سياسات ترامب في ولايته الثانية
تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT
علي الرئيسي
يذكر جاسون ستانلي في "بروجكت سندكت" أنَّه منذ 2300 عام، على الأقل منذ جمهورية أفلاطون، عرف الفلاسفة كيف يفوز الديماجوجيون والطغاة الطامحون بالانتخابات الديمقراطية؛ فالعملية واضحة ومُباشرة، والآن فقط شاهدناها تتكشف!
في الديمقراطية، يتمتع أي شخص بحرية الترشح لمنصب، بما في ذلك الأشخاص غير المناسبين تمامًا لقيادة أو رئاسة مؤسسات الحكومة.
الواقع أن ترامب ليس مجرمًا فحسب، فهو أيضًا مُحتال أثبت مرارًا وتكرارًا أنه لا يعرف شيئًا تقريبًا عن السياسة، ودكتاتور طموح تعهّد بتنفيذ عمليات ترحيل جماعية وتعهد بملاحقة "أعدائه". ومع ذلك، لم يفز فقط بالهيئة الانتخابية (المجمع الانتخابي)؛ بل فاز أيضًا بالتصويت الشعبي، وهو إنجاز لم يُحققه في عام 2016 أو عام 2020.
ويبدأ التفسير بمن مكَّنوا ترامب؛ فالناس أنفسهم الذين ينددون "الووك" لقمع الخطاب العام المفتوح على ما يبدو يعتبرون انتقاد الناخبين البيض وكبار السن وسكان المناطق الريفية في الأساس محظورا، والذين ظلوا مخلصين لترامب بشكل أعمى، بغض النظر عن مدى بشاعة أو خطورة أو تقلب سلوكه. ويقول المدافعون عن ترامب إنهم لا يفهمون من هو ترامب أو التهديد الذي يشكله؛ إنهم يستجيبون لمظالم مشروعة، مثل انعدام الأمن الاقتصادي.
يرفض أنصار ترامب جميع الانتقادات الأخرى؛ فالخبراء الذين يحذرون من أنَّ خطط ترامب ستفرض تكاليف باهظة على الاقتصاد الأمريكي يفشلون في تقدير ذكائه التجاري الاستثنائي. وأولئك الذين يُسلطون الضوء على تعاملاته الشخصية لإثراء نفسه وأسرته- حيث جمع صهر ترامب جاريد كوشنر مليارات الدولارات من المملكة العربية السعودية لصندوقه الاستثماري- يُبالغون في تقدير حجم وتأثير هذه الخطوة.
مع فوز ترامب الساحق على كامالا هاريس، يُلوِّح شبح نهجه المتهور والمتعجرف في الدبلوماسية. وإذا كانت أفعاله السابقة تشكل أي مُؤشر، فقد تستعد الشركات الأمريكية قريبًا لجولة أخرى من المناورات غير المنتظمة عالية المخاطر- أو ما هو أسوأ- ضد الصين.
الواقع أنَّ الدستور الأمريكي يفوض السلطة على العلاقات الخارجية لكل من الرئيس والكونجرس؛ وهي البنية المصممة لتعديل تقدير السلطة التنفيذية بالإشراف التشريعي. ولكنَّ هذا التوازن تحول بشكل كبير في العقود الأخيرة.
الآن تتركز السياسة الخارجية بشكل ساحق في السلطة التنفيذية وتظل بلا ضوابط إلى حد كبير، وهو الاتجاه الذي يعزو إليه علماء السياسة ارتفاع التحزُّب وتراجع الخبرة في الكونجرس. ومع تفضيل كلا الحزبين لنهج متشدد تجاه الصين، فسوف يتمتع ترامب بمزيد من الحرية في مهاجمة البلاد. هذا مما سيشعل حربًا حمائية بين الدولتين وسيعقد حرية التجارة العاملية.
إنَّ أسباب الذعر واضحة، وقد يكون ترامب غير قابل للتنبؤ ومتقلب، ولكن لا شك أنَّ غرائزه السياسية وخططه المُعلنة سوف تهز أركان الأمن والنظام الاقتصادي والسياسي في أوروبا.
بالنسبة للأوروبيين وخاصة فيما يتصل بالأمن، كل الأسباب للخوف من أن "خطة السلام" التي اقترحها ترامب لأوكرانيا سوف تُجبِر ذلك البلد على تسليم جزء من أراضيه وتتركه منزوع السلاح ومستبعدًا بشكل دائم من حلف شمال الأطلسي. وقد يدخل حلف شمال الأطلسي نفسه في حالة "سُبات"، مع تقليص أمريكا لمشاركتها بشكل جذري وتسليم المسؤولية عن القيادة العسكرية وموارد الحلف للأوروبيين. وذلك ليس بالأمر السيء كليا بالنسبة للشعوب الأخرى حيث اثبت هذا الحلف عدائه وتدخله العدواني في البوسنة وليبيا.
الأوروبيون أيضًا متخوفون من فرض سلسلة من التعرفة العالية على صادراتها إلى الولايات المتحدة، وخاصة على السيارات والجبن والنبيذ ومجموعة أخرى من السلع المصنعة؛ مما سيكون له تاثير على نمو الاقتصاد الأوروبي.
لكن السيناريوهات الاقتصادية أكثر إثارة للخوف، فقد تحدث ترامب عن فرض تعريفات جمركية عالمية على الواردات تتراوح بين 10% و20%، وتعريفات جمركية بنسبة 60% على السلع القادمة من الصين. وتهدد مثل هذه السياسة بإشعال حرب تجارية عالمية، مع فرض الحكومات تدابير انتقامية ضد الولايات المتحدة. وإذا تم استبعاد الصين من السوق الأمريكية، فسوف يصبح الأوروبيون أكثر عُرضة لتأثيرات العرض الناجمة عن فائض قدرتها التصنيعية.
في الشرق الأوسط، يشعر الجميع بالقلق رغم الفرح الذي عم الأوساط المحافظة في المنطقة والتي تعتقد أن قضايا مثل حقوق الإنسان والحريات لن تكون ضمن اهتمامات إدارة ترامب. وهناك قلق أيضًا من أن خطة ترامب لتأمين السلام سوف تعني دعم الخطط التوسعية للائتلاف المتطرف لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وربما حتى طرد الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية وإعادة توطينهم في مصر والأردن. هذا بالطبع إلى جانب الابتزاز المالي الذي سيمارسه ترامب ضد دول الخليج الغنية والضغط باتجاه الإسراع في عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني.
في عام 1971، قال جون كونالي وزير الخزانة الأمريكي، لنظرائه الأوروبيين إن الدولار "عملتنا، ولكن مشكلتكم". وعلى مدى نصف القرن التالي، تحول الاقتصاد العالمي، لكن مقولة كونالي لا تزال صحيحة؛ فرغم أن قيمة الدولار تظل محددة إلى حد كبير بالتطورات المحلية في أمريكا، فإن تقلباته ترسل دائما موجات عبر العالم. وربما يكون أحد هذه التقلبات الكبيرة حاضرة؛ حيث تبدو السياسات الاقتصادية التي وعد بها دونالد ترمب، على استعداد لتسريع وتيرة تقوية الدولار. وهذا يعني مشاكل للنمو في بقية العالم. فقوة الدولار الأمريكي سيصعب من عملية دفع الديون الدولارية للدول الناشئة والفقيرة لأن ذلك سيضعف عملاتها المحلية، ورغم انه غير واضح كيف سيسعى ترامب إلى تقوية الدولار، ولكن الأمر أصبح مقلقا عالميا.
ولكن ما الأجزاء التي قد يرغب ترامب في تنفيذها من أجندته الاقتصادية، وما الأجزاء التي قد يتمكن من تنفيذها؟
النشوة التي تسود أسواق الأسهم الأمريكية تعطينا مؤشرات على ما يتوقعه المستثمرون، فقد سجل مؤشر ستاندرد آند بورز 500، وهو مؤشر للشركات الأمريكية الكبرى، أرقاما قياسية متتالية في السادس والسابع والثامن من نوفمبر. ويرى المتعاملون أن الإدارة المقبلة سوف تعزز أرباح الشركات الأمريكية من خلال التخفيضات الضريبية وتحرير القيود التنظيمية، مع ارتفاع الاقتراض الحكومي. ومن ناحية أخرى، قد يضطر البنك المركزي الأمريكي إلى الإبقاء على أسعار الفائدة أعلى مما كان ليحدث لولا وجود ترامب في السلطة. ومن شأن هذه المعدلات المرتفعة أن تجعل الاحتفاظ بالأوراق المالية المقومة بالدولار أكثر جاذبية، وهو ما يوفر دعما للدولار.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تقدير إسرائيلي: إدارة ترامب الثانية تضعنا أمام المزيد من الفرص والمخاطر
رغم الترحيب الإسرائيلي الحذر بالسياسات المتوقعة من إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في ولايته الثانية، لكن الحذر ما زال قائما في "تل أبيب"، صحيح أنه سيتبع تجديد سياسة "الضغط الأقصى" على إيران، وخفض المساعدات لأوكرانيا، والسعي لإبرام اتفاقيات تطبيع إضافية، كل ذلك سيفيد الاحتلال، لكنه سيتطلب منه مناورة سياسية حذرة تجاه واشنطن.
إيهود عيلام باحث الشؤون الاستراتيجية، وخبير العقيدة القتالية لجيش الاحتلال لأكثر من عشرين عاما، والمستشار بوزارة الحرب، توقع أن "تركز إدارة ترامب على القضايا المحلية كالتخفيضات الضريبية والهجرة، أما سياستها الخارجية، فلديها مدارس فكرية مختلفة ومتعارضة في بعض الأحيان، مثل الانفصالية والصقور، فقد اختار ترامب الصقور لمناصب رئيسية كوزراء الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي، الذين عبروا عن دعم واضح للاحتلال في الحرب على غزة، والصراع مع إيران، وأكثر من ذلك، وسيكون اتفاق بين واشنطن وتل أبيب حول قضايا مختلفة، لكن لن يكون هناك دائما اتفاق كامل بينهما، وربما تكون خلافات مختلفة".
وأضاف في مقال نشرته مجلة "يسرائيل ديفينس" العسكرية، و ترجمته "عربي21"، أن "ترامب يتوقع أن يسعى لتقليص نطاق حرب أوكرانيا بشكل كبير، وهذا التطور قد يخدم إسرائيل في عدة مجالات، لأنه في بعض الأحيان كان الجدل الدائر في الولايات المتحدة حول ما إذا كان مساعدة كييف يؤثر على تقديم المساعدات لتل أبيب، فيما كانت المساعدات لهما جزءًا من حزمة مساعدات أمريكية واحدة، وفي جوانب معينة من المساعدات العسكرية مثل القذائف، تنافستا على جذب انتباه الإدارة الأمريكية، وفي هذا الصدد، إذا قطع ترامب المساعدات عن أوكرانيا، من أجل الضغط عليها لقبول اتفاق وقف إطلاق النار مع روسيا، فإن ذلك سيساعد الاحتلال".
وأشار إلى أنه "في ظل ظروف معينة، قد يستفيد ترامب من المساعدات المقدمة لإسرائيل لإجبارها على قبول شروطه، وسيكون هذا مهمًا بشكل خاص لها في السنوات المقبلة، عندما ينتهي الاتفاق الموقع في 2016 بشأن المساعدات الأمريكية، الذي أصبح الآن منحة، وفي التفاوض على اتفاق مستقبلي، قد يطالب ترامب بأن تكون المساعدة، حتى لو كانت جزءا منها، على شكل قرض فقط، وقد يكون بشروط مواتية، لكنها لن تكون منحة، وسيعتمد الكثير على مدى استعداد إسرائيل لقبول مطالب ترامب، حتى أثناء المفاوضات الخاصة بهذا الاتفاق".
وأوضح أن "إنهاء حرب أوكرانيا، ولو بشكل مؤقت وجزئي، قد يقلل تعاون روسيا وإيران، الذي يقلق واشنطن وإسرائيل، حيث قد تساعد روسيا إيران بتوفير أنظمة أسلحة كالطائرات المقاتلة والدفاع الجوي وغير ذلك، ومشروعها النووي، بما في ذلك كبح الإجراءات ضدها في هذا الجانب في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، خاصة إذا تعرضت مواقع صناعة النفط للقصف الإسرائيلي، حيث تدرك إيران أنها أصبحت الآن أكثر عرضة للخطر، عقب تدمير القوات الجوية الإسرائيلية لبطاريات S-300، وهي من أفضل دفاعاتها الجوية".
وأكد أنه "بعد انتخاب ترامب، ستكون إيران أكثر حذرا، وقد تسعى جاهدة لضرب إسرائيل بطريقة غير مباشرة، دون أن تشير مباشرة إليها، مثل هجوم على هدف إسرائيلي حول العالم، لكن إدارة ترامب ستسعى جاهدة لتجنب الحرب مع إيران، بل يتوقع أن تستعيد سياسة "الضغط الأقصى" عليها، كما اعتادت في الماضي، بفرض عقوبات شديدة عليها، وعزلها سياسيا لإجبارها على قبول قيود صارمة على بنيتها التحتية النووية والصاروخية، ودعمها لمنظمات مثل حماس وحزب الله، والحد من سياستها في الشرق الأوسط".
ولفت إلى أن "إدارة ترامب قد تسعى لإبرام "اتفاقيات أبراهام 2"، بإضافة السعودية، صحيح أن إسرائيل تريد ذلك أيضا، لكن هذه الخطوة ستتضمن تنازلات كبيرة منها إذا أرادت المملكة الحصول على أنظمة أسلحة أمريكية متقدمة في المقابل، وأصرت على مشروع نووي مدني، والتزام إسرائيلي رسمي وواضح بإقامة دولة فلسطينية، هنا يمكن أن تتمكن تل أبيب من استغلال ذلك لصياغة اتفاق يكون معقولاً إلى حدّ ما في نظرها، ويعتمد الكثير على مدى الضغط الذي ستمارسه واشنطن عليها، التي ستسعى جاهدة لتجنب الاحتكاك معها".
وانتقل الكاتب للحديث عن "اتخاذ إدارة ترامب نهجا صارما تجاه الصين، وقد يُطلب من إسرائيل أن تقف بشكل لا لبس فيه بجانبها في هذا الصراع العالمي، خاصة وأن للصين استثمارات هنا، خاصة في البنية التحتية للنقل مثل ميناء حيفا الحيوي، الذي يخدم الأسطول السادس الأمريكي في البحر المتوسط، وتشعر واشنطن بحساسية إزاء التدخل الصيني في تل أبيب، وهو القلق الذي تم التأكيد عليه لها عدة مرات في الماضي، مع أن هناك شعور إسرائيلي بالقلق من أن الصين تستخدم نفوذها فيها للتجسس عليها، في ضوء علاقاتها مع إيران".
وأوضح أنه "عقب اندلاع حرب غزة ولبنان، أبدت الصين موقفاً متحفظاً ومعادياً أحياناً تجاه الاحتلال، صحيح أنه يريد الاستفادة من علاقاته مع قوة مثل الصين، ذات الاقتصاد الضخم، وعدم إزعاجها، لكن يجب عليه أن يكون حذرا للغاية فيما يتعلق بالصين، والتوضيح لإدارة ترامب أنه في موقفه الصحيح، خاصة في حال نشوء مشكلة أمريكية كبيرة مفاجئة تتمثل بهجوم كوريا الشمالية على الجنوبية، والغزو الصيني لتايوان وغيرها".
وختم بالقول إن "مثل هذه الأحداث قد تؤدي لإحداث فوضى عالمية، مما يتطلب الاهتمام الكامل من جانب إدارة ترامب بها، على حساب انشغالها بالشرق الأوسط، صحيح أنه سيكون هناك ضغط أميركي أقل على إسرائيل لتقديم تنازلات، ولكن في الوقت ذاته فإن اهتمامها سيقلّ، وحتى قدرتها على مساعدة الاحتلال في القضايا التي تهمه ستتراجع".