جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-06@09:56:40 GMT

هندسة التكوين المجتمعي الإنساني

تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT

هندسة التكوين المجتمعي الإنساني

 

 

إبراهيم بن عبد العزيز الزعبي

 

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (13: الحجرات).

في الحقيقة يدهشني البعض عندما يتجاوز المفهوم والمُراد الكلي من الآية السابقة فيجعل البشرية تنقسم إلى نوعين من حيث خلق الله لهم: الأول: مجهول النسب منفك عن الروابط الأسرية بعيدا في نمط وأسلوب حياته عن فلك الجماعة والقبيلة وهم الشعوب كما يزعمون.

والثاني: معروف ومحفوظ النسب وهم القبائل التي تهتم بأنسابها وروابطها وتوثيقها وتفعيلها مصورين بذلك أن روابط الدم والنسب خاصة بالقبيلة فقط.

ثم يحزنني التغييب المفتعل لدلالات "لتعارفوا" بالجملة وحصرها بمفاهيم ضيقة متعلقة بعوامل النسب وروابط الدم فقط دونما التطرق للوازم هذه المعرفة ومقتضياتها وضوابطها الشرعية والاجتماعية والعلمية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي تخضع للبيئات المرتهنة أصلا لعوامل ومؤثرات يتعرض لها الكيان الاجتماعي القبلي وغير القبلي على حد سواء (بعيدا عن روابط الدم) وهذه العوامل والمؤثرات من شأنها أن تؤسس للنظام الأسري والعائلي والقبلي والشعوبي بالشكل الذي يأخذ صورته ضمن المدخلات والمخرجات التراكمية والتي يعتبر رابط الدم أحدها وليس كلها وليس أهمها.

وما نراه أمرًا أكبر وأعظم وتصوراً أشمل بكثير مما درجت عليه أفهام البعض من تصورات قاصرة واستشهادات خاطئة حيث إن فهم عوامل تكوين المجتمعات مفهوم دقيق ومبحث علمي كبير خاضت به البشرية كلها ضل به من ضل واهتدى به من اهتدى.

لذلك كانت الحاجة ضرورية وملحة لإخبار الإنسان عن أصل خلقته وبدايته وطريقة تعايشه مع بني جنسه ونظامه المُحدد له في الخطاب القرآني وذلك بأنه ولد من ذكر وأنثى للدلالة على التزاوج والتكاثر وذلك طبقاً لما ورد في كتاب الله وأيضًا طبقًا للموروثات الثقافية والتراثة الإنسانية وللوثائق والدلائل والآثار والحفريات والتنقيب وما شابه ذلك؛ فالأصل في البشر أنهم ولدوا من ذكر وأنثى ثم تعاقبت البشرية من نسلهم ومنه فإنَّ البشرية كلها بهذا الشكل تنتسب إلى آباء وأجداد معروفين ومحددين تكاثروا وتناسلوا وتعاقبوا وشكلوا مجتمعاتهم ضمن نظام التعايش الجماعي الذي يظهر ابتداءً في الأسرة.

ومع ازدياد أعداد الأفراد الذين ينتمون إلى الأسرة تشكلت العائلة التي بدورها تحولت إلى بطون وعشائر وأفخاذ ومن ثم مجموعها تحول إلى قبيلة ومع تكرار هذه الحالة جيلا بعد جيل ومع توالد وتزايد الأفراد ضمن هذا التقسيم الفطري الطبيعي أصبحت القبيلة الأم تضم عددا كبيرا من البطون والأفخاذ التي بدورها تحولت إلى قبائل لكثرة أفرادها وازدياد أعدادهم ولظهور عوامل أخرى تتعلق بالنواحي السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها.

وهذه القبيلة التي أصبحت بطونها قبائل مستقلة للعوامل السابق ذكرها وضمن هذه المُعطيات يُطلق عليها اسم شعب فالشعب اسم يدل على صلة النسب البعيد بين عدد كبير من الأفراد الذين ينتسبون وينتمون إلى قبائل تعود بنسبها وانتمائها إما إلى قبيلة واحدة كبرى أو إلى جد واحد جامع ومثال ذلك عندما يقول المؤرخون (شعب مضر) يُراد به كل القبائل المضرية من ولد عدنان.

وبهذا التصور وضمن هذه المعاني يتضح لنا أن بيان منظومة "هندسة التكوين المجتمعي الإنساني" قائم على التعايش الجماعي.

والباحث في علم الاجتماع وفي مجالات العلوم ذات الصلة والمتتبع لحركة التغيير الاجتماعي يلاحظ عملية التشويه والإفساد والعبث التي تمارسها اليد البشرية من خلال الحرب الضروس وبكافة الأسلحة التي قد مورست ضد مفهوم الشعب والقبيلة والعائلة والأسرة حتى تخلت معظم البشرية عن هذا الرابط الاجتماعي الفطري الطبيعي المقدس ثم خضعت أحياناً إلى حالة انحلال العقد وانفراطه ودمار المجتمع وضربه بالصميم وبدأت بذلك المشاكل وحلت الكوارث في كثير من المجتمعات بسبب العبثية تلك والتي أثرت مباشرة على الحالة السياسية والاقتصادية بالذات فضلاً عن غيرها.

وعندما تصدر أصحاب الفكر والنخب الثقافية لوضع حل لتلك الأزمة وترتيب المجتمعات البشرية من جديد قالوا عودا على بدء إنَّ الحل هو إنشاء كيانات جماعية وتجميع البشر فيها فطرحوا فكرة الأحزاب والتيارات والحركات والأسر (السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها) وبهذا هم حاربوا القبيلة بل حاربوا الأسرة التي هي نواة القبيلة والعيش الجماعي والمجتمع واتهموا أفرادها بالعصبية وأنشأوا عوضا عنها الأحزاب التي بنوها أصلاً على مبدأ التحزب و التعصب وتحقيق المصلحة.

وكان البعض وللأسف من أبناء جلدتنا يساهم في هذه الحرب ضد "هندسة التكوين المجتمعي الإنساني" من خلال القول بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أن لا قيمة للنظام الأسري أو العائلي أو القبلي أو حتى الاجتماعي عامة ومخرجاته من حيث التنظيم الهرمي والقيمي والمادي والعلمي والثقافي والذي يخضع فيه الكل لمعايير صارمة ودقيقة ومحددة ابتداءً من الأمير أو الزعيم أو الشيخ أو عميد الأسرة أو الكبير أو الوجيه إلى أصغر أفراد المجتمع في القبيلة مرورا بكل الشرائح المنضوية في هذا المجتمع ضاربين بعرض الحائط الإرث القيمي المهول والذي خضع لكل المقومات الحضارية عبر العصور ضمن الإمكانيات المتاحة آنذاك.

والقبيلة تخضع لعوامل النهوض والانحطاط حالهم كحال بقية المجتمعات الأخرى

لكن السؤال المهم هنا:

هل من العقلانية أن يلقى اللوم على "هندسة التكوين المجتمعي الإنساني" عندما يتقاعس أفرادها عن حركة النهوض ويتأخر ركبهم الحضاري؟

أم هل من العقلانية والموضوعية أن يربط فشل البيئات المجتمعة والممارسات الخاطئة المرتبطة بها بهندسة التكوين المجتمعي الإنساني؟

أليس من القصور في التصور والمحاكاة والمحاكمات العقلية أن نجعل البيئة الاجتماعية و"هندسة التكوين المجتمعي الإنساني" شيئًا واحدًا.

وبالوقت الذي نرى فيه أنَّ حالة البداوة التي تحياها قبيلة ما في بيئات خضعت لعوامل عدة والتي يرى فيها البعض مظاهر التخلف والجهل وحالة من الهمجية فإننا نرى أنه يقابلها حالة من التخلف والجهل المزري والهمجية اللامعقولة بطريقة أو بأخرى تحياها شريحة مدنية (متحضرة!!)

إنَّ عوامل النهوض والترقي والتراكم الفكري ترتبط بالنواحي العقلية والعلمية والمعرفية ولا تخضع لروابط الدم أو النسب وأمثلة ذلك جلية واضحة لاسيما في الدول التي تقوم على أساس التجمع والتحالف القبلي الذي أدى الى الاستقرار والازدهار والتحضر المدني وظهور قامات فكرية وعلمية وعقلية قدمت الكثير للحضارة الإنسانية وبكل بساطة ما يزال هؤلاء أبناء قبائل وعوائل وأسر وما يزالون يحافظون على روابط الدم النسب ولو أردنا الاستفاضة لقلنا إن أكثر الدول تحضرًا أو استقرارًا في العالم وأذكر مثال (بريطانيا- السويد- أسبانيا- بلجيكا- ودول الخليج العربي غيرها) تحكمها أسر تنتمي إلى قبائل لكن هذا الانتماء لم يكن أبدًا عائقًا أمام الحالة الفكرية والعقلية والعلمية.. فتأمل!

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط لـ«البوابة نيوز»: لا يمكن فرض «هندسة ديموغرافية» وفق الأهواء.. البروفيسور ميشال عبس: نرفض اقتلاع أهل غزة قسرًا من أرضهم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق البروفيسور ميشال عبس: الصليب الأحمر شكل للوحدة المسيحية.. وتحقيق الذوبان مستحيل.. لابد من إقامة فعاليات أسبوع الصلاة فى كل المحافظات

اختُتِمَ مؤخرًا فى مصر فعاليات أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين. وعلى هامش هذه الفعاليات، التقت «البوابة» البروفيسور ميشال عبس، الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط المنظم للفعالية، وكان هذا الحوار.

«البوابة نيوز» فى البداية، لكم سنوات كثيرة تصلّون من أجل وحدة المسيحيين، ومع ذلك لا تحدث وحدة، فما المقصود بهذه الوحدة؟ وما هى أشكالها؟

تُبنت المسيحية أشكالًا متنوعة لا أول لها ولا آخر، على عدد الثقافات والحضارات التى اعتنقتها. وأنا أُجرى أبحاثًا وأرى حالات فى جبل لبنان، مثلًا، حيث اعتمدوا بعض الأشكال من العبادة التى لها علاقة بما قبل المسيحية. فهناك قديسون كانوا موجودين فى الوثنية ثم اعتنقوا المسيحية. فى أمريكا اللاتينية، يمارسون بعض التقاليد التى لها علاقة بحياتهم السابقة على إيمانهم، وكذلك الهنود الحمر، فى أمريكا، والذين أُبيد نصفهم، يمارسون طقوسًا مختلفة. الإسبان بالبرتغالية يمارسون طقوسًا أخرى، وكذلك فى كندا، والصين حيث توجد نزعة مسيحية متقدمة جدًّا، وفى كوريا الجنوبية، وفى أفريقيا، حيث أتوقع أن تأخذ المسيحية أشكالًا مختلفة هنا وهناك.

كيف أوحّدها؟ بأى هيكلية؟ بأى ترددية؟ بأى منطق؟ هل أوحّدها بمؤسسة واحدة وبطقس واحد وبمقاربة واحدة؟ هذا أمر مستحيل. المشكلة أننا وضعنا موضوع "الوحدة المسيحية" دون أن نحدّد حدوده بعد، ولم نحدّد بعد كل تفاصيلها ومعاييرها، ثم نبكى عليها، وهذا أمر مزعج جدًّا. نحن نتحسّر على أمر نعتبره غير موجود، بينما هو موجود برأيي.

■ كيف ترى وجود للوحدة المسيحية؟

أنا بالأساس أستاذ علم الاجتماع رؤيتى لهذه المسألة بدأت منذ سنوات طويلة؛ فقد عملتُ فى المجلس من عام ١٩٨٦ إلى ١٩٩٠ كمدير برامج لبنان، ثم ابتعدت عنه، ثم عدتُ كأمين عام، وكنت دائمًا أرى أننا غير موحّدين بالمعنى المؤسساتي، ولكننا موحّدون من حيث الإيمان، فليس ضروريًّا أن يكون هناك هيكلية واحدة ورئيس واحد على كل المسيحيين فى العالم، لأن التنوع والحرية والابتكار والإبداع لا بد أن يكونوا حاضرين.

من وجهة نظري، الوحدة ليست فقط فى المؤسسة الواحدة، فإذا تحقق ذلك، سيكون جيدًا لأنه يخلق تماسكًا عالميًّا. لكن الأهم أن تكون الوحدة فى العمل. فإذا كان الناس منقسمين، فلنجلس معًا، ونحب بعضنا، ونتصالح، ونعمل معًا، فالتفاعل العملى يصنع الوحدة الحقيقية. لننظف معًا هذه الغابة من الأتربة، وهذه القرية من النفايات، لنزرع هذا الحقل، لنعمل مع المعاقين.

■ ففى العمل المشترك لا توجد انقسامات، بل يوجد هدف أسمى من الانقسامات، وهو هدف قائم على عقيدتنا المسيحية، على موعظة الجبل، على سيرة المسيح، وعلى كل الممارسات الناتجة عن هذا الإيمان المسيحي. عندها يكون لدينا هدف واحد، ونعرف إلى أين نحن ذاهبون، ونتجاوز فكرة "من نحن؟ وكم عددنا؟ وكيف نختلف؟".

أنا نشأت بين عدة كنائس ولم أكن أميّز بينها، رغم أن أهلى كانوا ينتمون إلى كنيسة واحدة. لكننى أعتبر كل الكنائس كنيسة المسيح الواحدة، وكرّرت ذلك فى كتاباتى حتى لو اعترضوا عليها فى الغرب، فهذا لا يهمني.

هناك كنيسة واحدة، ومسيح واحد، وبيعة واحدة، وقد بناها على هذه الصخرة. أما التنوع الفكرى والثقافى فهو انعكاس لانتشار هذه العقيدة الخلاصية العظيمة. فى هذا السياق، بدأ البعض يدرك ضرورة توحيد المسيحيين من خلال العمل، فحين نعمل معًا، نتوحّد فى الهدف والغاية. هذه إحدى الأساليب الحديثة فى إدارة المؤسسات، حيث نحدد أهدافًا واضحة ونبنى عليها حياتنا، وعندها نتوحد تلقائيًّا، ونذوب فى بعضنا البعض، ونصبح لونًا واحدًا، ولغة واحدة، واستراتيجية واحدة.

■ إذن كيف تكون الوحدة المسيحية؟

الوحدة المسيحية ليست مفهومًا صنميًّا قديمًا، ولا هى وحدة كهنوتية تفرض شكلًا موحّدًا من الكاريزما داخل الكنيسة. إذا اتحدنا فى الهدف الذى نريد تحقيقه، وهو ما علّمنا إياه المسيح، نكون نمارس الوحدة المسيحية. هذا هو المطلب الذى أنادى به منذ سنوات، وقد تعرّضت للانتقاد بسببه، لكنه ليس مجرد فكرة عابرة، بل هو خيار لا بديل عنه. حتى فى اليهودية، هناك اختلافات، وأنا قارئ وباحث فى النزاعات اليهودية وأعرف مدى تعقيدها. هناك حدٌّ أدنى من الاتفاق مطلوب ولا يمكن التنازل عنه، وعندما يتحقق هذا الحد الأدنى، نكون فى حالة وحدة، لأننا نؤمن بمسيح واحد، ونحن واحد فيه.

من الناحية التاريخية، نشأت الحركة المسكونية فى الغرب، وهى من وجهة نظرى ليست سوى تطبيق عملى للعمل المسيحى المشترك. نحن نجتمع ونصلّى معًا فى أسبوع الصلاة، ونبنى المدارس، والمراكز لرعاية العجزة والمعاقين، والمستشفيات، وننشئ الصليب الأحمر الدولي. أليس هذا شكلًا من أشكال الوحدة المسيحية التى تغطى العالم باسم الصليب؟ هذه مسئولية كبيرة، ويجب على المسيحيين أن يكونوا مسئولين عن عدم التمييز بينهم، وأن يكونوا دائمًا فى حالة حوار مستمر. من هنا نشأت فكرة مجالس الكنائس فى العالم، ومن بينها مجلس كنائس الشرق الأوسط، الذى أعمل حاليًا أمينًا عامًا له منذ أربع سنوات، وأمامى أربع سنوات أخرى.

مجالس الكنائس وضعت الكنائس معًا لتتواصل وتتفاعل. بدأت هذه المجالس ككيانات إنجيلية ذات نزعة مسكونية، لكنها توسعت تدريجيًّا، وانضمّت إليها كنائس أخرى. مجلس كنائس الشرق الأوسط من القلائل الذين يضمّون إليه الكاثوليك كأعضاء، رغم أن الكاثوليك ينتمون إلى كنيسة روما. وهناك حوار قائم بين مجلس الكنائس العالمى والفاتيكان، والجميع واعٍ بأهمية الحوار، لكن لا أحد يفكر فى الذوبان الكامل ليصبح الجميع لونًا واحدًا.

■ إذن ماهو العمل الأساسى للمجلس؟

الحوار هو الأساس. فى مجلس كنائس الشرق الأوسط، لدينا مفهوم خاص للحوار، وقد القيت محاضرات كثيرة حوله. الحوار ليس مجرد إجراء شكلى حيث نلتقي، نتصافح، نوقّع اتفاقية، ثم نعود إلى بيوتنا. بل هو عملية مستمرة، وليس ضروريًّا أن يصل إلى نتيجة نهائية. والحوار هو تفاعل، قبول للفروقات، إلغاء لخطاب الكراهية والعنصرية والانغلاق. هذا هو جوهر الحوار القائم فى مجالس الكنائس حول العالم، والتى تضمّ كنائس من مختلف الدول، ونحن فى مجلس كنائس الشرق الأوسط جزء من هذا المشهد العالمي، ولكننا مجلس مستقل ولسنا فرعًا تابعًا لأى جهة.

■ متى بدأ هذا العمل؟

بدأ هذا المسار منذ أكثر من ١٠٠ إلى ١٥٠ سنة. فى لبنان، بدأ عام ١٩٢١ مع إنشاء "المجلس المسيحى فى الشرق الأوسط"، ثم عام ١٩٢٩ أُسّس بواسطة مرسلين إنجيليين، ثم فى عام ١٩٦٤ أصبح اسمه "مجلس كنائس الشرق الأدنى"، ومع انضمام الأرثوذكس عام ١٩٧٤ أصبح "مجلس كنائس الشرق الأوسط"، بشكله الحالي.

أسبوع الصلاة من أجل الوحدة

■ هل هو مقتصر على القاهرة فقط، أم يمكن أن يمتد لاحقًا إلى محافظات أخرى فى مصر؟

لا، ليس مقتصرًا. على القاهرة ولا بد أن يشمل جميع المحافظات. فى لبنان، نذهب إلى جميع المحافظات ونختار الكنيسة حسب كل محافظة. مصر بلد كبير، ومن الصعب تغطيتها بسهولة. ولكن من الضرورى أن تصل الرسالة إلى الصعيد والدلتا.

لا بد أن يُقام فى كل محافظة، فمصر أكبر من لبنان بعشرة أو عشرين ضعفًا، وكل محافظة يمكن أن يكون لها صلواتها الخاصة ضمن أسبوع الصلاة للوحدة.

■ فهمت من حديثك أن الوحدة هنا ليست ذوبانًا، بل هى عمل مشترك. فهل المجلس معنيٌّ بالتدخل عند وقوع هجمات بين الطوائف المختلفة كما يحدث أحيانًا فى مصر؟ وهل ترصدون هذه الأحداث وتوجهون العتاب واللوم، باعتبارها من معوقات الوحدة؟

عندما يحدث خلاف بين الكنائس، أحتويه وأتحمل المسئولية، ولا أعممه. أتعامل معه مباشرة وأمنع أى نزاع أو عمل سلبى بين الكنائس.

■ على سبيل المثال، عندم قام أحد القساوسة بمهاجمة الطائفة الإنجيلية واتهم زواجهم بالزنا، مما أدى إلى حدوث مناوشات، هل تدخلتم؟

أتدخل إذا شعرت أن الأمر يتفاقم، وأحاول السيطرة عليه.

■ هل يقوم المجلس بدور فى هذه الحالات؟

نعم، لكن الأمر يعتمد على الإبلاغ. أحيانًا تصلنا معلومات، وأحيانًا لا. عندما يكون هناك أمر حساس، أتصرف بهدوء وبسرعة دون تأخير. وقد واجهت حالات تصرفت فيها فورًا، والحمد لله.

الحوار بين الأديان

■ المجلس يقوم بدور فى الحوار الإسلامى المسيحي، فهل هناك نية مستقبلية لحوار يشمل اليهود أيضًا؟

لا يوجد ما يمنع الحوار مع أى ديانة. لكن فى بلادنا، لم يعد هناك يهود، فقد غادروا جميع الدول العربية تقريبًا.

■ وماذا عن اليهود فى فلسطين من أجل السلام؟

الوضع هناك مختلف، فهم دولة احتلالية، ولا أريد أن أدخل فى هذا الموضوع. حتى لو طالبوا بالسلام، عليهم حل مشكلتهم مع دولتهم أولًا. يمكننا التحاور معهم فقط بعد تحقيق السلام، فهناك كيان محتل ويُعانى من القهر والاضطهاد.

رأى المجلس فى تهجير الفلسطينيين

■ هل تابعتم فكرة ترامب حول تهجير الفلسطينيين من غزة؟ وما رأى المجلس فيها؟

هذه العملية تتنافى مع حقوق الإنسان. نحن لا نتدخل فى السياسة، لكن هذا الأمر مرفوض تمامًا، فلا يمكن التعامل مع البشر كأنهم أشياء، ولا يمكن فرض "هندسة ديموغرافية" وفق الأهواء. اقتلاع الناس قسرًا من أرضهم ضد الحريات، وهو أمر غير مقبول تمامًا.

■ إذن، المجلس ضد هذه الفكرة؟

بالطبع.

المسيحيون فى سوريا

■ هل للمجلس دور فيما يحدث للمسيحيين فى سوريا فى ظل التوترات الأخيرة؟

نحن لا نتصرف بمعزل عن الكنائس، بل نتواصل مع القيادات الكنسية ونعمل ما يلزم من خلالهم. نحن موجودون ومستعدون لفعل ما نستطيع فى المرحلة القادمة. قدراتنا تقتصر على الرأى والكلمة، وليس أكثر من ذلك.

■ وماذا تقدمون فى هذا الإطار؟

نقدم الأفكار، نناقش، نحاور، ونطرح تطلعات وتوجهات.

هجرة المسيحيين

■ هل المجلس يشجع على هجرة المسيحيين من المنطقة؟

أعوذ بالله، هذا غير وارد.

إذن، أنتم ترفضون ذلك؟

نحن لا نرفض الحريات الشخصية، لكننا لا نشجع على الهجرة. هذا الأمر غير مطروح.

■ لكن كان هناك برنامج للاجئين سابقًا، أليس كذلك؟

نعم، كان لدينا برنامج قديم بالتعاون مع الأمم المتحدة، حيث كنا نوفر هويات للاجئين الذين لا يملكون أوراقًا ثبوتية. ولكن هذا البرنامج توقف منذ ١٥ عامًا. كان الهدف فقط هو تأمين الهويات وجوازات السفر لعبورهم إلى دول جديدة.

دور المجلس فى دعم اللاجئين

■ هل المجلس يواصل دعم اللاجئين فى لبنان، خصوصًا من سوريا وفلسطين؟

بالطبع، نحن نساعد كل المطرودين والمشردين.

أسبوع الصلاة والوحدة

هناك من يقول إننا نصلى أسبوعًا من أجل الوحدة، ثم نقضى بقية العام فى التنازع والتنافس!

هذا غير صحيح. نحن لا نصلى فقط خلال أسبوع واحد من بين ٥٢ أسبوعًا. نصلى طوال العام، سواء من أجل الوحدة أو من أجل قضايا أخرى مثل البيئة، العدالة، الفقراء، ذوى الاحتياجات الخاصة، والمحتاجين.

■ مقر المجلس فى مصر

مصر تضم أكبر كتلة مسيحية فى الشرق الأوسط، فلماذا لا يكون مقر المجلس فى القاهرة؟

نحن نعمل على إنشاء مكتب دائم فى القاهرة. وقد تواصلنا مع قداسة البابا، تواضروس الثانى وسيوفر لنا مكتبًا للمجلس. لكن الإدارة العامة ستظل فى لبنان، لأن المجلس مرخص من وزارة الداخلية اللبنانية، وهناك اعتبارات قانونية تحتم بقاءه هناك. فى مصر، سنحتاج إلى ترخيص مثل مكتب الأردن، الذى يعمل وفق تراخيص محلية.

مقالات مشابهة

  • فريق هندسة حلوان يفوز بالمركز الأول في مسابقة "Port Said Engineering Day"
  • الصحة الفلسطينية: الاحتلال يتلكأ في تنفيذ الشق الإنساني باتفاق وقف إطلاق النار
  • الخشاف من المشروبات الرمضانية التي تعزز الجهاز الهضمي
  • قتيل ومصابين في اشتباكات دامية بمحافظة شبوة
  • دمياط تطلق جلسات الحوار المجتمعي حول مقترح نظام "شهادة البكالوريا المصرية"
  • القانــون الدولــي الإنســاني فــي «منحــدر خطِر» ويجب تصحيح المســار
  • الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط لـ«البوابة نيوز»: لا يمكن فرض «هندسة ديموغرافية» وفق الأهواء.. البروفيسور ميشال عبس: نرفض اقتلاع أهل غزة قسرًا من أرضهم
  • دور القبيلة في عُمان
  • فاطمة بنت مبارك: برنامج الشيخة فاطمة للتميز والذكاء الاجتماعي يعزز الابتكار المجتمعي
  • الإمارات في رمضان.. عطاء عابر للقارات يجسد قيم التراحم الإنساني