مصريون يضطرون لنبش قبور أحبائهم لإنقاذ رفاتهم من جرافات التطوير
تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT
بعد عشرين عاما من مواراة جده الثرى، اضطر المعماري أحمد المليجي لإخراج رفاته، وعظام وهياكل أخرى تعود لـ23 من أقاربه من مقبرة العائلة في وسط القاهرة، وإعادة دفنهم في الصحراء على بعد 100 كلم جنوب العاصمة.
وهو واحد من مصريين كُثر مروا بهذه التجربة المؤلمة بعدما أزالت الحكومة منذ 2020 آلاف القبور في جبانة القاهرة التاريخية، ضمن خطة مستمرة لشق طرق وبناء جسور جديدة لتسهيل حركة المرور الخانقة في العاصمة، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقال المليجي (43 عاما) حاملا صورة التقطت قبل أكثر من 50 عاما لجدّه وجدّته وأبنائهما الأربعة ومن بينهم والدته "الموت نفسه مصيبة. هنا أنت تعيد المصيبة مجددا".
وأضاف من منزله الراقي في غرب القاهرة "بعدما دفنّاهم قبل سنين طويلة... أخرجناهم وأعدنا دفنهم.. يعود المشهد والذكريات في شكل أسوأ بكثير".
وتعدّ الجبانة التي ستزال منها مقبرة عائلة المليجي، من أقدم المقابر في العالم الإسلامي، وتضم مقبرة الإمام الشافعي، أحد الأئمة الأربعة لدى المسلمين السنّة، وقد أدرجتها اليونسكو على قائمتها للتراث العالمي.وبنيت مقبرة عائلة المليجي على الطراز الإسلامي منذ أكثر من 105 أعوام، بأبواب ونوافذ خشبية ضخمة وساحة فسيحة في منطقة الإمام الشافعي في القاهرة القديمة.
وقال المليجي، وهو صاحب شركة مقاولات، "معالم المنطقة تغيرت".
وبالفعل، يمكن حاليا رؤية جسر ضخم ذي أعمدة شاهقة من الخرسانة يشقّ الجبانة ليربط حي المقطم في جنوب القاهرة بوسط العاصمة وغربها. وباتت الرحلة بالسيارة بين هاتين المنطقتين تستغرق أقل من نصف ساعة، بعد أن كانت في السابق تستغرق أكثر من ساعة بسبب الزحمة وعدم وجود مساحات كافية من الطرق.
وقال المليجي إنه شعر "بالألم الشديد" حين ذهب وحده لانتشال رفات أحبائه في يوم حار من الصيف الماضي.
وقال الأب لثلاثة أبناء بحسرة: "أكثر ما أثر فيّ أن كفن جدي الذي ربّاني كان مهترئا للغاية. للأسف وقع مني على الأرض وتفرقت عظامه أمامي فجلست أجمعها".
"مشاعر لا يمكن وصفها"
وقال مسؤول بوزارة التخطيط طلب عدم ذكر اسمه لفرانس برس إنّ الحكومة "تتفهم أحزان المواطنين"، لكنّ العملية برمتها تجري من أجل "المصلحة العامة".
وقدّمت الحكومة المصرية أماكن لمقابر بديلة خارج القاهرة لأصحاب المقابر الذين أثبتوا ملكية مدافنهم بالمستندات الرسمية، لكنّ خمسة أشخاص تحدثوا لفرانس برس قالوا إنها "مقابر أصغر حجما وبعيدة" عن مساكنهم.
بالنسبة للمليجي، فقد قرر أنّ يدفن أقاربه في مقبرة حديثة ذات أبواب حديدية اشترتها العائلة في محافظة الفيوم (100 كلم جنوب القاهرة).
واستأجر المليجي سيارة نقل موتى ونقل عشرة من أقاربه إلى المكان.
ثم اضطر لنقل رفات أخرى لأفراد في العائلة كانت في غرفة دفن غارقة بالكامل تحت المياه الجوفية في المقبرة ذاتها في وسط القاهرة.
وروى بحسرة: "أحضرنا هذه المرة غطّاسين نزلوا وانتشلوا العظام واحدة تلو الأخرى. الموضوع كان مؤلما جدا". وعاد ونقلها إلى الفيوم.
وأضاف: "دخلت في حالة اكتئاب لخمسة أيام".
بالقرب من مقبرة المليجي، أزيلت مقابر منطقة الخيالة في جنوب القاهرة في العام 2020 وحلّ محلها الإسفلت الأسود لطريق سريع جديد متعدّد المسارات.
استرجع الجواهرجي مختار (63 عاما) الذي فضّل استخدام اسم مستعار لحساسية المسألة، "مشاعر لا يمكن وصفها" حين اضطر لنقل رفات عائلته ومن بينهم شقيقته بعد خمسة أشهر فقط على دفنها.
وقال بضيق: "تخيّل أنني نبشت قبر العائلة بيدي وجمعت عظام أقاربي (...) وأعدت دفنهم".
وأحضر الرجل الذي قال إنه كان يزور مقابر العائلة شهريا في تقليد مصري معروف، أكفانا بيضاء وسيارة نقل موتى لإعادة دفن أموات عائلته في مدفن وفّرته الحكومة.
وتابع بغضب: "نقلت جثة أختي كما هي. الجثة بحالها تماما وبها دم متراكم".
ويمكن لمختار اليوم أن يأخذ من مكان عمله الطريق الجديد الذي يمرّ مكان مقبرة أسرته المزالة ليصل إلى بيته بشكل أسرع وأسهل. لكنه يرفض القيام بذلك بسبب شدّة تأثره.
"أين سأذهب؟"
ولا تمسّ هذه المأساة الأموات وذويهم فقط، بل أيضا آلاف حراس المقابر والأسر التي تسكنها. ومنذ ثمانينات القرن الماضي، يعيش آلاف المصريين في المقابر جراء أزمة السكن في بلد يناهز عدد سكانه 107 ملايين.
من بينهم الحارس سيد العربي (71 عاما) الذي يحرس منذ عقود مقبرة في عين الصيرة في جنوب القاهرة حيث ولد أبناؤه الثلاثة.
في هذه الجبانة، لا تزال أكوام الحجارة الناجمة عن هدم المقابر، متراكمة، فيما يمكن بوضوح رؤية غرف الدفن التي باتت فارغة من الجثث. في المكان، كانت جرافة تسوّي الأرضية الترابية المشبعة بالمياه الجوفية.
في غرفته المجاورة لغرفة الدفن حيث عٌلق تلفاز على الحائط قرب سريرين متهالكين ومروحة صدئة، قال العربي "أبلغونا أنهم سينقلون الجثث ويهدمون المقبرة. أصحاب المقبرة سيستلمون مقبرة بديلة وأنا لا".
في الساحة الفسيحة للمقبرة المشيّدة في العام 1925، كانت حفيدات العربي يلعبن تحت أنظار أمهن وهي تغسل ملابس فيما زوجته تعّد وجبة غداء متواضعة.
وقال العربي أنه وزوجته مريضان بالقلب. وقال "يريدون توسعة الميادين وبناء جسور وشوارع لكنّ هذا سيؤثر عليّ وعلى حياة الكثيرين هنا".
وتساءل بحسرة "أين سأذهب؟ أنا أعيش هنا منذ 25 سنة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية مصريين مصر المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جنوب القاهرة
إقرأ أيضاً:
مدير مستشفى كمال عدوان: منازل المواطنين في شمال غزة تحولّت قبور لهم
غزة - صفا
قال مدير مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة حسام أبو صفية، إن منازل المواطنين في شمال قطاع غزة تحولّت لقبور لهم بعد قصفها فوق رؤوسهم وعدم التمكن من إنقاذهم لعدم وجود أي معدّات لإزالة الأنقاض وإخراجهم من تحتها.
وأضاف "أبو صفية" في تصريح مصوّر"ما يدمي قلوبنا أننا لا زلنا نتلقى نداءات استغاثة من أناس تحت الركام يتنفسون ويتحدثون ويناشدون لإنقاذهم، ولا نستيطع تقديم شيء لهم بسبب شح الإمكانيات، ما يتسبب باستشهادهم بعد أيام، لتتحول منازلهم لقبور لهم".
وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يستهدف الجرحى وهم في طريقهم لتلقي العلاج بالمستشفى، حيث استشهد 6 جرحى، صباح اليوم، بعد وصولهم لبوابة المستشفى على "كارة" في قصف مباشر أدى لارتقائهم وإصابة 15 شخصًا آخرين.
وتابع: "نتحدث عن أيام تمر من سيء إلى أسوأ في المنظومة الصحية في شمال غزة، لدينا شحّ بالإمكانيات الطبية ونقدم الخدمة بالحد الأقل من الأدنى".
ووجه "أبو صفية مناشدة العالم بإدخال الوفود والتخصصات الجراحية والطبية المختلفة، وإدخال سيارات إسعاف والدفاع المدني لشمال القطاع".
وقال: "نتمنى من العالم وكل من يتغنى بالقوانين الدولية وحقوق الإنسان أن يسمع هذه المناشدات، وبالتوجه العاجل لفتح باب إنساني للمستشفى، فلا يعقل أن يكون شمال غزة دون أي سيارة إسعاف أو دفاع مدني".
وأضاف "لا يوجد أمامنا سوا المناشدة لتقديم المساعدة بشكل عاجل لمساعدة وإنقاذ المواطنين في شمال القطاع".
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، لليوم الـ40 على التوالي، حرب الإبادة والتجويع والحصار المطبق على شمالي قطاع غزة، ومنع إدخال الغذاء والدواء والمياه لآلاف المواطنين المحاصرين.
ويعاني أهالي الشمال أوضاعًا إنسانية مأساوية، وظروفًا صحية صعبة، في ظل استمرار العملية العسكرية، وتشديد الحصار الإسرائيلي، ومنع إدخال المساعدات والطعام للمحافظة.
ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ترتكب جيش الاحتلال بدعم أمريكي مطلق إبادة جماعية بقطاع غزة، خلفت أكثر من 145 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.