موقع السودان ودوره في صراع البحر الأحمر وتصريحات وزير الخارجية !
تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT
الصراع في البحر الأحمر يُعتبر أحد أهم الملفات الإقليمية الحساسة، إذ يضم هذا الممر المائي الاستراتيجي مجموعة من المصالح المتشابكة والتنافسات بين القوى الإقليمية والدولية، حيث يشهد البحر الأحمر تزايدًا في الأنشطة العسكرية، والتجارة الدولية، وحركة السفن، فضلًا عن كونه يربط بين البحر المتوسط والمحيط الهندي، مما يجعله منطقة عبور استراتيجية للتجارة العالمية.
السودان يمتلك موقعًا جغرافيًا مميزًا على البحر الأحمر يمتد بطول نحو 700 كيلومتر، حيث يعد من الأطراف المؤثرة مباشرة في أمن الممرات البحرية بالمنطقة. هذا الموقع يُشكل عامل جذب لدول عدة تطمح لتعزيز نفوذها البحري وتأمين مصالحها في هذا الممر، خاصةً بالنظر إلى سواحل السودان الطويلة، وموانئه التي تُعتبر بوابات حيوية يمكن أن تستخدم كقواعد لوجستية أو عسكرية.
ضعف الدولة السودانية والصراعات الداخلية المتفاقمة منذ سنوات جعلت من السودان فاعلًا هشًّا، مما يُعرضه لضغوط متعددة من قوى إقليمية ودولية ترغب في توسيع نفوذها على سواحله أو الاستفادة من موارده البحرية. ومع استمرار الأزمة الداخلية السودانية، يجد السودان نفسه أقل قدرة على حماية مصالحه في البحر الأحمر، وأضعف في مقاومة الضغوطات الخارجية، مما يزيد احتمالية استغلال قوى أخرى لهذا الوضع.
خطورة ضعف السودان في ملف البحر الأحمر
ضعف الدولة السودانية في إدارة ملف البحر الأحمر يُهدد بانجرافها إلى محاور أو تحالفات إقليمية، ربما لا تتفق مع مصالح الشعب السوداني أو استقراره على المدى الطويل. في ظل تدهور مؤسسات الدولة، هناك احتمالية كبيرة لأن تكون السياسات الخارجية للسودان في هذا الملف مبنية على ضغوط خارجية أو مصالح آنية لبعض الأطراف السياسية الداخلية.
خطورة ضعف السودان في هذا الملف بالنقاط التالية
خطر الاستحواذ العسكري واللوجستي - الدول الكبرى أو القوى الإقليمية قد تستغل ضعف السودان لإنشاء قواعد عسكرية دائمة على سواحله، مما قد يجعله منطقة تابعة لنفوذ دول معينة.
التحكم في الموارد البحرية- قد تفقد الدولة السودانية سيادتها على موارد البحر الأحمر من الثروات البحرية وموارد النفط والغاز، مما يضعف اقتصادها أكثر.
التورط في الصراعات الإقليمية - قد يجد السودان نفسه ضمن صراعات ليست في مصلحته بسبب اصطفافه مع قوى إقليمية، خاصةً في ظل التنافس السعودي-الإيراني والتركي-المصري في المنطقة.
تصريحات وزير الخارجية السوداني واتجاهات الحكومة
تصريحات وزير الخارجية السوداني تشير إلى توجه واضح نحو تسويق ملف أمن البحر الأحمر كقضية مركزية أمام المجتمع الدولي والإقليمي. تأتي هذه التصريحات غالبًا لتأكيد أن السودان مهتم بحماية أمن المنطقة والتعاون مع الدول المحيطة لضمان استقرار الممرات البحرية. لكن مع ضعف المؤسسات في السودان، هناك تساؤلات حول مدى استقلالية هذه التصريحات وما إذا كانت تعبر عن سياسة وطنية واضحة أو أنها استجابة لضغوط من قوى إقليمية تسعى لاستخدام السودان كأداة لتأمين مصالحها الخاصة.
هل بدأت حكومة السودان بتسويق أمن البحر الأحمر؟
من الواضح أن الحكومة السودانية تحاول تقديم نفسها كطرف يُمكنه تحقيق الاستقرار في البحر الأحمر، وربما تسعى للاستفادة من هذا الملف للحصول على دعم مالي أو سياسي من دول كالسعودية والإمارات، التي تضع ملف أمن البحر الأحمر ضمن أولوياتها الاستراتيجية. وقد يكون من مصلحة الحكومة السودانية، في ظل أزماتها الاقتصادية، أن تدخل في تحالفات تضمن لها دعماً مالياً ومشاريع تنموية.
لكن تكمن الخطورة في أن هذا التسويق قد يؤدي إلى التفريط في سيادة السودان على موارده وسواحله إذا لم تكن الدولة السودانية قادرة على اتخاذ قراراتها باستقلالية كاملة.
تحليل وتوقعات مستقبلية
تعزيز النفوذ الإقليمي من المتوقع أن تستمر دول المنطقة في سعيها لاستمالة السودان إلى صفوفها عبر تقديم وعود بمساعدات أو استثمارات. السودان، بضعفه الحالي، قد يجد صعوبة في مواجهة هذه الضغوطات بشكل مستقل.
تسارع النشاط العسكري الأجنبي من الممكن أن يشهد البحر الأحمر تزايدًا في إنشاء القواعد العسكرية أو التسهيلات اللوجستية الأجنبية على السواحل السودانية، إذا لم يتمكن السودان من بسط سيطرته على هذه المناطق.
تحول السودان إلى منطقة صراع بالوكالة إذا استمر السودان في إظهار الضعف وعدم القدرة على ضبط الملف، فقد ينزلق إلى صراع بالوكالة بين قوى إقليمية مثل السعودية وإيران، أو مصر وتركيا، حيث تسعى كل دولة لتحقيق نفوذها وتأمين مصالحها الاستراتيجية على حساب السودان.
الحاجة إلى تعزيز المؤسسات على المدى الطويل، لن يتمكن السودان من حماية مصالحه في البحر الأحمر دون تعزيز قدرات الدولة وبناء مؤسسات دفاعية وأمنية قوية تحافظ على سيادة السودان.
التعاون الإقليمي المشترك هناك فرصة سانحة للسودان إذا اعتمد سياسة تعاون مشتركة غير منحازة مع دول البحر الأحمر بشكل يضمن الاستفادة من المصالح المشتركة، بعيدًا عن الانجراف في صراعات إقليمية قد تؤدي إلى عواقب وخيمة.
في ظل هذه التحديات والتوجهات، يظل مستقبل أمن السودان في البحر الأحمر مرهونًا بقدرته على إدارة ملفه باستقلالية وحذر، والابتعاد عن ضغوط القوى الإقليمية المتنافسة لضمان مصالحه الوطنية وعدم التفريط في سيادته.
تعتبر تصريحات وزير الخارجية السوداني الأخيرة بشأن إمكانية منح تسهيلات على الشواطئ السودانية لمن يرغب في ذلك خطوة لافتة ومثيرة للجدل، حيث تحمل في طياتها أبعادًا استراتيجية وأمنية هامة. هذه التصريحات تشير إلى أن الحكومة السودانية قد تكون مستعدة للانفتاح على منح حقوق استخدام أو إقامة قواعد لوجستية وعسكرية على السواحل السودانية لدول إقليمية ودولية.
تحليل تصريحات الوزير وتداعياتها
التنازل عن السيادة إمكانية منح تسهيلات على الشواطئ قد تعني، بشكل أو بآخر، تنازلًا عن قدر من السيادة السودانية على هذه السواحل. يمكن أن تتحول هذه الشواطئ إلى مراكز نفوذ أجنبي، وقد يضعف ذلك من قدرة السودان على اتخاذ قرارات مستقلة في إدارة أمنه البحري.
التنافس الإقليمي والدولي قد تؤدي هذه التصريحات إلى تنافس بين دول عديدة، مثل السعودية، الإمارات، تركيا، وروسيا، التي لديها اهتمام بالبحر الأحمر وتسعى لتأمين مصالحها البحرية في المنطقة. وبالتالي، قد يجد السودان نفسه في موقف معقد بين قوى إقليمية متنافسة تسعى لاستخدام شواطئه كقاعدة لنفوذها.
المكاسب قصيرة الأمد والمخاطر طويلة الأمد: من المحتمل أن ترى الحكومة السودانية في هذه التسهيلات فرصة للحصول على دعم مالي أو تقني من الدول التي ترغب في الاستثمار العسكري أو اللوجستي في المنطقة. ولكن على المدى الطويل، قد يؤدي ذلك إلى تبعية سياسية واقتصادية ويضع السودان في موضع متذبذب يخضع لتحولات مصالح القوى الأجنبية.
الرسالة السياسية والمقايضة تصريحات الوزير قد تكون بمثابة رسالة موجهة للمجتمع الدولي والإقليمي بأن السودان مستعد لتقديم تنازلات مقابل الحصول على دعم في مواجهة أزماته الداخلية، سواء كانت اقتصادية أو أمنية. وقد تكون هذه خطوة تكتيكية لإثارة اهتمام دول معينة بمساعدة السودان، إلا أنها تحمل أيضًا مخاطر من أن تؤدي إلى ربط أمن البلاد بمصالح وأجندات خارجية.
تداعيات التصريحات على الأمن القومي السوداني
إعلان السودان عن إمكانية منح تسهيلات قد يُنظر إليه باعتباره خطوة تمهد لإقامة قواعد عسكرية أو مراكز لوجستية، وهو أمر قد يُؤثر سلبًا على الأمن القومي. إذ من شأن وجود قوى أجنبية بالقرب من السواحل السودانية أن يُضعف من قدرة السودان على اتخاذ قرارات مستقلة، وقد يُعرضه أيضًا لمزيد من الضغوط للانحياز في صراعات إقليمية لا علاقة له بها، مثل الصراعات القائمة بين دول الخليج وتركيا أو حتى التوترات مع إيران.
أن تصريحات وزير الخارجية السوداني الأخيرة حول إمكانية منح تسهيلات على الشواطئ السودانية تمثل خطوة قد يكون لها آثار عميقة على السياسة الخارجية والأمن القومي السوداني. ستحتاج الحكومة السودانية إلى تقييم المخاطر بعناية، لضمان ألا تؤدي هذه الخطوة إلى إضعاف سيادتها أو التورط في صراعات إقليمية لا تتفق مع مصالح السودان
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحکومة السودانیة الدولة السودانیة أمن البحر الأحمر فی البحر الأحمر هذه التصریحات قوى إقلیمیة السودان فی
إقرأ أيضاً:
الإمارات.. رؤية شاملة لإنهاء الأزمة السودانية
أبوظبي (الاتحاد)
أوضح خبراء ومحللون أن دولة الإمارات تؤدي دوراً حيوياً ضمن الجهود الإقليمية والدولية لوقف الحرب الدائرة في السودان، مشيرين إلى أن التحركات الإماراتية تعكس رؤية شاملة لإنهاء الأزمة الإنسانية، وضمان وحدة السودان واستقراره، وذلك بالتنسيق الكامل مع منظمات المجتمع الدولي، وعلى رأسها الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة.
وشدد الخبراء والمحللون، في تصريحات لـ «الاتحاد»، على أهمية الدعم غير المحدود الذي تقدمه الإمارات للحلول السياسية التي تعكس إرادة الشعب السوداني، مستنكرين الادعاءات الباطلة والحملات الإعلامية التي تقودها القوات المسلحة السودانية لتشويه الدور الإنساني والدبلوماسي للدولة.
وأشاروا إلى أن الواقع يكشف عن تعنت واضح من جانب حكومة «بورتسودان» التابعة للقوات المسلحة السودانية، ورفضها لكل مبادرات السلام المطروحة، بما فيها مبادرات ترعاها أطراف دولية موثوقة.
جهود إماراتية
وفي الوقت الذي تتواصل فيه جهود الوساطة الدولية لإحياء مسارات السلام في السودان، والتي تعثرت في أكثر من مناسبة نتيجة غياب الإرادة السياسية من بعض الأطراف، تبرز الإمارات كواحدة من الدول المحورية التي جمعت بين الدعم الإنساني الفعال، والتحرك الدبلوماسي المستمر، والدعوة الدائمة للحوار.
وكانت الإمارات من أوائل الدول التي دعت إلى وقف فوري لإطلاق النار منذ اندلاع المواجهات، في أبريل 2023، وقدمت مساعدات غذائية وطبية عاجلة إلى عدة مناطق متضررة.
ويرى مراقبون، أن الفرصة لا تزال قائمة للوصول إلى تسوية سياسية، شرط أن تتخلى الأطراف المتصارعة عن منطق الحسم العسكري، وأن تنفتح على مقترحات الحل السياسي التي تدعمها القوى الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الإمارات التي لم تتوان عن تقديم كل دعم ممكن للسودانيين، بعيداً عن الأضواء أو المصالح الآنية.
تزييف الحقائق
واعتبر المحلل السياسي الكويتي، خالد العجمي، أن الادعاءات الباطلة التي تروجها القوات المسلحة السودانية ضد الإمارات تمثل محاولة لتزييف الحقائق والهروب من المسؤولية، مؤكداً أن الدولة لم تكن في يوم طرفاً في الأزمة السودانية، بل سعت، ولا تزال، إلى دفع أطراف النزاع نحو حل سياسي شامل يوقف الحرب، وينهي معاناة المدنيين.
وأوضح العجمي، في تصريح لـ«الاتحاد»، أنه بمتابعة جهود الإمارات، نجد أنها ركزت على ثلاثة مسارات متوازية، الأول إنساني، يتمثل في دعم مراكز الإيواء والمساعدات الغذائية والطبية للسودانيين، سواء داخل السودان أو في دول الجوار، والثاني دبلوماسي، من خلال التنسيق مع أطراف دولية، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، والثالث استراتيجي، يقوم على الحفاظ على وحدة السودان، ومنع تفككه أو تحوله إلى بؤرة صراع مزمن.
وأشار إلى أن محاولة تصوير الإمارات كطرف منحاز في الأزمة تهدف إلى تخريب فرص السلام، مؤكداً أن المجتمع الدولي يدرك جيداً طبيعة الأجندات التي تتحرك خلف هذه الاتهامات، ويعرف من يعرقل مسارات الحوار، ومن يقدم مبادرات واقعية لحل الأزمة.
التزام أخلاقي
من جانبه، قال الدكتور عماد الدين حسين بحر الدين، الباحث في الدراسات الاستراتيجية، إن موقف الإمارات ينطلق من التزام أخلاقي وإنساني، وهو امتداد لنهجها المعروف في دعم استقرار الدول العربية.
وأوضح حسين لـ «الاتحاد»، أن الإمارات لم تتدخل في الشأن السوداني لصالح طرف ضد آخر، بل تحركت ضمن مظلة دولية، وبشراكة مع قوى إقليمية ودولية لإيجاد مخرج سياسي يضع حداً للحرب التي قضت على أرواح آلاف السودانيين، وشردت الملايين، ودمرت البنية التحتية، ومزقت النسيج الاجتماعي.
وأشار إلى أن الحل في السودان لن يأتي من خلال التصعيد، بل من خلال العودة إلى طاولة المفاوضات، مؤكداً أن وحدة السودان أكبر من أي حسابات فئوية أو شخصية، موضحاً أن من يرفض الحلول السياسية، ويتهرب من التفاوض، لا يريد للسلام أن يتحقق، لأنه يعتبر استمرار الحرب ضماناً للنفوذ.
ودعا حسين إلى التركيز على هدف واحد فقط، وهو إنقاذ السودان من الانهيار الشامل، عبر دعم كل مبادرة صادقة تسعى للسلام، والتعامل بمسؤولية مع الواقع المعقد الذي تعيشه البلاد.