"لبنان الذي تحبون وتعرفون لم يعد كما كان. هذا البلد الصغير الذي إليه كنتم تأتون لتمضية أجمل الأوقات ينزف ويتألم وينازع. الشهداء يسقطون بالمئات كل يوم.  المنازل تُدمّر فوق رؤوس أهاليها. الناس بآلاف يهجّرون من قرى أصبحت أثرًا بعد عين. القلق يزداد. الخوف على المصير يكبر كل يوم. المعاناة أكبر من أن يستطيع لبنان وحده تحمّلها.

لبنان في حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى في أن يرى أشقاءه وأصدقاءه يقفون إلى جانبه ويمدّون له يد المساعدة والعون. فإذا لم يقف الأخ الكبير والمقتدر اليوم إلى جانب أخيه الصغير والمستضعف والمستهدف فلن يقف معه أحد من دول العالم الساكت على المجازر التي ترتكبها إسرائيل ضد اللبنانيين وأهل غزة".
بما يشبه روحية هذا الكلام سيتوجّه رئيس حكومة كل لبنان نجيب ميقاتي إلى الملوك والأمراء والرؤساء والقادة في العالمين العربي والإسلامي، الذين يلتقون اليوم في الرياض في قمة استثنائية دعت إليها المملكة العربية السعودية، وسيطلب منهم مساعدة لبنان على الخروج من أقسى محنة يواجهها منذ ما يقارب المئة وأربع سنوات، وذلك من خلال ما يملكونه من وسائل ضغط أممي لكي يقدم العالم على انقاذ هذا البلد المهدّد من قِبل عدو لا يقيم وزنًا لقيمة الانسان، ولا يعير اهتمامًا لما يحّل بما يختزنه لبنان من معانٍ روحية وثقافية وحضارية. والمساعدة المطلوبة اليوم من الأشقاء والأصدقاء، الذين طالما وقفوا إلى جانب الحق ضد الباطل، هي أكثر من مزدوجة: اولًا تشكيل قوة ضغط فاعلة لوقف النار في لبنان وغزة، وثانيًا، تقديم يد العون لإعانتهما في محنتهما في مرحلتي التخفيف من معاناة النازحين وتأمين ما يحتاجون إليه من وسائل تمكّنهم من تحمّل ما يتعرّضون لهم من تجارب قاسية في المأوي التي يلجأون إليها هربًا من آلة الموت والدمار الإسرائيلية، وثالثًا لمساعدتهم في مرحلة لاحقة على تأمين ظروف طبيعية لعودتهم إلى قراهم، التي غيّرت الصواريخ معالمها، ورابعًا مساعدة لبنان لكي يستطيع أن يقف على رجليه من جديد بعد هذه المحنة العصيبة، وذلك من خلال مساعدة اللبنانيين على انتخاب رئيس لجمهوريتهم لتكتمل مع هذا الانتخاب دورة الحياة السياسية بسلطاتها الدستورية التنفيذية والتشريعية والقضائية.
فهذه المساعدة المربعة الأضلع تتطلب من العالمين العربي والإسلامي الكثير الكثير. وإذا كان هذا المطلوب منهما هو جزء من دين معنوي قديم سبق أن سلّفه لبنان لجميع أشقائه وأصدقائه يوم كان ملاذًا آمنًا لجميع طالبي الحرية، ويوم كان جامعة الشرق ومستشفاه والمتنفس الطبيعي لعشاق الحياة، ويوم كان الأنموذج في التعايش الإسلامي – المسيحي، ويوم كان واحة أمان وسلام قبل أن تحّل عليه لعنة الحروب المتلاحقة.
فالقمة المنعقدة اليوم في الرياض ليست آخر فرصة للبنان للخروج مما هو فيه، ولاستعادة حياته الطبيعية مثله مثل أي بلد حرّ منضوٍ تحت راية الأمم المتحدة وتحت راية جامعة الدول العربية، وعضو فاعل في منظمة العالم الإسلامي، بل هي الفرصة الوحيدة. يحقّ لأبنائه أن يعيشوا مثلهم مثل أي شعب حرّ في العالم، ويحقّ لهم أن يفتشوا عن غد أفضل، وأن يعودوا إلى لعب دورهم الحضاري كونهم حاملي رسالة تختلف عن أي رسالة أخرى تكّلم عنها قداسة البابا القديس يوحنا بولس الثاني، واستوحى منها كل من البابا فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب عندما أصدرا وثيقة الأخوة في دولة الامارات العربية المتحدة.
فالرئيس ميقاتي الذي يمثّل كل لبنان اليوم في قمة الرياض يحمل تفويضًا من الشعب اللبناني التواق إلى إنهاء ما يتعرّض له من حرب إبادة ومن حرب تغيير هويته، يقف اليوم ليخاطب ملوك وأمراء ورؤساء وقادة العالمين العربي والإسلامي وليقول لهم جميعًا بأن انقاذ لبنان اليوم من محنته هو انقاذ لدول المنطقة قاطبة، وليقول لهم أيضًا بأن فرص فرض الحل المنطقي والسليم لا تزال متاحة، وبأن لبنان المعافى هو حاجة ماسة للعالم الحرّ بمقاييسه الإنسانية والحضارية.   المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

حملة ترامب ضد البحث العلمي هي فرصة للعرب

ربّ ضارة نافعة، فحين يشن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حملة شرسة لتقليص الإنفاق على البحث العلمي، ما يؤدّي إلى إبطاء تطوّره وإلى إضعاف المؤسسات التي تقوم به، تصبح الولايات المتحدة أقل جاذبية للعلماء، وتنفتح أمام العالم العربي فرص جديدة لإنشاء مراكز أبحاث متطوّرة، بمستويات عالية لا تقل عن نظيراتها الأمريكية والأوروبية والشرق آسيوية، تجتذب إليها طاقات علمية، بعضها من ضحايا حملة ترامب لإخضاع البحث العلمي لأجندته ولسياساته الرأسمالية المتوحّشة. طفرة علمية عربية هي أمر ممكن، لأن الرأسمال العلمي العربي موجود، هناك رأس وهناك مال، والمطلوب الجمع بين الاثنين وإنهاء حالة الجفاء والقطيعة بينهما، التي هي من أهم أسباب التخلّف النسبي للبحث العلمي في العالم العربي. مراكز بحثية متطوّرة يمكنها أن تستقطب طاقات علمية عربية وغير عربية وتساهم في النهوض في إنتاج ونشر المعرفة العلمية والابتكار التكنولوجي واستخداماته.

حملة ترامب ضد البحث

أوكل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الملياردر أيلون ماسك وزارة «كفاءة الحكومة»، ومهمها زيادة النجاعة وخفض الإنفاق الحكومي ووقف ما يسمى «التبذير» وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وإغلاق مؤسسات كاملة «فائضة عن الحاجة». وكالثور الهائج بدأ ماسك مهمته محاولا إثبات أنه ينجح في تقليص الصرف الفيدرالي بالمليارات، مدعيا أن بإمكانه توفير 2 تريليون دولار سنويا. وانقضت حملة ترامب – ماسك على واحدة من أهم مؤسسات دعم البحث البيوميديكالي في العالم وهي «المؤسسة الوطنية للصحة ـ إن.آي.إيتش»، التي وصلت ميزانية الدعم التي أنفقتها العام الماضي إلى 32 مليار دولار. وادّعى ماسك أن المؤسسات البحثية تقتطع 60% من منحها لصالحها، ولا يبقى للبحث نفسه، وفق الادعاء، سوى 40% المبلغ الذي منحته «المؤسسة الوطنية للصحة». وبناء عليه أصدر قرارا بأن يكون سقف الاقتطاع لصالح «المصاريف العامة غير المباشرة» لأي بحث لا يتجاوز نسبة 15%.

ويعني ذلك «توفير» ما يقارب 4-5 مليارات دولار سنويا. لقد قررت محكمة فيدرالية تجميد القرار، لكنّها لم تلغه، ومن المؤكّد أن إدارة ترامب لن ترفع يدها وستحاول بشتّى الطرق خفض الإنفاق الحكومي على البحث العلمي. ويأتي ذلك ضمن ثلاثة سياقات:
*الأوّل، هو اعتماد سياسية ليبرتارية – يمينية تهدف إلى تقليص التدخل الحكومي في الحركة الاقتصادية والإبقاء عليه في الحد الأدنى، وهذا ينسحب على كل المجالات، بما فيها البحث العلمي، ويدفع باتجاه الاتكاء أكثر على تمويل القطاع الخاص للأبحاث العلمية، بالأخص في مجالات الطب والصيدلة والحوسبة والزراعة والصناعة. المشكلة الكبرى هي أن ما يحكم القطاع الخاص هو مبدأ الربح، وعليه فإن تراجع مشاركة الحكومة يزيد من انحسار البحث العلمي العام، الذي لا يدر أرباحا مباشرة، لكن على أساسه يجري تطوير تكنولوجيات وبضائع.

*الثاني، شرعت إدارة ترامب في تغيير «سياسة البحث العلمي»، واستبدالها بسلم أولويات جديد يشمل تقليصا حادا في أبحاث البيئة والجندر والتطعيمات (وزير الصحة الأمريكي الجديد يعارض التطعيم من حيث المبدأ) ونقل ميزانيات إلى تطوير الحواسيب الحكومية وتقنيات الليزر الحربية. الإدارة لا تقول صراحة بأنها تهدف إلى خفض الإنفاق على البحوث الصحية والطبية، لكنّها تفعل ذلك.

الانقلاب الدراماتيكي في سياسات البحث العلمي في الولايات المتحدة، يتسبب في هزات ارتدادية محلية وعالمية. ويبدو أن عشرات الآلاف من العاملين في هذا المجال سيفقدون عملهم *الثالث، يسعى ترامب إلى فرض «الترامبيزم» والأجندة اليمينية المحافظة على الجامعات، من خلال التهديد بقطع الميزانيات عنها وفرض عقوبات عليها. فالجامعات التي «تساهلت» برأيه مع الاحتجاجات ضد حرب الإبادة الإسرائيلية في غزّة يجب أن تعاقب. وكذلك بدأت إدارة ترامب بقطع الدعم عن مؤسسات تعليمية تلزم بالتطعيم المضاد لكورونا، وكذلك بحجب الميزانيات عن تلك التي تعتمد سياسة «التنوّع والعدالة والاندماج»، التي تفتح المجال أمام الفئات المستضعفة للحصول على تعليم جامعي. ويدعي ترامب أن هذا يأتي على حساب «الرجال البيض والكفاءة».

ما المشكلة؟

تحصل مراكز الأبحاث الأمريكية على ميزانيات حكومية فيدرالية للبحوث في مجالات العلوم الأساسية، وتقوم الشركات بالاستثمار في مشاريع التطوير والابتكار لإنتاج تكنولوجيا وسلع جديدة. القرار بفرض تقليص على «الصرف غير المباشر» في المؤسسات البحثية في الجامعات والمستشفيات، يؤدّي في أحسن الأحوال إلى إبطاء تطور ابتكار علاجات جديدة للأمراض. لكن المشكلة أكبر بكثير، فميزانية البحث غير المباشرة تغطّي نفقات المؤسسة على تنفيذ البحث من مختبرات وأجهزة وصيانة وإدارة ورواتب وغيرها. تقليص نسبة هذه الميزانية إلى 15% فقط سيضعف قدرة بعض المؤسسات البحثية، خاصة الصغيرة منها، على القيام بالأبحاث، وقد يؤدّي إلى تسريح آلاف الباحثين، وإلى وقف مشاريع بحثية وحتى إغلاق قسم من المؤسسات بالكامل. من الناحية العملية، وفي مجال العلاج الدوائي، تؤدّي سياسة ترامب إلى حجب تطوير أعداد كبيرة من الأدوية والتقنيات الطبية، وبالتالي تسبب ضررا مباشرا للملايين من البشر في الولايات المتحدة وفي أنحاء العالم كافة. القطاع الخاص لا يحل المشكلة لأنّه معني، بطبيعته، بالمراحل الأخيرة من المسيرة البحثية، التي تنصب على ابتكار الأدوية وتدر الأرباح. كما أن القطاع الخاص لا يتعامل «مجانا» مع ما يسمّى «الأدوية اليتيمة»، لأنها غير مربحة، ومنها مضادات حيوية فعّالة ضد بكتيريا «عنيدة»، لكنّ استعمالها محصور بالحالات المستعصية، القليلة نسبيا، وبالتالي مبيعات أدويتها محدودة وغير مغرية لشركات الأدوية. انحسار مشاركة الحكومات وتوسيع دور القطاع الخاص في مجال البحث العلمي عموما، وفي مجال الصحة على وجه الخصوص، يزيد من خضوع عملية تطوير المجال الصحي لمعادلات الربح، ما يؤدي إلى أضرار كبرى لصحة الأفراد والمجتمع.

الفرصة العربية

الانقلاب الدراماتيكي في سياسات البحث العلمي في الولايات المتحدة، يتسبب في هزات ارتدادية محلية وعالمية. ويبدو أن عشرات الآلاف من العاملين في هذا المجال من باحثين وفنيين سيفقدون عملهم. وعبّر عدد من مديري المستشفيات والجامعات عن خشيتهم من حالة «عدم اليقين» بالمستقبل التشغيلي في أقسام البحث في مؤسساتهم. ويدفع هذا التطوّر إلى تبريد حمّى هجرة الأدمغة، فمن كان يغريه الانتقال «بدماغه» إلى الولايات المتحدة، سوف يتردد كثيرا، كما من المتوقّع أن يشعر الباحث الأجنبي بعدم الاطمئنان البحثي والوظيفي، ما قد يدفعه للتفكير في العودة إلى بلده الأصلي أو إلى موقع جديد آخر. هذه الحالة هي فرصة ذهبية للعالم العربي للقيام بحملة واسعة لتطوير البحث العلمي، واجتذاب علماء عرب مهاجرين ووقف هجرة الأدمغة، وإنشاء مراكز أبحاث متطوّرة جديدة ورفع مستوى المراكز القائمة. لقد أقيمت في الدول العربية مؤسسات بحثية رائدة ومهمّة مثل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في السعودية، و»مؤسسة قطر»، و «المركز الوطني للبحث العلمي» في المغرب، و»المركز القومي للبحوث» في مصر. ولكن هذا «الوجود» البحثي العربي غير كاف بالمرة، ليس قياسا بالعالم فحسب، بل بميزان القدرات والطاقات العربية، من حيث الموارد المالية والبشرية.

بعد حصوله على جائزة نوبل، اقترح العالم المصري الكبير المرحوم أحمد زويل، إقامة مركز أبحاث عربي بمستوى عالمي، وقال في مقابلة تلفزيونية: «نحن بحاجة إلى 5 مليارات دولار لإنشاء مثل هذا المركز»، ما اقترحه زويل عمليا، كان إحداث «طفرة» سريعة تختصر المسافات، وليس الركون إلى التطوير التدريجي البطيء. السرعة العادية في التطوّر هي في الواقع رجوع إلى الخلف، لأن العلوم والتكنولوجيا تتطوّر في العالم بتسارع لم يسبق له مثيل. ميزانيات البحث العلمي الحالية في العالم العربي تتراوح بين صفر إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية. هذه نسبة منخفضة تنعكس في مكان منخفض للدول العربية ولجامعاتها في المقاييس العالمية لمستوى البحث العلمي، إضافة إلى ضعف الإنفاق على البحث العلمي تعاني الدول العربية من مشكلة هجرة العقول، ومن قلة التعاون الدولي، ومن البيروقراطية ومن ندرة الربط بين البحث العلمي والصناعة. لقد كان على العالم العربي أن يتلقف اقتراح زويل في حينه، لأنه صحيح في حد ذاته. لكنه أصبح أكثر إلحاحا هذه الأيام في ظل التحديات الحضارية والاجتماعية والتنموية والأمنية الكبرى التي تواجه الوطن العربي. الأمر الجيد هنا أن ما هو مطلوب، ممكن، خاصة مع بروز فرصة لهجرة مضادة للأدمغة. تحويل الممكن إلى موجود بحاجة لإرادة ولقرار: إقامة مراكز أبحاث عربية متطوّرة، تجتذب الباحثين العرب وغير العرب، وتشكّل رافعة للنهوض بالشعوب العربية وبدولها. لو اجتمع العرب على ذلك، لأحدثوا معجزة علمية، وإذا اتفقت مثلا مصر والسعودية وحدهما على ذلك، لأصبح عندنا علم نضاهي به الأمم.
(القدس العربي)

مقالات مشابهة

  • أخبار العالم | أمريكا توقع صفقة المعادن النادرة اليوم .. لقاء الرياض التشاوري يبحث تطورات غزة وترحيب عربي بقمة القاهرة
  • لبنان الفرصة... الى متى؟
  • مصطفى محمد يلوح بالرحيل عن نانت: هناك أمور ليست بيدي
  • إبراهيم فايق يكشف مفاجأة بشأن بث مباريات كأس العالم للأندية
  • باحث سعودي: قمة الرياض والقاهرة فرصة لموقف عربي موحد بشأن غزة
  • سلوت ينتقد داروين نونيز
  • آرني سلوت ينتقد نجم الفريق بعد التعادل أمام أستون فيلا
  • الفرصة الأخيرة للطلاب لتسجيل استمارة الثانوية العامة 2025 اليوم
  • حملة ترامب ضد البحث العلمي هي فرصة للعرب
  • ترامب: الحرب العالمية الثالثة ليست بعيدة لكني سأمنعها لأنني أريد السلام