الصراع في البحر الأحمر يُعتبر أحد أهم الملفات الإقليمية الحساسة، إذ يضم هذا الممر المائي الاستراتيجي مجموعة من المصالح المتشابكة والتنافسات بين القوى الإقليمية والدولية، حيث يشهد البحر الأحمر تزايدًا في الأنشطة العسكرية، والتجارة الدولية، وحركة السفن، فضلًا عن كونه يربط بين البحر المتوسط والمحيط الهندي، مما يجعله منطقة عبور استراتيجية للتجارة العالمية.

وقد ظهر في السنوات الأخيرة اهتمام ملحوظ بملف أمن البحر الأحمر من عدة دول، أبرزها السعودية والإمارات ومصر وتركيا وإيران، إلى جانب القوى الغربية كأمريكا وفرنسا.
السودان يمتلك موقعًا جغرافيًا مميزًا على البحر الأحمر يمتد بطول نحو 700 كيلومتر، حيث يعد من الأطراف المؤثرة مباشرة في أمن الممرات البحرية بالمنطقة. هذا الموقع يُشكل عامل جذب لدول عدة تطمح لتعزيز نفوذها البحري وتأمين مصالحها في هذا الممر، خاصةً بالنظر إلى سواحل السودان الطويلة، وموانئه التي تُعتبر بوابات حيوية يمكن أن تستخدم كقواعد لوجستية أو عسكرية.
ضعف الدولة السودانية والصراعات الداخلية المتفاقمة منذ سنوات جعلت من السودان فاعلًا هشًّا، مما يُعرضه لضغوط متعددة من قوى إقليمية ودولية ترغب في توسيع نفوذها على سواحله أو الاستفادة من موارده البحرية. ومع استمرار الأزمة الداخلية السودانية، يجد السودان نفسه أقل قدرة على حماية مصالحه في البحر الأحمر، وأضعف في مقاومة الضغوطات الخارجية، مما يزيد احتمالية استغلال قوى أخرى لهذا الوضع.
خطورة ضعف السودان في ملف البحر الأحمر
ضعف الدولة السودانية في إدارة ملف البحر الأحمر يُهدد بانجرافها إلى محاور أو تحالفات إقليمية، ربما لا تتفق مع مصالح الشعب السوداني أو استقراره على المدى الطويل. في ظل تدهور مؤسسات الدولة، هناك احتمالية كبيرة لأن تكون السياسات الخارجية للسودان في هذا الملف مبنية على ضغوط خارجية أو مصالح آنية لبعض الأطراف السياسية الداخلية.
خطورة ضعف السودان في هذا الملف بالنقاط التالية
خطر الاستحواذ العسكري واللوجستي - الدول الكبرى أو القوى الإقليمية قد تستغل ضعف السودان لإنشاء قواعد عسكرية دائمة على سواحله، مما قد يجعله منطقة تابعة لنفوذ دول معينة.
التحكم في الموارد البحرية- قد تفقد الدولة السودانية سيادتها على موارد البحر الأحمر من الثروات البحرية وموارد النفط والغاز، مما يضعف اقتصادها أكثر.
التورط في الصراعات الإقليمية - قد يجد السودان نفسه ضمن صراعات ليست في مصلحته بسبب اصطفافه مع قوى إقليمية، خاصةً في ظل التنافس السعودي-الإيراني والتركي-المصري في المنطقة.
تصريحات وزير الخارجية السوداني واتجاهات الحكومة
تصريحات وزير الخارجية السوداني تشير إلى توجه واضح نحو تسويق ملف أمن البحر الأحمر كقضية مركزية أمام المجتمع الدولي والإقليمي. تأتي هذه التصريحات غالبًا لتأكيد أن السودان مهتم بحماية أمن المنطقة والتعاون مع الدول المحيطة لضمان استقرار الممرات البحرية. لكن مع ضعف المؤسسات في السودان، هناك تساؤلات حول مدى استقلالية هذه التصريحات وما إذا كانت تعبر عن سياسة وطنية واضحة أو أنها استجابة لضغوط من قوى إقليمية تسعى لاستخدام السودان كأداة لتأمين مصالحها الخاصة.
هل بدأت حكومة السودان بتسويق أمن البحر الأحمر؟
من الواضح أن الحكومة السودانية تحاول تقديم نفسها كطرف يُمكنه تحقيق الاستقرار في البحر الأحمر، وربما تسعى للاستفادة من هذا الملف للحصول على دعم مالي أو سياسي من دول كالسعودية والإمارات، التي تضع ملف أمن البحر الأحمر ضمن أولوياتها الاستراتيجية. وقد يكون من مصلحة الحكومة السودانية، في ظل أزماتها الاقتصادية، أن تدخل في تحالفات تضمن لها دعماً مالياً ومشاريع تنموية.
لكن تكمن الخطورة في أن هذا التسويق قد يؤدي إلى التفريط في سيادة السودان على موارده وسواحله إذا لم تكن الدولة السودانية قادرة على اتخاذ قراراتها باستقلالية كاملة.
تحليل وتوقعات مستقبلية
تعزيز النفوذ الإقليمي من المتوقع أن تستمر دول المنطقة في سعيها لاستمالة السودان إلى صفوفها عبر تقديم وعود بمساعدات أو استثمارات. السودان، بضعفه الحالي، قد يجد صعوبة في مواجهة هذه الضغوطات بشكل مستقل.
تسارع النشاط العسكري الأجنبي من الممكن أن يشهد البحر الأحمر تزايدًا في إنشاء القواعد العسكرية أو التسهيلات اللوجستية الأجنبية على السواحل السودانية، إذا لم يتمكن السودان من بسط سيطرته على هذه المناطق.
تحول السودان إلى منطقة صراع بالوكالة إذا استمر السودان في إظهار الضعف وعدم القدرة على ضبط الملف، فقد ينزلق إلى صراع بالوكالة بين قوى إقليمية مثل السعودية وإيران، أو مصر وتركيا، حيث تسعى كل دولة لتحقيق نفوذها وتأمين مصالحها الاستراتيجية على حساب السودان.
الحاجة إلى تعزيز المؤسسات على المدى الطويل، لن يتمكن السودان من حماية مصالحه في البحر الأحمر دون تعزيز قدرات الدولة وبناء مؤسسات دفاعية وأمنية قوية تحافظ على سيادة السودان.
التعاون الإقليمي المشترك هناك فرصة سانحة للسودان إذا اعتمد سياسة تعاون مشتركة غير منحازة مع دول البحر الأحمر بشكل يضمن الاستفادة من المصالح المشتركة، بعيدًا عن الانجراف في صراعات إقليمية قد تؤدي إلى عواقب وخيمة.
في ظل هذه التحديات والتوجهات، يظل مستقبل أمن السودان في البحر الأحمر مرهونًا بقدرته على إدارة ملفه باستقلالية وحذر، والابتعاد عن ضغوط القوى الإقليمية المتنافسة لضمان مصالحه الوطنية وعدم التفريط في سيادته.
تعتبر تصريحات وزير الخارجية السوداني الأخيرة بشأن إمكانية منح تسهيلات على الشواطئ السودانية لمن يرغب في ذلك خطوة لافتة ومثيرة للجدل، حيث تحمل في طياتها أبعادًا استراتيجية وأمنية هامة. هذه التصريحات تشير إلى أن الحكومة السودانية قد تكون مستعدة للانفتاح على منح حقوق استخدام أو إقامة قواعد لوجستية وعسكرية على السواحل السودانية لدول إقليمية ودولية.
تحليل تصريحات الوزير وتداعياتها
التنازل عن السيادة إمكانية منح تسهيلات على الشواطئ قد تعني، بشكل أو بآخر، تنازلًا عن قدر من السيادة السودانية على هذه السواحل. يمكن أن تتحول هذه الشواطئ إلى مراكز نفوذ أجنبي، وقد يضعف ذلك من قدرة السودان على اتخاذ قرارات مستقلة في إدارة أمنه البحري.
التنافس الإقليمي والدولي قد تؤدي هذه التصريحات إلى تنافس بين دول عديدة، مثل السعودية، الإمارات، تركيا، وروسيا، التي لديها اهتمام بالبحر الأحمر وتسعى لتأمين مصالحها البحرية في المنطقة. وبالتالي، قد يجد السودان نفسه في موقف معقد بين قوى إقليمية متنافسة تسعى لاستخدام شواطئه كقاعدة لنفوذها.
المكاسب قصيرة الأمد والمخاطر طويلة الأمد: من المحتمل أن ترى الحكومة السودانية في هذه التسهيلات فرصة للحصول على دعم مالي أو تقني من الدول التي ترغب في الاستثمار العسكري أو اللوجستي في المنطقة. ولكن على المدى الطويل، قد يؤدي ذلك إلى تبعية سياسية واقتصادية ويضع السودان في موضع متذبذب يخضع لتحولات مصالح القوى الأجنبية.
الرسالة السياسية والمقايضة تصريحات الوزير قد تكون بمثابة رسالة موجهة للمجتمع الدولي والإقليمي بأن السودان مستعد لتقديم تنازلات مقابل الحصول على دعم في مواجهة أزماته الداخلية، سواء كانت اقتصادية أو أمنية. وقد تكون هذه خطوة تكتيكية لإثارة اهتمام دول معينة بمساعدة السودان، إلا أنها تحمل أيضًا مخاطر من أن تؤدي إلى ربط أمن البلاد بمصالح وأجندات خارجية.
تداعيات التصريحات على الأمن القومي السوداني
إعلان السودان عن إمكانية منح تسهيلات قد يُنظر إليه باعتباره خطوة تمهد لإقامة قواعد عسكرية أو مراكز لوجستية، وهو أمر قد يُؤثر سلبًا على الأمن القومي. إذ من شأن وجود قوى أجنبية بالقرب من السواحل السودانية أن يُضعف من قدرة السودان على اتخاذ قرارات مستقلة، وقد يُعرضه أيضًا لمزيد من الضغوط للانحياز في صراعات إقليمية لا علاقة له بها، مثل الصراعات القائمة بين دول الخليج وتركيا أو حتى التوترات مع إيران.
أن تصريحات وزير الخارجية السوداني الأخيرة حول إمكانية منح تسهيلات على الشواطئ السودانية تمثل خطوة قد يكون لها آثار عميقة على السياسة الخارجية والأمن القومي السوداني. ستحتاج الحكومة السودانية إلى تقييم المخاطر بعناية، لضمان ألا تؤدي هذه الخطوة إلى إضعاف سيادتها أو التورط في صراعات إقليمية لا تتفق مع مصالح السودان

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحکومة السودانیة الدولة السودانیة أمن البحر الأحمر فی البحر الأحمر هذه التصریحات قوى إقلیمیة السودان فی

إقرأ أيضاً:

حول مقال الدرديري وزير الخارجية الأسبق: عودة ترمب ماذا تعني للسودان؟

كتب الدرديري محمد أحمد، وزير الخارجية الأسبق، مقالاً بعنوان (عودة ترمب: ماذا تعني للسودان؟)، خَلُص فيه إلى أن إدارة ترامب الجديدة هي أهون الشرور الأمريكية، بل جاز للمتحمس منهم ان يقول عنها إنها أفضل هدية تتلقاها القيادة السودانية والجيش السوداني، وتمثل أفضل ترحيب بوزير الخارجية السوداني الجديد، علي يوسف، في بداية عهده. فالتغييرات التي ستحدثها هذه الإدارة في الساحة الدولية تتيح فرصة نادرة للسودان لإيجاد علاقات خارجية تعين على كسب الحرب بسرعة، ولتكوين شراكات لإعادة الاعمار فور سكوت البنادق. وهي ولا شك أقوى صفعة تتلقاها “تقدم” ويتلقاها معها الدعم السريع.
هذا المقال يلقي الضؤ على جوانب أغفلها الدرديري في مقاله، وربما أصيب الوزير السابق بما يعرف بالإنحياز التأكيدي وهو الميل للبحث عن، وتفسير، وتذكُّر المعلومات بطريقة تتوافق مع معتقدات وافتراضات الفرد، بينما لا يولي انتباهًا مماثلًا للمعلومات المناقضة لها فأسرف في تفاؤله.

(١) عالم متعدد الأقطاب تحت إدارة ترمب

تشتري حكومة بورتسودان السلاح الروسي والإيراني منذ عام تقريباً، و لكن هل حصلت على أسلحة نوعية أتاحت لها النصر السريع. في الغالب أن روسيا لن تسمح بأسلحة نوعية إلا مقابل قاعدة بحرية روسية، وفي ظروف حربها الحالية وهي تقوم باستيراد الأسلحة من كوريا الشمالية وإيران يزيد من صعوبة الأمر. ولكن هل سيسمح ترمب أو غيره في البيت الأبيض بقاعدة روسية في البحر الأحمر!!. سياسة ترمب الخارجية السابقة في الواقع لم تساهم في تسريع عالم متعدد الأقطاب، كما يقول الدرديري، بل يمكن القول إنها عززت الانعزالية الأمريكية وقلصت التزامات الولايات المتحدة الدولية، مما قد يعطي الفرصة لقوى أخرى مثل الصين وروسيا لتعزيز نفوذها في مناطق محددة ليس من بينها السودان، فإدارة ترمب السابقة نفسها هي من عرقلت قيام القاعدة البحرية الروسية أواخر سنوات البشير، وحتى الآن لم يرد في الأخبار أن الصين تدعم بورتسودان عسكرياً، بل هي تتعامل كتاجر وتبيع السلاح لمن يريد. إنعزال إدارة ترمب لا يعني بالضرورة التحوّل إلى عالم متعدد الأقطاب بمعناه التقليدي مباشرة وربما يحتاج الأمر لسنوات طويلة. اتفق مع الدرديري أن سياسات ترمب تميل إلى الانعزال وعدم الاهتمام بتوسيع النفوذ الأمريكي في أفريقيا، ولا يُتوقع أن يغير نهجه هذا، وهكذا سيستمر السودان في كونه على هامش الأولويات الأمريكية، ما قد يمنح دولاً أخرى، كالإمارات وإسرائيل، لا تكترث لإنتهاكات الدعم السريع، فرصة أكبر لتعزيز نفوذها في المنطقة.

(٢) الانسحاب الأمريكي من أفريقيا

افتراض الدرديري بأن إدارة ترمب قد تسعى لمصالح اقتصادية في أفريقيا لمواجهة الصين صحيح جزئياً، ولكن حتى لو تحركت إدارة ترامب في هذا الاتجاه، فمن المستبعد أن تؤدي هذه الخطوات إلى تدخل فعلي أو اهتمام مستمر بالسودان، أو تعاون مع حكومة بورتسودان في وجود الكيزان (كما ذكر الدرديري)، فليس لأمريكا مصالح إقتصادية واضحة في السودان. في الواقع، تجاهل ملف السودان قد يكون أكبر خدمة تُقدَّم للإمارات، التي ستحظى حينها بحرية أكبر لتواصل وتزيد من دعمها للدعم السريع دون معارضة حقيقية من واشنطن، وربما نفقد حتى الإدانات التي تحصل حالياً في إدارة بايدن، مما يباعد من الحصول على إدانة في المنظمات الدولية كما تسعى بورتسودان.

(٣) الإمارات وعودة ترمب

يرى الدرديري أن ترحيب الإمارات بعودة ترمب يرتبط بالأساس بمصالح استراتيجية بعيدة عن موقفها تجاه السودان وهو محق. لكن هذه القراءة تتجاهل حقيقة أن الإمارات تدعم فعلياً مشروعاً استبدادياً سلطوياً في السودان عبر دعمها للدعم السريع أو التقسيم كما فعلت في ظروف مماثلة في ليبيا واليمن وانتهت تدخلاتها وتدخل دول أخرى إلى ليبيا واليمن مقسمين فعلياً مع شكل مشوه للدولة بتعدد جيوش ومليشيات وسلطات متعددة، هذه التدخلات في هذه الدول بدأت في عهد أوباما وزادت وتيرتها في فترة ترمب الأولى فأنتهت بليبيا لشكل الدولة المشوه الحالي. على الدرديري، كوزير خارجية سابق، أن يُدرك أن مشروع الإمارات في السودان ليس مشروعاً مدنياً ديمقراطياً، بل في أفضل الأحوال قد يحمل واجهة مدنية تخفي سلطوية شديدة، كما يحدث في تونس الآن أو حتى طابعاً ميليشياوياً كخليفة حفتر في ليبيا والمجلس الإنتقالي الجنوبي في اليمن، وهذه التدخلات الإماراتية ومعها دول أخرى حولت دول إلى مناطق سيطرة مقسمة بين مليشيات وأمراء حرب كل له ظهير خارجي، ويبدو أن أمريكا لا تعارض هذا السيناريو، الواقع أن إدارة ترمب عززت منه وسرعت وتيرة تنفيذه عبر إطلاقها العنان لشركائها ووكلائها الإقليميين وإنعزالها، كما حدث في ليبيا واليمن. على الدرديري ألا يقصر نظرته في إنتصار متوهم أو صفعة على غرمائه السياسيين في تقدم، الحقيقة أن المهزوم هو السودان ووحدته على المحك.

(٤) عزوف إدارة ترمب عن دعم الديمقراطية

يدعي الدرديري أن إدارة ترامب لن تدعم حركة مدنية ديمقراطية ويخص بالذكر حركة تقدم وهو استنتاج صحيح، لكنه يغفل حقيقة أن الإمارات تستثمر في مشروع دعم سريع يتميز بنزعة سلطوية استحواذية، فبالتالي إن تجاهل واشنطن للملف السوداني المتوقع من إدارة ترامب، سيفتح المجال أكثر للإمارات لدعم الدعم السريع والتغاضي عن انتهاكاته لحقوق الإنسان، كما تتجاهل الإدارات الجمهورية الأمريكية انتهاكات حلفائها كما ذكر الدرديري في مقاله. هل يرى الدرديري في رؤيته أن دعم إدارة أمريكية (يقصد حال فوز هاريس) لتقدم هو الأخطر، وليس تجاهل إدارة ترمب المتوقع لدعم الامارات للدعم السريع!!.

(٥) الاتفاقات الإبراهيمية وتأثيرات طوفان الأقصى

يفترض الدرديري أن تأثيرات طوفان الأقصى قد تُضعف الاتفاقات الإبراهيمية. ولكن الواقع هو أن الأنظمة العربية التي وقّعت على هذه الاتفاقات لا تعتمد على الرأي العام المحلي بقدر ما تعتمد على دعم الولايات المتحدة وإسرائيل. لذا من غير المتوقع أن يغير الغضب الشعبي مسار التعاون الاستراتيجي بين هذه الأنظمة وواشنطن أو إسرائيل، لأن هذا التعاون يشكّل ركيزة مهمة لبقاء هذه الأنظمة في السلطة، وهو ما يفسره مقابلة البرهان منفرداً لنتنياهو في يوغندا وزيارات الجيش والدعم السريع إلى إسرائيل وزيارات مسؤولين إسرائيليين لهما خلال الفترة الإنتقالية. كذلك يعبر الدرديري عن تفاؤل مفرط بقدرة الإرادة الدولية واتجاهها لحل القضية الفلسطينية عبر حل الدولتين، فالواقع يظهر أن المجتمع الدولي لم يتمكن حتى من إيقاف الإبادة الجماعية في غزة، فكيف له أن يُحقق حل الدولتين. أي حديث عن حل الدولتين يبقى بعيداً عن التطبيق الواقعي في ظل الفشل المتواصل في وقف الانتهاكات. الحقيقة هي أن إسرائيل إذا توقفت عن حربها في غزة ولبنان، فالسبب هو أنها وصلت لأهدافها فحماس وحزب الله قد تضررا بشدة، وإيران باتت تخشى على نفسها من شن إسرائيل وامريكا حرباً عليها بعد وصول ترمب للبيت الأبيض.

(٦) التراجع الإسرائيلي تجاه حماس وأثره على السودان

يشير الدرديري إلى تراجع إسرائيل عن القضاء على حماس ويفترض أن هذا التراجع سيفقد أجندة محاربة الإسلاميين جاذبيتها لإدارة ترمب. في الواقع، إسرائيل لم تتراجع عن القضاء على حماس بل ألحقت أضراراً جسيمة بالحركة وببيئة حماس في غزة، وكادت أن تدمر القطاع تماماً، فأين التراجع الذي يراه الدرديري، بل انتقلت إسرائيل الآن إلى تصفية إسلام سياسي آخر هو حزب الله في لبنان، بل أن تصريحات المرشد الإيراني الأخيرة ورئيس الحكومة بأنهم يجب أن يتحلوا بالحكمة لكي لا يقعوا في فخ الرد على إسرائيل حتى لا يتم ضربهم تشير بوضوح إلى أن إيران تخلت عن أذرعها في سبيل سلامتها. كذلك من المرجح أن تدعم إدارة ترمب ضمنياً أي توجه لتصفية الإسلاميين في أي منطقة إذا ما قام به أي من حلفائها أو أدواته كالدعم السريع، وربما تسهل إدارة ترمب المهمة خصوصاً إذا كانت دون أي تكلفة مالية على الإدارة الأمريكية.

في الختام، في ضؤ ما تم ذكره لا يمكن القول بأن وصول ترمب للبيت الأبيض هو أهون الشرين، فالخطر محدق بالسودان بحيث تواصل الامارات دعمها للدعم السريع. كذلك هل يتوقع الدرديري بعد وصول ترمب أن يحصل السودان على دعم كبير من روسيا أو إيران يمكن من القضاء التام على الدعم السريع وإعادة الإعمار، وإذا حدث هذا فما هو المقابل الذي ستقدمه بورتسودان؟، وزير الخارجية الجديد صرح في لقاء بأنهم سيسمحون لكل دولة تريد قاعدة بحرية على شاطئ السودان وضرب مثلاً بجيبوتي، فهل ستسمح إدارة ترمب بأن يصبح السودان بؤرة نفوذ جديدة لروسيا أو الصين ومدخل إلى أفريقيا التي يرى الدرديري أن إدارة ترمب ربما تتشارك معها؟، وهل الدرديري ورهطه لا يرون في وجود قواعد عسكرية أجنبية في السودان تهديداً للأمن القومي وسيادة البلاد!!.
السودان اليوم يواجه أزمة وجود تتطلب قراءة شاملة وواقعية بعيداً عن المصالح الحزبية والتحيزات الذاتية، فسواءاً جلس في البيت الأبيض ترمب أو هاريس فتظل المشكلة سودانية والمعاناة يدفع ثمنها السودانيون وأبناءهم ومستقبلهم ووطنهم وسيادته ووحدته، فالأفضل ترك هذه الأوهام أن هاريس ستدعم تقدم وترمب وجوده في صالح الإسلاميين. الراجح أن سياسة ترمب الإنعزالية ستسمح لأطراف بالتدخل في السودان ولكن هذا التدخل سيكون على غرار النموذج الليبي، والخشية أن يصبح الدرديري مواطناً في دولة دارفور في السودان المقسم.

mkaawadalla@yahoo.com

محمد خالد  

مقالات مشابهة

  • حول مقال الدرديري وزير الخارجية الأسبق: عودة ترمب ماذا تعني للسودان؟
  • وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية السوداني
  • نائب وزير الإسكان يعقد اجتماعًا لمناقشة الاحتياجات المائية بمحافظة البحر الأحمر
  • نائب وزير الإسكان يعقد اجتماعا لبحث احتياجات محافظة البحر الأحمر من مياه الشرب
  • نائب وزير الإسكان يعقد اجتماعا لمناقشة الاحتياجات المائية للمدن الساحلية
  • نائب وزير الإسكان يعقد اجتماعاً لمناقشة الاحتياجات المائية بمحافظة البحر الأحمر
  • وزير الخارجية السوداني: بدلنا أحد أغنى دول العالم
  • وزير الخارجية السودانية: أي تأثير سلبي على مياه النيل يُؤدي إلى موت الشعب المصري
  • وزير الخارجية السوداني: مصر المُستهدف مما يجري في الخرطوم