النورستانيون.. فقراء أقوياء بعيون زرق في أرض سويسرا أفغانستان
تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT
كابل- "نحن قوم أنعم الله علينا بالقوة البدنية والشدة والبأس في الحرب، لذلك هزمنا كل من حاول غزونا على مر التاريخ"، بهذه الكلمات أجاب محمد عَلَم وهو أحد سكان "نورستان" على سؤال الجزيرة نت عن خصوصية منطقتهم التي كانت آخر المناطق الإسلامية دخولا في الإسلام.
ويضيف أنه يُقال إن الإسكندر المقدوني وصل إلى تخوم نورستان ولم يستطع تجاوزها، وأما القائد تيمورلنك فقد "هزمناه شر هزيمة"، وبعدها في العصر الحديث "كنا على الحدود بين إمبراطوريتين عظيمتين وهما البريطانيون الذين حكموا الهند، والإمبراطورية الروسية التي حكمت دول وسط آسيا، إلا أن أيا منهما لم تستطع ضمّنا لإمبراطوريتها".
وعن فترة الاجتياح الروسي لأفغانستان يوضح "كنا نحن أول ولاية تثور ضد الاحتلال، وبعدها وخلال الاحتلال الأميركي أذقنا الجنود الأميركيين أشد العذاب، حتى إنهم أعلنوا نورستان المكان الأخطر على وجه الأرض، وقاموا بإخلاء قاعدتهم العسكرية في نورستان هاربين".
يبتسم محمد علم ويقول "هل فهمتم الآن لماذا كنا آخر الأقوام الأفغانية دخولا في الإسلام؟ لم يستطع أحد تجاوز تخومنا حتى الفاتحون المسلمون، ولكن بحمد الله فقد منَّ الله علينا قبل 150 عاما ودخل قومنا في الإسلام، واليوم نحن من أكثر القبائل الأفغانية تمسكا بالدين الإسلامي".
إن منعة وحصانة منطقة نورستان جعلتها عصية على الغزاة ومنهم الفاتحون العرب، فبقي سكانها على وثنيتهم، وكانت تسمى من قبل بـ"كافرستان" أي أرض الكفار، إلى أن فتحها الأمير عبد الرحمن خان أحد ملوك أفغانستان في العهد الملكي، قبل أقل من 150 عاما، وغير اسمها إلى "نورستان" أي أرض النور.
وبعد فتح الولاية ودخول أهلها في الإسلام، بقي بضعة آلاف منهم على كفرهم، وفروا إلى منطقة "شترال" في باكستان وهم من يعرفون اليوم بـ"الكلاشا"، أما "النورستانيون الأفغان" فقد تم منحهم امتيازات واسعة في العهد الملكي وتملكوا أراضي واسعة في كابل، وأصبح عدد كبير منهم جنرالات في الجيش الأفغاني.
واليوم تعد نورستان إحدى ولايات أفغانستان الأربع والثلاثين، وهي الوجهة الأولى للسياح القاصدين البلد على قلتهم، وسميت المنطقة بـ"سويسرا أفغانستان" لجمالها، فهي تتكون من مجموعة من السلاسل الجبلية المغطاة تماما بالغابات، وتجري بينها أنهار غزيرة، وتتفجر من صخورها عيون ماء عذبة.
ويمتاز النورستانيون عن غيرهم من الأفغان بالملامح الأوروبية، حيث يغلب عليهم لون العيون الزرق والشعر الأحمر وطول القامة، وقد اختلفت الآراء حول تفسير سبب هذه المعالم، فيقول محمد عَلَم "يشيع هنا أن النورستانيين هم من نسل جنود الإسكندر المقدوني".
كما يشير العلماء إلى أن القبائل الآرية قد استعمرت مناطق من أفغانستان منذ القدم، وهي ذاتها أصول الأقوام الأوروبية، وبينما اختلط معظم الأفغانيين بغيرهم من الأقوام الذين استوطنوا واستعمروا أراضي أفغانستان على مر التاريخ من الفرس واليونانيين والمغول والعرب وغيرهم، اعتزل النورستانيون ولم يختلطوا بالأقوام الأخرى وحافظوا على جيناتهم الآرية النقية.
على عكس معظم سكان ولايات أفغانستان الأخرى، تتولى النساء النورستانيات الدور الأكبر في إدارة وتنظيم شؤون الأسرة، وعن ذلك تقول ميترا وهي فتاة نورستانية "منذ تفتحت عيناي رأيت جدتي وأمي وجميع نساء قبيلتنا يقمن بمعظم الأعمال، فهن يرعين الماشية ويحرثن الأرض ويحصدن المحاصيل ويجمعن الحطب، إضافة للإنجاب وتربية الأبناء وأعمال البيت، حياة المرأة النورستانية شاقة جدا".
وعن سبب هذا النظام سألت الجزيرة محمد علَم فقال إن الرجال في الماضي كانوا مشغولين دائما في الحروب، بينما كانت النساء في البيوت يقمن بكل هذه الأعمال، "لذلك استمرت هذه العادات كما كانت عليه قبل الإسلام".
وعند سؤاله إن كان يرى في هذا النظام ظلما للمرأة ابتسم خجلا وقال "نعم في الحقيقة هو نظام ظالم، وقد حاول رجال الدين كثيرا التأثير على الناس لتغيير هذه العادات ولكن بلا فائدة، المشكلة أن المجتمع اعتاد على هذه العادات، حتى إن الناس إذا رأوا رجلا يعمل في الزراعة أو جمع الحطب يسخرون منه ويقولون إنه خادم لزوجته!".
ورغم أن المرأة تقوم بكل هذه الأعمال خارج البيت، فإن النورستانيين يتشددون في ستر نسائهم، فالمناطق التي تعمل فيها النساء يحظر على الرجال الاقتراب منها، وإذا حدث أن اقترب رجل ورأته امرأة نورستانية فلها الحق بالتقدم بالشكوى إلى مجلس الشورى المحلي، وفي هذه الحالة، على هذا الرجل تسديد غرامة تبلغ قيمتها بقرة أو ما يعادلها نقدا.
يعيش سكان نورستان في أكواخ خشبية معلقة بين السماء والأرض، على ارتفاعات 4 آلاف متر فوق جبال الهندكوش، وبينما تنتشر البيوت الطينية أو الحجرية في كل مناطق أفغانستان، تتميز نورستان عن غيرها بالبيوت الخشبية، التي تبنى من الخشب المحلي الذي يجمع من الغابات الكثيفة والأحراش الغزيرة التي تغطي كل جبالها.
كما تمتاز نورستان بالصناعات اليدوية الخشبية، كالأطباق والأواني ومعظم الأدوات المنزلية، ويصفها محمد أفضل وهو أحد النورستانيين المتخصصين في الأعمال الخشبية ويملك محلا تجاريا يعرض فيه مصنوعاته الخشبية، بأنها "الأفضل في أفغانستان".
ويقول "توارثنا المصنوعات الخشبية النورستانية عن أجدادنا، الحمد لله جبال نورستان مليئة بالأشجار، ونحن نستخدم هذه الأخشاب في بناء البيوت، وصناعة الأواني المنزلية، ويأتي إلينا مشترون من جميع أفغانستان ليشتروا هذه الأواني والتحف الخشبية، ويتباهون أمام الآخرين بامتلاكها".
كما تنتشر في جبال نورستان بعض مصانع الخمر التقليدية المهجورة، وهي بعض ما تبقى من الحقبة الوثنية، ويشرح حقيقتها بهرام الدين وهو أحد المسؤولين المحليين ويقول إن "هذه المصانع منتشرة في جبالنا، حيث كان أجدادنا يشربون الخمر قبل الإسلام، وهي عبارة عن تجويفين صخريين أحدهما كبير والثاني أصغر، وتفصل بينهما قناة صغيرة".
ويضيف "يتم وضع العنب في التجويف الكبير ويقومون بعصره عن طريق الدوس بالأقدام، ويخرج عصير العنب من القناة إلى التجويف الثاني، وبعد أن يمتلئ بالعصير يتم نقله إلى خزان كبير محفور في الصخر، وفي قمته فتحة صغيرة، وبعد أن يمتلئ الخزان يتم غلقه لمدة عام على الأقل ليتم استخدامه لاحقا" مستدركا في حديثه "لكننا اليوم وبعد أن دخل أجدادنا في الإسلام والحمد لله فقد أصبحت هذه المصانع مهجورة وجزءا من التاريخ السالف".
يعاني النورستانيون بشكل شديد من الفقر وعدم توفر المرافق الصحية والتعليمية الكافية، حيث لم يحظوا على مر التاريخ بالاهتمام الحكومي الكافي، ولم يحدث أن وصل أي منهم لمرتبة وزير أبدا، وإن كان لديهم نواب في البرلمان وأعيان في مجلس الشيوخ، بينما وصل عدد منهم لوظائف حكومية عالية في العهد الجمهوري.
وقبل شهرين سافر مولوي عبد الكبير، نائب وزير الخارجية، إلى ولاية نورستان، والتقى بعدد من شيوخ القبائل فيها، واستمع إلى مطالبهم وأشاد بتعاونهم مع حركة طالبان، ووعدهم بحمل مطالبهم إلى الحكومة والعمل على تحقيقها، وأشار إلى أن نورستان بموقعها وبيئتها المميزة "ستصبح مركزا سياحيا مميزا"، مؤكدا على أن المسؤولين في حكومة طالبان يولون اهتماما خاصا بهذه الولاية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی الإسلام
إقرأ أيضاً:
أزمة مسلمين لا أزمة إسلام
في تعريفه للدين يقول محمد الطاهر بن عاشور: "الدين: العقيدة والملة وهو معلومات وعقائد يعتقدها المرء فتجري أعماله على مقتضاها، لذلك سمي دينا، لأن أصل معنى الدين المعاملة والجزاء".
غير أن كثيرا من النخبة لا تفصل بين الدين بما هو عقيدة وأحكام وشرائع، وبين تعبيرات الناس التدينية، وهي تعبيرات مرتبطة بمدى فهمهم لتلك العقيدة وبمدى عزمهم على التزام تلك الشرائع، وأيضا بمدى قدرتهم الذهنية على تأويل النص الديني بما يجعل معتنقيه قادرين على معالجة قضايا عصرهم وعلى صناعة مجدهم الحضاري؛ فيكونون منافسين لأمم أخرى متقدمة ولا يكونون في وضعية من التخلف والتبعية يهينون أنفسهم ويهينون معتقداتهم.
تلك النخبة، سواء كانت منتمية لحضارات أخرى أو كانت منتمية لحضارتنا الإسلامية، تطرح سؤالا حول إن كان الإسلام هو سبب تخلف المسلمين، وتشير مباشرة إلى أن الغرب الليبرالي أو العلماني بشرقه وغربه، قد استطاع تحقيق تفوقه الحضاري في مختلف المجالات دون أن يكون مرتبطا بكنائسه ومعابده، وهم بهذه الإشارة يُقدمون ضمنيا إجابة واضحة على السؤال أعلاه مفاده أن الإسلام يعاني أزمة حضارية أو هو سبب أزمة المسلمين الحضارية.
هذا السؤال ليس جديدا، بل إنه سؤال مُستعادٌ تستدعيه أزمات العالم الإسلامي وصدماته الحضارية.
حملة نابليون على مصر سنة 1798، أحدثت صدمت في الوعي العربي الإسلامي، وهي أول عملية غزو للشرق الأوسط منذ الحملات الصليبية الثماني التي امتدت من 1095 إلى سنة 1291، كانت الحملة لأسباب سياسية وعسكرية واقتصادية في سياق منافسة إنجلترا على الشرق الأوسط خاصة أمام ضعف الخلافة العثمانية، غير أن تلك الحملة لم تكن مجرد عملية عسكرية، بل كانت بالأساس استعراضا حضاريا على مستوى التقنية والعلوم والفنون والآداب، وحتى على مستوى صورة المرأة الإفرنجية في علاقتها بالرجل وفي دورها كذات واعية وفاعلة ومشاركة بكفاءة وجدارة.
الصدمة تلك، أنتجت سؤالا مباشرا يومها: لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمون؟
وكان الجواب على ثلاث مدارس في فكر المصلحين: موقف لا يرى استئنافا حضاريا للمسلمين إلا بالعودة إلى سيرة الصالح نقتدي بهم ونقلدهم، وموقف مناقض لا يرى مواكبة للعصر إلا بتقليد الغرب وأتباعه في "حلوه ومُرّه"، وموقف ثالث حاول أن يكون توفيقيا بين هويتنا كعرب مسلمين وبين منتجات الحضارة الغربية في التنظيمات والصنائع والفنون.
بعد أكثر من قرنين وربع، ما زال العرب والمسلمون يقيمون في نفس الترتيب الحضاري، وما زالوا يتعرضون إلى حملات غزو حقيقي كما حصل في أفغانستان وفي العراق، وما زالت قضية فلسطين جرحا نازفا شاهدا على صمود أهله من ناحية، وشاهدا أيضا على هوان العرب والمسلمين وعلى عجزهم وتبعيتهم وفقرهم؛ رغم وفرة عددهم ورغم ما أنعم الله عليهم به من موقع جغرافي ومن ثروات طبيعية.
ورغم ما رسمته المقاومة في طوفان الأقصى من صورة مدهشة عن الإنسان العربي المسلم حين يعول على نفسه؛ فيبدع في مواجهة أعداء الحياة ويبدع في تقديم ترجمة أخلاقية لعقيدته ويبدع في مفاوضة العدو بشموخ ومبدئية واقتدار، فإن عموم المشهد في عالمنا الإسلامي والعربي خصوصا هو مشهد لا يسعفنا لنُصَنّف ضمن الشعوب المتحضرة سواء على المستوى الاقتصادي أو على المستوى العلمي أو على المستوى السياسي، فنحن ما زلنا في تبعية كاملة هي أشدّ إذلالا مما كنا عليه في مختلف مراحل تخلفنا، وخاصة منذ نشأة الدويلات القُطرية بعنوان "الدولة الوطنية".
نحن المسلمين نقدم محاضرات حول الأخوّة في الإسلام وحول العدل وحول الحرية وحول المساواة وحول العلم والقوة والعزة والرحمة، ولكننا نمارس الظلم والاستبداد والنهب، ونكشف عن منسوب عال من التعصب والغلظة والكراهية، ونرهن أوطاننا لقوى الاستعمار، ونعطي أموالنا لأعداء أمتنا، ونعين الصهاينة على إخوتنا المقاومين، وننقاد بوعي وبغير وعي لتنفيذ مخططات الأعداء؛ فإذا بنا نقتل بعضنا ونمارس التنكيل والتعذيب لنقدم حجة لأعدائنا حين يقولون بأن المسلمين هم أشد وحشية من الصهاينة، وبأنهم ليسوا جديرين لا بديمقراطية ولا بحرية، وبأنهم لا يمكن أن يكونوا شركاء في بناء حضارة إنسانية حتى وإن رددوا ما جاء في قرآنهم: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" (آل عمران: 110).
إن المسلمين اليوم إذ صنعوا أزمتهم الحضارية أساؤوا لأنفسهم، وأساؤوا إلى الإسلام حين جعلوا رأيا عالميا واسعا يتساءل حول مدى جدية القول بأن الإسلام هو المُنقذ للبشرية وأن رسوله إنما هو رحمة للعالمين.
إن المسؤولية الأخلاقية والتاريخية والشرعية كبيرة جدا على علماء المسلمين وعلى نخبهم وقادتهم، فإن كنا عجزنا عن المساهمة في الثورة العلمية، فلماذا نعجز عن الاستفادة من هذه الثورة لنساهم في ثورة معرفية إنسانية التزاما ببعض من خصائص "خير أمة" وهي "تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر".
فأنّى لنا ذلك، وقد حوّلنا جغرافيا أوطاننا، كما حولنا مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، إلى "بؤر توتر" حقيقية لا افتراضية؛ نخوض فيها معارك مهلكة ويتداول العالم مشاهد من ممارساتنا البدائية والوحشية ومشاهد من بؤسنا وفقرنا وخراب عمراننا.
x.com/bahriarfaoui1