شهدت العلاقات الفرنسية الإسرائيلية توترات دبلوماسية جديدة، خلال الأيام الأخيرة، إثر حادثة توقيف مسؤولين فرنسيين في القدس، مما أعاد تسليط الضوء على قضية "الفضاءات الفرنسية" التاريخية في المدينة.

وتضاربت الروايات بشأن الحادث، إذ أكدت وزارة الخارجية الفرنسية أن ضباطاً إسرائيليين مسلحين دخلوا مجمع كنيسة "الإيليونية" دون تصريح واعتقلوا موظفين فرنسيين، بينما أوضحت الخارجية الإسرائيلية أن مشادة اندلعت بين قوات الأمن واثنين من حراس الأمن الفرنسيين، وتم إطلاق سراحهما فور التأكد من هويتهما الدبلوماسية.

"الفضاءات الفرنسية" في القدس

وتمتد جذور الوجود الفرنسي في القدس إلى القرن التاسع عشر، حين تمكنت فرنسا  من الحصول على حقوق خاصة في بعض المواقع الدينية في القدس، كجزء من تفويضات نصت على حماية الأماكن المسيحية، وتحديدا المواقع التي ترتبط بتاريخ المسيح والكنيسة المسيحية.

ويأتي في مقدمة هذه الفضاءات مجمع "الإيليونية" الذي يضم ديرا تابعا للرهبنة البندكتية ويعد واحدا من أقدم المواقع، ويحظى بأهمية دينية كبيرة، حيث يُعتقد أنه المكان الذي ولدت فيه السيدة مريم العذراء.

أما المكان الثاني في الفضاءات الفرنسية فهو موقع قبور السلاطين الذي يقع شمال القدس الذي يحتوي على قبور عدة سلاطين عثمانيين. ويعتقد البعض أنه كان جزءاً من مقبرة يهودية ملكية، مما يجعله مكانا يحمل أهمية دينية وتاريخية في التراثين المسيحي واليهودي.

ويُعتبر هذا الموقع جزءا من التراث الثقافي الفرنسي في الأراضي المقدسة، وتحرص باريس على العناية به ضمن التزاماتها تجاه الحفاظ على التراث العالمي.

فرنسا تعتزم استدعاء سفير إسرائيل.. ماذا جرى في الكنيسة الإيليونة بالقدس؟ أعلنت الخارجية الفرنسية، الخميس، عزمها على استدعاء سفير إسرائيل في باريس للاحتجاج على دخول رجال شرطة إسرائيليين لكنيسة تديرها فرنسا في القدس، واعتقال عنصرين من الدرك الفرنسي موظفين في القنصلية العامة الفرنسية خلال الزيارة التي يجريها وزير الخارجية الفرنسي لإسرائيل.

وتبقى كنيسة القديسة حنّة الموقع الثالث ضمن الفضاءات الفرنسية، وهي واحدة من أقدس الأماكن المسيحية في القدس، وتُعتبر مكاناً مقدساً في التقليد المسيحي.

أما الموقع الأخير فهو دير القديسة مريم للقيامة، الذي يقع هذا الدير في موقع مهم بالقرب من الجدار الغربي للبلدة القديمة في القدس، ويُعتبر مركزاً هاماً للكنيسة الفرنسية ويُحتفظ به كجزء من التراث الثقافي والديني الفرنسي.

ويدير هذا الدير الذي يُعرف المكان أيضاً بـ"دير سانت آن"، جماعة الآباء البيض الكاثوليكية الفرنسية، التي تعمل على تقديم التعليم الديني وتعزيز التفاهم بين الثقافات.

وحصلت فرنسا على هذا الموقع في عام 1856 كهدية من السلطان العثماني عبد المجيد الأول، ويعد ذلك جزءا من علاقات فرنسا التاريخية مع الشرق الأوسط. ومنذ ذلك الوقت، أصبح الموقع تحت رعاية فرنسا التي تتولى صيانته والعناية به.

الوضع القانوني

ورغم خضوع المواقع الأربعة للسلطة الإدارية الفرنسية، إلا أن هذا لا يمنح فرنسا سلطة مطلقة عليها، بل تخضع لإطار تنظيمي دقيق حددته الاتفاقيات الثنائية بين البلدين.

وتنص هذه الاتفاقيات على التزامات متبادلة واضحة؛ فمن جانبها، تتعهد إسرائيل بالحفاظ على الوضع الراهن في هذه المواقع واحترام السيادة الفرنسية عليها، مع ضمان حرية الوصول إليها للحجاج والزوار دون قيود، وتسهيل حركة الدبلوماسيين والمسؤولين الفرنسيين.

جذور الوجود الفرنسي في القدس إلى القرن التاسع عشر

وفي المقابل، تتمتع فرنسا بحق إدارة هذه المواقع وتنظيم الأنشطة الدينية والثقافية فيها عبر مؤسساتها الكنسية والجمعيات الدينية، مع التزام إسرائيل بعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

ووفقا للاتفاقيات الثنائية، تعمل فرنسا دائماً بالتنسيق مع السلطات الإسرائيلية في المسائل التي تشمل الأمن والتنقل وصيانة الأماكن.

ما يعني أن الحكومة الفرنسية مسؤولة عن إدارة شؤون المواقع، ولكن دون التدخل في السيادة الإسرائيلية على المدينة ككل.

الحادثة الأخيرة

والخميس الماضي، خيّم إشكال دبلوماسي على علاقات إسرائيل وفرنسا في أعقاب زيارة وزير الخارجية الفرنسي، جان-نويل بارو للقدس، بعد دخول عناصر مسلحين من الشرطة الإسرائيلية "دون إذن" إلى مجمّع "الإيليونة"، الأمر الذي أثار غضب باريس.

وبعد مغادرة الوزير، سجّلت مبادلات مشحونة في المكان، إذ حاصر شرطيون إسرائيليون عنصرين من الدرك الفرنسي ممسكين بأحدهما بقوّة، قبل أن يطرحوه أرضا وينقلوه في سيارة للشرطة. وصرخ الدركي الذي عرّف عن نفسه مرات عدّة "لا تلمسني"، وفق صحفية فرانس برس.

وتمّ في وقت لاحق الإفراج عن الدركيين. وأوضح مسؤول في الشرطة الإسرائيلية لهما أنهما لم يرتديا الزي الرسمي ولم يُظهرا بطاقتهما المهنية.

وردّ أحدهما بالقول "هم يعرفون أننا نعمل لصالح القنصلية العامة لفرنسا"، مشيرا إلى الشرطيين الذين أوقفوهما.

وأوضحت الشرطة الإسرائيلية في بيان، أن "شخصين لم يعرّفا عن نفسيهما بداية... منعا عناصر إسرائيليين مكلفين حماية الوزير، من دخول الموقع".

وأعاد إشكال الخميس التذكير بحوادث سابقة بين قوات الأمن الإسرائيلية ومسؤولين فرنسيين كانوا يزورون الأراضي المقدسة أو مواقع فيها.

ففي 22 يناير 2020، شهدت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تدافعا أمام كنيسة القديسة حنّة. وقال الرئيس الفرنسي لشرطي إسرائيلي بالإنكليزية ما مفاده "لا يروق لي ما فعلته أمامي".

ولعلّ الحادثة الأبرز تبقى تلك التي وقعت في 1996 عندما ثار الرئيس الراحل، جاك شيراك، غضبا أمام أحد الجنود الإسرائيليين بعدما اقترب منه كثيرا خلال مواكبته وصاح فيه بالإنكليزية "هل تريدني أن أعود إلى طائرتي؟"، قبل أن يطلب خروج العسكر من موقع كنيسة القديسة حنّة.

ويرى متابعون أن الحادثة الأخيرة، تأتي في سياق التوترات السياسية المتصاعدة بين البلدين، خاصة في ظل الحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة ولبنان.

غير أن التجارب السابقة، تشير إلى أن مثل هذه التوترات غالباً ما تنتهي بتسويات عبر القنوات الدبلوماسية، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على الوضع الراهن في القدس، وفقا للاتفاقات الدولية.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الخارجیة الفرنسی فی القدس

إقرأ أيضاً:

انفجارات تهزّ تل أبيب.. إسرائيل تعلن: إحدى الجثث التي تم تسليمها «مجهولة الهوية» وتتوعد!

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم الجمعة، “إن إسرائيل ستجعل حركة حماس تدفع ثمن عدم تسليم جثمان المحتجزة شيري بيباس كما هو متفق عليه”.

واتهم نتانياهو حماس بارتكاب انتهاك “وحشي” للهدنة بعدم إعادتها جثة شيري بيباس.

وأضاف في بيان مصور “سنعمل بكل عزم على إعادة شيري إلى الوطن مع كل رهائننا، الأحياء والأموات، وضمان أن تدفع حماس الثمن الكامل لهذا الانتهاك القاسي والشرير للاتفاق”.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم الجمعة، أنه بعد استكمال عمليات الفحص والتشخيص، تبين أن إحدى الجثث التي سلمتها “حماس” لا تلائم أي أسير إسرائيلي، مشددا على أن الجثة مجهولة الهوية واتهم الحركة بانتهاك وقف إطلاق النار الهش بالفعل.

وقال الجيش في بيان: “بعد استكمال عملية التشخيص في المركز الوطني للطب العدلي بتعاون مع شرطة إسرائيل أبلغ مندوبو جيش الدفاع عائلة بيباس انه تم تشخيص أعزائهم الطفليْن أريئل وكفير بيباس”.

وأضاف: “وفق تقييم الجهات المعنية المختصة وبناء على المعلومات الاستخبارية المتوفرة والمؤشرات من عملية التشخيص فقد تم قتل أريئل وكفير بيباس بوحشية داخل الأسر في شهر نوفمبر من العام 2023 من قبل الإرهابيين الفلسطينيين”.

وأشار الجيش إلى أنه “خلال عملية التشخيص تبين أن الجثة الأخرى التي تم تسليمها لا تعود لشيري بيباس ولا تلائم أي مختطف أو مختطفة آخرين. الحديث عن جثة مجهولة الهوية دون تشخيص”.

وشدد الجيش الإسرائيلي على أن هذا “خرق فاضح لحماس التي التزمت وفق الاتفاق بإعادة أربعة مختطفين.. نطالب حماس بإعادة شيري بيباس مع جميع المخطوفين”.

واختتم الجيش بيانه قائلا: “نشارك عائلة بيباس حزنها العميق في هذه الساعة العصيبة وسنواصل الجهود لإعادة شيري وجميع المختطفين في أسرع وقت”.

وسلمت الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة أمس الخميس، جثث 4 أسرى إسرائيليين تعود 3 منها لعائلة بيباس (أم وطفليها) كانوا بحوزة “كتائب المجاهدين” في حين كان أسير رابع بحوزة حركة “الجهاد الإسلامي”.

وذكرت قناة (كان) أن “حماس نقلت الرهائن القتلى في نعوش مقفلة وكان معها مفاتيح لا تناسبها”، كما ذكرت وسائل الإعلام العبرية أن السلطات في تل أبيب عثرت على مواد دعائية لحماس في التوابيت.

بدوره، أصدر مسؤول أميركي بارز تحذيرا شديد اللهجة لحماس، بعد أن أعلن الجيش الإسرائيلي أن الحركة أطلقت سراح “جثة مجهولة الهوية”، وليست جثة رهينة إسرائيلية.

وفي حديثه لشبكة “سي إن إن” الإخبارية الأميركية، وصف مبعوث الولايات المتحدة لشؤون الرهائن آدم بوهلر، ما اعتبره “قرار حماس بإطلاق سراح الجثة مجهولة الهوية”، بأنه “مروع وانتهاك واضح لوقف إطلاق النار في قطاع غزة”.

وقال بوهلر: “لو كنت مكانهم لأطلقت سراح الجميع، وإلا فسوف يواجهون الإبادة الكاملة”.

ولم يصدر أي تعليق من حماس على الفور.

انفجار 3 حافلات في عدة مواقع يهز تل أبيب
انفجرت 3 حافلات مساء الخميس في مواقف ومواقع مختلفة بمدينة بات يام جنوب مدينة تل أبيب وسط إسرائيل، وأعلنت الشرطة الاشتباه بعملية والبحث عن مشتبه به.

وبحسب تقارير إسرائيلية، فإن الشاباك يحقق في اشتباه زرع عبوات ناسفة بحافلات، ما أدى إلى انفجارها، فيما أفادت هيئة البث العامة الإسرائيلية “كان 11” باشتباه وجود عبوتين ناسفتين أخريين دون انفجارهما.

وأشارت مصادر أمنية إسرائيلية إلى تعزز التقديرات بأن الانفجارات كانت محاولة لتنفيذ عملية، حسبما نقل عنها موقع “هآرتس”، وأفيد بأن حركة القطار الخفيف توقفت بشكل كامل في منطقة بات يام على خلفية انفجار الحافلات.

وأوردت القناة 12 الإسرائيلية، أنه يستدل من التقديرات الأولية لانفجار الحافلات بأن اتجاه التحقيق يشير إلى محاولة لتنفيذ عملية، فيما جرى إيعاز جميع السائقين بمنطقة تل أبيب بتفقد حافلاتهم.

وجاء عن بلدية بات يام أن “انفجارين وقعا بحافلتين بينما كانتا في موقفي حافلات بالمدينة من دون وجود مسافرين على متنهما، ولم تقع إصابات في الحدثين”.

وأشارت إلى أن “تفاصيل الحدثين غير واضحة حتى الآن، وتجري عمليات بحث واتخاذ وسائل الحذر في هذه المرحلة من أجل التأكد من عدم وجود أي خطر آخر”.

وأعلنت الشرطة الإسرائيلية في بيان الاشتباه بعملية على خلفية انفجار عدد من الحافلات، فيما وصلت قوات كبيرة إلى المواقع وشرعت بالبحث عن مشتبه بهم، وباشرت فرق المتفجرات بفحص الأغراض المشبوهة بالمنطقة، حسبما جاء في بيان لها.

مقالات مشابهة

  • ما هي الدروس التي استخلصها الجيش الفرنسي بعد ثلاث سنوات من الحرب في أوكرانيا؟
  • إنقاص الوزن.. فوائد غير متوقعة لتناول القرع
  • حماس: سنفحص ادعاءات إسرائيل بشأن جثة الأسيرة الإسرائيلية شيري بيباس
  • انفجارات تهزّ تل أبيب.. إسرائيل تعلن: إحدى الجثث التي تم تسليمها «مجهولة الهوية» وتتوعد!
  • ساحل العاج تستعيد السيطرة على آخر القواعد الفرنسية في البلاد
  • إسرائيل تؤكد هوية أحد الجثامين التي استلمتها من حماس
  • الكشف عن عدد الجثامين التي تحتجزها إسرائيل
  • الرئيس الفرنسي: نتمنى سلاما دائما ومتينا في أوكرانيا
  • العميد خالد حمادة: النقاط التي تحتفظ بها إسرائيل في جنوب لبنان ذات أهمية إستراتيجية
  • تحرش جنسي على متن الخطوط الجوية الفرنسية؟ وزير النقل يناقش القضية بعد شكاوى مضيفات الطيران