كيف أصبحت مدينة سوفيتية قاتمة عاصمة للفنون في آسيا الوسطى؟
تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أعادت العديد من المدن في مختلف أنحاء العالم تعريف نفسها خلال السنوات الأخيرة، ولكن لم تكن أي منها أكثر نجاحاً من ألماتي.
ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، تطورت أكبر مدينة في كازاخستان من مدينة سوفييتية قاتمة إلى نجمة حضرية في آسيا الوسطى.
وطورت المدينة واحدة من أجمل أنظمة المترو في العالم، ونمت لتصبح مركزًا مزدهرًا للمصارف والتمويل، واستكملت أسواقها القديمة بالبوتيكات الفاخرة ومراكز التسوق الحديثة، وأعادت تشكيل فن الطهي التقليدي إلى مطبخ جديد يجذب إشادات من عشاق الطعام في جميع أنحاء العالم.
وتتطور ألماتي أيضًا لتصبح مركزا للثقافة والفن في آسيا الوسطى، وتملك بالفعل العديد من المتاحف ذات المستوى العالمي ومركز ثقافي جديد مبهر من المقرر افتتاحه في أوائل العام المقبل.
افتُتحت كاتدرائية الصعود الأرثوذكسية الروسية المزخرفة في عام 1907Credit: Photoprofi30/iStockphoto/Getty Imagesويقول دينيس كين، المقيم الأمريكي منذ فترة طويلة، وهو مناصر للحفاظ على التراث التاريخي ومؤسس "Walking Almaty": "إنها مدينة صالحة للعيش بشكل لا يصدق. خضراء ونظيفة. لا تحتاج فيها إلى سيارة، إذ أن وسائل النقل العام هنا رائعة. وهي مركز الفن المعاصر والطعام في آسيا الوسطى".
تاريخ متقلبرغم أن الناس عاشوا في المنطقة لآلاف السنين، إلا أن غالبيتهم كانوا من البدو الذين جابوا السهوب الشاسعة بين الصين وأوروبا.
ازدهرت مدينة قديمة قريبة خلال العصور الوسطى كمحطة على طريق الحرير، لكنها اختفت بحلول الوقت الذي غزت فيه الإمبراطورية الروسية المنطقة في منتصف القرن التاسع عشر.
كانت هذه القلعة أشبه بحصن أنشأه جنود القيصر لدعم الاحتلال الروسي، وتطورت إلى مدينة صغيرة بنظام شبكي من الشوارع يتجه شمالا وجنوبا وشرقا وغربا مع أشجار وفيرة.
وقد بنى الروس كاتدرائية الصعود المزخرفة ذات القبة البصلية، التي تعد واحدة من الرموز المعمارية الأيقونية للمدينة. بخلاف ذلك، هناك القليل من بقايا العصر القيصري في الوقت الحاضر.
وبعد بضع سنوات من الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي في عام 1991، نقلت العاصمة الوطنية إلى أستانا. وكان فقدان هذه المكانة الموقرة بمثابة جرس إنذار للمدينة. وبدلاً من التذمر إزاء هذا الإجراء، وجد زعماء وسكان ألماتي أرضية مشتركة لإعادة ابتكار المدينة، ولو لسبب واحد فقط وهو إثبات أنها لا تزال متفوقة على أستانا.
وتوضح جاما نوركالييفا، وهي مديرة مركز "Tselinny" الجديد للثقافة المعاصرة: "أصبحت ألماتي الآن مدينة لرجال الأعمال والفنانين".
وتضيف: "جلبت هذه الحرية روح الإبداع، والإمكانيات، والتأمل، والمناقشة الفريدة. لذا فلا عجب أننا نتمتع باقتصاد ضخم وأكبر مشهد فني في المنطقة. هذا هو المكان المناسب للعديد من المبدعين، وليس فقط الفنانين".
كما أخذ الطهاة على عاتقهم تحدي ابتكار مفهوم جديد تمامًا ترتبط جذوره في ماضي كازاخستان.
يقدم مطعم "Auyl" الفاخر في ألماتي المأكولات البدوية الجديدة.Credit: Charles O. Cecil/Alamy Stock Photoوقد أطلقوا عليه اسم المطبخ البدوي الجديد، وهو مزيج من تقنيات الطهي الحديثة والتقديم باستخدام المكونات التراثية التي يستخدمها البدو الذين ما زالوا يسكنون المراعي حول ألماتي.
وقال سات نورماش، المدير العام لمطعم "Auyl" الراقي في المدينة: "نستمد الإلهام من التقنيات البدوية التقليدية مثل تدخين اللحوم أو طهيها على نار مفتوحة أو دفن اللحوم وطهيها على أحجار ساخنة".
ولكن هنا تنتهي أوجه التشابه، حيث تتبل اللحوم بأعشاب وتوابل خاصة، وتطهى ببطء على نار هادئة، ويستغرق تحضيرها وتقديمها كأطباق رئيسية مدة يومين.
وتتضمن الأطباق الموجودة في قائمة تذوق "Auyl" المكونة من 7 أطباق، نودلز دونجان مع البط الحار، وسمبوسة لحم الخيل، و"بيشبارماك" مع صدر البقر المدخن وساق الضأن، وحساء "تشالوب" (حليب الخيل الحامض) البارد، وألسنة الضأن مع الرمان.
ويحظى مطعم "Auyl" أيضًا بإشادات كبيرة بتصميمه المستوحى من الخيام المنغولية، وقد تم اختياره من بين المطاعم المتأهلة الـ 16 النهائية في مسابقة "Prix Versailles لأجمل المطاعم في العالم".
ومع ذلك، ليس كل شيء من القرن الحادي والعشرين. وتأسس السوق الضخم "Zeleny Bazaar" (السوق الأخضر) في عام 1868، وهو مليء بالأكشاك التي تبيع الفاكهة الطازجة اللذيذة، والكورت (كرات الجبن الحامضة)، والشوبات (حليب الإبل)، وغيرها من الأطعمة المحلية الشهية. هناك قسم كامل لأنواع مختلفة من لحوم الخيول، بما في ذلك النقانق التي تُعد لذيذة بشكل مدهش.
الفن فوق وتحت الأرض يضم متحف أبيلخان كاستييف الحكومي للفنون أكثر من 20 ألف عمل فنيCredit: James Talalay/Alamy Stock Photoيُعد متحف أبيلخان كاستيف الحكومي للفنون، الذي يتوج بهرم زجاجي يشبه متحف اللوفر، المعرض الرئيسي للإبداعات الكازاخستانية، من اللوحات والمنحوتات إلى الفنون الزخرفية مثل السجاد، والمجوهرات، والأعمال الخشبية.
تشمل المجموعات الفنية الأخرى متحف إهلاس للآلات الموسيقية الشعبية (في قصر خشبي على الطراز الروسي بُني عام 1908) والتحف الإثنوغرافية لمتحف ألماتي.
ويلف الغموض "متحف سري" في المدينة، حيث يقع تحت الأرض في الطابق السفلي من البيت الفرنسي، وهو مركز تسوق فاخر في شارع "فورمانوف" أمام نسخة طبق الأصل من برج إيفل.
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: كازاخستان فی آسیا الوسطى
إقرأ أيضاً:
بغداد عاصمة السياحة لعام 2025: إرث الحضارة وعهد المستقبل
بقلم : اللواء الدكتور سعد معن ..
أُعلن رسميًا اختيار بغداد عاصمة السياحة لعام 2025، وهو حدث يحمل في طياته أبعادًا رمزية تتجاوز كونه مجرد لقب. إنه اعتراف عالمي بقدرة بغداد على استعادة مجدها الحضاري ومكانتها بين عواصم العالم، ورسالة بأن هذه المدينة التي نهضت من رماد التحديات، ما زالت منارة للسلام والانفتاح، وحاضنة للأصالة والتجدد.
بغداد: نبض التاريخ وروح الإنسانية
بغداد ليست مدينة عادية؛ إنها أيقونة خالدة نقشها التاريخ في ذاكرة الإنسانية. إنها عاصمة الحضارة العباسية، حيث ازدهرت العلوم والفنون، واحتضنت بيت الحكمة، الذي أضاء عصور الظلام بنور المعرفة. شوارعها، التي خطا عليها الفارابي وابن الهيثم والمتنبي، لا تزال تنبض برائحة الكتب وعبق التاريخ. إن اختيار بغداد عاصمة للسياحة في عام 2025 هو بمثابة احتفاء عالمي بحضارة شكّلت وجدان العالم العربي والإسلامي، ومساهمة إنسانية تركت أثرها في صفحات التاريخ.
الأبعاد الإعلامية: بغداد… الصورة التي تستحقها
بغداد، اليوم، أمام فرصة ذهبية لتعيد صياغة صورتها في عيون العالم. ينبغي للإعلام العراقي أن ينهض بمسؤوليته التاريخية، فيقدم للعالم بغداد الحقيقية: بغداد الجمال، بغداد الثقافة، بغداد السلام. يتطلب ذلك إطلاق حملات إعلامية توظف التقنيات الحديثة لإنتاج أفلام وثائقية تسلّط الضوء على معالم العراق الأثرية، وشواهدها التي تحكي عن عظمة الماضي، إلى جانب رسم صورة حديثة لمدينة تضج بالحياة.
على الإعلام الرقمي والقنوات الفضائية والمنصات الإلكترونية أن تتكاتف في تقديم رسالة موحدة، تخاطب العالم بجمال اللغة وعمق التأثير. يجب أن تُبث من بغداد رسائل عن الحب والسلام والتسامح، تُروى بلغة التاريخ وتُسمع في كل أرجاء الأرض.
الأبعاد الأمنية: حين تكون السياحة رسالة سلام
إن اختيار بغداد عاصمة للسياحة ليس تكريمًا لحاضرها فحسب، بل هو شهادة عالمية على استقرارها وأمنها. على وزارة الداخلية أن تضع تسهيلات استثنائية لدخول السياح، مع ضمان توفير بيئة آمنة تنعكس على تجربة الزائر من لحظة وصوله إلى المطارات والمنافذ الحدودية وحتى مغادرته. يتطلب ذلك إعداد خطط أمنية شاملة تحمي السياح، وتُظهر الوجه المشرق للعراق بوصفه بلدًا يرحّب بكل من يطرق بابه بحفاوة وحب.
الأبعاد السياحية: الاستثمار في كنوز بغداد
بغداد، بماضيها العريق وحاضرها الواعد، تختزن كنوزًا ثقافية وأثرية لا تضاهى. إنها مدينة ألف ليلة وليلة، حيث تتجسد الأساطير على أرض الواقع. من شارع المتنبي الذي يزخر بروح الأدب والفكر، إلى شوارع الرشيد والمستنصرية التي تحكي عن أمجاد العباسيين، بغداد تملك من السحر ما يجعلها وجهة عالمية.
لتعظيم هذه الفرصة، يجب على الحكومة أن تستثمر في إعادة تأهيل المواقع الأثرية، وإنشاء مرافق سياحية حديثة تحاكي توقعات الزائرين، مع الحرص على الحفاظ على الهوية التاريخية للمكان.
الإعلام الرقمي: سلاح ذو حدين
يتوجب على المؤسسات المعنية مراقبة ما يُبث عن العراق من خلال المنصات الإلكترونية والقنوات الإعلامية، وضمان تصحيح المفاهيم المغلوطة، وتقديم رسائل مدروسة تعكس وجه العراق الحضاري. يجب أن تُصاغ خطة إعلامية متكاملة، تسعى لرفع مستوى التوعية العالمية حول إرث العراق وثقافته، وتستخدم أدوات الإعلام الرقمي بذكاء لتوسيع دائرة التأثير.
رسالة إلى المستقبل: بغداد تستحق المجد
بغداد ليست مجرد مدينة؛ إنها قلب العراق النابض، وذاكرته الحية، وروحه التي تأبى الانكسار. إنها بغداد التي قال عنها الجواهري:
“سلامٌ على هضبات العراق… وشطّيه والجرف والمنحنى”
سلامٌ على بغداد، حيث تنبض روح الحضارة في شوارعها وأزقتها، وحيث يحمل التاريخ مشاعله على أسوارها.
اليوم، بغداد عاصمة للسياحة؛ وغدًا، ستكون عنوانًا لمستقبل مليء بالأمل. هذه المدينة التي جمعت بين ضفتي دجلة شموخ التاريخ وعظمة الإنسان، تستحق أن تكون وجهة العالم، وأن تُروى عنها حكايات لا تنتهي.
“بغداد… عاصمة الحضارة وأميرة المستقبل.”
اللواء الدكتور سعد معن
د. سعد معن