النظرية القتالية للمقاومة: استراتيجية جديدة ومفاجئة للعدو الإسرائيلي
تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT
بقلم/ محمد الصالحي
في سياق الصراع المستمر بين الكيان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية واللبنانية، تظهر نظرية قتالية جديدة ومتفردة للمقاومة، وهي التي لا تقتصر على التكتيك العسكري التقليدي أو الاعتماد على خطط استراتيجية تُنفذ من قبل القادة في الميدان، بل تقوم على مجموعة من المبادئ التي تُشَكّل بُنية فكرية، إيديولوجية وتنظيمية بالغة التعقيد، هذه النظرية القتالية، التي تُعتبر استجابة طبيعية للضغوط والتحديات التي فرضها الكيان الإسرائيلي، مكّنت المقاومة من الاستمرار في القتال ضد أعتى الجيوش بأقل الإمكانيات، بل وتفرض على العدو مفاجآت تكتيكية يصعب عليه تحليلها أو معالجتها.
فأحد الأبعاد الرئيسية في نظرية القتال لدى المقاومة يكمن في التنظيم العسكري اللامركزي، ففي الوقت الذي تعتمد فيه الجيوش النظامية على هيكل قيادة مركزي، حيث يتحكم القائد في كل خطوة ويتم إقرار الأوامر من أعلى إلى أسفل، تعتمد المقاومة على تكتيك يجعل كل وحدة أو تشكيل عسكري يتمتع بقدر كبير من الاستقلالية، وعلى الرغم من أن القيادة العامة للمقاومة موجودة وتنسق العمليات الكبرى، إلا أن كل مجموعة أو فصيل مُجهز للتعامل مع المواقف القتالية بشكل مستقل، بل ومصمم على اتخاذ القرارات الميدانية بناءً على تقدير الموقف.
هذا التنظيم اللامركزي هو الذي مكن المقاومة من الاستمرار في المعركة حتى بعد اغتيال قادتها أو فقدان الاتصال بينهم وبين الوحدات العسكرية، إذ يمكن لكل مجموعة تنفيذ مهماتها العسكرية بدون الحاجة إلى تعليمات فورية من القيادة. ويُعتبر هذا التوجه من أقوى عناصر الصمود، حيث لا يتوقف العمل العسكري على وجود القائد على الأرض، بل على القدرة على التفاعل الذاتي وفقًا للموقف العسكري.
إن الطبيعة الصارمة للتدريب العسكري الذي يخضع له مقاتلو المقاومة في لبنان وفلسطين تجعلهم جاهزين لأداء المهام في أي ظرف، حيث يتم تدريبهم على القتال في بيئات معقدة للغاية، حتى في حال فقدان الاتصال مع القيادة أو الوحدات الأخرى، وبذلك، يصبح كل مقاتل جزءًا من شبكة قتالية متكاملة، حيث يتحمل كل فرد مسؤولياته بشكل كامل، حتى في حال تعرضه لضغوط شديدة أو مواجهة للعدو بشكل مباشر.
أضف إلى ذلك أن هذه الوحدة القتالية المستقلة تجعل أي عمليات اغتيال أو استهداف للقادة غير فعّالة في تقويض القدرات العسكرية للمقاومة. فهي ليست معتمدة فقط على القادة الكبار، بل على الإرادة الجماعية والانضباط الذاتي لكل فرد في صفوف المقاومة.
الركيزة الأساسية التي تُميز نظرية القتال لدى المقاومة هي البنية الثقافية والإيديولوجية التي تترسخ في نفوس المقاتلين، فالإيمان العميق بالقضية، سواء كانت مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين أو الدفاع عن السيادة اللبنانية ضد التهديدات الإسرائيلية، يُعطي المقاتلين قدرة غير تقليدية على الاستمرار في المعركة، هذا الإيمان يتجاوز الجوانب العسكرية البحتة ويعتمد على قيم مثل التضحية، الشهادة، والانتصار بالقضية، وتحرير الارض، وانهاء الاحتلال، ما يجعل من الصعب على العدو الإسرائيلي اختراق هذا العنصر النفسي.
فالمقاتلون في المقاومة لا يرون أنفسهم مجرد جنود في معركة عسكرية، بل أصحاب قضية وطنية ودينية، وهذا الوعي العميق يُشكل درعًا عقائديًا يصعب على أي قوى خارجية، بما فيها الكيان الإسرائيلي، اختراقه أو التأثير عليه.
وعليه، يتجسد في قتالهم نوع من “الحرب غير التقليدية” التي لا تقاس فقط بالخسائر والإنجازات الميدانية، بل بالقدرة على الاستمرار في الصمود وتقديم التضحيات.
كما تتميز التكتيكات القتالية للمقاومة بمرونة عالية، حيث لا تقتصر على مواجهة العدو بأسلوب ثابت، بل تتغير حسب الموقف، من الهجمات المباغتة والكرّ والفرّ إلى استهداف نقاط الضعف في خطط العدو، تعمل المقاومة على تنفيذ عمليات متنوعة تُجبر العدو على تعديل استراتيجياته باستمرار، إن هذا التعدد والتنوع التكتيكي يساهم في أرباك العدو ويدفعه إلى إعادة تقييم قدراته على مواجهة المقاومة.
فيما يخص المواجهات المباشرة، فإن المقاومة تجيد استخدام تكتيك حرب العصابات، إذ يتم الاعتماد على الهجمات السريعة ثم الاختفاء، وتدمير المعدات العسكرية لجيش الاحتلال بشكل منهجي. كما أن التفوق الجوي أو البرّي للعدو لم يُحسم لصالحه، بل يُجبر على التكيف مع الظروف المتغيرة في ساحة المعركة.
أحد أهم أبعاد النظرية القتالية للمقاومة هو رفضها للاحتكام إلى الحروب التقليدية، بل التوجه نحو “حروب الاستنزاف”. فالمقاومة، أثبتت أن لديها قدرة على استنزاف العدو في المدى الطويل.
فالعمليات الصغيرة والمحدودة التي تؤثر على معنويات العدو وتؤدي إلى إطالة أمد الحرب تُعتبر جزءًا من استراتيجية متكاملة تهدف إلى تدمير قدرة العدو على الاستمرار في الحرب.
ومن خلال هذه الاستراتيجية، أصبح الكيان الإسرائيلي في وضع لا يُحسد عليه، حيث تتوالى الضغوط عليه من الداخل والخارج، وأصبح بحاجة إلى تبرير تدخلاته العسكرية أمام المجتمع الدولي.
فمن خلال النظرية القتالية للمقاومة، يتضح أن المقاومة الفلسطينية واللبنانية قد نجحت في بناء استراتيجية عسكرية غير تقليدية تقوم على تنظيم عسكري لامركزي، وتدريب استثنائي، وتوظيف ثقافة عقائدية تُعزز من قوة المقاتلين وتماسكهم في مواجهة العدو، هذه النظرية القتالية التي يُعجز العدو عن تحليلها أو تكييفها مع استراتيجياته التقليدية، قد غيّرت موازين المعركة، وأثبتت أن القوة العسكرية لا تأتي فقط من التكنولوجيا المتقدمة أو الجيوش الضخمة، بل من الإرادة الراسخة والقدرة على التكيف مع مختلف الظروف القتالية.
المصدر: موقع حيروت الإخباري
إقرأ أيضاً:
انتصار «الضيف»
لا يتوقع أحد من العدو الصهيوني أن يضع حدا لهمجيته، أو لأوهامه بتحويل كذبة الدولة الإسرائيلية إلى حقيقة ثابتة، لسبب بسيط وهو أنه كان دائما يعبّر عن شعوره بالإحباط من إمكانية تحقيق ذلك، من خلال لجوءه إلى الوحشية المفرطة، وانتهاجه مسلك الحيوانات في مساعيه لتحقيق ذلك الوهم، على أن الحيوان يبدو أكثر اتزانا، فهو لا يمارس العنف عبثا ولا كل الوقت. فيما العدو الصهيوني قام منذ اللحظة الأولى لتأسيس كيانه على الإلغاء والإبادة للآخرين، وعلى هذا النهج استمر أكثر من (75) عاما، مع ذلك فشل في تأسيس كيانه المستقر.
يبتدع هذا الكيان غير السوي كل مرة شكلا في استهداف أعدائه، وقد بدأ مسيرته- كما هو معروف- بالاستحواذ على أدوات السيطرة على العالم من خلال المال بدرجة رئيسية، ومن ثم عمل على التغلغل في عمق الدول، ثم وجد ضالته في المساعدة بإخراج الكيان الأمريكي إلى الخارطة ليكون واجهته في تمرير إرادته ورغباته على العالم.
ومع روح المقاومة التي لم تنكسر خلال عُمر تواجده، فقد العدو الحيلة، ولم يجد إلا البقاء عند ممارسة الهمجية بأحط أشكالها، كي يعزي نفسه بالمحاولة، لذلك ظل دائما ذاك الهزيل إلا ما توفره له الحماية الأمريكية من سلطة، وقد كشفت عملية «طوفان الأقصى» الفدائية هذه الحقيقة وتحت ضوء، الشمس.
ظل العجز دائما حليفه وسيبقى كذلك لأنه وجود باطل خارج عن ناموس الحياة، والباطل دائما مصيره الزوال. واليوم «إسرائيل» ليست «إسرائيل» وإنما أمريكا، فإسرائيل لا شيء، وإنما كل الفعل والحضور والتأثير ومساعي توجيه الأمور لخدمة هذا الكيان إنما هي أمريكية، مع ذلك حتى هذا الاستناد لم يفلح في فرض إرادته على الفلسطينيين لأكثر من (75) عاما.
طورت أمريكا من أسلحتها واستخدمت كل الأساليب الشيطانية لفرض الهيمنة مع ذلك، لم تتمكن من تحقيق واقع الحلم الخُرافي الذي يقوم عليه الكيان الصهيوني.. بل انه ورغم الطفرة المتقدمة في المجال العلمي والاشتغال الطويل في التجسس كان دائما ذاك العاجز عن الوصول إلى الأهداف المؤثرة في بنية بقاء المقاومة، فكانت سياسة الأرض المحروقة للعدو الصهيوني هي ما يلجأ اليها في محاولة لإصابة أي أهداف عشوائية يمكن أن تصل به إلى النصر.
والمجاهد الشهيد محمد الضيف واحد من الكوابيس التي اقضُت وجوده، حاول غير مرة النيل منه وهو يحسب أن اغتياله ينهي فكرة المقاومة لكنه كان دائما يلعق الإحباط من هول الفشل في مساحة جغرافية بسيطة، وما اغتياله خلال معركة طوفان الأقصى الا نموذج لمنهجيته العشوائية في الاستهداف، مع ذلك فإن محمد الضيف ختم حياته الجهادية بأعظم عملية صعقت حاضر ومستقبل العدو، فضلا عن نيله الشهادة وهي مسألة لا يفهمها الصهاينة.
قد يستمر العدو في همجيته بممارسة القتل والتنكيل إنما عليه دائما أن يتوقع الضربة المضادة وحتى الضربة الاستباقية، وعليه أن يكون على قناعة أيضا دائما بأنه لن يكون له بأي حال تحقيق أي ضربة استراتيحية ولو في أي مستوى، وعمليات الاغتيال لقادة المقاومة ثبُت فشلها في التأثير على بقائها وعزيمتها فهي- كما أكدها أبوعبيدة- تقاتل على عقيدة، وأكدها قبله شهيد الإسلام السيد نصرالله، ويكفي الشهداء الذين انضم اليهم الشهيد محمد الضيف ورفاقه انهم ارتقوا «في أعظم معركة عرفها شعبنا في تاريخه ومن أجل أقدس قضية على وجه الأرض»، وقد «ألهموا الملايين من أبناء شعبنا وأمتنا ليحملوا الراية معهم ومن بعدهم بإذن الله»، حسب أبو عبيدة.
وسيأتي قادة آخرون ليكتبوا صفحاتهم في إزهاق الوجود غير الشرعي للكيان الصهيوني، وسيبقى الأخير هو ذاك الفاشل في تحقيق الأمن لمجتمعه المحتل أو الديمومة لوجوده.