لجريدة عمان:
2024-11-22@09:57:59 GMT

دور المكتبات في تنويع الصناعات الثقافية

تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT

تُعد المكتبات من أهم المؤسسات الحضارية فـي المدن والحواضر، ويُقاس وجودها بدرجة تقدم المجتمع والأفراد ورقي الذوق والرغبة فـي خلق مصادر المعرفة وتشكيل الوعي وترسيخ الهوية الوطنية، ولذلك قال عنها الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس (1899-1986) «الكون هو ما يسميه الآخرون المكتبة»؛ فالمكتبة هي الحيز المكاني الذي يجتمع فـيه خلاصة الفكر البشري وإبداعات الإنسان منذ عصر التدوين إلى عصر الذكاء الاصطناعي، لهذا فإننا نثني على جهود منظمي المؤتمر الخامس والثلاثين للاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات المقام فـي مسقط خلال هذه الأيام تحت عنوان «المكتبات ومؤسسات الأرشيف العربية ودورها فـي تعزيز الهوية والمواطنة الرقمية».

ونتأمل من المؤتمر الخروج برؤى وأفكار تساهم فـي إيجاد وظائف غير تقليدية للمكتبات والعمليات المرتبطة بها.

وقبل أن نتطرق إلى أهمية المكتبات فـي توفـير الأسس الفكرية والثقافـية التي تُمكِّن الفرد من توسيع مداركه العقلية فـي استيعاب المعلومة وخلق الوعي القادر على صون الذات وتحفـيزها لنشر القيم الإنسانية وترسيخها. فإنا نُشير إلى الخطط الوطنية التي عززت من قيمة المكتبة فـي استراتيجياتها فمثلا خصصت الاستراتيجية الثقافـية العُمانية (2021-2040) مجالا للمكتبات ضمن هدفها الخاص بالثقافة والمجتمع «كتهيئة البيئة المناسبة للحراك الثقافـي فـي مختلف المحافظات، وأنسنة المدن، ورفع مستوى الوعي بمبدأ التنوع الثقافـي المحلي والخارجي والحوار والنقد البنّاء، وتفعيل الدور الثقافـي للمؤسسات الأهلية وتشجيع إنشاء مبادرات ثقافـية لترسيخ منظومة الشراكة المجتمعية».

إن رغبة المؤسسات المعنية بالثقافة فـي تهيئة البُنية الأساسية لإقامة المكتبات، تمنحنا قدرا من التفاؤل لإيجاد مكتبات عامة فـي قلب العواصم الإدارية فـي كافة محافظات سلطنة عمان تضفـي على المكان قدرا من الجمالية الروحية، مثلما ذكر المترجم والمحرر الكندي من أصل أرجنتيني ألبرتو مانغويل (1948) «ليس ثمة مكان يُضفـي قدرًا أكبر من الإيمان الراسخ بتسامي آمال الإنسان أكثر من مكتبة عامة». ولكيلا يُفهم الطموح بوجود مكتبة أن تتواجد هياكل أسمنتية، فإننا نشير إلى ضرورة وجود العنصر البشري المؤهل لإدارة المكتبات وتنشيطها من خلالها خطط مرسومة وبرامج ثابتة وأنشطة ملموسة لنقل المعارف من الكتب والمؤلفات إلى أذهان الجمهور المتردد على المكتبة التي يتوجب عليها المنافسة فـي استقطاب القراء من كافة الفئات العمرية وخاصة الشباب القادرين على تحويل المعلومات المتوفرة فـي الكتب إلى محتوى رقمي يعود بالنفع المادي والمعنوي على صانعه.

صحيح أن هناك تحديات جمة تواجه المكتبات وخاصة المكتبات العامة، ولكن فـي المقابل هناك وسائل يمكن توظيفها لجذب الشباب منها على سبيل المثال خلق توأمة مع مكتبات عامة خارج سلطنة عمان تتيح إمكانية الاطلاع على الكتب والمراجع المتوفرة فـي مواقع المكتبات الإلكترونية؛ بغية الحصول على قيم معرفـية وثقافـية يمكن استثمارها وتوظيفها فـي صناعات ثقافـية، مثلما يذكر الكاتب عبدالقادر قسمي فـي كتابه علم المكتبات وتوظيف التكنولوجيا «يوصي بعض المهتمين بعلوم المكتبات والمعلومات بضرورة استثمار المعلومات وتحويلها إلى علم نافع أو سلعة قابلة للتسويق، وأنه إذا كانت المعلومات طاقة، فإن المكتبة العامة هي المسؤولة عن توفـير مقومات تحويل هذه الطاقة إلى قوة دفع فـي خدمة برامج وأهداف التنمية الاجتماعية الشاملة، وإذا كانت المعلومات سلعة فإن المكتبة العامة هي منافذ تسويق هذه السلعة، وخدمات المعلومات التي تؤديها المكتبة العامة هي وسيلة الترويج لها.. يقع على عاتق المكتبة العامة تحويل المعلومات إلى معرفة تستفـيد منها جميع فئات المجتمع».

ختاما نقول إن الدور المُرتجى من المكتبات العامة يتجاوز الدور التقليدي فـي تهيئة أجواء للقراءة والاطلاع إلى مساحات توفر المعلومة وتستثمرها، بمعنى أن المكتبات مؤسسات يمكن استغلالها فـي خلق وظائف مستقبلية تقوم على المادة الخام للمعلومة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المکتبة العامة

إقرأ أيضاً:

هل تسهم المهرجانات الفنية في تعزيز الإبداع أم تروج للسلعة الثقافية؟


تعتبر المهرجانات الفنية أحد أهم الأحداث التي تجمع الفنانين والجمهور من مختلف أنحاء العالم، حيث يتم تقديم أعمال فنية متنوعة في مجالات السينما، والموسيقى، والفنون التشكيلية، والمسرح، وغيرها. ولكن مع ازدياد عدد المهرجانات الفنية وانتشارها في كافة أنحاء العالم، تطرح العديد من الأسئلة حول دور هذه الفعاليات: هل تسهم المهرجانات في تعزيز الإبداع الفني وتطويره، أم أنها أصبحت مجرد منصات تروج للسلعة الثقافية وتتحول إلى سوق تجارية؟ وبين هذه الأسئلة المعقدة، يظهر تساؤل أساسي: هل المهرجانات الفنية قادرة على حفظ قيم الفن الأصيلة أم أنها تسهم في تسليع الثقافة وتحويلها إلى منتج استهلاكي؟

المهرجانات الفنية: ملتقى الإبداع والتبادل الثقافي

في الأصل، كانت المهرجانات الفنية تهدف إلى تقديم الإبداع الفني في مجالاته المختلفة، ومنح الفنانين منصة لعرض أعمالهم وتبادل الأفكار والخبرات. كانت هذه المهرجانات تسهم في فتح أفق الجمهور على أشكال جديدة من الفن والثقافة، وتساهم في تعزيز الحوار الثقافي بين مختلف الشعوب والمجتمعات. ومن خلال هذه المهرجانات، كان يتم تسليط الضوء على أعمال فنية مبتكرة تساهم في تطوير الصناعة الفنية وتوسيع نطاق التأثير الفني على المجتمعات.
على سبيل المثال، مهرجان كان السينمائي أو مهرجان فينيسيا للأفلام يعكسان دور المهرجانات في دعم السينما والفنانين المستقلين، وتقديم فرصة لهم للوصول إلى جمهور عالمي. بينما المهرجانات الموسيقية مثل "مهرجان كوتشيلا" أو "غلاستونبري" توفر منصات للموسيقيين والفنانين الشباب لتقديم موسيقاهم، مما يعزز التنوع الثقافي ويسهم في خلق حوار بين مختلف الأجيال والأساليب.

هل أصبحت المهرجانات سلعًا ثقافية؟

مع مرور الوقت، وتحت ضغوط العولمة والتجارة، بدأت المهرجانات الفنية تتحول بشكل تدريجي من منصات إبداعية إلى سلع ثقافية تُروج وتُسوق. في العديد من الحالات، أصبحت المهرجانات تركز بشكل أكبر على جذب السياح والمستثمرين أكثر من تسليط الضوء على الفن نفسه. كما أن بعض المهرجانات تروج لنجوم الفن العالميين وتعرض أعمالًا تركز على جذب الجمهور، في حين تُغفل الأعمال الفنية المستقلة أو التجريبية التي لا تملك القدرة على جذب حشود ضخمة أو تحقيق إيرادات كبيرة.
هذه التحولات قد تؤدي إلى فرض قيود على الإبداع، حيث يصبح الفنانون مجبرين على تقديم أعمال تناسب متطلبات السوق وتواكب الاتجاهات السائدة. وبدلًا من أن تكون المهرجانات مساحة مفتوحة للابتكار والتجديد، تتحول إلى فعاليات تروج لمنتجات ثقافية تُسوق بطريقة تجارية.

الربح والتسويق: هل يضر ذلك بالفن؟

إن أحد أبرز التحديات التي تواجه المهرجانات الفنية في العصر الحالي هو التوازن بين الفن والربح. فبينما يُعد الجانب التجاري جزءًا من أي حدث كبير في العصر الحديث، فإن المهرجانات الفنية التي تركز بشكل أكبر على الربح قد تؤدي إلى تهميش الفنون التي لا تجذب الانتباه الجماهيري أو التي لا تملك القدرة على تحقيق أرباح ضخمة.
المهرجانات التي تُركز على استعراض الأسماء الكبيرة، سواء في السينما أو الموسيقى أو المسرح، قد تساهم في تعميم فكرة أن الفن هو مجرد منتج قابل للاستهلاك. بدلًا من تكريم الأعمال التي تسعى لإحداث تغيير ثقافي أو اجتماعي، يتم تقديم الأعمال التي تتوافق مع الذوق العام وأذواق الجماهير الواسعة، مما يجعل المهرجانات أقل إبداعًا وأقل تحفيزًا للفنانين الجدد أو المبتكرين.
علاوة على ذلك، فقد تحول بعض المهرجانات إلى مناسبات تجارية موجهة نحو السياحة، حيث يهيمن الجانب التجاري على التنظيم والبرمجة. في هذا السياق، يتم التركيز على جلب الزوار، مما قد يؤدي إلى تقليص فرص الفنانين المحليين أو الجدد في عرض أعمالهم في تلك الفعاليات.

المهرجانات الفنية كمنصات للتميز الثقافي

رغم هذه الانتقادات، تبقى المهرجانات الفنية أماكن مهمة لتسليط الضوء على التميز الثقافي والفني. فهي توفر فرصة للفنانين والمبدعين للتعبير عن أنفسهم والتفاعل مع جمهور عالمي، مما يعزز فهم الثقافات المختلفة. بعض المهرجانات، مثل "مهرجان القاهرة السينمائي" و"مهرجان دبي السينمائي"، على سبيل المثال، لعبت دورًا هامًا في دعم السينما العربية وتقديم أعمال مستقلة تحكي قصصًا متنوعة وتنقل رسائل قوية حول قضايا مجتمعية وإنسانية.
وتعتبر المهرجانات أيضًا منصات لتقديم الفنون التي تعكس الهويات الثقافية المختلفة وتساعد على الحفاظ عليها من الاندثار. ومن خلال التفاعل بين الفنانين والجمهور، يتم تبادل القيم الثقافية والفنية بين المجتمعات المختلفة، مما يساهم في بناء جسر من الفهم المتبادل.

هل يمكن للمهرجانات أن تعزز الإبداع دون الوقوع في فخ السوق؟

على الرغم من الضغوط التجارية التي تواجهها المهرجانات الفنية، يمكن أن تسهم هذه الفعاليات في تعزيز الإبداع بشرط أن تبقى المهرجانات ملتزمة بمهمتها الأصلية في دعم الفن والفنانين بعيدًا عن الضغوط التجارية. يمكن للمهرجانات أن تخلق مساحة للفنانين الجدد والمبتكرين، وتساعد في تقديم أعمال فنية تثير النقاش والتفكير النقدي لدى الجمهور. في هذا السياق، فإن المهرجانات التي تركز على الجودة الفنية وتركز على تقديم أعمال متنوعة تجذب الجمهور من خلال الإبداع، لا تجلب الفائدة للفنانين وحسب، بل تساعد أيضًا في تطوير الثقافة والفنون في المجتمع.
من خلال توفير منصات لعرض الأعمال المستقلة والمبتكرة، قد تسهم المهرجانات في تحفيز الحوار بين الأجيال المختلفة، وتعزيز التنوع الثقافي. كما يمكن أن تركز المهرجانات على تسليط الضوء على الفنانين الذين يتناولون قضايا اجتماعية أو بيئية هامة، مما يساهم في إحداث تغيير إيجابي في المجتمع من خلال الفن.

الخاتمة: المهرجانات الفنية بين الإبداع والتجارة

المهرجانات الفنية، في مجملها، تظل ساحة حيوية يمكن أن تساهم بشكل كبير في تعزيز الإبداع الثقافي والفني. ومع ذلك، فإنها لا تخلو من التحديات التي قد تؤثر في توازنها بين الفن والربح. إذا كانت المهرجانات تهدف إلى أن تكون منصات للفن الحقيقي والابتكار، فإنها بحاجة إلى الالتزام برسالتها الأصلية والتركيز على دعم الأعمال الفنية ذات القيمة الثقافية والفكرية، بدلًا من الاكتفاء بالتجارة والربح السريع. وفي النهاية، تظل المهرجانات الفنية بحاجة إلى التوازن بين إرضاء الجمهور وتحقيق الأرباح وبين الحفاظ على الأصالة الفنية وتشجيع الإبداع المتجدد.

مقالات مشابهة

  • هل تسهم المهرجانات الفنية في تعزيز الإبداع أم تروج للسلعة الثقافية؟
  • «المكتبة المتنقلة».. قراءات وترفيه في «العين للكتاب»
  • اختتام فعاليات مهرجان الشهيد وتكريم الفائزين في المسابقات الثقافية
  • محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية يكشف عن نمو توطين الإنفاق العسكري
  • ثقافة الفيوم تناقش دور المكتبات في لقاءاتها مع طلاب المدارس
  • خليل الحية: نبحث في كافة الأبواب والطرق التي يمكن من خلالها وقف العدوان
  • مدبولي: لا يمكن للصناعات العملاقة أن تعمل دون الصغيرة والمتوسطة
  • أخنوش: ما يتعرض له المغرب من حملات هو ضريبة صحوته الصناعية التي أصبحت تزعج البعض
  • واكتمل «الحلم النووي» .. تركيب مصيدة المفاعل للأربع وحدات بالضبعة .. الوزراء: تنويع مصادر الطاقة لتطبيق رؤية 2030.. خبراء: استخدام تكنولوجيا آمنة لها استخدامات علاجية
  • هل يمكن وقف تآكل الشرعية؟