قيل الكثير وسيقال الأكثر من التعليقات على فوز ترامب لكن أغرب شيء أن يتمنى العرب أن يكون لديهم ترامب عربي آخر. السؤال المنطقي هو، هل نحن فعلًا نحتاج إلى ترامب عربي؟ كيف وصل الحال بالعرب أن يتمنوا شخصا يأتيهم يشبه ترامب، زعيم عربي يقتدي بترامب، وليكن ما يكن: إسلامي أو عروبي، يميني أو يساري متطرف أو راديكالي إلى أبعد الحدود أو حتى ماركسي، لا يهم فقط فليأت زعيم عربي ترامبي الطباع والمزاج صريح وقوي، لا يهادن في مصلحة العرب، يجيش العالم ويقفه على قدم واحدة إن أراد وبإشارة واحدة منه يفض تجمعه.
فاز ترامب إذن بالرئاسة الأمريكية وحبس العالم أنفاسه وسيمكث في البيت الأبيض لأربع سنوات ربما تكون عجافًا ثقالًا ليرضى من يرضى ويزعل ويتكدر من أراد ذلك. يعود ترامب مرة أخرى إلى البيت الأبيض والعالم كما تركه بل أسوأ وأكثر خرابًا ودمارًا تحيط به الكوارث من كل الجهات. في أمريكا صوّت الناس لترامب لعدة أسباب لكن ما هو جوهري إجماع الأغلبية منهم بأنهم اختاروا ترامب لأنهم سئموا من الديمقراطيين وتشريعاتهم الشاذة التي أصابتهم القلق على أطفالهم في المدارس والسعي المحموم للديمقراطيين لنشر الشذوذ الجنسي والتحول ودعمهم اللامحدود للمثلية وزواج المثليين ومسألة الإجهاض وغير ذلك من القضايا. أغلبية الأمريكيين تأذوا من تلك القوانين والتشريعات التي طالت شرائح اجتماعية عديدة في أمريكا ومن ضمنهم الملياردير أيلون ماسك الذي طال التحول الجنسي ابنه وسمحت له القوانين بالتحول من ذكر إلى أنثى اسمها فيفيان، لذلك تعهد ماسك بمحاربة هذه المثلية في أمريكا ما شجّعه للوقف مع ترامب ودعمه بما يقارب ١٣٠ مليون دولار. وكان ترامب تحدث في خطاب له عن ذلك حين قال «سيتم حظر تغيير الجنس للأطفال، سنهزم طائفة إيديولوجية النوع الاجتماعي ونعيد تأكيد أن الله خلق نوعين اجتماعيين فقط الرجال والنساء» وتعهد بمحاربة قوانين المثلية الجنسية وسيحارب أي طبيب يعمل هذه العملية وأي معلّم يلّمح حول التحول الجنسي. وقال: «التشويه الكيميائي والجسدي لشبابنا، في أول أيامي الرئاسة سألغي سياسات بايدن الوحشية التي تسمى الرعاية الصحية للمتحولين جنسيًا، وهذه سخافة لأنها عملية تشمل إعطاء الأطفال الصغار مثبتات البلوغ وتشويه أجسادهم وإجراء جراحات على القاصرين هل تصدقون هذا؟ وسأصدر مرسومًا جديدًا بوقف كل برامج الوكالات الحكومية التي تروّج لمفهوم التحول الجنسي لكل الأعمار، سيتم إنشاء صندوق لضحايا عمليات التحول الجنسي ورفع دعاوى قضائية ضد الأطباء الذين ارتكبوا هذه الأفعال التي لا تغتفر بحق الأطفال، ستقوم وزارة العدل بالتحقيق في تورط شركات الأدوية والمستشفيات الكبرى في التستر عمدًا». ترامب رغم أنه مكروه ومعادٍ بالفطرة للأجانب وقد يكون عنصريًا مقيتًا إلا أنه يحظى بالإعجاب والاقتداء وخصوصا في القارة العجوز التي يجمعهم الكثير من أوجه التشابه. أصبح ظاهرة في السياسة ملهمة للكثيرين، وبمثابة الناقل للعدوى، فهو يمثل «قدوة خطيرة» وكثيرون هم من يشبهون ويتشبهون بغطرسته وعنجهيته وصراحته المؤلمة فالغوغائية والتطرف أصبح أسلوبًا ينتهجه بعض القادة. ترامب المقامر الذي دخل السياسة من بوابة الصفقات التجارية والمقامرات يحمل في يد معوّل الهدم وفي يد أخرى يعيد البناء ويعيد لا لتشكل أمريكا وحسب بل العالم وفق منظور مختلف ومغاير. فهو بحق وكأنه ذلك الخليط العجيب من كل شيء. ترامب الشخصية التي تثير الكثير من التساؤلات والتأمل فهو بحق ظاهرة ينبغي تأملها بشكل جيد وهو نتاج وخليط عجيب بين كل شيء من تجارة ومقامر وسياسة ورياضة وديني ولا ديني عنصري ولا عنصري أهوج ومهادن، ذكي وربما غبي، صريح ومراوغ، لئيم وطيب، بسيط وعفوي وفي الوقت نفسه ثري ويعيش في أفخم القصور والمنتجعات، متحدث ويجيد استخدام لغة الجسد، ماكر وثعلب ويمكن أن يكون حملًا وديعًا في بعض المرات، صديق الكل وعدو الجميع، لا يؤتمن ويمكن أن يثير الأمن والاطمئنان، لا حدود لطموحاته ورغباته، «نسونجي» ويحارب النساء ولا يتورع من إظهار ذلك ولا يهمه مركز ومنصب، لا تحده مواثيق ولا اتفاقيات ولا أخلاق ولا دين ولا يتوانى في قذف الناس بأبشع الألفاظ، مزعج ومثير للاهتمام، مثير للمتاعب، تتراكم عليه سجلات من الجرائم والتحرشات، لا يكترث إن اتهم وحقق معه أو حتى أودع السجن، لكنه واضح ولا يجامل ولا ينافق وبعيد كل البعد عن اللغة الدبلوماسية وإذا أراد شيئًا ما فهو قادر على تحقيقه ربما يكون براجماتيا في بعض الأحيان لكن بالتأكيد هو حاد الطباع وصريح وقوي. ولا يتردد أن يقول علانية ودون مواراة عما يفكر فيه وينوي فعله. يجيد استخدام الإعلام ويطوعه لصالحه. ترامب الذي قلب كل الموازين والنظريات السياسية والأخلاقية ويمكن الدينية أيضًا، ينظر له في كل العالم على أنه ليس فقط مجرد سياسي طموح ولكنه مولع بقلب التوازنات وإعادة صياغة العالم وفقًا لأهوائه ومزاجيته، وتقويض تحالفات التقليدية، وإعادة صياغة معاهدات واتفاقيات دولية وفقًا لما هو يريد ويشتهي ضارب بعرض الحائط كل المواثيق كاشفا تفاهة هذه المواثيق التي يقدسها البعض ويحترمها، ولا يقيم وزنًا لمنظمات دولية ولا لتحالفات إقليمية إذا تعارضت مع مصالح أمريكا، شخصية متقلبة المزاج لا يمكن التنبؤ بتصرفاته في كثير من الأحيان. السياسة التي يمارسها ترامب هي سياسة منفلتة من كل شيء ولا يحكمها شيء غير المزاج والقوة، وليست إلا صفقات تجارية فمثلًا عقد (صفقة القرن) وصفقة (الاتفاقيات الإبراهيمية). يمكن أن يقال أن ترامب متناغم ومتناسق ومتصالح مع نفسه أولا ومع أغلبية الأمريكيين ثانيًا، فهو ليس إلا نتاج المجتمع الأمريكي والرجل الأبيض المتغطرس بكل ما تعني الكلمة من معنى. تحكى عنه الكثير من الحكايات الغريبة، تجده في حلبة المصارع وغيرها من الهوايات، لكن من أكثر غرائبيته في عام 1992 أرادوا تمثيل مشهد من فيلم «2alone home» في فندقه بلازا في نيويورك فاشترط عليهم أن يشارك في الفيلم فكان له ذلك فظهر في لقطة سريعة بالفيلم. ببساطة هذا هو دونالد ترامب الرئيس الأمريكي المدبر المقبل. قد لا يحدث ترامب جديد في ولايته الثانية غير استمرار لولايته الأولى. لكن من يدري لعل وجوده أصبح ضرورة ليعمل على بعثرة وهدم النظام الدولي بقصد أو بدون قصد لأن ببساطة النظام الدولي والرأسمالية المتوحشة وصلت إلى ذروتها في الإجرام والظلم وشن الحروب والكوارث. وقد زادت خبرته بدهاليز السياسة والتوازنات وضروريات الدبلوماسية وقد يكون أكثر واقعية وبراجماتية في هذه الفترة. رغم صفاته العدوانية المتقلبة المزاج إلا أنه لا يمكن أن يشك أحد بأنه وطني يحب أمريكا ويريد أن يعلو من شأنها ويريدها أمريكا قوية متصدرة وفي المقدمة دومًا حتى ولو على حساب الشعوب الأخرى، حتى ولو دهس على الكل، وتلك تحسب له. |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التحول الجنسی
إقرأ أيضاً:
الثورة الرأسمالية التي تحتاجها إفريقيا
في السنوات القادمة ستصبح إفريقيا أكثر أهمية مقارنة بأي وقت آخر في العصر الحديث، فخلال العقد المقبل من المتوقع أن ترتفع حصتها من سكان العالم إلى 21% من 13% في عام 2000 و9% في عام 1950 و11% في عام 1800، ومع تزايد شيخوخة سكان باقي العالم ستتحول إفريقيا إلى مصدر بالغ الأهمية للعمل، فأكثر من نصف الشباب الذين يلتحقون بالقوة العاملة العالمية في عام 2030 سيكونون أفارقة.
هذه فرصة عظيمة لأفقر القارات، لكن لكي تنتهزها بلدان القارة (54 بلدا) سيلزمها أن تفعل شيئًا استثنائيًا وهو التخلص من ماضيها ومن أرثوذكسية الدولة الكئيبة التي تُمسِك بخناق أجزاء كبيرة من العالم (تقصد الإيكونومست بأرثوذكسية الدولة الاعتقاد التقليدي بمركزية الدولة وهيمنتها على الاقتصاد والمجتمع والسياسة وجعل هذه الهيمنة أساسا للحكم وتنظيم الحياة - المترجم). سيلزم قادة إفريقيا تبني الأنشطة الإنتاجية الخاصة والنموَّ وحرية الأسواق. إنهم بحاجة إلى إطلاق ثورة رأسمالية.
إذا تابعتَ التطورات في إفريقيا من بعيد ستكون مدركًا لبعض متاعبها كالحرب المدمرة في السودان وبعض جوانبها المضيئة كالهوس العالمي بموسيقى «آفروبيتس» الإفريقية التي ارتفع معدل بثها عبر منصة «سبوتفاي» بنسبة 34% في عام 2024، وما يصعب استيعابه واقعُها الاقتصادي الصادم الذي وثقته الإيكونومست في تقرير خاص نشرته هذا الشهر وأسمته « فجوة إفريقيا»
التحولات التقنية والسياسية التي شهدتها أمريكا وأوروبا وآسيا في العقد الماضي لم تؤثر إلى حد بعيد على إفريقيا التي تخلفت كثيرا وراء الركب. فدخل الفرد في إفريقيا مقارنة بالدخل في باقي العالم هبط من الثلث في عام 2000 إلى الربع. وربما لن يكون نصيب الفرد من الإنتاج عام 2026 أعلى عن مستواه في عام 2015. إلى ذلك أداء عملاقين إفريقيين هما نيجيريا وجنوب إفريقيا بالغ السوء. بلدان قليلة فقط مثل ساحل العاج ورواندا تجنبت ذلك.
خلف هذه الأرقام يوجد سجل بائس لركود الإنتاجية. فالبلدان الإفريقية تشهد تحولا كبيرا بدون تنمية. فهي تمر عبر اضطرابات اجتماعية مع انتقال الناس من المزارع إلى المدن دون أن يترافق ذلك مع ثورات زراعية أو صناعية، وقطاع الخدمات، الذي يجد فيه المزيد من الأفارقة فرص عمل، أقل إنتاجا مقارنة بأي منطقة أخرى. وهو بالكاد أكثر إنتاجا في الوقت الحالي من عام 2010.
البنية التحتية الضعيفة لا تساعد على ذلك، وعلى الرغم من كل الحديث عن استخدام التقنية الرقمية والطاقة النظيفة لتحقيق قفزة إلى الأمام تفتقر إفريقيا إلى مستلزمات القرن العشرين الضرورية للازدهار في القرن الحادي والعشرين. فكثافة طُرُقِها ربما تراجعت، وأقل من 4% من الأراضي الزراعية مَرويَّة ويفتقر نصف الأفارقة تقريبا جنوب الصحراء إلى الكهرباء.
للمشكلة أيضا بُعدٌ آخر لا يحصل على تقديرٍ كافٍ. فإفريقيا «صحراء» من حيث توافر الشركات. في السنوات العشرين الماضية أنتجت البرازيل شركات تقنية مالية عملاقة وإندونيسيا نجوما تجارية وتحولت الهند إلى الحاضنة الأكثر حيوية لنمو الشركات في العالم. لكن ليست إفريقيا. فهي لديها أقل عدد من الشركات التي تصل إيراداتها على الأقل إلى بليون دولار مقارنة بأي منطقة أخرى في العالم، ومنذ عام 2015 يبدو أن هذا العدد قد تقلص، المشكلة ليست في المخاطر ولكن في الأسواق المبعثرة والمعقدة التي أوجدتها كل هذه الحدود السياسية الكثيرة في القارة، فبورصات إفريقيا المُبَلْقَنة (المجزَّأة) ليست جاذبة للمستثمرين.
وتشكل إفريقيا 3% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم لكنها تجتذب أقل من 1% من رأسماله الخاص.
ما الذي يجب أن يفعله قادة إفريقيا؟ يمكن أن تكون نقطة البداية التخلي عن عقود من الأفكار الرديئة. تشمل هذه الأفكار تقليد أسوأ ما في رأسمالية الدولة الصينية التي تتضح نقائصها والركون إلى الإحساس بعدم جدوى الصناعة التحويلية في عصر الأتمتة ونسخ ولصق مقترحات تكنوقراط (خبراء) البنك الدولي.
النصائح الجادة التي يقدمها البليونيرات الأمريكيون عن السياسات الكلية من استخدامٍ للناموسيات (للوقاية من الملاريا) وإلى تصميم ألواح الخلايا الكهروضوئية مقبولة. لكنها ليست بديلًا لإيجاد ظروف تسمح للشركات الإفريقية بالازدهار والتوسع.
إلى ذلك، هنالك نمط خطير من التفكير التنموي الذي يوحي بأن النمو لا يمكنه التخفيف من الفقر أو أنه ليس مهما على الإطلاق طالما هناك جهود للحد من المرض وتغذية الأطفال والتلطيف من قسوة الطقس. في الحقيقة في كل الظروف تقريبًا النمو الأسرع هو السبيل الأفضل لخفض الفقر وضمان توفر موارد كافية للتعامل مع التغير المناخي.
لذلك يجب أن يتخذ القادة الأفارقة موقفا جادا تجاه التنمية. عليهم استلهام روح الثقة بالذات في التحديث والتي شوهدت في شرق آسيا في القرن العشرين وحاليا في الهند وأماكن أخرى.
هنالك بلدان إفريقية قليلة مثل بوتشوانا وإثيوبيا وموريتشوس التزمت في أوقات مختلفة بما أسماها الباحث ستيفان ديركون «صفقات التنمية». إنها اتفاق ضمني بين النخبة بأن السياسة تتعلق بزيادة حجم الاقتصاد وليس فقط النزاع حول اقتسام ما هو موجود. المطلوب المزيد من مثل هذه الصفقات النخبوية.
في الوقت ذاته على الحكومات بناء إجماع سياسي يحبذ النمو. والأمر الجيد وجود أصحاب مصلحة أقوياء حريصين على الدينامية الاقتصادية. فهناك جيل جديد من الأفارقة الذين ولدوا بعد عدة عقود من الاستقلال. إنهم أكثر اهتماما بمستقبلهم المهني من عهد الاستعمار.
تقليص «فجوة إفريقيا» يدعو إلى تبني مواقف اجتماعية جديدة تجاه النشاط الاقتصادي الخاص وريادة الأعمال مماثلة لتلك التي أطلقت النمو في الصين والهند. فبدلا من تقديس الوظائف الحكومية أو الشركات الصغيرة يمكن للأفارقة إنجاز الكثير مع المليارديرات الذين يركبون المخاطر باتخاذ قرارات استثمارية جريئة.
وتحتاج البلدان الإفريقية كل منها على حِدة إلى الكثير من البنى الأساسية من الموانئ والى الكهرباء وأيضًا المزيد من التنافس الحر والمدارس الراقية.
هناك مهمة أخرى ضرورية وهي التكامل بين الأسواق الإفريقية حتى تستطيع الشركات تحقيق أكبر قدر من اقتصاد الحجم الكبير واكتساب الحجم الذي يكفي لاجتذاب المستثمرين العالميين. هذا يعني المضي في تنفيذ خطط إيجاد مناطق لا تحتاج إلى تأشيرة سفر وتحقيق التكامل بين أسواق رأس المال وربط شبكات البيانات وأخيرا تحقيق حلم المنطقة التجارية الحرة لعموم إفريقيا.
عواقب استمرار الوضع في إفريقيا على ما هو عليه ستكون وخيمة.
فإذا اتسعت فجوة إفريقيا سيشكل الأفارقة كل فقراء العالم «المُعْدَمين» تقريبا بما في ذلك أولئك الأكثر عرضة لآثار التغير المناخي. وتلك ستكون كارثة أخلاقية. كما ستهدد أيضا عبر تدفقات الهجرة والتقلب السياسي استقرارَ باقي العالم.
لكن ليس هنالك سبب لتصوير الأمر وكأنه كارثة والتخلي عن الأمل. فإذا كان في مقدور القارات الأخرى الازدهار سيكون ذلك ممكنًا أيضًا لإفريقيا. لقد حان الوقت لكي يكتشف قادتها الإحساس بالطموح والتفاؤل. إفريقيا لا تحتاج إلى إنقاذ. إنها أقل احتياجًا إلى النزعة الأبويَّة والرضا بالواقع والفساد وبحاجة إلى المزيد من الرأسمالية.