جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-26@14:41:21 GMT

لأنك الله .. لا خوف ولا قلق

تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT

لأنك الله .. لا خوف ولا قلق

 

حمد الحضرمي **

** محامٍ ومستشار قانوني

 

أيها الإنسان كن على يقين تام بأن الله هو الصمد، الحفيظ، اللطيف، الغفور، القريب، فلا يستطيع العالم بأسره أن يمسك بسوء لم يرده الله لك، ولا يستطيع العالم من الإنس والجن أن يدفع عنك سوءًا قدره الله عليك، فإذا حاصرتك الحاجات، وداهمتك الخطوب، والتفت من حولك الهموم والغموم، فالجأ إلى الله الصمد الذي سيمدك بكل ما تحتاجه لتكون قويًا في هذه الحياة، وتتغلب على كل المصائب والمصاعب والنوائب.

إن في أعماق كل إنسان، وداخل كل خلية، وحول كل شريان، أشياء تعرف الله جيدًا، وتسجد له وتسبحه، فالحياة بكل تجلياتها تهمس وتقول لك الذي تبحث عنه إنه الله على عرشه يسمعك"الرحمن على العرش استوى".

فلا تحملوا أنفسكم أيها الإخوة والأخوات أكثر من طاقتها، ولا بد من التعرف على كيفية التحكم بضغوط وأعباء الحياة، فيحكى أن أحد المحاضرين في محاضرة له عن التحكم بضغوط الحياة، رفع كاسًا من الماء وسأل طلابه، ما الوزن الذي تعتقدون أنه يزنه هذا الكأس؟ فتراوحت الإجابات بين 50 إلى 500 جم، فأجاب المحاضر: لا يهم الوزن المطلق لهذا الكأس، فالوزن هنا يعتمد على المدة التي ستظل ممسكًا فيها هذا الكأس، فلو رفعته لمدة دقيقة لن يحدث شيء، ولو حملته لمدة ساعة فستشعر بألم في يدك، ولكن لو حملته لمدة يوم فسيستدعون سيارة إسعاف، فالعبرة هنا كلما ظلت الهموم والأحزان والمشاكل في نفوسنا مدة طويلة أثرت علينا وأصبحنا متأثرين بها وفي حالة نفسية صعبة.

ويتوجب علينا أن لا ننتظر المشاكل تقع علينا حتى نجد حلولا وخيارات أفضل لحياتنا، بل علينا بين فترة وأخرى وضع خُطط وسُبل لتحسين حياتنا، كما فعل الحطاب الإفريقي، الذي كان يسلك لمدة عشرين عامًا طريقًا واحدًا للغابة؛ ليحتطب ويكسب قوت أولاده، وذات يوم هطلت أمطار غزيرة، وسدت الطريق صخرة كبيرة، فلم يستطع الحطاب أن يصل إلى الغابة من ذلك الطريق الذي لا يعرف غيره من عشرين سنة، ولكنه حاول أن يجد له طريقًا آخر يوصله للغابة لكي يحتطب، فوجد طريقًا أقرب من الطريق السابق، ونوعية الحطب أفضل وأحسن جودة من السابق، وهنا يتبين لنا أن علينا البحث عن الحلول وتجاوز الصعوبات والتحديات وترك الهموم والأحزان، والبحث دائمًا عن حياة أفضل لنا ولأولادنا وأسرنا، وعدم الاستسلام واليأس، وترك الخوف والقلق لأن الله معنا وهو اللطيف الخبير.

 

ونحن لدينا الحلول إن فكر بها، ولكن الأمر يتطلب أولًا أن نغير قناعاتنا السابقة القديمة السلبية المعشعشة في عقولنا، وسنكتشف بعدها أننا قادرون على تجاوز الكثير من الأمور، وقصة "مسألة الرياضيات مستحيلة الحل"، هي خير مثال على ذلك، ففي إحدى الجامعات في كولومبيا حضر أحد الطلاب محاضرة مادة الرياضيات، وجلس في آخر القاعة ونام، ثم استيقظ بعد مُغادرة المحاضر القاعة، فوجد المحاضر قد كتب على السبورة مسألتين؛ فنقلهما وخرج من القاعة، وعندما عاد إلى البيت بدأ يفكر في حل المسألتين، ومكث أربعة أيام حتى تمكن من حل المسألة الأولى، وعندما قدم الواجب إلى الدكتور المحاضر، تعجب الدكتور وقال بأنني لم اعطكم أي واجب، والمسألتان اللتان كتبتهما على السبورة كانتا أمثلة كتبتها للطلاب للمسائل التي عجز العلم عن حلها. وهنا لو كان الطالب مستيقظًا وسمع كلام الدكتور؛ لما فكَّر في حل المسألة، فالقناعة السلبية جعلت الكثير من العلماء لا يفكرون حتى في محاولة حل هذه المسألة، وللعلم هذه المسألة ما زالت بورقاتها الأربع معروضة في الجامعة.

علينا الثقة بالله وتعلق القلب به، وأن مرحلة الأحزان والوساوس والكروب ستنتهي تمامًا إن وجه الإنسان بوصلة اهتمامه إلى رب السماء، فعندما انقطعت الأمطار، وأصبحت الدنيا قاحلة على عهد نبي الله موسى عليه السلام، خرج هو وقومه وهم مئات من الرجال والنساء والأولاد، فرأى موسي عليه السلام نملة خرجت رافعة يديها إلى السماء صامدة إلى رب السحاب، فعلم موسى عليه السلام أن هذا الصمود، وهذا الذل من النملة لن يعقبه إلا هطول السماء بماء منهمر، فقال لقومه، ارجعوا فقد كُفيتم، فعادوا على صوت الرعد، ورذاذ المطر! من ينجي السفن من الغرق، وركابها من الموت، والرياح والإمواج في البحار تعصف بهم سوى الله جل جلاله، فلا عبور لأي رغبة إلا من طريق الله، ولا وجود لأي حاجة إلا في ساحة الله، ولا إمكانية لحدوث شيء إلا بالله، فإنه وحده الذي لا حول في الوجود ولا قوة إلا به، ولا يمكن لخلية أن تتحرك، ولا لذرة أن تكون، ولا لقطرة أن تتبخر، ولا لورقة شجر أن تسقط، إلا بحول الله وقوته، فاجعل وجهك خالصًا لله، والجئ ظهرك لله، وفوض أمرك كله لله.

إذا شعرت أن حياتك في خطر، والمرض يهدد صحتك، ومالك قد تخسره بأكمله، وخشيت على ولدك من الضياع، فاعلم أن الله هو الحفيظ، الحافظ على صحتك وحياتك، والحافظ على أموالك وأولادك، والذي يحفظ كل شيء في هذه الحياة، فيا أيها القلب اطمئن، فالحفيظ يحفظ أوليائه من كل شر ومكروه، ويحفظهم من الوقوع في الذنوب والهلكات، ويلطف بهم في الحركات والسكنات، لذلك نستودعه سبحانه وتعالى أحبتنا عندما نفارقهم ونقول: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، ومن المستحيل أن تضيع الودائع التي أسبغ عليها الله حفظه وأحاطها برعايته. ولاسم الحفيظ مع كل مخلوق قصة، فهو لا يخلق خلقه ثم يتركهم، بل يحفظهم ويمدهم بالوسائل التي يتغلبون بها على صعوبات الحياة، والله يدافع عن المؤمنين، فهو لعباده المؤمنين حفيظ،   فلا يتسلل الخوف إليهم، وتتشتت المخاوف، وتزول الرهبة، ويذوب التوجّس، ويقول الشاعر:

وإذا العناية لاحظتك عيونها // نم فالمخاوف كلّهن أمانُ

فالله يحفظ عباده بالملائكة، فمن يقرأ آية الكرسي قبل أن ينام، أوكل الله به ملكًا يقوم على رأسه يحفظه مما لم يقدّره الله عليه حتى يصبح، واجعل قلبك أيها الإنسان معلقًا بالله، رغم ضعفك، وفقرك، وقلة حيلتك، وردد:

الزم يديك بحبل الله معتصمًا // فإنه الركن إن خانتك أركان

وتأملوا الحديث الشريف جيدًا: "يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة". ولا همّ ولا غمّ ولا كرب يقارب هم وغم وكرب ذي النون نبي الله يونس عليه السلام، في ظلمات ثلاث: ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، يا لها من حياة بئيسة تلك التي ستقضيها إلى أبد الآبدين في بطن الحوت، في ظلام، وضيق، واختناق، ثم يواجه ذلك الكم من الكروب بكلمات بسيطة ولكنها عظيمة: "لا إله إلا انت سبحانك، إني كنت من الظالمين" فتصعد تلك الكلمات فتخترق ظلمة الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل، فتصعد هذه الكلمات إلى السماء، فتقول الملائكة: يا رب صوت معروف من مكان غير معروف! فيأتي من الله الفرج والعفو، فيلقيه الحوت بالساحل، وينبت عليه الحفيظ شجرة من يقطين. كلنا في هذه الحياة كذو النون، والحياة قد تكالبت علينا بكروبها، ولن ينجينا منها إلا دعاء ذا النون: "لا إله إلا أنت سبحانك،إني كنت من الظالمين".

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

هل يؤثر القصف الأمريكي الذي استهدف صنعاء على قدرات أنصار الله؟

أثار قصف الولايات المتحدة السبت، مواقع ومنشآت يسيطر عليها الحوثيون في العاصمة اليمنية الواقعة تحت سيطرتهم، أسئلة عدة حول مدى تأثير هذه العمليات على قدرات الجماعة العسكرية.
ويوم السبت، أعلنت القيادة الوسطى الأمريكية، إنها نفذت ضربات جوية دقيقة ضد منشأة لتخزين الصواريخ ومنشأة قيادة وتحكم للحوثيين في صنعاء.

وبينت القيادة أن القصف يهدف إلى تعطيل وتقليص عمليات الحوثيين، كالهجمات ضد السفن الحربية في البحر الأحمر، لافتة إلى أن الضربة تعكس التزامها بحماية القوات الأمريكية والشركاء الإقليميين والشحن الدولي، وفق زعمها.

وزعمت أنها أسقطت خلال العملية مسيرات تابعة للحوثيين وصاروخ كروز مضادا للسفن فوق البحر الأحمر.



القصف يتصاعد
وفي السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي أن القصف الأمريكي على أهداف عسكرية للحوثيين يبدو أنه يتصاعد ويتوخى أهدافاً لها علاقة بنقاط الارتكاز الرئيسة لقوة الحوثيين العسكرية ومصادر الإمداد ومخازن السلاح والأهم غرف العمليات العسكرية ومراكز تواجد الخبراء الإيرانيين واللبنانيين  في العاصمة صنعاء".

وقال التميمي في حديث خاص لـ"عربي21" أن هذا التطور في العمليات الأمريكية "بات يهدد أيضاً القيادات الحوثية ويصل بالعلاقات بين الجانبين إلى مرحلة خطيرة قد يشعر معها الحوثيون بتهديد وجودي حقيقي".

وأشار "لطالما وفر الغطاء الأمريكي فرصاً ثمينة لتمدد الحوثيين وإقامة سلطتهم في صنعاء وأجزاء واسعة من شمال اليمن، وكان الأمر مرتبط بالعقيدة السياسية للديموقراطيين الذين رأوا أهمية في ترجيح المعسكر الشيعي في المنطقة". 

أما اليوم وفق الكاتب اليمني فإن "تنفيذ سيناريو إنهاء سلطة الحوثيين في اليمن ربما يبدو قريبا"، متابعا بالقول :"وفي الحد الأدنى ربما يفقد الحوثيون ميزة المفاوض القوي لإنفاذ خارطة طريق السلام في اليمن التي لم تعد بصيغتها السابقة متاحة أمام الحوثيين بسبب الموقف الأمريكي"، على حد قوله

تأثير محدود
من جانبه، قال الباحث والصحفي اليمني، كمال السلامي إن الهجمات الأمريكية وأيضا  الإسرائيلية ضد جماعة الحوثي، "لا يزال هدفها دعائي أكثر من كونها ضربات حقيقية تهدف لتدمير قدرات الجماعة".
وأضاف السلامي في حديثه لـ"عربي21" أن لاشك أن الضربات الأمريكية لها تأثير، لكن لا يزال محدودا، والدليل قدرة الجماعة على تنفيذ مزيد من الهجمات، وإطلاق المزيد من الصواريخ والمسيرات".

وبحسب الصحفي السلامي فإن الضربات الأمريكية، منذ يناير/كانون الثاني من العام الجاري وحتى اليوم، استهدفت مواقع سبق وتعرضت لهجمات طيلة سنوات الحرب، خصوصا في الحديدة وصنعاء ومحافظات أخرى.

وبالتالي غالبا هي مواقع خالية وغير مستخدمة، بينما الضربات الإسرائيلية استهدفت منشئات مدنية، لاعلاقة لها بالقدرات العسكرية للجماعة، بحسب المتحدث ذاته.

وتابع الصحفي والباحث اليمني بأن  سياق الأحداث، والتصعيد، ينبئ عن توجه لتوجيه ضربات أكثر دقة ضد الجماعة، وبلا شك واشنطن تملك المعلومات الكافية حول قدرات الحوثيين، من خلال الرصد الجوي والفضائي وربما الرصد الميداني أيضا، وهذا يعني مستوى جديد من الاستهداف".

وأوضح أن قدرات الجماعة العسكرية متناثرة في مناطق وعرة ومستحدثة بعد سبتمبر 2014، باستثناء بعض المواقع الحصينة في محيط العاصمة صنعاء.

ويعتقد الصحفي السلامي أن "المرحلة القادمة قد تشهد استهدافا لقادة الجماعة، للحد من تحركاتهم، وبث الرعب في صفوفهم"، فيما لم يستبعد أن يتم دعم معركة جديدة تخوضها "قوات يمنية لإسقاط سلطة الحوثيين، وهذا ما تذهب إليه بعض التقديرات الغربية حاليا، باعتباره الحل الأنسب لإضعاف الجماعة، وربما إسقاطها".



والأحد، جددت جماعة الحوثي اليمنية التأكيد على استمرارها في جبهة الإسناد لقطاع غزة، واصفة الهجمات الأمريكية التي شنتها طائرات مساء السبت على مواقع داخل البلاد، بالإرهابية.

وقال القيادي في جماعة أنصار الله، محمد علي الحوثي، إن الهجمات الأمريكية على بلاده "إرهابية ومدانه وغير مشروعة، وتساند إرهاب الكيان الإسرائيلي المؤقت لاستمر الإبادة وحصار غزة".

مقالات مشابهة

  • ‏هآرتس: الجيش الإسرائيلي يستعد للبقاء في لبنان أكثر من 60 يومًا كما هو متفق عليه في اتفاق وقف إطلاق النار
  • الإفتاء تكشف عن سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
  • من أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلّم
  • في ذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام.. تعرف على مكانته في الإسلام
  • خالد الجندي: علينا الانشغال بمحاسبة أنفسنا في هذه الأيام قبل نهاية العام
  • الحياة لمن عاشها بعقل.. خمسٌ تؤدي إلى خمسٍ
  • حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته
  • كيفية تمجيد الله والثناء عليه .. علي جمعة يوضح
  • هل يؤثر القصف الأمريكي الذي استهدف صنعاء على قدرات أنصار الله؟
  • عضو مركز الأزهر العالمي: الله أقرب إلينا من أنفسنا.. ولا يغضب علينا بسهولة