جمعة: الصوفية عبادة خالية من المشقة وشوق دائم إلى الله
تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT
في حديثٍ مؤثر، تناول الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية السابق، المفاهيم العميقة التي يصل إليها السادة الصوفية في طريقهم إلى الله. وأوضح الدكتور علي جمعة أن الصوفية في مسيرتهم الروحية يصلون إلى مرحلة تتلاشى فيها المشقة، حيث يصبح التعبد والذكر طبعًا وسجيَّةً، فلا يشعرون بتلك الصعوبات التي يواجهها عامة الناس.
في بداية الطريق، قد يجد السالك الصوفي مشقة في قيام الليل، ومقاومة لنفسه عند وضوئه بالماء البارد في الشتاء، لكنه مع مرور الوقت، تتحول هذه الأعمال إلى مصدر لذة روحية وسكينة داخلية، فلا يشعر بأي ثقل أو تعب أثناء عبادته.
بين فهم الأكابر وسوء الفهمتحدث جمعة عن هذا التحول الإيماني العميق لدى السادة الصوفية، موضحًا كيف أن البعض قد يسيء فهمهم ويعتقد خطأً أنهم يسقطون التكاليف الدينية. فبعض الناس يظنون أن زوال المشقة يعني زوال التكليف نفسه، وهذا الفهم القاصر يُشوّه صورة الصوفية. يوضح الدكتور علي جمعة أن الأكابر حين يقولون إنهم لا يجدون مشقة في العبادة، فهم يقصدون أنهم لا يشعرون بأي تعب أو ملل، بل إن قلوبهم تزداد شوقًا ومحبةً لله في كل صلاة وفي كل عمل عبادي، دون أي شعور بالسآمة، تطبيقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فإن الله لا يمل حتى تملوا».
حال السالك الصادق في العبادةوأكد جمعة أن السالك الصادق في طريق الله يصل إلى حالٍ من العبادة تكون فيها علاقته بالله بعيدةً عن المشقة. فكلما أقبل على الصلاة أو ذكر الله، ترفَّع قلبه وتعمّقت محبته، وأصبحت تلك العبادة جزءًا طبيعيًا من حياته، تلهمه وتمنحه السكينة. فهذا التحول الروحي هو ما يجعل الصوفي يقف في عبادة صادقة خالية من مشاعر الملل والتعب، مع الامتلاء بمعانٍ رفيعة تميزه عن حال عامة الناس الذين قد يجاهدون أنفسهم في القيام بأعمال العبادة.
الرد على الاتهامات الموجهة للصوفيةواختتم جمعة بالرد على من يتهمون الصوفية بإسقاط التكاليف، موضحًا أن هذه الادعاءات تفتقر إلى الفهم العميق لطبيعة السلوك الصوفي، وأنها لا أساس لها. فالصوفي يؤدي العبادات كجزءٍ أساسي من مساره الروحي، لكنه يصل بها إلى درجة من الإخلاص، حيث تتحول تلك العبادات إلى شغف وارتباط بالله، فتسقط عنهم مشقة الأفعال، لا الأفعال نفسها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جمعة عضو هيئة كبار العلماء مفتي الديار المصرية الصوفية العبادة صوفية
إقرأ أيضاً:
الخداع تحت غطاء الصداقة وخيمة الثقة !
قد لا تتخيل يومًا أن يصدمك صديق أو عزيز عليك بخدعة محكمة، قد لا يكون من بني جلدتك لكنه تودد إليك ليصل إلى مكانة عظيمة في قلبك، فكثيرًا ما تحدثك نفسك: "ربّ أخٍ لك لم تلده أمك".
المخادع قد لا يكون غريبًا أو بعيدًا عن محيط حياتك، فمن الممكن أن يكون من أقرب الناس إليك. لن نُسمِّي أسماء أو نقرب علاقة الدم والنسب، لكن نذهب إلى الصدمات التي يمكن أن تتوالى إذا ما جدَّدت الثقة في ذلك الشخص مرة أو مرات عدة.
قد تتوالى الأخطاء، وتظن في كل مرة بأنك قد تعلَّمت من الدروس الماضية، لكنك تكتشف مع مرور الوقت مجرَّد شخص يعيش الوهم ويكذب الكذبة ويصدقها، فالأخطاء تُرتكب ثانية وثالثة وعاشرة.
في سياق الخيانة بأنواعها، برع الحكماء في وصفها، وخرج إلى العلن مجموعة وفيرة من الحكم والمواعظ التي تلامس جراح المخدوعين، وتجعلهم يفتحون جراحهم أمام الآخرين كنوع من التنفيس عن النفس أو لأخذ العبر والتنبه والحذر.
ومن صدق ما قيل: "مع كل ضيق أصبحنا نخسر صديق"، والبعض يرى بأن الغدر والخيانة من الصديق هي أشد من ألف طعنة سيف قاطع، وعندما يتحدث البعض عن الصداقة فإنه يؤكد بأنها سفينة مبحرة يحركها الوفاء، ويغرقها فعل الغدر والخيانة. والصداقة هي أيضًا صخرة قوية لا يحطمها إلا مطرقة الغدر. وقيل قديمًا: "احذر عدوك مرة، وصديقك ألف مرة".
ومع توالي الأحداث والمواقف، سوف تثبت لك الأيام حقيقة ربما كنت يومًا تجهلها، لكن طعمها المُر هو من يجعلك تستفيق من غيبوبة الابتسامات الجميلة والأقنعة التي تُخفي وراءها الوجوه القبيحة، لتؤكد لكل من يُحدثك عن الخيانات بأنه "لا يجب عليك أن تخاف من غدر الأعداء، بل احذر من غدر الأصدقاء، فإنه أقوى وأصعب على العقل والروح".
يتصوَّر البعض بأن طريق خداع الآخرين، سواء الأصدقاء أو غيرهم، هو جزء من الفهم الخارق للعادة، فمن فكرة إلى أخرى يتيقن البعض بأنهم قادرون على أخذ ما بيد الآخرين من أشياء بطرق ملتوية ومبتكرة. لكن الواقع هو أن الزمن يُثبت لك مدى تفاهة تفكيرهم.
البعض يكف يده عن الإنفاق وإعطاء الناس حقوقهم، ويعتقد بأنه بذلك يوفر للمستقبل أو أنه قادر على إقناع الغير بأنه غير مستحق للعطاء، أو يمكنه أن يظلم وقتما يريد، فما "يدخره البخيل يأكله النصاب".
البعض يعلّق أموره على حبال الوهم، ويعتقد بأن كل الناس من حوله أشخاص مسالمون مدركون لخطورة أفعالهم وسوء نواياهم، لكن الحقيقة أن البعض يُقبل على المحرَّمات دون أن يفكر ولو لثوانٍ معدودة بأن كل ما يفعله سيرُدّ إليه بصورة أو أخرى.
يخطئ من يعتقد بأن النصب أو الاحتيال أو الخداع أو الخيانة هي شطارة ومهارة لا يجيد فنونها سواه أو غيره من المحتالين. الصداقة أسمى وأشمل، ومن الملاحظ بأن الأصل الطيب يُنبت نباتًا طيبًا، ولا علاقة للصحبة أو الزمالة في أمر الخيانة بشيء.
هل العِشرة بين الناس سبب كافٍ لوقف سموم الخديعة والتعدي على الحرمات؟
لا أعتقد ذلك مطلقًا، بدليل أن أشخاصًا خُدعوا من زملائهم بعد سنوات من العِشرة الطيبة. لحظة التحول من الخير إلى الشر تأتي في غضون ثوانٍ معدودة، ينقلب حال البعض ويدخلون بوابات الضلالة دون أن يكون هناك سابق إنذار أو تجربة قديمة.
يشتكي بعض الناس من حالة الحسد والشحناء والبغضاء التي تنشب ما بين الأهل والأصدقاء والزملاء نتيجة حصول البعض على نعمة من الله، تسود القلوب وتتلوث الألسن بالكلام الجارح، متناسين ما ورد في الحديث الشريف عن يزيد بن أسد القسري قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتحب الجنة؟" قلت: نعم، قال: "فأحب لأخيك ما تحب لنفسك".
من لا يخاف الله، لا يهاب المحرَّمات، فما أكثر قضايا النصب وخيانة الأمانة في ساحات المحاكم، وبعض القصص مخزية للغاية، وتستغرب كثيرًا كيف حدثت؟ ولماذا حدثت؟
أعتقد بأن غياب الضمير، وضعف الإيمان، والتراخي في ارتكاب المحرَّمات هي جزء من الأسباب، فالخيانة صفة ذميمة، تعرض لها القرآن الكريم في خمس معانٍ مختلفة منها: المعصية، والذنب، ونقض العهد، وغيرها.