لماذا تكثر الأحاديث عن قرب انهيار أمريكا مع كل انتخابات رئاسية.. ما واقعية ذلك؟
تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT
بين الفينة والأخرى تتردد في أوساط عربية (نخبوية وشعبية) أحاديث عن قرب انهيار الولايات المتحدة الأمريكية، وتزداد وتيرة تلك الأحاديث مع كل انتخابات رئاسية، حتى أن بعضهم ذهب إلى اعتبار الانتخابات الحالية بأنها آخر انتخابات رئاسية يمكن أن تحدث في أمريكا، إشارة إلى تفكك الولايات الأمريكية وبداية انهيارها.
ومن جملة تلك الأحاديث كثرة الأقاويل حول انهيار الولايات المتحدة الأمريكية من الداخل على خلفية نشوب حرب أهلية وفق أصحاب تلك التوقعات، ما يثير أسئلة حول واقعية تلك الأحاديث والتوقعات ومدى استنادها إلى معطيات واقعية، أم أنها في جملتها لا تعدو الأحاديث الرغائبية، والأمنيات؟
قصة انهيار الولايات المتحدة الأمريكية من الداخل، وكثرة الأحاديث والتوقعات عن نشوب حرب أهلية، تفتح الباب للتساؤل إن كانت أمريكا بالفعل مهددة بحدوث انهيار داخلي، يُنذر بانتهاء القرن الأمريكي وبداية تراجع الهيمنة الأمريكية في الخارج، وأن ثمة عوامل جوهرية تدعم ذلك التوقع أما أنها أبعد ما تكون عن ذلك في المدى المنظور والمتوسط؟
في هذا الإطار نشر الكاتب والإعلامي المصري، حسن قطامش تدوينة عبر صفحته على منصة (إكس) قال فيها "الانهيار الأمريكي.. هل تصدق التوقعات؟ منذ سنوات والحديث عن (الانقسام والتمزق والتراجع والانحدار والانهيار والسقوط) الأمريكي سمة ملفتة للغاية في تحليلات المجلات الغربية المهمة. وقد جمعتُ 60 عددا اتفقت على هذه الرؤية، فهل تُعجل عودة ترامب بتحقيق هذه التوقعات"؟
..
الانهيار الأمريكي .. هل تصدق التوقعات ؟!
..
منذ سنوات والحديث عن: ( الانقسام والتمزق والتراجع والانحدار والانهيار والسقوط ) الأمريكي سمة ملفتة للغاية في تحليلات المجلات الغربية المهمة.
وقد جمعتُ 60 عددا اتفقت على هذا الرؤية.
فهل تُعجل عودة #ترامب بتحقق هذه التوقعات ؟#Trump pic.twitter.com/IR6jeY4fzE
وأورد في عدة تدوينات أمثلة من عناوين تلك التحليلات، منها "تراجع الهيبة الأمريكية، بلد أكثر انقساما من أي وقت مضى، هل تنهار أمريكا بسبب الكراهية؟، الولايات المتحدة تفقد الحرية، أمريكا وانتحار الديمقراطية، هل ستمزق أمريكا نفسها؟ أمريكا.. الشقوق أكثر من أي وقت مضى، القوة العظمى التي تشك في نفسها..".
2. من أمثلة عناوين التحليلات:
❞ تراجع الهيبة الأمريكية، بلد أكثر انقساما من أي وقت مضى، هل تنهار #أمريكا بسبب الكراهية #الولايات_المتحدة تفقد الحرية، أمريكا وانتحار الديمقراطية، هل ستمزق أمريكا نفسها، أمريكا.. الشقوق أكثر من أي وقت مضى، القوة العظمى التي تشك في نفسها ❝.#ترامب
وتابع في تدوينة أخرى "الانحدار والسقوط.. هل يمكن للولايات المتحدة أن تقود من جديد؟ العدو الداخلي.. خطر جديد يهدد الديمقراطية الأمريكية.. مصادر القوة الأمريكية.. القوة العظمى المختلة.. أمريكا تائهة.. هل تستطيع أمريكا التعافي؟ ماذا حدث للقرن الأمريكي؟ أمريكا والبحث عن استراتيجية.. أمريكا في خطر.." مشيرا إلى أن معظم هذه التحليلات كانت بعد فترة حكم ترامب الأولى.
3. ❞ الانحدار والسقوط.. هل يمكن للولايات المتحدة أن تقود من جديد، العدو الداخلي.. خطر جديد يهدد الديمقراطية الأميركية، مصادر القوة الأمريكية.. القوة العظمى المختلة، أمريكا تائهة، هل تستطيع أمريكا التعافي، ماذا حدث للقرن الأمريكي، #أمريكا والبحث عن استراتيجية، أمريكا في خطر ❝.
— H.Qatamish حسن قطامش (@HasanQatamish) November 7, 2024وفي سياق رصده للصحافة الغربية، نشر قطامش ترجمة لمقال ديرشبيجل في عددها الأخير وعنوانه "أمريكا على حافة الهاوية"، علق عليه بالقول "صدر العدد الأخير من مجلة ديرشبيجل الألمانية بموضوع رئيسي متشائم حول مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية، ويعكس العنوان (أمريكا على حافية الهاوية) بوضوح أزمة وجودية تعيشها أمريكا، وأنها تقترب من نقطة تحول خطيرة للغاية" على حد قوله.
..
ديرشبيجل: أمريكا على حافة الهاوية!!
..
تزامنا مع #الانتحابات_الأميركية صدر العدد الأخير من مجلة ديرشبيجل الألمانية بموضوع رئيسي متشائم حول مستقبل #الولايات_المتحدة
ويعكس العنوان "أمريكا على حافة الهاوية" بوضوح أزمة وجودية تعيشها #أمريكا وأنها تقترب من نقطة تحول خطيرة للغاية. pic.twitter.com/0vV78cdSFh
وأضاف في تدوينة أخرى "يطرح المقال صورة متشائمة وواقعية في آنٍ واحد لحالة أمريكا الراهنة محاولا سبر غور الأسباب الكامنة وراء الانقسامات الاجتماعية والسياسية العميقة. كما يقدم المقال ترامب كشخصية تهدد المبادئ الديمقراطية حيث لا يخفي رغبته في اللجوء إلى أساليب "قمعية" و "سلطوية" للسيطرة على البلاد"...
وخلص الإعلامي المصري قطامش في ختام ترجمته للمقال إلى القول "إجمالا مقال ديرشبيجل الألمانية يجزم بأن الولايات المتحدة على مفترق طرق، حيث يجب عليها أن تحدد ما إذا كانت ستظل وفية لما أسماه قيمها الأساسية، أو أن تسمح لتجاذبات السلطة والمال بجرّها نحو مسار مظلم، قد لا يمكن العودة منه، من خلال السماح لــ تراب بـ “انقلاب ديمقراطي"؟!
8. إجمالًا، مقال ديرشبيجل الألمانية يجزم بأن #الولايات_المتحدة على مفترق طرق، حيث يجب عليها أن تحدد ما إذا كانت ستظل وفية لما أسماه قيمها الأساسية، أو أن تسمح لتجاذبات السلطة والمال بجرّها نحو مسار مظلم، قد لا يمكن العودة منه، من خلال السماح لـ #ترامب بـ ( انقلاب ديمقراطي) ؟!!
— H.Qatamish حسن قطامش (@HasanQatamish) November 4, 2024من جهته وصف أستاذ الشؤون العامة، ومدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم، الدكتور سامي العريان الأحاديث والتحليلات التي يتوقع أصحابها قرب انهيار أمريكا بأنها "في معظمها من باب الكلام الرغائبي والأمنيات، وهي لا تستند إلى حقائق ومعطيات واقعية".
وأضاف: "وجود عنف سياسي لا يعني قرب انهيار وانتهاء أمريكا، كما أنه لا يعني حرب أهلية في أمريكا، فهناك تحديات كانت دائما قائمة وموجودة في المجتمع الأمريكي، وعلى الرغم من وجود تلك التحديات لكن لا توجد قوى قادرة على أن تحل محل أمريكا، فالإنسان ـ كما الدول ـ لا يمكن أن يغيب عن الصورة، لكن يأتي من يدفعه عن مكانه ليحل محله، وهذا غير موجود حاليا، فلا يوجد من يطرح نفسه ليحل محل أمريكا، لا على المستوى الإقليمي ولا على المستوى العالمي، وحتى لو حاول فلن يستطيع لأن أمريكا ستقاتل بشراسة حتى آخر رمق".
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "وهذا كله ناتج عن الجهل بالنظام العالمي، والجهل كذلك بالوضع داخل أمريكا، ونفس الكلام يمكن أن يقال عن توقع حرب أهلية في أمريكا، فهذا كلام رغائبي، ولا تسنده معطيات الواقع" متسائلا "حرب أهلية مَنْ مع مَنْ"؟
د. سامي العريان، أكاديمي فلسطيني مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم
وتابع "هناك حكومة فيدرالية قوية جدا في الولايات المتحدة، فمن الطرف الآخر الذي سيقاتلها حتى تقع حرب أهلية؟ نعم هناك بعض الميليشيات، لكنها لن تصمد ليوم أو يومين على الأكثر، وسيتم إنهاء وجودها، فلا أدري عن أي حرب أهلية يتحدثون؟ ومن هي القوى والأطراف القادرة على محاربة ومواجهة الحكومة الفيدرالية"؟
وفي ذات السياق رأى الكاتب والمحلل السياسي المصري، رامي عزيز أن "غالبية من يتحدثون عن قرب انهيار الولايات المتحدة الأمريكية ليسوا على دراية بكيفية النظام الذي تدار به الولايات المتحدة، أو مكامن قوتها، من حيث القوة العسكرية والاقتصادية، أو من حيث طبيعة الحياة داخل الولايات المتحدة".
وأردف "فالولايات المتحدة رغم كل ما يشاع عن قرب سقوطها وانتهاء حقبتها، إلا أن الواقع يخبرنا بعكس ذلك، فالولايات المتحدة ما زالت القطب الأوحد القوي والمسيطر على مجريات الأحداث في الساحة العالمية، الذي لا يوجد له منافس، وأثبتت الأحداث في السنوات الأخيرة أن روسيا الغارقة في وحل أوكرانيا، والتي تلقفت تصريحات ترامب العائد إلى البيت الأبيض حول إنهاء الحرب في أوكرانيا، غير قادرة على مجابهة أمريكا، حتى وهي قوة نووية عظمى".
وتابع "وقس على ذلك الصين التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على القوى الشرائية للسوق الأمريكية، ناهيك عن الاتحاد الأوروبي التابع تبعية كاملة للولايات المتحدة، لذا فإنني أؤكد أن ما يقال عن غروب شمس أمريكا كقوة وحيدة ومسيطرة، لا يعدو كونه كلاما رغائبيا وأمنيات حالمة، مصدرها الرغبة في التخلص من السياسة الأمريكية المتعسفة، والغير عادلة تجاه بعض القضايا، وعلى رأسها دعمها للهيمنة الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط".
رامي عزيز كاتب ومحلل سياسي مصري
وردا على سؤال "عربي21": هل الولايات المتحدة الأمريكية مهددة بالفعل بالانهيار الداخلي أم أنها أبعد ما تكون عن ذلك في المدى المنظور والمتوسط؟ قال عزيز "الولايات المتحدة ليست بعيدة عن فكرة الانهيار الداخلي، وهذا هو السيناريو الأقرب لكيفية انتهاء الولايات المتحدة كقوة عظمى، حتى أن هناك من المفكرين وأساتذة العلوم السياسية الأمريكيين من تنبأ بحدوث ذلك، وحتى أن ترامب نفسه استخدم هذا السيناريو في كل المرات التي ترشح فيها، وقدم نفسه (كالمخلص) الذي سيعيد لأمريكا عظمتها، ويمنع انهيارها".
وخلص إلى القول "لا أرى على المدى المنظور والمتوسط ذلك الانهيار وشيك الوقوع، فالأمر يتطلب أجيالا عديدة، تتبلور لديها أفكار جديدة تقدم رؤية مختلفة للولايات المتحدة ونظامها الانتخابي والسياسي، ومن هنا سيبدأ حدوث التصدع الداخلي في الولايات المتحدة، وهنا ستعيد عجلة التاريخ نفسها، فبمثل هذه الطريقة انتهت أغلب الإمبراطوريات على مر التاريخ".
من جهته قال الأكاديمي اليمني، أستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور عبد الباقي شمسان "لا أعتقد أن التحليلات والقراءات التي تتحدث عن قرب انهيار الولايات المتحدة الأمريكية قائمة على معطيات ودراسات استشرافية موضوعية سياسية واقتصادية وجيواستراتيجية، وإنما هي – في أغلبها – قراءات عاطفية ورغائبية".
وأضاف "فكما نعلم أن انهيار أية امبراطورية له مقدمات كبرى، وهذا غير موجود في الحالة الأمريكية، نعم هناك انقسام في الشارع الأمريكي، وهناك اختلافات وتباينات في الرأي والمواقف، وهو ناتج عن عوامل سياسية واقتصادية، وهناك صراع حول قضايا متعلقة بالجوانب الأخلاقية والإنسانية والحريات، وكل ذلك يدور في إطار مؤسسات الدولة الراسخة، التي تدافع عن قيم ومبادئ الديمقراطية والحريات".
د. عبد الباقي شمسان، أكاديمي يمني وأستاذ علم الاجتماع السياسي
ووصف الأكاديمي اليمني، شمسان في تصريحاته لـ"عربي21" القراءات والتحليلات التي تبشر بقرب انهيار الولايات المتحدة بأنها "تعبر عن رغبات وأمنيات أولئك الذين تضرروا من الولايات المتحدة وسياساتها، وبالتالي فإن ذلك الوهم سيؤدي إلى إحباطات في المنطقة، وليس في أمريكا، لأن هذه الأمنيات التي لا تتحقق تحدث كثيرا من الاحتقان تجاه المجتمعات الغربية، وتؤدي إلى مزيد من الفجوة بين المجتمعات الغربية، وتحديدا المجتمعات الشرق أوسطية، والمسلمة".
وشدد في ختام حديثه على أهمية أن "تتعامل هذه الشعوب بمنطق عقلاني ورقمي، وتستند إلى قراءات استشرافية قائمة على دراسات استراتيجية لما يحدث في العالم، وما يحدث في الولايات المتحدة، هناك تحولات في توازن القوى الدولية، وحتى الآن لم تظهر الصين بشكل واضح وجلي، ولم تظهر أي قوى أخرى، فنحن ما زلنا بحاجة إلى وقت في هذا المجال، مع ضرورة الاستناد إلى استراتيجيات عقلانية لمواجهة تلك التحديات، وليس بالركون إلى أمنيات عاطفية ورغائبية".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير امريكا خبراء سياسات تقييمات تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة انهیار الولایات المتحدة الأمریکیة للولایات المتحدة من أی وقت مضى القوة العظمى أمریکا على فی أمریکا حرب أهلیة
إقرأ أيضاً:
من معادن أوكرانيا إلى ريفييرا غزة.. لماذا تدور السياسة الخارجية لترامب حول المال؟
شدد الصحفي أليكس هانافورد في مقال نشرته صحيفة "إندبندنت" على أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يحب أن يعرف في العالم بأنه رجل الصفقات الكبرى والأفكار الكبرى، مشيرا إلى صفقة المعادن مع أوكرانيا ودعواته لتهجير أهالي قطاع غزة من أجل تحويله إلى "ريفييرا".
وقال في المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن ترامب أعلن الأسبوع الماضي أنه يتفاوض على إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا – ولكن دون إشراك أوكرانيا في المداولات. ثم وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه "ديكتاتور" من أجل التأكيد.
هذا الأسبوع استضاف مؤتمرا صحافيا مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وبعد ساعات، انحازت الولايات المتحدة إلى روسيا والصين وكوريا الشمالية في الأمم المتحدة.
وبحسب المقال، فقد كان الأمر غير متوقع كما كان دائما، لكن هناك شيء واحد ظل ثابتا – وهو رغبة ترامب في وضع أيدي الولايات المتحدة على الموارد المعدنية الثمينة جدا في أوكرانيا كوسيلة لاستعادة "مئات المليارات من الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين" التي أنفقت لدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا، كما يزعم.
تريد أوكرانيا أن تأتي أي صفقة من هذا القبيل مع نوع من الضمانات الأمنية من أمريكا. حتى الآن، لم يتم الوعد بأي شيء من هذا.
وقال الكاتب إن وجهة النظر المتسامحة لهذا النهج هي أن ترامب كان يجبر الحلفاء الأوروبيين على إعادة النظر في مشاركتهم في الصراع والالتزام بسيادة أوكرانيا وتقرير مصيرها. أما التفسير الأقل تسامحا هو أنه كان يفتقر إلى المعلومات في أفضل الأحوال وأنه يتعرض للتلاعب بشكل خطير في أسوأ الأحوال، وخاصة من قبل فلاديمير بوتين. ورد الرئيس زيلينسكي، متهما ترامب بالاستسلام للتضليل. وقال: "هذه ليست محادثة جادة. لا أستطيع أن أبيع بلادنا".
بالتأكيد لم تكن هذه هي المرة الوحيدة في الأسابيع الأخيرة التي ألقى فيها ترامب باقتراح جامح في المزيج، مما تسبب في دهشة عالمية. مؤخرا فقط شارك رؤيته لتحويل غزة المدمرة إلى ريفييرا شرق أوسطية جميلة.
بينما تحدث عن حلمه بتحويل منطقة الحرب إلى عقارات رئيسية، حتى رئيسة موظفيه، سوزي وايلز، بدت مشوشة للحظة. ولكن بعد بضعة أيام، كان العديد من المحيطين بالرئيس يوافقون على الخطط. وبالنسبة لدائرته الداخلية، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يسمعون فيها هذه الكلمات، وفقا للمقال.
قبل عام، جلس صهر دونالد ترامب جاريد كوشنر على المنصة مرتديا قميصا وسترة بأزرار، لإجراء محادثة مع طارق مسعود، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد.
قال كوشنر لمسعود في مبادرة الشرق الأوسط بالكلية: "إن الممتلكات الواقعة على الواجهة البحرية في غزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة... إنه وضع مؤسف بعض الشيء هناك"، وأضاف: "لكنني أعتقد من وجهة نظر إسرائيل أنني سأبذل قصارى جهدي لإخراج الناس ثم تنظيف المكان، لكنني لا أعتقد أن إسرائيل صرحت بأنها لا تريد أن يعود الناس إلى هناك بعد ذلك".
وفي حديثه إلى شبكة "سي بي إس نيوز"، بعد عام، حاول مسعود توضيح أنه وكوشنر كانا يتحدثان على وجه التحديد عن هجوم إسرائيلي وشيك وما يمكن فعله بالفلسطينيين الذين كانوا يحتمون من القصف.
كان أحد المقترحات، كما قال مسعود، هو أن يتمكنوا من الذهاب إلى مصر بينما كانت إسرائيل تشن حملتها، لكن المصريين رفضوا، لذا اقترح كوشنر إمكانية أخرى - إنشاء منطقة آمنة في صحراء النقب. لكنه قال إن لا أحد يقترح ألا يعود الفلسطينيون إلى غزة بعد ذلك.
ولكن بحلول هذه المرحلة، لم يعد الأمر مهما. بعد اثني عشر شهرا، عادت اقتراحات كوشنر إلى الظهور وانتشرت انتشارا واسع النطاق. ولسبب وجيه. فقد أعلن والد زوجته للتو أنه "ملتزم بشراء غزة وامتلاكها"؛ وأنه يتصور "ريفييرا الشرق الأوسط" هناك مع "إسكان جيد الجودة" و"مدينة جميلة".
بحسب المقال، فقد بدا الأمر متطابقا بشكل غريب مع رؤية كوشنر - باستثناء شيء واحد: كان ترامب يلمح إلى أن الفلسطينيين لن يكون لهم حق العودة. وقال إن الولايات المتحدة "ملتزمة بامتلاكها، والاستيلاء عليها، والتأكد من عدم عودة حماس". وقال لشبكة فوكس نيوز إن الفلسطينيين الذين سيتم تهجيرهم "سيحصلون على مساكن أفضل بكثير. أنا أتحدث عن بناء مكان دائم لهم".
كتب توماس فريدمان، كاتب العمود في صحيفة "نيويورك تايمز"، أن اقتراح ترامب كان "المبادرة الأكثر غباء وخطورة في الشرق الأوسط التي طرحها رئيس أمريكي على الإطلاق". وأضاف فريدمان أنه لم يكن متأكدا مما كان أكثر إثارة للخوف، "اقتراح ترامب بشأن غزة، أو السرعة التي وافق بها مساعدوه وأعضاء حكومته على الفكرة مثل مجموعة من الدمى التي تهز رؤوسها".
ومثل العديد من خطط ترامب المفترضة، تلقت رؤية الرئيس لغزة ترحيبا أقل من الدول المجاورة في الشرق الأوسط. وأكدت الحكومة السعودية دعمها الثابت للدولة الفلسطينية، وفي مكالمة هاتفية نادرة، ناقش ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والملك عبد الله الثاني ملك الأردن دعمهما الثابت لحقوق الفلسطينيين.
وقبل خمسة أشهر، حذر وزير خارجية الأردن من أن أي محاولة إسرائيلية لإجبار الفلسطينيين على الدخول إلى الأردن من شأنها أن ينتهك معاهدة السلام وسينظر إليها على أنها "عمل حرب". وأبلغت مصر المسؤولين الأمريكيين أن الخطط تهدد معاهدة السلام لعام 1979 مع إسرائيل.
وكما رد زيلينسكي على تمسك ترامب بالواقع هذا الأسبوع، قالت افتتاحية في صحيفة "ذا بالستاين كرونيكل" بقلم رئيس تحريرها رمزي بارود إن تعليقات ترامب عبرت عن "أكثر من مجرد قسوة - إنها تعكس أيضا الجهل". وقال بارود إن الولايات المتحدة دعمت بشكل أعمى "الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة" وأن "أي مفكر عقلاني، في الشرق الأوسط أو خارجه، لن يتخيل في الواقع سيناريو يغادر فيه الفلسطينيون بأعداد كبيرة بسبب تهديدات ترامب".
حتى مسعود، الذي أجرى مقابلة مع كوشنر قبل عام، بدا مصدوما من خطة ترامب. وقال لشبكة "سي بي إس نيوز" إن تصريحات الرئيس، تضع الآن مقابلته مع كوشنر "في ضوء مختلف تماما ... يجب أن أقول إنني فوجئت بسماع الرئيس ترامب يطرح فكرة الملكية الأمريكية لغزة".
ربما يكون هذا غير عادي بالنسبة للبعض. رأى آخرون خطة محسوبة بشكل أكبر. وكما ذكر موقع "ميدل إيست آي"، لم يناقش كوشنر خططا لغزة لمدة عام على الأقل فحسب، بل "لديه الأموال والعلاقات السياسية لجعلها حقيقة".
بعد فترة ولاية ترامب الأولى، والتي شغل خلالها كوشنر منصبا في الإدارة كمستشار أول، أطلق شركة Affinity Partners، وهي صندوق استثماري خاص يطمح إلى تطوير المنتجعات الفاخرة في الخارج. وباستثمار قدره 2 مليار دولار من صندوق الثروة السيادية للسعودية، إلى جانب 1.5 مليار دولار من الإمارات وقطر، أعلنت شركة Affinity Partners أنها تدعم منتجعا بقيمة 1.4 مليار دولار في جزيرة سازان في ألبانيا، بالإضافة إلى تحويل قاعدة عسكرية يوغوسلافية سابقة في العاصمة الصربية بلغراد إلى فندق راقي.
وفقا لتقرير في "ميدل إيست آي"، قال جوزيف بيلزمان، أستاذ الاقتصاد في جامعة جورج واشنطن، إن كوشنر "يريد ضخ الأموال" [في إعادة تطوير غزة] وأن مستثمريه "يتلهفون للدخول".
لا يمكن لإسرائيل ببساطة تسليم غزة للولايات المتحدة. أعلنت محكمة العدل الدولية التي تحكم في النزاعات بين الدول، أن غزة أرض محتلة. ومن الناحية النظرية، تحتاج الولايات المتحدة إلى موافقة فلسطين لتتمكن من السيطرة على غزة.
قالت مروة مزيد، أستاذة الدراسات الإسرائيلية في معهد جيلدنهورن بجامعة ميريلاند، لصحيفة "إندبندنت، إنها في حين توافق على أن الدول العربية - وخاصة مصر والسعودية والأردن - "تفهم التهديدات طويلة الأجل حتى من مجرد التفكير في أي من هذا"، إلا أنها تعتقد أيضا أن هذه الدول العربية تلعب لعبة الانتظار. إنهم يأخذون الوقت الكافي لطرح خطة أخرى - خطة تشمل الفلسطينيين.
وأضافت أنهم "يعرفون أن ترامب يطمع الآن في هذه القطعة من الأرض. إنه يحبها. الأمر ليس وكأنهم سيسحبونها منه ويقولون لا، لا، إنها لنا. لكنهم يفهمون أن مصالحه تكمن في التنمية وكسب المال. نعم، سيكون لديك برج ترامب. ولكن ليس بدون الدولة الفلسطينية. ليس بدون الفلسطينيين. ليس بدون كل هذه الأشياء التي تخدم مصالح إسرائيل".
وتعتقد مزيد أننا سنرى قريبا رؤية تظهر لغزة - من هذه الدول الشرق أوسطية الأخرى - حول ما قد يبدو عليه التنمية وإعادة الإعمار هناك. وتقول: "هذا يعني أن مصر ستضطر في النهاية إلى التواجد على الأرض. [سيتعين عليهم] توفيرموظفين مدنيين، ولكن أيضا الأمن والشرطة والجيش، لتأمين كل شيء".
وتعتقد مزيد أيضا أنه إذا رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أي خطة جديدة تتضمن ضمان وطن للفلسطينيين، فعندئذ قد ينقلب ترامب عليه.
"إذا كان نتنياهو عائقا أمام السلام والاستقرار الفعليين، فقد يرميه (ترامب) تحت الحافلة". ربما تحققت هذه الرؤية البديلة لغزة قبل ما توقعت مزيد.
في الأسبوع الماضي، ذكر "ميدل إيست آي" أن مصر والأردن نجحتا في ثني ترامب عن دعم النزوح القسري للفلسطينيين من غزة، وأن الولايات المتحدة بدأت الآن في دعم خطة ما بعد الحرب التي طرحتها مصر.
حسب المقال، فإن زيلينسكي يفكر أيضا في اقتراح خطة بديلة لتخيلات ترامب الكبرى. ولعل اقتراح ترامب بأن تنهب الولايات المتحدة الموارد المعدنية لأوكرانيا كسداد لدعمها في الحرب ضد روسيا يؤكد أولوياته الحقيقية: فهو بعيد كل البعد عن كونه بطلا للمثل الديمقراطية، ولديه تفان لا يتزعزع في التعامل النقدي ــ باختصار، المال يتفوق على كل شيء آخر.
وفي إنذار صارم، حدد مستشار الأمن القومي لترامب مايك والتز ما يحتاج إليه الزعيم الأوكراني ليحظى برضا ترامب ــ وشمل ذلك "العودة إلى الطاولة للتفاوض على صفقة بشأن الموارد المعدنية الغنية في كييف". ولم يقبل زيلينسكي بمسودة الاتفاق الأولية التي تنص على أن تتولى الولايات المتحدة ملكية 50% من المعادن الحيوية في أوكرانيا دون أي ضمانات. وبعد أقل من 24 ساعة من الاشتباك العلني بين الرجلين، ورد أن إدارة ترامب أعطت أوكرانيا مسودة "محسنة".
في حديثه يوم الأحد، عشية الذكرى الثالثة لبدء الحرب، كرر زيلينسكي أنه غير راغب في توقيع صفقة معادن بقيمة 500 مليار دولار - مشيرا إلى أن الأموال تفوق بكثير مبلغ المساعدة العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة.
ولكن بعد يومين فقط، نشرت نائبة رئيس الوزراء، أولغا ستيفانيشينا، على X (تويتر) أن الصفقة قريبة. وكتبت: "كانت المفاوضات بناءة للغاية، مع الانتهاء من جميع التفاصيل الرئيسية تقريبا".
في البيت الأبيض إلى جانب ماكرون أمس، وافق ترامب على أنه يتوقع لقاء زيلينسكي لتوقيع الصفقة قريبا. وقال ترامب للصحفيين في المكتب البيضاوي: "في الواقع، قد يأتي هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل لتوقيع الاتفاقية. إنهم قريبون جدا من صفقة نهائية. ستكون صفقة مع المعادن النادرة وأشياء أخرى مختلفة. ويود أن يأتي، كما أفهم، إلى هنا للتوقيع عليها. وسيكون ذلك رائعا معي ".
ولكن السؤال يبقى قائما: هل يستطيع زيلينسكي أن يتغلب على غريزة ترامب في مطاردة المال واستخدام صوته لإسكات ضجيج بوتن؟ بعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات منذ بدأت الحرب، هل سيكون فن الصفقة البديلة هو الذي سينهيها؟