حرب السودان ضد سيادته الوطنية
تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT
بالنظر إلى جرائم الإبادة الجماعية للمدنيين العزل التي لاتزال قوات الدعم السريع ترتكبها في قرى الجزيرة، وقبل ذلك جرائم الإبادة التي ارتكبتها في مدينة الجنينة وفي العديد من المناطق الأخرى في دارفور وكردفان وغيرهما.
وبالنظر إلى التدمير الممنهج للبنى التحتية والمراكز الصناعية والمساحات الزراعية الذي مارسته هذه القوات في عاصمة البلاد وفي منطقة الجزيرة.
ومن ضمن ردود الفعل الموضوعية والمفيدة، والتي تناولت صلب الموضوع، المساهمة التي وصلتنا من الصديق الأستاذ حيدر عبد الرحمن وجاء فيها: «اطلعت على مقالك الأخير، وأعتقد أنه يؤسس لفهم جديد لطبيعة الصراع الدامي الدائر حاليا في بلادنا. إن التعريف السائد للحرب الدائرة في البلاد، هو أنها صراع داخلي حول السلطة ومحاولة من النظام القديم والفلول أو مراكز القوى المتعددة لاستعادة السيطرة على السلطة. لكن المقال يفتح الباب لإعادة النظر في هذا التعريف من خلال فحص وتشريح طبيعة الصراع والأسس التي أدت لتفاقم الحرب وتطاولها وانتشارها، خاصة في مناطق الزراعة والموارد والإنتاج، وهذا هو جوهر ما تشير إليه الفكرة الرئيسية في المقال.
أعتقد من الضروري أن تأخذ المكونات السياسية والمدنية في الاعتبار الصراع الدولي حول الأراضي الزراعية وحول الموانئ والسيطرة علي الممرات المائية، وكل هذا ليس ببعيد عن الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على الغذاء في العالم. التفكير الضيق الذي يحصر الصراع في كونه صراعا داخليا حول السلطة بين المكونات المحلية دون الأخذ في الاعتبار البعد الخارجي، لن يقود إلى وحدة داخلية بين هذه المكونات. وأعتقد أن المكونات السياسية مازالت رهينة لصراعها التاريخي المرتبط بالمصالح الداخلية، بينما يغيب عنها بعد النظر والتفكير الاستراتيجي، والذي لابد منه لاستبصار ودراسة تعقيدات الصراع الدولي وتطوراته وانتقاله بشكل عميق إلى افريقيا بعد أن فقدت أوروبا بريقها واضمحلت الثروات التي كدستها إبان الاستعمار، إضافة إلى ظهور مراكز جديدة للهيمنة، مثل الصين وغيرها، تسعى للاستفادة من الدول الغنية بالثروات. عموما، أعتقد من المهم جدا أن نعيد تعريف الحرب بأنها حرب ضد السيادة السودانية، وتسعى داوئر متعددة لاستغلال هشاشة الدولة وتفككها لضرب وحدة السودان وتفتيتها.
ولمواجهة كل ذلك، نحتاج إلى سياسيين يشتغلون بالفكر والتفكير السياسي، وينظرون إلى أعمق مما يبدو على السطح، وليس سياسيين تقليديين ديدنهم التفكير التكتيكي التقليدي. لا بديل غير توحيد كافة القوى السياسية والمدنية حول هذا التوجه وهذه النظرة العميقة لمواجهة التدخلات الخارجية وسعيها المحموم للاستفادة من الحرب في تنفيذ مخططاتها السياسية والاستراتيجية، وفي نهب موارد البلاد».
وفي ختام رسالته يقترح الأستاذ حيدر أن تبادر أي من الجهات السودانية، كمراكز الدراسات والأبحاث، بتنظيم منتدى أو حلقة نقاش فكري تضم مساهمين من مختلف الاتجاهات السياسية والمدارس الفكرية لإدارة حوار حول هذه التحديات، بعيدا عن نقاشات الصراع السياسي المباشر والتقليدي، ورفضا لممارسات التخوين والاتهامات المتبادلة التي لا تستند على أي أسس أو وقائع. وحتى لا يتحول المنتدى إلى ترف فكري أو حوار طرشان، يرى الأستاذ حيدر أن يستصحب الحوار حلولا وأطروحات ملموسة بغرض الوصول إلى تعريف جديد للحرب وفي الوقت نفسه تحديد أولويات السودان وحماية سيادته ووحدته. كما يرى الأستاذ حيدر إمكانية الاستفادة من المنتدى المقترح في وضع خطوط عريضة لإعلان مبادئ لوقف الحرب، وأن يكون المنتدى طريقا ثالثا بعيدا عن الثنائية والاستقطاب الحالي، وكذلك أن يكون حلا سودانيا خالصا دون تأثيرات خارجية. وكل ذلك، يمكن أن يمهد لرؤية واقع البلاد لما بعد الحرب لجهة أن تعريف الأولويات ستقودنا في المستقبل للخروج من الفشل المزمن الذي لازم دولة ما بعد الاستعمار السودانية. ويختم الأستاذ حيدر رسالته قائلا: «قد تبدو هذا الأفكار ضربا من الخيال في ظل هذا الجنون والعبث ولكن اعتقد أنها ممكنة التجسيد».
أعتقد أن رسالة الأستاذ حيدر عبد الرحمن تستحق الاهتمام وتنفيذ ما بها من مقترحات، وهو ما سنسعى له.
لكن، لا يمكننا اختتام هذا المقال دون الإشارة إلى الجريمة الوحشية تجاه المدنيين في شرق الجزيرة بوسط السودان. وهي جريمة تستدعي التحرك العاجل بعيداً عن أي أجندات سياسية، لتشكيل أوسع جبهة مدنية من الجهات المحلية والإقليمية والعالمية المعنية بكرامة وحقوق الإنسان، لإنقاذ مواطني ولاية الجزيرة، وفك الحصار المضروب عليهم بكل الوسائل، بما في ذلك الضغط بكل الطرق على قوات الدعم السريع لوقف ما تمارسه من جرائم وانتهاكات، وتشكيل لجنة تحقيق دولية للتحقيق في هذه الجرائم وتوثيقها، وتحديد المتورطين المباشرين وغير المباشرين في هذه الجرائم وإدراجهم في قوائم المطالبين للمحاسبة والعدالة الدولية.
نقلا عن القدس العربي
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
حكومة “حميدتي” وإجهاض الدولة الوطنية
من أحاجي الحرب( ١٣٤٤٦ ):
○ كتبت: د. Ameena Alarimi
حكومة “حميدتي” وإجهاض الدولة الوطنية
1️⃣وصول قائد مليشيا الدعم السريع اليوم إلى نيروبي لتوقيع ميثاق الحكومة الموازية إن صح فهذا يعني أن تصريح #كينيا الذي أدلت به في يناير الماضي بعدم إعترافها بحكومة موازية في السودان لم يكن حقيقياً، وهذا يعني أن نيروبي ماضية في فتح جبهة توتر جديدة في الشرق الإفريقي يبدو أنها لم تدرك نتائجها بعد، ولا أعتقد أن #نيروبي في ظل حالة الإنشقاق الداخلي بين أذرعها الأمنية بحاجة إلى فتح جبهة حرب في هذا التوقيت الدقيق من عمر الدولة السودانية، فإدارة الرئيس “وليم روتو” إن لم تكن مُدركة لعواقب ما ستقدم عليه، فهناك مؤسسات كينية عريقة لها تاريخها الإستخباراتي والأمني في الشرق الإفريقي وقطعاً هي ترى ما لا تراه المؤسسة الرئاسية، وبالتالي هي مدركه للنتائج المترتبة بقبول مليشيا “متعددة الجنسيات الإنتماءات والمصادر” على مرمى حجر منها تماماً كإدراكها للتقاطعات التي حالت بينها وبين جوارها الإقليمي منذ سبعينات القرن الماضي حتى الأن.
2️⃣ ومثلما تدرك الإدارة الكينية بأنها تواجه أزمة داخلية حقيقية، تتمثل في بروز معارضة من نوع خاص، معارضة لها ثقلها السياسي والإجتماعي في الداخل والخارج الكيني بعد إنضمام النائب السابق للرئيس “Gachagua” مع “Kalonzo” وزير الخارجية السابق بالتعاون مع وزيرة العدل السابقة “Martha” في تحالف تتوسع دائرته كل يوم ضد “روتو” وقادر على تأليب الشارع الكيني ضد النظام الحالي، فهي تدرك أيضاً بأن الشخصيات الكينية الآنفة الذكر كانت لها طريقتها في التعاون والتنسيق مع الأجهزة الأمنية السودانية على مدى سنوات طوال ولن تحتاج الخرطوم لجهد كبير لإعادة ذلك متى ما أرادت، فنيروبي من أكثر العواصم الأفريقية بعد إنجامينا معرفة بمسالك ومداخل ومخارج التركيبة الأمنية السودانية في وقت السلم ناهيك عن وقت الحرب.
3️⃣ تدرك نيروبي قدرة #الخرطوم على الإستثمار في حالة التدهور الأمني الداخلي التي تسيطر على الداخل الكيني حتى في أصعب الظروف، ولا نريد الخوض في التاريخ كثيراً ويكفي أن نشير إلى شبكة العلاقات الواسعة التي تكشفت خيوطها في حقبة التسعينيات أبان هروب مرتكبي تفجير السفارات الأمريكية في نيروبي ودار السلام إلى الخرطوم وما أعقب ذلك من تجاذبات سياسية وأمنية وإستخباراتية وإجتماعية فرضتها الخرطوم وأدركتها نيروبي، وبالتالي لا جدوى من معاداة السودان في هذا الظرف الدقيق من عمر الدولة السودانية.
4️⃣ في حال إعلان حكومة موازية في السودان ومن قلب نيروبي فنحن سنكون على أبواب أزمة جديدة في الشرق الإفريقي بدايتها منطقة”Rift Valley” الكينية وهذه المره لن تتوقف حدودها حول الزعماء التقليديين لتلك المنطقة، ومن هناك سيعاد تشكيل هندسة الواقع السياسي الجديد لمنطقة الشرق الإفريقي والذي قطعاً لا يتوافق مع توجهات الأنظمة السياسية لدول الشرق الأفريقي ما لم تتبنى تلك الدول مجتمعة نهج واضح في القضاء على كل المسببات الساعية لإجهاض الدولة الوطنية، والعمل على قطع الطريق على كافة التنظيمات المتمردة الخارجة عن القانون والتي رفعت السلاح في وجه الدولة الوطنية وهددت سلامة مؤسساتها العسكرية والمدنية.
5️⃣ تدرك كافة القيادات السياسية الأفريقية حتى تلك المختلفة مع الدولة السودانية أن الحرب التي تخوضها مليشيا #الدعم_السريع ضد الدولة الوطنية السودانية هي حرب لإستئصال الدولة السودانية، ومواردها، ومؤسساتها الوطنية، وتجريف شعبها بكافة مكوناته، وبعيدة كل البعد عن تحقيق إرادة وطنية، وعدالة إجتماعية، وديموقراطية يتساوى أمامها الحاكم والمحكوم، وبالتالي مواجهتها والقضاء عليها “واجب مقدس” لا مناص عنه، والقبول بحكومة موازية في #السودان تقودها مليشيا متمردة ما هو إلا تحدي لبقاء الدولة الوطنية في القارة الأفريقية جمعاء
د.أمينة العريمي