مع تصاعد التوترات في لبنان واستمرار المواجهات بين حزب الله وإسرائيل، تتزايد التحديات داخل الطائفة الشيعية في البلاد، فقد أدت هذه المواجهات إلى تراجع حزب الله عسكرياً، خاصة بعد اغتيال أمينه العام حسن نصر الله وعدد من قياداته، وذلك في ظل تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على قاعدته الشعبية، وتصاعد الانتقادات من الداخل والخارج ضده، إذ تتهمه جهات محلية وإقليمية ودولية بدوره في زعزعة الاستقرار والأمن في لبنان والمنطقة.

أمام هذا الوضع، تبرز تساؤلات بشأن إمكانية أن يستغل رئيس مجلس النواب اللبناني وزعيم حركة أمل، نبيه بري، هذه الظروف لإعادة التوازن داخل الطائفة الشيعية، خاصة بعد تراجع دوره لصالح حزب الله في السنوات الأخيرة، وذلك من خلال السعي إلى استعادة مكانته عبر اتخاذ مواقف أكثر استقلالية عن الحزب.

ويرى مراقبون للشأن اللبناني أن نفوذ بري، شهد تراجعاً ملحوظاً منذ ربط سياساته بسياسات حزب الله، سواء على الصعيد الداخلي أو الإقليمي.

هذا التراجع تعمّق مع تصاعد دور حزب الله بعد حرب 2006، وتوسّع نفوذه الإقليمي إثر تدخله في الحرب السورية، مما رسّخ مكانة الحزب كقوة بارزة في المشهد الشيعي واللبناني، حتى بات ينظر إلى بري من قبل شريحة واسعة كـ"ملحق سياسي" للحزب.

وعقب اغتيال نصر الله، برز بري، كمرجعية سياسية محورية للطائفة الشيعية، لاسيما بعد تكليفه من قبل الأمين العام الجديد لحزب الله، نعيم قاسم، بقيادة جهود التوصل إلى وقف إطلاق النار، ليعلق بري على ذلك في حديث صحفي بالقول إن تفويض حزب الله له بالمفاوضات السياسية "ليس جديداً، وإن كان تم تجديد تأكيده".

مشهد ضبابي؟

رغم أن "حزب الله أصابه الوهن الشديد بعد تمكن إسرائيل من اغتيال أمينه العام حسن نصر الله، وغالبية من قادته، وكلّ الخسائر التي أصابته، وعدم تراجع الجيش الاسرائيلي عن استهداف بنيته التحتية"، لكنّه كما يقول الكاتب والصحفي مجد بو مجاهد "لم ينتهِ حتى الآن ولا يزال قادراً على تنظيم حضوره سياسيّاً ومواصلة القتال عسكريّاً، بما تبقى من قدرات قتالية مع قيام إيران مباشرةً بإدارة مفاصله السياسية والعسكرية في هذه المرحلة".

ويعتبر بو مجاهد أن إبقاء حزب الله على هيمنته على القرار السياسي داخل الطائفة الشيعية، كما على القرار الاستراتيجي في لبنان أو عدمه، "مسألة ستقرّرها المفاوضات الدبلوماسية التي على أساسها ستنتهي الحرب مهما طالت، والكيفية لإنهائها وأمدها الزمنيّ، لكن يتبيّن أن إسرائيل لا تكتفي باتفاق يضمن المنطقة الخالية من السلاح جنوبي الليطاني فقط، وتسعى إلى ما هو أكثر من تطبيق القرار الدوليّ 1701، إذ انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الضغط لتحقيق تسوية قبل الأوان، وقوله إنه لا يحدّد موعداً لنهاية الحرب، بل أهدافاً".

وفي سياق حديثه عن إمكانية إعادة تشكيل التوازنات السياسية داخل الطائفة الشيعية يعتبر بو مجاهد، في حديث لموقع "الحرة"، أن ذلك "سيكون بعد انتهاء الحرب"، ويوضح "إذا تلاحقت خسائر حزب الله أكثر على النحو الذي عرفته الأسابيع الماضية وصيغ أي اتفاق على حسابه، ذلك سيغيّر طبعاً في التوازنات، حتى إن بقي حزب الله سياسيّاً، وذلك مرجّح، لكن يمكن لتغيير التوازنات أن يفسح المجال أمام قوى وأحزاب سياسية ناشئة وتغييرية لدى الطائفة الشيعية، خصوصاً أن هناك فئات منها تسعى للتغيير ويمكن للمشاريع السياسية التغييرية أن تحصل على جزء من التأييد الشعبي إن تغيّرت المعادلات السياسية وتراجعت هيمنة حزب الله".

من جانبه، يكشف الصحفي علي الأمين، عن قلق كبير يشعر به بري تجاه وضع حزب الله الحالي، مشيراً إلى أن هذا القلق "يأتي من الارتباط العميق الذي نشأ بين بري وحزب الله على مدار أكثر من عشرين عاماً، إذ بنى بري نظام مصالحه السياسية على أساس التحالف مع الحزب وتبنّيه الخيار الإيراني".

ويوضّح الأمين في حديث لموقع "الحرة" أن بري "أسس منذ عام 1992 نفوذه السياسي على التحالف مع حزب الله برعاية إيرانية- سورية، مما أدى إلى تشابك المصالح بين الطرفين، وجعل فكّ هذا التحالف أمراً بالغ الصعوبة، وبالتالي أي تراجع في نفوذ حزب الله سيؤثر سلباً على بري".

ويتابع الأمين مشيراً إلى أنه "رغم سعي بعض القيادات والعناصر داخل حركة أمل لإظهار نوع من التمايز عن حزب الله، إلا أن أي ضعف يصيب الحزب يثير القلق داخل الحركة، من احتمال تأثرها به أو عدم قدرتها على سد الفراغ الذي قد يخلّفه".

لذلك يرى الأمين أن بري لن يقدم على "خطوة تعديل التوازنات داخل الطائفة الشيعية، وإعادة صياغة دوره، لكنه، في ظل الضغوط المحلية والدولية المتزايدة، قد يجد نفسه مضطراً للمضي قدماً في ملفات حساسة، مثل انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة"، مؤكداً أن هذه التنازلات، إن حصلت "لن تكون خياراً طوعياً، بل استجابة لهذه الضغوط".

تباينات جوهرية

و"تحمل الثنائية الشيعية القائمة منذ أوائل التسعينيات بعد حرب دموية بين الطرفين ومن جراء اتفاق إيراني – سوري، في طياتها تباينات عميقة"، كما يقول الباحث السياسي جورج العاقوري.

ويوضح العاقوري في حديث لموقع "الحرة" أن "مشروع حركة أمل بقيادة بري سياسي، محوره لبنان وحدوده، بينما يتبنى حزب الله مشروعاً أيديولوجياً دينياً يتجاوز لبنان إلى الأمة الإسلامية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو جزء من تصدير الثورة. هذا التباين الكبير، لا بدّ ان يطفو إلى العلن، نظراً لخطورة المرحلة الراهنة التي تهدد هوية لبنان، وتضعه أمام تحديات وجودية تمسّ كافة مكوناته".

يذكر أنه، عام 1982، نشأ حزب الله من رحم حركة أمل (التي أسسها موسى الصدر عام 1974)، وذلك بالتزامن مع تولي بري رئاسة الحركة. ومع صعود حزب الله، برزت بين الطرفين توترات متزايدة، إذ رأت حركة أمل في الحزب قوة منافسة تسعى إلى السيطرة على الساحة السياسية والطائفية في لبنان. وقد أدى هذا التنافس واختلاف الرؤى والأهداف إلى مواجهات مسلحة بينهما خلال ثمانينيات القرن الماضي وذلك في سياق الحرب الأهلية اللبنانية.

ومع مرور الوقت، توصل الحزب والحركة، اللذان كان يطلق عليهما "الإخوة الأعداء"، إلى ما يصفه البعض بـ"زواج الضرورة"، وأصبحا بعدها يعرفان بالثنائي الشيعي، وفي حين يظهر أن الطرفين متماسكان، لكن الواقع يشير إلى أن حركة أمل تدرك قوة حزب الله، في حين يعي الحزب دور حركة أمل كطرف رئيسي في التوازنات الداخلية ضمن الطائفة الشيعية، ومن هنا تشابكت مصالحهما.

وفي الثامن من أكتوبر 2023، فتح حزب الله جبهة جنوب لبنان في إطار ما وصفه بـ "الدعم والإسناد" لحركة حماس في حرب غزة، وفي 23 سبتمبر الماضي، بدأت إسرائيل بغزو بري لجنوب لبنان، مع الاستمرار باستهداف المنشآت العسكرية والمالية لحزب الله واغتيال كوادره البشرية أينما جدت في مختلف أنحاء الأراضي اللبنانية وحتى السورية.

هذه التطورات زادت من تعقيد الوضع في لبنان الذي يعاني منذ نحو 5 سنوات من أزمة اقتصادية خانقة، إذ أدت "جبهة الإسناد" إلى دخول البلاد في دوامة جديدة من الأزمات تشمل القصف والدمار والنزوح، إضافة إلى المعاناة الإنسانية التي تتفاقم مع تصاعد التوترات السياسية والانقسامات الداخلية.

استمرار حزب الله في الحرب الحالية، كما يصف العاقوري "طقوس انتحار جماعي للشعب اللبناني عامة، وذلك نظراً لعدم التكافؤ الكبير في القوى بينه وبين إسرائيل"، ويشدد على ضرورة "تدخل جهة لإنقاذ لبنان وهذا المكوّن الذي يتعرض لهجمات إسرائيلية ممنهجة، تستهدف ليس فقط كوادر حزب الله، بل تضرب البيئة الشيعية ومقومات حياتها بأسرها".

ويرى العاقوري أن "الشخص الوحيد القادر على اتخاذ خطوات إنقاذيه للمكوّن الشيعي خاصة واللبنانيين عموماً هو بري، الذي يتحمل مسؤولية تاريخية ووجدانية في هذا السياق، لاسيما بعد تصريحات أمين عام حزب الله نعيم قاسم، بأن القتال سيستمر حتى آخر نفس، مع إضفاء قداسة دينية على الحرب التي يعتبرها الحزب مقدسة، ومع وضع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي الحرب في هذا الإطار".

من الثنائي إلى التنوع السياسي؟

التحدي الآن كما يعتبر العاقوري، يكمن "فيما إذا كان بري سيجرؤ على اتخاذ خطوة إنقاذ، وما إذا كان سيسلط الضوء على الحقائق بوضوح أو يستمر في صمته المريب أمام إنكار حزب الله لحجم الخسائر التي تتكبدها البلاد والمكوّن الشيعي تحديداً".

ومنذ توليه رئاسة مجلس النواب اللبناني عام 1992، عرف عن بري تمكّنه من بناء شبكة واسعة من العلاقات السياسية، مما ساعده على تشكيل مسار الأحداث السياسية والاجتماعية في البلاد، حتى أنه بات يعرف بـ"رجل المهمات الصعبة"، نظراً لقدرته على التوفيق بين الأطراف المتنازعة وحل الخلافات المعقدة.

ورغم ذلك، يعتبر بري واحداً من الشخصيات السياسية الأكثر إثارة للجدل في لبنان، إذ يتهمه البعض بالضلوع في الفساد، وبكونه شريكاً في المسؤولية عن الأزمات المتتالية التي هزّت البلاد ولا تزال، وعن عرقلة التحقيقات في ملف انفجار مرفأ بيروت عام 2020.

وبعد أن تضع الحرب أوزارها في لبنان، "لن يكون بري فقط من سيشارك في إعادة تشكيل التوازنات رغم مرونته السياسية وقدرته على التكيّف مع التحولات الإقليمية" كما يشدد مجاهد، مؤكداً أن "القرار الأخير هو للمواطنين الشيعة الذين يمكن أن تتاح أمامهم مشاريع سياسية متنوعة ومنها حديثة في مرحلة لاحقة، إضافة إلى الأحزاب التقليدية، لكنّ خاصيّة الحضور الحاليّ لبري، في أنه جزء من سلطة رسمية لبنانية لإدارة المرحلة الانتقالية نحو إنهاء الحرب، من دون أن يلغي ذلك قدرة حركته السياسية على المشاركة في ترتيبات سياسية خلال مراحل لاحقة".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: فی لبنان حزب الله حرکة أمل فی حدیث

إقرأ أيضاً:

هل يُمكن لإسرائيل وحزب الله أن ينتصرا معاً في الحرب؟

تساءلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، عما إذا كان يُمكن لإسرائيل وتنظيم "حزب الله" اللبناني، أن ينتصرا معاً في الحرب الدائرة بينهما، وخصوصاً أن أهدافهما ربما تكون مختلفة.

وأضافت "جيروزاليم بوست"، أن التقارير في إسرائيل تقول إن حزب الله ربما خسر 80% من ترسانته الصاروخية وخسر أيضاً 2000 مقاتل، وعلى الرغم من ذلك يتظاهر التنظيم بالشجاعة، ويشير إلى أن إسرائيل بعيدة كل البعد عن أهدافها.

وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن إسرائيل أطلقت عملية "السهام الشمالية" ضد حزب الله في 23 سبتمبر (أيلول)، واستمرت الآن لمدة 6 أسابيع، ونفذت خلالها العديد من الغارات الجوية في بيروت وصور وبعلبك، وعلى الحدود نفذ الجيش الإسرائيلي عمليات محدودة في قرى تبعد كيلومتراً أو اثنين.

هل تستغل إسرائيل "الظروف الإيرانية" وتوجه "ضربة قاضية" لطهران؟https://t.co/9DGiMUoc5w pic.twitter.com/v2ZHqg8Rh9

— 24.ae (@20fourMedia) November 6, 2024  مقياس النصر

وأشارت إلى أن هناك فرقاً مهماً بين مقياس النصر لدى الطرفين، فتريد إسرائيل إعادة السكان إلى شمال إسرائيل، وحزب الله يفترض أنه طالما لم يُرغم على الالتزام بقرار الأمم المتحدة رقم 1701 أو نزع سلاحه أو التحرك نحو شمال الليطاني، فإنه يكون قد انتصر.


الرواية الإيرانية

وسلطت الصحيفة الضوء على تقرير نشرته وكالة الأنباء الإيرانية "تسنيم" يزعم أن حزب الله يواصل إطلاق الصواريخ على إسرائيل من الجنوب اللبناني، وبالتالي فإن حزب الله هو الفائز، مشيرة إلى أن هذا وفقاً لرواية إيران-حزب الله.
ونقلت عن تقرير "تسنيم" أن "الإسرائيليين الذين فشلوا في تحقيق أي من أهدافهم بعد أسابيع طويلة من محاولة التسلل إلى لبنان عن طريق البر في المناطق الحدودية لهذا البلد، يزعمون الآن أنهم أكملوا عملياتهم في جنوب لبنان، ويتحدثون عن انسحاب وشيك، ولفت التقرير إلى أن عملية إسرائيل كانت تهدف إلى إجبار "حزب الله" على التراجع إلى الجانب الآخر من نهر الليطاني أو إنشاء منطقة عازلة على الحدود، ولكن لم تتمكن من تحقيق أهدافها.

#إسرائيل وإيران.. هل تقترب المواجهة الحتمية؟https://t.co/9xUH2aaEKM pic.twitter.com/dCg3L6AmYb

— 24.ae (@20fourMedia) November 7, 2024

ويقول التقرير إن "حزب الله" لا يزال موجوداً في مناطق بجنوب لبنان، مثل قطاع غزة الذي دُمر بالكامل، ولكن ظلت المقاومة هناك في كل المناطق تقاتل الإسرائيليين، مشيراً إلى أن حزب الله تمكن من إطلاق صواريخ متوسطة وطويلة المدى لا تزال تهدد تل أبيب وحيفا والجليل، وذلك في الوقت الذي تُظهر التقييمات أن الجيش الإسرائيلي لن يُعلن انتهاء العمليات البرية في لبنان قبل التوصل إلى اتفاق سياسي.
ونقل التقرير تعليقات الياس حنا، وهو جنرال متقاعد في الجيش اللبناني، قال "إن الجيش الإسرائيلي يحاول إبعاد مقاتلي حزب الله، وخاصة قوات الرضوان الخاصة، عن الحدود، لكنه يواجه الكثير من المشاكل من أجل تحقيق هذا الهدف"، مضيفاً أن إسرائيل سعت إلى تدمير الكثير من البنية التحتية لحزب الله بالقرب من الحدود.
وقال إن "الفرق 164 و36 و91 و98 و210 من الجيش الإسرائيلي موجودة حالياً على حدود لبنان وقد بذلت الكثير من الجهود للتقدم إلى المناطق اللبنانية، لكنها لم تنجح"، كما أشار إلى أن حزب الله يواصل ضرب وسط وشمال إسرائيل بالصواريخ.
وقال الضابط اللبناني، إن إسرائيل سعت مؤخراً إلى دخول بلدة بنت جبيل في جنوب لبنان "لكنها لم تنجح حتى الآن، ومن ناحية أخرى تشهد مدينة مارون الراس في جنوب لبنان معركة حاسمة مهمة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي".

واختتمت الصحيفة تقريرها قائلة إن الرسالة  واضحة، وهي أن إيران وحزب الله يستعدان لادعاء النصر في لبنان إذا أعلنت إسرائيل أنها أنهت العمليات الكبرى هناك.
 

مقالات مشابهة

  • عمرو خليل: حكومة نتنياهو توسع الصراع في المنطقة من غزة إلى لبنان والجولان
  • قنابل عنقودية.. هجوم جديد من إسرائيل على لبنان
  • رسومات جنبلاط عبر إكس تثير جدلا.. الحرب في لبنان طويلة
  • إسرائيل: سنضرب حزب الله في لبنان بكل قوة
  • مساعي وقف اطلاق النار جدية والحذر واجب
  • الجيش الإسرائيلي يقلّص مدة خدمة الاحتياط مع تراجع الإقبال
  • هل يُمكن لإسرائيل وحزب الله أن ينتصرا معاً في الحرب؟
  • حزب الله يُنعش رهاناته وترامب يُقيّد هوكشتاين
  • خبير عسكري: هذه أسباب تراجع كثافة صواريخ حزب الله صوب إسرائيل