التعليم.. سبيل التنمية المستدامة
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
منى بنت سالم الغزالي **
monaalghazali19@hotmail.com
شهد الفكر التنموي العديد من المُتغيرات التي حدثت في أواخر القرن العشرين، وانتقلت فيه أفكار التنمية من الطابع الكلاسيكي إلى المتطور الحديث الذي يدور حول الإنسان حيث ولد مصطلح التنمية المُستدامة وبرز كمعلم مهم في مسيرة التطور التنموي.
وجاءت إضافة المستدامة إلى التنمية لتناسب البُعد المستقبلي للأجيال القادمة، ومنه طبقت بعض الدول نماذج للتنمية المُستدامة تمثلت في ظهور بعض المناشط والخبرات لتحقيق نتائج ملموسة لأهدافها غير أنَّ هذه النتائج لم تتحقق بفعالية مرجوة! وذلك لجملة من الأسباب أهمها أنها لم تولِ قطاع التعليم أهمية قصوى في تحقيق أهداف الاستدامة.
إن هذه الرحلة الموجزة لمصطلح التنمية المستدامة وازدهاره كشفت لنا الأهمية العظيمة التي يجب أن يحظى بها قطاع التعليم كونه السبب الرئيسي في حل العديد من المشكلات ذات الصلة، وإصلاحه بالشكل السليم سيرفع من كفاءة قطاعات وقوى عدة أهمها القوة الاقتصادية، ولأنَّ التعليم والاقتصاد وجهان لعملة واحدة ولا ينفصلان تلجأ عادة بعض الدول إلى إصلاح المنظومة التعليمية إذا وجدت خللا اقتصاديا ما. فالتعليم يحظى بالصدارة والأولوية في أي عمل تنموي وهو قاعدة الارتكاز نحو الانطلاقة.
وبالرغم من أن مفهوم التنمية المستدامة قد شهد قبولا واسعًا إلا أن البعض لم ينجح في تبني خطوات جادة حتى الآن! فلا يتمثل ذلك بمجرد برامج وخطط تكتب بل ينبغي أن يوضع الإنسان في صلب العمليات التنموية عبر تشييد عقله أولًا ثم المضي به نحو البناء.
ومما لا شك فيه أن التعليم من أجل التنمية المستدامة أوسع من مجرد معارف ومعلومات، فلا يكون ذلك في تزويد المعلومات دون أن يكون لها أثر إيجابي في ذات المتعلم وسلوكه، ومنها إعداده كمواطن يتحمل المسؤولية يقوم بواجباته ويتمتع بحقوقه ويساعد في الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة. فالدور الحقيقي للتعليم يكمن في صياغة القيم والمفاهيم وتنمية المهارات التي من شأنها أن تستخدم في رفع الممارسات القويمة الإيجابية والحد من الممارسات السلبية، لذلك فإنَّ تعليم الاستدامة ليس بالأمر السهل، فهو لا يعني أن تستمر الأوضاع والأنظمة كما هي بل بالقدرة والمرونة في التغيير المستمر الذي يتماشى مع المتغيرات طبقًا لنوعية الاحتياجات وطبيعة التحديات.
وفي إطار ذلك، هنالك العديد من التجارب الملهمة والإسهامات لبعض الدول التي تستحق تسليط الضوء عليها لعلها تكون بمثابة بارقة أمل ونافذة للمستقبل، ومنها تجربة النرويج التي جمعت وزارة البيئة مع وزارة التعليم وأشركت الجامعات والكليات والمدارس ووضعت خطة وطنية لتضمين قيم التنمية المستدامة بمشاركة من رجال الأعمال والقطاع الخاص لدعم هذه المبادرة بخطط وطنية مدروسة. كما يوجد مثال رائع للمدارس الخضراء التي طبقت في عدة دول منها الصين ودبي و كوريا الجنوبية وإندونيسا، ومن جانبه أخذ الخيال البيئي (أدب البيئة) نصيبه في اهتمام الأدباء والروائيين وظهرت عدة روايات اهتمت بقضايا البيئة من زوايا مختلفة، والتركيز على جانب المعارف والمهارات وتعزيز القيم وتفعيل المناشط والرحلات الإثرائية وغيرها من الوسائل التي تعزز هذا الجانب.
إن قيم التنمية المستدامة لا تقف فقط عند معرفتها ومعرفة المصطلحات الخاصة بها وإنما القضية أشمل بما فيها من تعزيز وتوطين وتسلح بمهارات على نحو مستدام. كما أنها لا تقف عند مستوى مُعين بل هي مستمرة مدى الحياة وقائمة على جهود الجميع من شركات ومؤسسات وعلاقات في إطار تعزيزها وتطويرها. بمعنى آخر لابد من أن تكون خاصية التشاركية حاضرة من قبل كافة القطاعات الحكومية والخاصة، وإذا أردنا تحقيق نهضة تنمية مستدامة فعلًا على الوجه المطلوب لابد من قيام كل قطاع بمهامه على الوجه الصحيح.
وبالنظر إلى الأمر على الصعيد المحلي، شهد قطاع التعليم بالسلطنة حضورا وجهودا في تنمية القيم المستدامة من خلال تضمين محتوى دراسي خاص بقضايا ومعارف التنمية المستدامة في مقررات التعليم الأساسي. ولكن هذه الجهود لن تتكلل بالنجاح ما لم ندعّم ونفعّل الأداة الحقيقية في هذا المجال الحيوي. فإذا أردنا تحقيق تنمية شاملة في التعليم والمجتمعات ككل فلنصنع معلمًا مبدعًا ومميزًا، إذ لا يمكن أن تتحقق التنمية ما لم يكن هناك حضور وبصمة للمعلم، فكل الأزمات والمشكلات التي حدثت في المجتمعات بمختلف أشكالها الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية كانت شاهدة على ذلك، كما يهم في ذلك تأسيس ذات المعلم بالشكل الذي يخدم عمله وأفراده ومجتمعه، ويوجد العديد من الدول حول العالم التي أثبتت ذلك وجعلت للمعلم الأولوية في برامج الإصلاح ونجحت وتبوأت مكانتها المرموقة، ولأن المعلم هو رأس المال البشري والرافعة للتنمية المستدامة ينبغي إعطاؤه دوره ومكانه الحقيقي والبعد عن كل ما يثقله من أعباء إدارية وفنية ونماذج بيروقراطية تعطل سير عمله ودوره الأساسي، بدلًا من نقل المعارف وتنمية القيم الأساسية. فالناظر لحال المعلم اليوم يستطيع أن يرى بوضوح باله المنشغل بغير دوره التنموي وبالقضايا التي تأخذ من وقته الكثير بدلًا من دوره الحقيقي.
ستبقى عجلة التنمية عاجزة ما لم نقدم للمعلم دوره الصحيح في التغيير والإصلاح. والأهم في ذلك أننا بحاجة الى إعادة النظر في جوانب فلسفة التعليم وأهدافها ومدى ارتباطها بمجالات وقضايا التنمية الى جانب التطوير في سياسات التعليم التي ستساهم في رفع كفاءة المعلم وإعداده بالشكل الأمثل الذي يخدم صالح التنمية المستدامة. وكلما منحنا المعلم صلاحيات أكبر للتعبير والتغيير الثقافي الإيجابي للمجتمع وتوطين قيم المواطنة والتنمية المستدامة انعكس ذلك إيجابياً على المجتمع واكتسب تنمية شاملة بقيم مستدامة بعونِ لله.
الطريق ما زال طويلاً للوصول للنتائج المرضية في هذا المجال على وجه الخصوص، ولأن الهدف الأسمى هو ضمان البقاء على هذه الحياة والعيش فيها على نحو مستدام يتطلب ذلك تغيير طريقة التفكير كأفراد أو مجتمعات ويتعين على قطاع التعليم أن يشهد تغيرا وتحولا واسعا لإرساء دعائم آمنة ومستدامة تضمن بقاء وازدهار الأجيال الحالية والقادمة.
وسيبقى التعليم هو أقوى إداة لتحقيق الاستدامة المُثلى وتحسين جودة الحياة، وبدونه لا سبيل للنماء والتقدم.
** كاتبة وباحثة تربوية
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزيرة التنمية: تنفيذ 48 حملة تفتيش على 12 محافظة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تلقت الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية، تقريراً اليوم حول جهود قطاع التفتيش و تقويم الأداء والمتابعة خلال شهر فبراير 2025 لتنفيذ العديد من الحملات التفتيشية المفاجئة والمخططة على الوحدات المحلية (المراكز والمدن والأحياء) بمختلف محافظات الجمهورية وفحص طبيعة عملهم وقياس جودة أداء العمل والتأكد من قيامهم بتنفيذ محاور خطة القطاع من رصد أي مخالفات، وكشف أي مظاهر للفساد الإداري والمالي .
وأشارت وزيرة التنمية المحلية إلى أن قطاع التفتيش والمتابعة قام بتنفيذ 48 حملة تفتيش مخطط ومفاجئ على 12 محافظات وهى ( القاهرة والإسكندرية والقليوبية والاسماعيلية والدقهلية والغربية والجيزة وسوهاج والبحيرة والسويس والفيوم والمنوفية ) حيث تم التفتيش على بعض الوحدات المحلية خلال تلك الفترة شملت الآتي فحص 38 شكوى للمواطنين بتلك المحافظات شملت (التعديات على أملاك الدولة والأراضي الزراعية – تراخيص البناء – الإشغالات – مخالفات عامة ومالية وإدارية – مرافق – بيئية - البناء المخالف)، مشيرة إلى أنه كان لهذه الحملات الأثر الإيجابي والمباشر على المواطنين لما تم اتخاذه من قرارات فورية لتصويب بعض المخالفات التي تم رصدها وتذليل بعض الصعوبات والمعوقات التي تقف أمام إنجاز مصالح المواطنين .
وأوضحت د. منال عوض أن قطاع التفتيش والرقابة ركز خلال حملاته التفتيشية علي متابعة مدى تنفيذ مشروعات الخطة الاستثمارية بالمحافظات في توقيتاتها الزمنية المحددة ونسب تنفيذها و تطابقها مع الشروط المحددة، وتقييم أداء العاملين بالوحدات المحلية، ومدى جودة الخدمات المحلية المقدمة للمواطنين بالمراكز والمدن والوحدات المحلية وكذا متابعة عمل الإدارات الهندسية ومنظومة التصالح على مخالفات البناء ومنظومة إصدار تراخيص البناء وتحرير مخالفات للبناء المخالف والتعديات على أملاك الدولة ورصد مخالفات البناء علي الرقعة الزراعية وخارج الحيز العمراني ومدي قيام الوحدات المحلية من اتخاذ الإجراءات القانونية حيال أي مخالفات يتم رصدها وإصدار قرارات الإزالة والتنسيق مع الجهات الأمنية لتنفيذ تلك القرارات للحفاظ علي الرقعة الزراعية وحفظ حقوق الدولة .
وأضافت وزيرة التنمية المحلية أنه تم كذلك متابعة منظومة النظافة والحملات الميكانيكية وحصر المعدات والمركبات لبيان مدي جاهزيتها للعمل وكذا المعطل منها والإجراءات التي اتخذت حيال صيانتها ورفع كفاءتها ومنظومة صرف واستهلاك الوقود ، والتفتيش المالي والإداري وتقييم اّداء العاملين بالوحدات المحلية والمراكز والأحياء والمدن المستهدفة وفحص شكاوى المواطنين.
وأشارت د.منال عوض أن جهود تلك الحملات التي قام بها قطاع التفتيش والمتابعة أسفرت عن إحالة عدد (17) موظفاً للنيابات المختصة والشئون القانونية لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في هذا الشأن ، ووجهت وزيرة التنمية المحلية قطاع تقويم الأداء والمتابعة والتفتيش ببذل المزيد من الجهد وذلك بالتنسيق مع الجهات الرقابية لرصد أي مخالفات أو معوقات بكافة الوحدات المحلية بالمحافظات .