعد فادا بدورها عن بئر كوران بـ300 كم، لتصير المسافة الإجمالية قرابة 480 كم، في انحراف غير مبرر عن المسار الطبيعي.
وصل الجحفل الأول إلى منطقة تمركز ورأى رصدا تشاديا له هناك، فأبلغوا القيادة بالرصد، مع التأكيد على أنهم يبعدون عن مرمى القوات التشادية، فطلب منهم حفتر تغيير الموقع، فردَّ قائد القوات بدوره طالبا عدم تغييره لبعدهم عن مرمى النيران، لكن حفتر أصر على قراره، وبحلول الصباح قصفت القوات التشادية الجحفل العسكري بكثافة فدمرته بأكمله.
أرسل حفتر الجحفل الثاني، بنفس الطريقة، ودون قوة استطلاع تسبقه، لتفاجأ القوة باصطدامها بالجيش التشادي وجها لوجه، فانهزمت القوة كسابقتها. ورغم تلك الخسائر لم يعد أي جثمان للقاعدة، سوى جثمان المقدم عبد الحميد سلامة، والبقية تركوا في الصحراء لتأكلهم الوحوش والكواسر، أو تذيبهم الشمس، ولا تزال هياكلهم العظمية في صحراء شريط أوزو.
لم يتوقف حفتر عن إرسال المجموعات متعاقبة خلف بعضها متسببا بهزائم كارثية، ومفرغا القاعدة من القوات العسكرية، وأرسل المجموعة الأخيرة يوم 22 آذار/ مارس، ونتيجة ما حدث مع المجموعتين السابقتين، كانت معنويات الجنود في الحضيض، فانهزموا وهربوا، ولاحقتهم القوات التشادية، حتى قاعدة وادي الدوم.
خاف قائد الجحفل المنسحب العقيد سالم أبو نوارة من سقوط القاعدة، فطلب من القيادة أثناء انسحابه قصف القوات التشادية وقواته أيضا؛ نظرا لتداخل القوتين خلال الانسحاب والمطاردة، لكن المهم ألا تسقط قاعدة وادي الدوم، ولم يستجب حفتر لطلبه.
بدأ الهجوم على القاعدة من الطريق الذي ليس به حقول ألغام، ما يشير إلى احتمالية تسريب معلومات طرق الألغام، والطرق الآمنة حول القاعدة، للقوات التشادية، أما المفاجأة الأكبر فكانت أن القوات التشادية دخلت من البوابة الرئيسية للقاعدة، دون مقاومة، أو خطة دفاع تمنع دخول باقي القوات.
لاذ الجنود الليبيون بالفرار، وتغيَّر وضع الألغام المحيطة بالقاعدة، من كونها تحميها من الهجوم الخارجي، إلى مذبحة للجنود الليبيين الذين اكتشفوا أنهم محاصرون بها، وبدأ فرارهم دون خطة انسحاب، وسقط الكثير منهم في حقول الألغام بما في ذلك ضباط خبراء قاموا بزرعها. وراح ضحية الهجوم أكثر من 1200 جندي ليبي وتدمير 300 دبابة ومدرعة وتم أسر 250 بين جنود وضباط بينهم حفتر، ثم عادت القوات الجوية الليبية لاحقا وقصفت قاعدتها في وادي الدوم بنيران جوية كثيفة، كي لا تستفيد قوات حبري من بقايا الطائرات والدبابات ومخازن الأسلحة.
تعددت أسباب الهزيمة، لكن أهمها على المستوى العملياتي، أن حفتر جزَّأ القوات الليبية بهذه الطريقة، ما جعل الهجوم عليها مجزَّأً أيسر مما لو كانت كتلة واحدة. كذلك كان نظام القذافي يختطف طلاب المدارس الإعدادية والثانوية من مدارسهم، ويزج بهم في الحرب مباشرة دون تأهيل أو إعداد. ووجود الطلبة يعني، خسائر كبيرة في الأرواح، ما يؤثر على المعنويات القتالية، كما يؤدي كونهم غير مدربين إلى تقييد قدرة الجيش النظامي على التحرك، وهذا من أسباب ترجيح فكرة أن وادي الدوم كان غرضها كسر الجيش الليبي وتدميره، خوفا من انقلابه على القذافي الذي استخدمه من قبل.
بعد دخول التشاديين القاعدة، اعتُقل خليفة حفتر من مقر القيادة، وليس من ساحة المعركة، وبعدها التقى الرئيس التشادي حسين حبري، وقال له، بحسب رواية حفتر: "أنت ستعيش بيننا معززا مكرما، وسنصرف عليك من إمكانياتنا، ونحاول أن نجعلك في نفس مستوى الحياة التي كنت تعيشها ما أمكن. يقول حفتر: فبقيتُ في هذا المكان مرتاحا، أكثر مما كنت في ليبيا". وهي الرواية التي تطرح علامة استفهام كبيرة حول العلاقة بين الرجلين، وما إذا كان حفتر قد تعمَّد الهزيمة.
بعد فترة نُقل حفتر إلى الولايات المتحدة في طائرة خاصة، واستقر في ولاية فيرجينيا، بجوار مبنى الـCIA، الذي اتُّهم بكونه عميلا له، ويدعم ذلك تقرير لصحيفة واشنطن بوست بتاريخ 17 آب/ أغسطس عام 2016، وترجمه موقع "عربي21"، مشيرا إلى تاريخ حفتر، حيث كان من الموالين للقذافي حتى عام 1987، عندما قبض عليه و400 من جنوده أثناء الحرب مع الجارة تشاد. وتذكر الصحيفة أنه بحسب مسؤولين سابقين، فإن اتصالات حفتر مع "سي آي إيه" بدأت في تشاد. وبحسب مسؤول سابق، فقد تم تدريب الجنود العاملين مع حفتر على يد ضباط من فرقة النشاطات الخاصة التابعة لـ"سي آي إيه"، وهناك واصل بعضهم، ومنهم حفتر، التدريبات؛ تحضيرا لعملية جديدة، وعاد حفتر بعد اندلاع ثورة عام 2011، مع أنه لم يحصل على دعم قادة الثوار ليقود العمليات العسكرية ضد القذافي.
تتداعى الذكريات مع الواقع، ليصنعا صورة سفاح لأبناء وطنه، وخائن لهم، وهو لا يزال اليوم متشبثا برداء عسكري لا يحق لمثله ارتداؤه، ويقوم بدور مشبوه في القضاء على الاستقرار الليبي، ووحدة الوطن، ودور آخر في إفقار ليبيا من ثرواتها التي يسيطر عليها، ودور ثالث في تدمير كل مسارات مطالبة الشعوب بالحرية والديمقراطية، والرجاء أن يحاسبه الليبيون على خيانته السابقة والحالية، وألا يكون له مكان في رسم المشهد الليبي مستقبلا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه القذافي التشادي ليبيا ليبيا امريكا القذافي تشاد مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
محافظة مطروح تحتفل بعيدها القومي وتحيي الذكرى الـ 109 لمعركة وادي ماجد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
احتفلت محافظة مطروح، اليوم الأربعاء، بالعيد القومي وإحياء الذكرى الـ ١٠٩ لانتصارات معركة وادي ماجد وانتصارات أبناء مطروح على قوات الاحتلال الإنجليزي عام ١٩١٥م.
محافظ مطروح يستقبل المهنئين بعيد القومي
حيث استقبل اللواء خالد شعيب محافظ مطروح، بحضور الدكتور إسلام رجب نائب المحافظ، واللواء أشرف إبراهيم السكرتير العام، والمهندس حسين السنينى السكرتير العام المساعد؛ القيادات الأمنية والتنفيذية والشعبية بديوان عام المحافظة لتقديم التهنئة، ثم بدأت الاحتفالات من أمام ديوان عام محافظة مطروح بعزف لفرقة الموسيقى العسكرية بأنغام مجموعة من الأغاني الوطنية والحماسية، وتزينت المحافظة بالإعلام.
محافظ مطروح يوقد شعلة بدء الاحتفالوقام محافظ مطروح بإيقاد الشعلة إيذانا ببدء الاحتفالات بهذه المناسبة الغالية بعد استلامها من فرسان مطروح برئاسة الفارس رزق بوعبيد المعبد، مع اصطفاف للشباب من مديرية الشباب والرياضة وجامعة مطروح، وفرع المعهد التكنولوجي بمطروح، وطلاب المدارس رافعي الأعلام.
محافظ مطروح يكرم المتميزين من العاملين بالجهاز التنفيذىعقب ذلك شهد اللواء خالد شعيب محافظ مطروح، احتفالية بالقاعة الكبرى ديوان عام المحافظة، بمشاركة هيئة الرقابة الإدارية، بحضور النائب جمال الشورى عضو مجلس النواب، والعمدة عبدالكريم يونس رئيس مجلس عمد ومشايخ مطروح، والعميد هانى عامر المستشار العسكرى، وولفيف من وكلاء الوزارات مديري المديريات والإدارات وكافة القيادات التنفيذية والشعبية والدينية من الأوقاف والأزهر والكنيسة ، تم خلالها عرض فيديو لأهم الجهود التنموية التى تمت بالمحافظة خلال 4 سنوات.
ونقل محافظ مطروح خلال كلمته تهنئة الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية، لجميع أبناء مطروح حراس البوابة الغربية، بالعيد القومي للمحافظة وبإحياء ذكرى نضال أجدادهم، في معركة وادي ماجد، عام 1915، ضد قوات جيش الاحتلال الإنجليزي، وتمثل ذكرى وطنية، تؤكد أن أبناء مطروح دائمًا وعلى مر التاريخ مثالًا وطنيًا يحتذى به بين أبناء مصر جميعًا، مقدما التهنئة لجميع أبناء مطروح، بهذه المناسبة.
ثم قام محافظ مطروح خلال الاحتفالية بتكريم عدد من المتميزين بالجهاز التنفيذى بالمحافظة. وخلال الاحتفالية أهدى اللواء أشرف إبراهيم سكرتير عام المحافظة نسخة من كتاب الله؛ تقديرا لمجهوداته المستمرة لتنمية المحافظة.
وأشار محافظ مطروح أن الفعاليات مستمرة باحتفالية لجنة التراث غدًا الخميس بمكتبة مصر العامة، وافتتاح عددا من المشروعات التنموية والخدمية، لخدمة أهالي مطروح بمختلف مدن ومراكز المحافظة على مدار شهر ديسمبر.
محافظة مطروح تحتفل بعيدها القومي وتحيى الذكرى الـ ١٠٩ لمعركة وادي ماجد IMG-20241218-WA0029 IMG-20241218-WA0028 IMG-20241218-WA0017 IMG-20241218-WA0027 IMG-20241218-WA0016 IMG-20241218-WA0018 IMG-20241218-WA0024 IMG-20241218-WA0023 IMG-20241218-WA0026 IMG-20241218-WA0015 IMG-20241218-WA0025 IMG-20241218-WA0031 IMG-20241218-WA0020 IMG-20241218-WA0030 IMG-20241218-WA0019 IMG-20241218-WA0022 IMG-20241218-WA0032 IMG-20241218-WA0021