الكلفة الفادحة للإسلاميين كحليف للجيش: كفارة بلا ضفاف (2-2)
تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT
عبد الله علي إبراهيم
ملخص
أثقل الإسلاميون بتاريخهم المنكور هذا على الحرب التي دخلوها إلى جانب القوات المسلحة من جانبين، فالجانب الأول هو اصطفاف خصومهم ضد هذه القوات بذريعة أنها مجرد ميليشيات كيزانية. أما الجانب الثاني فهو أنهم، لإسلاميتهم وتاريخهم في دولتهم الإسلامية، ذريعة سائغة لدمغ الجيش الذي وقفوا معه، بـ"الإرهاب" كما تواتر أخيراً.
كان هناك من حذر الإسلاميين أول عهدهم في الحكم بالانقلاب، من أن ينتجوا من فرط استبدادهم بالحكم معارضة كئيبة تلعنهم شيطاناً رجيماً لا خصماً سياسياً ذا مشروع، مهما توسل له بغير استحقاق أو نباهة، وحدث. فما اصطفوا ليومنا مع الجيش حتى تبخر الجيش في حساب خصومهم وصار "ميليشيات كيزانية" محض. فقالت الصحافية رشا عوض إنه ما من "حزب سياسي في السودان يمتلك جيشاً سوى الكيزان" ليتهم بإشعال الحرب، وحذر الحزب الشيوعي من عودة "نظام الإخوان المسلمين برماح قيادة القوات المسلحة".
داء "الكوزنة"
من جانب آخر تجد مدير مركز "الخاتم عدلان للاستنارة" الباقر العفيف أحال الإسلاميين من السياسة إلى سرير المتخصص النفسي ليشخص داء "الكوزنة" الذي ابتلوا به. فقال "لا ينتابني شك أن ’الكوز‘ كائن مريض. فالكوزنة مرض خبيث أشد خبثاً وفتكاً بالإنسان من السرطان. مرض عقلي ونفسي وروحي يصيب العقل بعطب يعميه عن رؤية الحق، ويصيب النفس بخلل يوقظ حيوانيتها ويقتل إنسانيتها ويجعلها أمارة بالسوء والشرور، ويصيب الروح بعاهة تجعلها كثيفة متخثرة مخلدة إلى الأرض لا علاقة لها بالسمو والنبل وشفافية الأرواح. والكوزنة من نوع الأمراض التي تؤثر في كيان الإنسان وجسمه فتحوله هو الآخر لكيان شائه وقبيح. ومن هنا جاءت عبارة ’الكوز‘ كائن متحول... الكوزنة تجعلك دائم الحنق والغضب والتوتر، وتجعلك دائماً مرعداً مزبداً متوعداً، لاعناً شاتماً بذيئاً، هامزاً غامزاً لامزاً، عابساً مكشراً وقبيحاً".
أما القاضي محمد الحسن محمد عثمان الذي أقالته "دولة الإنقاذ" من وظيفته في باكر عهدها، فاستباح دم الكيزان لـ"الدعم السريع". فرأى في حرب "الدعم السريع" على الفلول عقوبة إلهية على سيئات أعمالهم، وقال "بدأ الانتقام الرباني وسلط على الكيزان حميدتي والجنجويد وجعلنا نتفرج عليهم. ويا ويلهم! وجعلنا نتفرج عليهم وهم يصرخون ويولولون كالنساء من حميدتي ويا ويلهم! مما عملت أيديهم. وهذا في الدنيا فما بالك في الآخرة".
ولا أعرف جماعة سياسية هانت هكذا في عين خصمها. ولا أعرف من الجانب الآخر جماعة جاءها خصم سياسي فظ فنسبت سياسته إلى عاهة خلقية ودعت عليه بالكفوف! لا بد أن ثمة شيئاً عفناً في دولة الدنمارك. ومهما يكن، لا يعرف المرء إن لم يكن اصطفاف الكيزان مع الجيش خصماً عليه.
دمغة الإرهاب
أما ما استحق الخشية على القوات المسلحة من اصطفاف الكيزان معها فهو دمغه بالإرهاب. وهي نذر جاءت بغير لبس في التقرير السنوي عما يتهدد أميركا من أخطار (مارس "آذار" الماضي) الذي تعده مؤسسات الأمن القومي الأميركية. وعقد التقرير بين ما قد يجده في السودان جراء الحرب من إرهاب، سبق ودمغته أميركا به لأكثر أعوام حكم الإسلاميين في "دولة الإنقاذ". فحذر التقرير من أن السودان بحربه يخاطر ليصير بيئة مثالية للإرهاب وشبكات الإجرام العالميين. وقد تتعدى حربه وتطال ما حوله، فطول أمد الحرب مؤذن بمثل هذه النتيجة. وموقع السودان في ملتقى القرن الأفريقي في الساحل وشمال أفريقيا قد يصبح مرة ثانية بيئة مثالية للإرهابيين وشبكات الإجرام. ونوه التقرير بأن منظمات إقليمية موصولة بتنظيمي "القاعدة" و"داعش" ستوالي التمدد في أفريقيا بالنظر إلى تنامي قوة "داعش" في بلاد غرب السودان. وهذا ما سيغري "القاعدة" التي توالى ضعفها في أفغانستان وباكستان بالتمدد للسودان، كما قد يدفع تنظيم "داعش" الذي تعرض لنازلات فقدان قياداته في العراق وسوريا إلى نفس الخطة. فراج في قول التقرير فيديو لخلية سودانية من التنظيم تقسم بالولاء للخليفة أبو حفص الهاشمي القرشي، ولم تنس واشنطون للسودان أنه أوى بن لادن من عام 1991 إلى عام 1996 قبل ارتحاله إلى أفغانستان. وكانت أوضاع السودان السياسية مثلها اليوم بوجوه كثيرة، فكانت تضربه حرب أهلية ومحكوم بديكتاتورية عسكرية، فتعاقد بن لادن مع أولئك الديكتاتوريين في حين كان له مشروعه الخاص. وأشار التقرير إلى تسليح السودان من أطراف إقليمية مما يطيل أمد الحرب ويفتح الباب لدخول دول أخرى في حومة الوغى. وربما عزونا انتصارات القوات المسلحة الأخيرة في أم درمان التي خضعت لحرب مدن لـ11 شهراً إلى تسليح إحدى الدول الإقليمية له. وساق تسليح الجيش دولاً عربية لتنسق بصورة وثيقة لاجتراح حل سياسي لحرب السودان.
وكان التلويح بخطر الإرهاب من حرب السودان حاضراً في خطاب المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرييلو فقال في تقريره أمام الكونغرس خلال مايو (أيار) الماضي، إنه اطلع على تقارير ذات صدقية عن الأعداد المتزايدة للاعبين سياسيين حول الحرب تشمل إسلاميين وموظفين سابقين بنظام الإنقاذ. وهي العناصر التي يرى أنها الجسر بين السودان وإيران. فقال في رده على سؤال من "الصحيفة" الكويتية عن نظرة أميركا لتأثير إيران في حرب السودان، إن تقارير عامة تواردت عن دور إيراني في الحرب. وليس هذا كما سمعنا من السودانيين شيئاً يريدونه لأنفسهم. وذكر بأن لإيران سابق ارتباط بالكيزان الذين سماهم "عناصر متطرفة في البلد". ووصف الأمر بالمقلق وأنهم سيراقبونه بكل تأكيد. فقد طرق الأمر آذانهم من سودانيين وفي بلدان الإقليم الذين يخشون أن الوضع سيسوء مع هذا الدور الإيراني بأكثر مما هو عليه ابتداء، ويصب الزيت ليشعل حرباً إقليمية.
وبدا أن من السودانيين الذين ربما استمع لهم بيرييلو عن الإرهاب رئيس وزراء الفترة الانتقالية عبدالله حمدوك الذي حذر أخيراً من أن الحرب الأهلية الناشبة تهدد بتحويل السودان إلى أرض خصبة للإرهاب الإقليمي من جماعات مرتبطة بالقاعدة في غرب أفريقيا والمتشددين مثل حركة الشباب. ونسج على منواله مستشار "الدعم السريع" إبراهيم مخير بقوله إن "منطقة الفاشر تشهد تواصلاً مستمراً بين الاستخبارات السودانية والحركات الإرهابية، وأشهرها ’بوكو حرام‘ من أجل تجنيد المقاتلين واستقدامهم من ليبيا عبر تشاد".
صح أن يعد الإسلاميون فداحتهم في الميدان السياسي أول ما يعدون إذا تواصوا على استراتيجية لما بعد زوال دولتهم. فـ"الفجور في الخصومة"، وهذه عبارة جاؤوا بها هم في أول عهدهم من مكروهات السياسة، ولكنها مما يقع. ولكن أن يبلغ هذا الفجور مبلغ استباحة خصوم الإسلاميين لدمهم لـ"الدعم السريع" الذي لا يحتاج لمثل هذه الرخصة، فمما يقع وزره على الإسلاميين بأكثر من خصومهم. ويحتار المرء من الجهة الأخرى عن كيف سنتوقى دون دمغ الجيش بالإرهاب من باب الإسلاميين ممن كانوا تحت طائلته لثلاثة عقود. فالإرهاب في نظر العالم القوي صنو الناشط الإسلامي إلا من رحم. سيحتاج الإسلاميون في استراتيجيتهم الموعودة إلى كفارة بلا ضفاف لدرء الإرهاب عنا. وبعبارة، سيحتاجون إلى الإسلام ذاته.
ibrahima@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوات المسلحة الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
السودان من أوائل الدول التي تعاني «سوء التغذية الحادّ»
أجرى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، دراسة تتعلق بالأثر الاقتصادي والاجتماعي للصراع الدائر في السودان.
وشددت الدراسة على أن “السودان أصبح من بين البلدان الأربعة في العالم التي تعاني من أعلى معدل لانتشار سوء التغذية الحاد الذي يُقدر بـ 13.6%، مضيفة أن “قرابة نصف الأسر تواجه انعدام الأمن الغذائي إلى المتوسط، كما أن 76% من السكان أفادوا بعدم تلقي أي مساعدة على الإطلاق حيث يعتمدون على شبكات شخصية أفراد الأسرة والأصدقاء عوضًا عن المؤسسات الحكومية”.
وأظهرت الدراسة، “ارتفاع نسبة الأسر الحضرية السودانية دون دخل أو عمل إلى 18% مقارنة بـ 1.6% قبل اشتداد الصراع.
وبحسب صحيفة سودان تريبيون، كشفت الدراسة “وجود تأثيرات بالغة على الأسر الحضرية، خاصة فيما يتعلق بفقدان العمل والوصول إلى التعليم والصحة والمياه والكهرباء في السودان، حيث انخفضت فرص العمل بدوام كامل إلى النصف، مع توقع تجاوز معدل البطالة 45% بحلول نهاية هذا العام”.
وقالت الدراسة إن “56% من الأسر الحضرية ذكرت بأنها في حالة صحية أسوأ أو أسوأ بكثير، مما كانت عليه قبل الصراع، حيث انخفض الوصول إلى الخدمات الصحية بشكل كبير من 78% إلى 15.5%، وهذا يعني أن أسرة واحدة من بين كل سبع أسر تستطيع الوصول إلى الرعاية الصحية”.
وذكرت الدراسة الأممية أن “63.6% من الأسر الحضرية توقف أطفالها في سن الدراسة عن الذهاب إلى المدرسة، بينما بلغ معدل توقف الأسر التي لديها طفل واحد في سن الدراسة عن الذهاب إلى المدرسة إلى أكثر من 88% منذ بدء الصراع”.
ولفتت الدراسة إلى “انخفاض معدل الوصول إلى المياه عبر الأنابيب للأسر الحضرية من 72.5% إلى 51.6%، فيما أكدت 90% من الأسر السودانية تدهور إمدادات الكهرباء”.
هذا واندلعت الحرب في السودان، في 15 أبريل 2023، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في مناطق متفرقة من السودان، تتركز معظمها في العاصمة الخرطوم، مخلفةً المئات من القتلى والجرحى بين المدنيين.