في حديثٍ مؤثر، تناول الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية السابق، المفاهيم العميقة التي يصل إليها السادة الصوفية في طريقهم إلى الله. وأوضح الدكتور علي جمعة أن الصوفية في مسيرتهم الروحية يصلون إلى مرحلة تتلاشى فيها المشقة، حيث يصبح التعبد والذكر طبعًا وسجيَّةً، فلا يشعرون بتلك الصعوبات التي يواجهها عامة الناس.

 

في بداية الطريق، قد يجد السالك الصوفي مشقة في قيام الليل، ومقاومة لنفسه عند وضوئه بالماء البارد في الشتاء، لكنه مع مرور الوقت، تتحول هذه الأعمال إلى مصدر لذة روحية وسكينة داخلية، فلا يشعر بأي ثقل أو تعب أثناء عبادته.

بين فهم الأكابر وسوء الفهم

تحدث جمعة عن هذا التحول الإيماني العميق لدى السادة الصوفية، موضحًا كيف أن البعض قد يسيء فهمهم ويعتقد خطأً أنهم يسقطون التكاليف الدينية. فبعض الناس يظنون أن زوال المشقة يعني زوال التكليف نفسه، وهذا الفهم القاصر يُشوّه صورة الصوفية. يوضح الدكتور علي جمعة أن الأكابر حين يقولون إنهم لا يجدون مشقة في العبادة، فهم يقصدون أنهم لا يشعرون بأي تعب أو ملل، بل إن قلوبهم تزداد شوقًا ومحبةً لله في كل صلاة وفي كل عمل عبادي، دون أي شعور بالسآمة، تطبيقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فإن الله لا يمل حتى تملوا».

حال السالك الصادق في العبادة

وأكد جمعة أن السالك الصادق في طريق الله يصل إلى حالٍ من العبادة تكون فيها علاقته بالله بعيدةً عن المشقة. فكلما أقبل على الصلاة أو ذكر الله، ترفَّع قلبه وتعمّقت محبته، وأصبحت تلك العبادة جزءًا طبيعيًا من حياته، تلهمه وتمنحه السكينة. فهذا التحول الروحي هو ما يجعل الصوفي يقف في عبادة صادقة خالية من مشاعر الملل والتعب، مع الامتلاء بمعانٍ رفيعة تميزه عن حال عامة الناس الذين قد يجاهدون أنفسهم في القيام بأعمال العبادة.

الرد على الاتهامات الموجهة للصوفية

واختتم  جمعة بالرد على من يتهمون الصوفية بإسقاط التكاليف، موضحًا أن هذه الادعاءات تفتقر إلى الفهم العميق لطبيعة السلوك الصوفي، وأنها لا أساس لها. فالصوفي يؤدي العبادات كجزءٍ أساسي من مساره الروحي، لكنه يصل بها إلى درجة من الإخلاص، حيث تتحول تلك العبادات إلى شغف وارتباط بالله، فتسقط عنهم مشقة الأفعال، لا الأفعال نفسها.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: جمعة عضو هيئة كبار العلماء مفتي الديار المصرية الصوفية العبادة صوفية

إقرأ أيضاً:

لماذا فرض الله صيام رمضان؟.. احذر إفطار هذا اليوم يعرضك لوعيد شديد

جاءت الإجابة عن استفهام  لماذا فرض الله الصيام في رمضان ؟ في قوله تعالى: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» الآية 183 من سورة البقرة، عن تفسيرها قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن الآية الكريمة تتحدث عن فرضية الصيام، وتبين لماذا فرض الله الصيام في رمضان ؟.

دعاء بعد الفجر في رمضان.. 3 آيات من سورة البقرة تعجل زواجكهل تأخير الاغتسال من الجنابة في رمضان إلى بعد الفجر يبطل الصيام؟لماذا فرض الله الصيام في رمضان

وأوضح «مركز الأزهر» لماذا فرض الله الصيام في رمضان ؟ ، في شرحه للآية الكريمة، أنه سبحانه وتعالى يقول يا أيها الذين آمنوا بالله وصدقوا رسوله صلى الله عليه وسلم قد فرض الله عليكم الصيام كما فرضه على الأمم قبلكم؛ ومعنى هذا أن الصيام عبادة قديمة لم يترك الله تعالى أمة من الأمم السابقة إلا افترضه عليها، لعلكم تتقون ربكم، فتجعلون بينكم وبين المعاصي وقاية بطاعته وعبادته وحده لا شريك له.

وتابع: فقد اُفْتُتِحت الآية الكريمة بنداء المؤمنين، الصادقين في إيمانهم، الموقنين بربهم، المخلصين في عبادتهم، لإثارة انتباه أسماعهم، وتشويق نفوسهم إلى ما يُلْقى على قلوبهم، من أوامرٍ إلهية، وهداياتٍ ربَّانية، فتقع منهم موقع الجِدِّ والامتثال،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}.

فرضية صيام شهر رمضان

وأفاد بأن الآية بيَّنت ماهية الأمر الإلهي، وهو فرضية صيام شهر رمضان المبارك{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، والكتابة هنا: بمعنى الفرض، أي إن صيام رمضان فريضة على كل مؤمن ومؤمنة، بالغٍ، عاقلٍ، مُقيمٍ، صحيحٍ، خالٍ من الأعذار المبيحة للإفطار، لا يحل إفطاره دون عُذْر شرعي، والصِّيام: هو الامتناع عن شهوتي البطن والفرج في نهار رمضان.

وأضاف أن الصوم عبادة من أَجَلِّ العبادات وأعظمها ثوابًا، حيث اختص الله تعالى بتقدير ثواب الصائم فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «يَقُولُ اللهُ تعالى: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي».

ينقص ثواب الصيام

وأكد أن من صامه إيمانًا بالله ورسوله، واحتسابًا لأجره وثوابه عند الله - عز وجل - لا رياءً ولا سمعةً، محافظًا عليه مما يُنْقص ثوابه، من الغيبة والنَّميمة، وأكلِ أموال الناس بالباطل، غفر الله له ذنوبه، وأعدَّ له الثواب الجزيل، في جنات النعيم، ودخَلَها من بابٍ يقال له باب الرَّيَّان، لا يدخل منه إلا الصائمون المحتسبون.

من أفطر يوما واحدا في رمضان

وواصل: أما من أفطر يومًا واحدًا في نهار رمضان، جهارًا نهارًا، دون عُذْرٍ شَرْعي، وانتهك حُرْمة هذا الشهر الفضيل، لا يُعوِّضه صيام الدَّهر كلِه، لفضل الزَّمان وعظمته، واستحق اللعن والغضب من الله - عزَّ وجل -، والوعيد الشديد يوم الحساب.

الصِّيام ليس عبادة خاصة بالأمة المحمدية

وأشار إلى أن الصِّيام ليس عبادة خاصة بالأمة المحمدية، وإنما فُرِض على كثيرٍ من الأمم السابقة، { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ }أي: كما فُرِض على الذين من قبلكم من الأمم السابقة، وذلك لأهمية الصيام في حياة الأمم والشعوب، إذ به تُربى النُّفوس على العزيمة والإصرار، وقوةِ التَّحمُّل وقت الأزمات والشدائد، والصبر على الجوع والعطش، في السِّلم والحرب، ويشعر الغني بحاجة الفقير والمسكين، والقوي بالضعيف، وتصفو الأرواح، وتزداد تعلقًا ببارئها وخالقها، في شهر الصيام، شهر القرآن والذكر والتسبيح.

الثمرة المرجُوَّة من الصيام

وختمت الآية الكريمة بالحديث عن الثمرة المرجُوَّة من الصيام، والغاية النَّبيلة منه، وهي تحقيق تقوى الله في نفس الصائم،{ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والتقوى: من الوقاية، أي وقاية المؤمن من الوقوع فيما يُغْضب الله - عزَّ وجل -، فهي: فعل كل ما أمر الله عزَّ وجل به، والانتهاء عما نهى الله عنه.
فيخرج المؤمن من شهر رمضان، مُزوَّدًا بشُحْنةٍ إيمانيةٍ ربانيةٍ، يستنيرُ بها في سائر الشُّهور، ويستضيء بها في دُروب حياته، وأشواكها، ويستعين بها على فعل الطاعات، ونيل الدرجات، وترك المنكرات.

وحذر مما يفعله بعض المسلمين من الإقبال على الطاعة والعبادة في شهر الصَّوم، ثم الانقطاع عنها بمجرد انقضاء هذا الشهر الفضيل، فهو سلوك يتنافى مع الثمرة المرجُوَّة من الصِّيام وهو غرس التقوى في نفوس المؤمنين طيلة العام، وديمومة العبادة واستمرارها وإن قَلَّت. {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]. أي حتى يأتيك الموت.

شرع الإسلام لهذه الفريضة قانونها الخاص

ونبه إلى أنه قد شرع الإسلام لهذه الفريضة قانونها الخاص بها، من شروط وأركان وسنن ومندوبات إذا روعيت فيها صحت تلك العبادة وكملت.

وواصل: ولكل عبادة محظورات ومكروهات لا بد من معرفتها؛ لتجنبها، فإذا وقع فيها محظور بطلت، وإذا وقع فيها مكروه جنح بها عن الكمال، وكذا في كل عبادة أمور مباحة ترْكُها وفِعْلُها سواء في عدم الضرر والتأثير، لذلك كان على المكلَّف التمييز بين هذه الأمور التي تعرض لهذه العبادة -عبادة الصوم- حتى يحققها على الوجه الذي يرضى عنه الله تعالى، فيحصل بها الإجزاء في عالم الدنيا، والثواب الجزيل في الآخرة.

مقالات مشابهة

  • يعني إيه النظرة الأولى لك؟.. الدكتور علي جمعة يرد على سؤال فتاة
  • علي جمعة يقدم بودكاست مع نور الدين عبر قناة الناس.. اشتباك فكري مع قضايا معاصرة
  • لماذا فرض الله صيام رمضان؟.. احذر إفطار هذا اليوم يعرضك لوعيد شديد
  • مختار جمعة: الصيام عبادة خالصة لله.. وفضائله تُعادل أجر الحج
  • رمضان شهر الرحمة لا الجشع والاحتكار
  • بالفيديو.. الدكتور علي جمعة: الكون بأسره على هيئة كرة أعلاها العرش
  • فتاة تسأل: طالما ربنا بيحبنا ليه خلق الجنة والنار؟.. الدكتور علي جمعة يجيب
  • أحمد عمر هاشم: شهر رمضان شهد أعظم الانتصارات في التاريخ الإسلامي
  • رمضان 2025.. عالم أزهري يوضح الحكمة من عبادة الله وخلق البشر |فيديو
  • لا تنسوا الدعاء فهو عبادة يحبها الله