قال الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر، إن قطاعات الأزهر تعمل على نشر ثقافة التميز والإبداع، وتنمية المواهب والقدرات، وتحفيز الطلاب الوافدين على الابتكار والتميز في المجالات العلمية والفكرية المختلفة، وهو ما يأتي تأكيدا لتوجيهات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، مرارا وتكرارا، بأن الطلاب الوافدين على رأس الأولويات الأزهرية، وتوصياته بأن تتحول العناية بالطلاب الوافدين إلى خطط عملية وواقع ملموس، باعتبارهم سفراء للإسلام وللأزهر، وليعودوا إلى بلادهم حاملين للأزهر ولمصر شيئا من الود والعرفان.

وأضاف وكيل الأزهر خلال كلمته في حفل تكريم الفائزين في مسابقة"مواهب وقدرات"، أن اختيار شعار موضوع هذا العام (إبداع وتميز) من قبل مركز الوافدين دليل على وعي تام بما يحتاجه الطالب الوافد لإبراز قدراته وملكاته العقلية الإبداعية واكتشاف طاقاته التي إن أحسن استثمارها فإنها ستشرق نورا وحضارة على الأمة، وإذا كانت الدراسات العلمية الحديثة تتكلم عن وجود طاقات كامنة في بني الإنسان، وإن اكتشافها ضرورة، فإني أجد أصلا لهذا في السيرة النبوية العطرة وخاصة هذا الجانب المشرق في شخصية سيدنا رسول الله ﷺ الذي استثمر به الطاقات الكامنة في نفوس أصحابه، والقدرات المتنوعة في كل واحد منهم، والمواهب الفذة التي اختص الله -جل جلاله- بها بعضهم.

وبيّن الدكتور الضويني أن رسولنا الكريم سيد الخلق محمد ﷺ كان أقدر الناس على اكتشاف المواهب وتنميتها وصقلها وتوجيهها التوجيه الأمثل، بما يجعل من صاحب الموهبة مبدعا في مجال يناسبه من مجالات الحياة المختلفة، خدمة للدين والمجتمع والوطن، ومن أمثلة ذلك ما كان من أمر سيدنا زيد بن ثابت - رضي الله عنه- فقد رده سيدنا رسول الله ﷺ في معركة بدر، ولم يرض أن يكون جنديا في المعركة يحمل السيوف والسهام، لصغر سنه، وضآلة جسمه، وإنما أراده جنديا في ميدان العلم يحمل القرطاس والأقلام، لتوقد ذهنه، واستعداد عقله، وهذا الغلام نفسه زيد بن ثابت يطلب منه النبي ﷺ أن يتعلم لغة أعجمية، فيقبل الغلام عليها بهمة، ويتقنها في خمس عشرة ليلة، ولا بد أن يكون من بين أبناء الأمم المتحضرة بررة يتقنون اللغات الأجنبية، ويخاطبون أصحاب الثقافات الأخرى بلغاتهم، ويعرضون الإسلام عرضا صحيحا بلسانهم.

وأوضح وكيل الأزهر أن تاريخ الإسلام منذ بدء الدعوة وكذا أتباعه يسهمون بالخير أينما وجدوا في الحياة والمجتمع، وكان من نتائج ذلك أن ازدهرت الحضارة الإسلامية ونهضت فيها العلوم والفنون والآداب، وكانت في جملتها خلاصة لعبقريات الشعوب التي انضمت تحت حكم الإسلام، وعملت على الرقي بالمجتمع، وسواء اقتنعت به وآمنت أو ظلت على عقيدتها الأصلية، وكما كان السابقون حريصين على تحقيق اكتشافات علمية نافعة للبشرية، فسبقوا إلى اكتشافات في الطب والفلك والبصريات والكيمياء والطيران والفيزياء والرياضيات والجغرافيا، وغير ذلك الكثير مما لا يخفى، حتى عدوا للعلماء المسلمين ألف اختراع واختراع، فضلا عن إبداعهم العظيم في علوم الشرع المختلفة والأدب والسلوك والتاريخ التي نفعت الأمة، وأذكت فيها نور العلوم ولذة التعلم، فإن أبناء الأمة اليوم مطالبون أيضا بأن يكونوا على هذا القدر الذي يؤكد خيرية الأمة وتميز أبنائها.

وأكد الدكتور الضويني أن الشريعة الإسلامية حثت على طلب العلم، وتقدير العلماء، كما حثت على التميز والنبوغ فيه، قال الله تعالى: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم} [الأنعام: 165] فتأملوا كيف اقتضت حكمة الله أن يجعل الخلق متفاوتين، وأن هذا التنوع فرصة حقيقية لإثبات الذات، فالأمم الواعية حقا هي التي تكتشف مواطن التميز في أبنائها وتعززه.

وأردف فضيلته أن الدين الإسلامي يدعو المسلم إلى معالي الأمور، ويأتي في مقدمة ما يدعوه إلى تحصيله بل والتميز والنبوغ فيه العلم المؤدي إلى الإيمان، والباعث على العمل الصالح، والآيات والأحاديث التي تؤكد ذلك كثيرة خاصة في مجال الدعوة إلى إحسان العمل وأدائه على أفضل وجه، قال الله تعالى: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون»، وقال الشوكاني رحمه الله: «فيه تخويف وتهديد، أي إن عملكم لا يخفى على الله ولا على رسوله ولا على المؤمنين، فسارعوا إلى أعمال الخير، وأخلصوا أعمالكم لله -عز وجل- وفيه أيضا ترغيب وتنشيط، فإن من علم أن عمله لا يخفى سواء كان خيرا أو شرا رغب إلى أعمال الخير، وتجنب أعمال الشر»، فالسعي فيما يصلح أحوال الناس، ويجعل حياتهم أنفع وأسعد مطلب شرعي بل إنه من صميم العمل الصالح الذي لا يكمل إيمان المسلم إلا بتحقيقه بجد وإخلاص.

وبيّن وكيل الأزهر أن الإبداع سمة إنسانية، ميز الله - تعالى- بها الإنسان عن غيره من المخلوقات، والله سبحانه هو خالق الإنسان المبدع، وهذا الدين هو دين الإبداع، والتفكير الإبداعي من الأمور التي حث عليها الإسلام، وهي من أهم خصائص الثقافة الإسلامية، التي تميزها عن ثقافات أخرى لم تنهض العلوم فيها إلا بعد الثورة على القيود الدينية المبتدعة التي كانت تعوق التفكير العلمي، ولا شك في أن حاجة العالم الإسلامي المعاصر ماسة إلى الأخذ بأسباب التقدم العلمي في تنمية التفكير الإبداعي لمواجهة التحديات الثقافية والاقتصادية والسياسية التي تواجهه، والعالم الإسلامي اليوم يستطيع أن يقدم نموذجا حضاريا يجمع بين امتلاك أسباب القوة العلمية والمادية، وتفعيل الأخلاق الإسلامية التي تحتاجها الحضارة المعاصرة، لذا، فإننا اليوم مطالبون بدراسة الإبداع، ووضع نظرية إسلامية توجه مساره تعليما وتطبيقا بما يتناسب مع المنهجية الإسلامية، وتعزيز بحوث الإبداع ووضعها موضع التطبيق في تنمية المجتمعات الإسلامية.

واختتم وكيل الأزهر كلمته بأنه يوقن أن المواهب التي أذهلت العالم، وأثرت فيه لم تظهر فجأة، وإنما عملت عليها منظومة تمتلك المقومات الحقيقية لإدارة المواهب، ولتعظيمها عبر برامج واقعية عملية ومسارات مناسبة تتجاوز التنظير، وأن رعاية الموهوبين وتوجيه مواهبهم مهمة وطنية تستحق عناية خاصة، وأن رعاية الموهوبين هي الضمانة الحقيقية للحفاظ على المكتسبات الحضارية لأي مجتمع، فهم المستقبل الحاضر، ورجاؤنا حين سعدنا بهذه البداية الأزهرية أن تزداد سعادتنا حين يعقد حفل جديد بعد فترة وجيزة، لا ليعلن عن اكتشاف المواهب فحسب، وإنما ليقدم لنا آثار هذه المواهب في الحياة بما أتيح لأصحابها من برامج توجيه واستثمار، مقدما التهنئة لكل الفائزين موهوب ومتفوق، ومبدع، مطالبا إياهم أن يستخدموا مواهبهم فيما ينفع الأمة.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الأزهر الشريف وكيل الأزهر محمد الضويني وکیل الأزهر

إقرأ أيضاً:

البحوث الإسلامية يصدر عدد (شعبان) من مجلة الأزهر

أصدر مجمع البحوث الإسلامية عدد شهر (شعبان) لعام 1446هـ من مجلة الأزهر الشريف، التي تُتاح بشكل دوري مطلع كلِّ شهر عربي، متضمِّنًا ملفًّا خاصًّا عن تحويل القِبلة، ورَبْط ذلك بقضايا الأمَّة الإسلامية، وفي القلب منها قضية القدس والمسجد الأقصى؛ بوصفه القِبلة الأولى ومسرى النبي ﷺ.

"البحوث الإسلامية" ينظم اللقاء الثالث "الإلحاد في مواجهة المسلمات" أمين البحوث الإسلامية: وصف ربنا للرسول بالعبودية أخرجه من حيز القدرة البشرية

وقال الدكتور نظير عيَّاد، مفتي الجمهورية ورئيس تحرير مجلة الأزهر: إنَّ ملف العدد الحالي يعكس رؤية الأزهر في تناول القضايا الإسلامية من منظور متكامل؛ إذْ لا تنفصل القضايا الشرعية عن قضايا الأمَّة وهمومها، مضيفًا أنَّ تحويل القِبلة كان حدثًا محوريًّا في تاريخ الإسلام، يحمل في طياته دروسًا في وحدة المسلمين وضرورة التوجُّه نحو ما يجمعهم، وهو ما يبرز في ارتباط الأمَّة الدائم بالمسجد الأقصى؛ لأنه جزء من عقيدتهم وهُويَّتهم.

وأشار الدكتور  عيَّاد إلى أنَّ الملف يضم عددًا من المقالات المهمَّة؛ أبرزها: (عناية الأزهريين بليلة النصف من شعبان) للأستاذ الدكتور محمد عبد الدايم الجندي، و(هدايات ربَّانية في آيات تحويل القِبلة) للأستاذ الدكتور أحمد غلوش، و(مِن فقه الدعوة في آيات تحويل القِبلة) للأستاذ الدكتور رضا عبد المجيد المتولي، مبيِّنًا أن الملف يربط بين المعاني الروحية لشهر شعبان وأهميَّة الاستعداد لرمضان، وبين ضرورة التمسُّك بثوابت الأمَّة، وعلى رأسها قضية القدس الشريف.

من جانبه، أوضح الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أنَّ ملف العدد يسلِّط الضوء على المعاني العظيمة لتحويل القِبلة، وما يحمله من دروس في الطاعة والثبات على الحق، كما يعالج التحديات المعاصرة التي تواجه الأمَّةالإسلامية، وفي مقدمتها المخاطر المحدقة بالمسجد الأقصى، مؤكِّدًا أنَّ الأزهر الشريف سيظل في طليعة المؤسسات المدافعة عن المقدسات الإسلامية، ومضطلعًا بدوره في ترسيخ قضية القدس في وجدان المسلمين.

في السياق ذاته، أشار الدكتور حسن خليل، الأمين العام المساعد للثقافة الإسلامية والمشرف على إصدار مجلة الأزهر، إلى أنَّ المجلة قد أصدرت مع عدد هذا الشهر كتابَين هديةً للقراء؛ بعنوان: (الدُّر العالي الشَّان على ليلة النصف من شعبان) لأحمد بن محمد السُّحَيمي الأزهري (ت. 1178هـ)، و(أخلاقيَّات الحرب في السيرة النبوية) للأستاذ الدكتور جعفر عبد السلام، وهما من تقديم: الدكتور نظير عيَّاد، مفتي الجمهورية ورئيس تحرير مجلة الأزهر.

وتُباع مجلة الأزهر التي صدر العدد الأول منها في عام 1349هـ= 1930م، بخمسة جنيهات فقط، كما أنَّ باب الاشتراكات فيها مفتوحٌ مِن خلال التواصل مع الإدارة العامَّة لمجلة الأزهر بمجمع البحوث الإسلاميَّة في شارع الطيران بمدينة نصر، أو عبر التواصل مع قِسم الاشتراكات بمؤسَّسة الأهرام.

 

مقالات مشابهة

  • تحت إشراف فيفا.. إنطلاق ورشة عمل لاكتشاف وتنمية المواهب
  • تحت إشراف فيفا .. انطلاق ورشة العمل لاكتشاف وتنمية المواهب
  • البحوث الإسلامية يصدر عدد (شعبان) من مجلة الأزهر
  • انطلاق ورشة العمل لاكتشاف وتنمية المواهب تحت إشراف فيفا
  • أهل مصر.. ورش إبداعية لأطفال المحافظات الحدودية لتعزيز الهوية وتنمية المواهب
  • رئيس جامعة الأزهر: المشاركة في الأنشطة الطلابية تحفز الطلاب على الابتكار والإبداع
  • "أهل مصر".. ورش إبداعية لأطفال المحافظات الحدودية لتعزيز الهوية وتنمية المواهب
  • قائد الثورة: المجاهدون في فلسطين ولبنان هم المترس الأول للأمة الإسلامية
  • الضويني: الأزهر مؤسسة دينية ذات رسالة عالمية لم تنقطع يوما
  • «الضويني» يحاضر شباب برنامج الدبلوماسية الشبابية: الأزهر مؤسسة وطنية بامتياز