عبدالسلام التويتي من غرائب هذه المرحلة الزمنية الغبراء أن تختلط الأمور على الناخب الأمريكي اختلاطًا منكرا، فلا يلبث أن يجد في ظل هذا الخلط الجدير بالازدراء المعتوه «دونالد ترامب» الفاحش الثراء الضحل الثقافة والأشد فيها فقرا وقد فاز في ولاية رئاسية أمريكية أخرى فمثَّل فوزه -بمقاييس المنطق- جريمة نكراء.
خطورة نهجه الارتجالي على الوضع الداخلي
ما من شكّ لنرجسية «ترامب» وضيق أفقه وضحالة ثقافته وشغفه بالظهور وديمومة البقاء في دائرة النور أسوأ الأثر على رسم ملامح سياسته التي أماطت اللثام عن أكثرها انفعالاته وتصرفاته الرعناء التي زخرت بها فترته الرئاسية الأولى، فقد كشفت أربع سنوات من تسلطه شبه المطلق عن إيمانه المطلق بنظرية التفوق العنصري وإيمانه بسيادة المال واحتفائه -إلى حدِّ السخف- بالعنف، فضلًا عن اشتهاره بترهيب معارضيه بالتوعد بالاعتقال، واشتهاره بالاستخفاف بالخصوم السياسيين مستكثرًا عليهم تبوؤ المناصب العليا التي ستجعلهم -من وجهة نظره- عبئًا على المواطنين الأمريكيين الذين من المفترض أن تسند مسؤولية إدارة شؤونهم إلى أشخاص يقرون بتفوق المواطن الأمريكي الأبيض على سائر المواطنين الملونين الذين تحتم سمرة وقمحية ألوانهم من المواطنين الأمريكيين معاملتهم معاملة الوافدين، فقد كان أول رئيس أمريكي يجاهر بعصريته للعلن ويتحدث بصراحةٍ فجَّةٍ إلى أبعد الحدود عن تفوق العنصر الأبيض -ذي الأصل الأوروبي- وأحقيته في الوجود، ويعرب عن كراهيته للدين الإسلامي وللمسلمين، فأثار بتصريحاته التمييزية أحداث عنف وتطرف وعنصرية عمت أمريكا بشكلٍ غير مسبوق.
وقد زخرت خطاباته ذات الصلة بسياسة منع دخول المهاجرين إلى أمريكا عبر تفعيل «قانون مكافحة الهجرة» بعبارات ذات نبرةٍ تمييزية منفرة على غرار جهره -خلال حفل خاص في البيت الأبيض في يناير 2018- (بأنه لا يُفضل المهاجرين من الدول القذرة)، قاصدًا بذلك اللفظ المقزز ذي الإيحاء المستفز الدول الأفريقية والمهاجرين الأفارقة متناسيًا أنَّ الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية الذين هجروا إلى أمريكا هجرة إجبارية وأسندت إليهم في مراحل بنائها التأسيسية الأعمال الشاقة يمثلون ما نسبته 15% على أقل تقدير.
والأدهى والأمر أنَّ «ترامب» قد وعد قبيل فوزه بالمنصب الأمريكي الأخطر -بحسب ما ورد في سياق التقرير الخبري المعنون [ترامب الذي سيطرد جميع المهاجرين حتى حاملي الجنسية] الذي أعدته الكاتبة الأميركية «روبين أندرسون» ونشرت ترجمته في الـ8 من نوفمبر الجاري في «الجزيرة نت» بـ(طرد جميع المهاجرين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، بمن في ذلك المواطنون المتجنسون)، وتتمثل خطورة هذا التصرف في أنَّ «فوز ترامب» يعني -وفق رأي الكاتب المغربي «علي أنوزلا»- (أنَّ أكبر قوة في العالم ستقع في أيدي رجل مستعد لفعل كل شيء من أجل تدمير كل شيء)، ومن شأن تجسُّد هذا المعنى على أرض الواقع زيادة تزايد التباين الحاصل بين شرائح المجتمع وانتشار الفوضى التي قد تفضي بالبلاد -في ظل الانقياد لرئيسٍ بهذه العقلية- إلى نشوب حربٍ أهلية.
تصرفاته الهمجية والسياسة الخارجية
إذا سلمنا أنَّ أول وظيفة سياسية وصل إليها «ترامب» في حياته -بحسب رأي الكاتبة «شيرين عرفة»- هي وظيفة الرئيس الأمريكي التي تبوأها – عام 2016، ولم يكن أحد يتوقع لهذا أن يتكرر، حتى أعلن -عبر خطابٍ متلفز يوم الأربعاء- عن فوزه بولاية رئاسية ثانية، فبدأ حلفاؤه يتوجسون خيفة من الشروع في تطبيق سياسته الخارجية المخيفة التي سيحظون -في ضوء ما تكرر في خطاباته- الحظ الأوفر من انفعالاته، فبقدر ما تكرر في تصريحاته -لا سيما المعدة سلفا- لفظ «أمريكا أولًا» التي تعني التركيز على الوضع المعيشي والوضع الداخلي وتشجيع المنتج المحلي حملت تهديداتٍ ضمنية لحلفاء أمريكا التقليديين في أوروبا، فلم يلبث بعضهم أن شرع في وضع تصوره لمواجهة السياسة الترامبية المتهورة، وذلك ما يفهم من ذهاب الكاتبة المصرية «مي عزام» في سياق مقالها المعنون [فوز غورباتشوف الأمريكي] الذي نشر في «الجزيرة مباشر» في الـ7 من نوفمبر إلى ما يلي: (الحلفاء الأوروبيون قلقون من تصريحات ترامب بشأن أوكرانيا وزيادة نسبة الضرائب على الواردات الأوروبية، وذكرت صحيفة “بوليتيكو” أن الاتحاد الأوروبي أعد إجراءات في حال نشوب حرب تجارية كبيرة مع أمريكا، كما صرح الرئيس الفرنسي ماكرون بأن فرنسا وألمانيا ستعملان على إنشاء أوروبا أكثر سيادةً واتحادًا.
فترامب النرجسي سيسعى بقوة وحماقة لتنفيذ وعوده الانتخابية المضادة لمصلحة حلفائه الغربيين والمنافسين على حدٍّ سواء).
ومن شأن تلك السياسة الحمقاء أن تضر بمستقبل أمريكا، وذلك ما اختزلت الكاتبة بقولها: (وفي مقابل سعي ترامب لحل مشاكل بلاده ولو على حساب الدول الأخرى، ستدافع كل الدول الكبرى عن مصالحها الاقتصادية ورفاهية شعوبها وهذا سيعجل بانهيار النظام العالمي الحالي وستتسارع محاولات التخلص من سيادة الدولار على التعاملات التجارية الدولية وهذا سيؤدي إلى أزمة كبرى في أمريكا، وسيذكر التاريخ ترامب بأنه غورباتشوف الأمريكي الذي سقطت في عهده الإمبراطورية الأمريكية العظمى).
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
العالم يتغير بعد الحرب الأوكرانية: أوروبا قد تخسر أمريكا.. والصين تربح روسيا
فى مذكراتها التى صدرت فى بداية الشهر الحالى تحت عنوان «الحرية: مذكرات ١٩٥٤-٢٠٢١»، تعترف المستشارة الألمانية السابقة «أنجيلا ميركل» أنها كانت تتمنى فوز كل من «كامالا هاريس» و«هيلارى كلينتون»، فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية أمام الرئيس الأسبق والمنتخب من جديد «دونالد ترامب».
السيدة السياسية الألمانية الأولى كانت تتمنى فوز السيدات اللاتى رشحهن الحزب الديمقراطى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى ٢٠١٦ و٢٠٢٤ ضد المرشح الجمهورى. ربما لتوافق الرؤى السياسية معهن، ربما لأمل خفى فى رؤية مزيد من التمكين السياسى للمرأة، كما حدث معها، فى قلب صناعة القرار الدولى. ربما حتى لتوافقها الواضح مع الرؤساء الأمريكان الذين ينتمون للحزب الديمقراطى، والذى يصل إلى حد الصداقة مع الرئيس الأسبق «باراك أوباما»، ونائبه الذى أصبح رئيساً فيما بعد «جو بايدن».
لكن الناخب الأمريكى لم يهتم على ما يبدو بما تتمناه المستشارة الألمانية السابقة، واختار فى المرتين أن يدلى بصوته لمن رأى أنه يعبر عن طموحاته ويدافع عن مصالحه، فجاء الرئيس «دونالد ترامب» فى المرتين محمولاً على أعناق أنصاره، ليضع ألمانيا وأوروبا كلها أمامه فى مواقف لم تعهدها من «شركائها» الأمريكان من قبل، ويفرض على «ميركل» وغيرها من زعماء الاتحاد الأوروبى ضرورة مراجعة شروط التحالفات بين أوروبا وأمريكا (بما يحقق مصلحة أمريكا كما يراها أولاً)، خاصة فيما يتعلق بمواجهة التهديد الأهم: روسيا.
يسرا زهران