كابل- "نحن قوم أنعم الله علينا بالقوة البدنية والشدة والبأس في الحرب، لذلك هزمنا كل من حاول غزونا على مر التاريخ"، بهذه الكلمات أجاب محمد عَلَم وهو أحد سكان "نورستان" على سؤال الجزيرة نت عن خصوصية منطقتهم التي كانت آخر المناطق الإسلامية دخولا في الإسلام.

ويضيف أنه يُقال إن الإسكندر المقدوني وصل إلى تخوم نورستان ولم يستطع تجاوزها، وأما القائد تيمورلنك فقد "هزمناه شر هزيمة"، وبعدها في العصر الحديث "كنا على الحدود بين إمبراطوريتين عظيمتين وهما البريطانيون الذين حكموا الهند، والإمبراطورية الروسية التي حكمت دول وسط آسيا، إلا أن أيا منهما لم تستطع ضمّنا لإمبراطوريتها".

وعن فترة الاجتياح الروسي لأفغانستان يوضح "كنا نحن أول ولاية تثور ضد الاحتلال، وبعدها وخلال الاحتلال الأميركي أذقنا الجنود الأميركيين أشد العذاب، حتى إنهم أعلنوا نورستان المكان الأخطر على وجه الأرض، وقاموا بإخلاء قاعدتهم العسكرية في نورستان هاربين".

يبتسم محمد علم ويقول "هل فهمتم الآن لماذا كنا آخر الأقوام الأفغانية دخولا في الإسلام؟ لم يستطع أحد تجاوز تخومنا حتى الفاتحون المسلمون، ولكن بحمد الله فقد منَّ الله علينا قبل 150 عاما ودخل قومنا في الإسلام، واليوم نحن من أكثر القبائل الأفغانية تمسكا بالدين الإسلامي".

نورستان كانت آخر المناطق الأفغانية دخولا في الإسلام (مواقع التواصل) قوم أشداء

إن منعة وحصانة منطقة نورستان جعلتها عصية على الغزاة ومنهم الفاتحون العرب، فبقي سكانها على وثنيتهم، وكانت تسمى من قبل  بـ"كافرستان" أي أرض الكفار، إلى أن فتحها الأمير عبد الرحمن خان أحد ملوك أفغانستان في العهد الملكي، قبل أقل من 150 عاما، وغير اسمها إلى "نورستان" أي أرض النور.

وبعد فتح الولاية ودخول أهلها في الإسلام، بقي بضعة آلاف منهم على كفرهم، وفروا إلى منطقة "شترال" في باكستان وهم من يعرفون اليوم بـ"الكلاشا"، أما "النورستانيون الأفغان" فقد تم منحهم امتيازات واسعة في العهد الملكي وتملكوا أراضي واسعة في كابل، وأصبح عدد كبير منهم جنرالات في الجيش الأفغاني.

واليوم تعد نورستان إحدى ولايات أفغانستان الأربع والثلاثين، وهي الوجهة الأولى للسياح القاصدين البلد على قلتهم، وسميت المنطقة بـ"سويسرا أفغانستان" لجمالها، فهي تتكون من مجموعة من السلاسل الجبلية المغطاة تماما بالغابات، وتجري بينها أنهار غزيرة، وتتفجر من صخورها عيون ماء عذبة.

ويمتاز النورستانيون عن غيرهم من الأفغان بالملامح الأوروبية، حيث يغلب عليهم لون العيون الزرق والشعر الأحمر وطول القامة، وقد اختلفت الآراء حول تفسير سبب هذه المعالم، فيقول محمد عَلَم "يشيع هنا أن النورستانيين هم من نسل جنود الإسكندر المقدوني".

كما يشير العلماء إلى أن القبائل الآرية قد استعمرت مناطق من أفغانستان منذ القدم، وهي ذاتها أصول الأقوام الأوروبية، وبينما اختلط معظم الأفغانيين بغيرهم من الأقوام الذين استوطنوا واستعمروا أراضي أفغانستان على مر التاريخ من الفرس واليونانيين والمغول والعرب وغيرهم، اعتزل النورستانيون ولم يختلطوا بالأقوام الأخرى وحافظوا على جيناتهم الآرية النقية.

العادات النورستانية تفرض على المرأة تولي مسؤولية أسرتها داخل وخارج البيت (غيتي) المرأة النورستانية

على عكس معظم سكان ولايات أفغانستان الأخرى، تتولى النساء النورستانيات الدور الأكبر في إدارة وتنظيم شؤون الأسرة، وعن ذلك تقول ميترا وهي فتاة نورستانية "منذ تفتحت عيناي رأيت جدتي وأمي وجميع نساء قبيلتنا يقمن بمعظم الأعمال، فهن يرعين الماشية ويحرثن الأرض ويحصدن المحاصيل ويجمعن الحطب، إضافة للإنجاب وتربية الأبناء وأعمال البيت، حياة المرأة النورستانية شاقة جدا".

وعن سبب هذا النظام سألت الجزيرة محمد علَم فقال إن الرجال في الماضي كانوا مشغولين دائما في الحروب، بينما كانت النساء في البيوت يقمن بكل هذه الأعمال، "لذلك استمرت هذه العادات كما كانت عليه قبل الإسلام".

وعند سؤاله إن كان يرى في هذا النظام ظلما للمرأة ابتسم خجلا وقال "نعم في الحقيقة هو نظام ظالم، وقد حاول رجال الدين كثيرا التأثير على الناس لتغيير هذه العادات ولكن بلا فائدة، المشكلة أن المجتمع اعتاد على هذه العادات، حتى إن الناس إذا رأوا رجلا يعمل في الزراعة أو جمع الحطب يسخرون منه ويقولون إنه خادم لزوجته!".

ورغم أن المرأة تقوم بكل هذه الأعمال خارج البيت، فإن النورستانيين يتشددون في ستر نسائهم، فالمناطق التي تعمل فيها النساء يحظر على الرجال الاقتراب منها، وإذا حدث أن اقترب رجل ورأته امرأة نورستانية فلها الحق بالتقدم بالشكوى إلى مجلس الشورى المحلي، وفي هذه الحالة، على هذا الرجل تسديد غرامة تبلغ قيمتها بقرة أو ما يعادلها نقدا.

الأخشاب المتوفرة في منطقة نورستان تعد مصدرا أساسيا تعتمد عليه صناعتها (شترستوك) إرث صناعي

يعيش سكان نورستان في أكواخ خشبية معلقة بين السماء والأرض، على ارتفاعات 4 آلاف متر فوق جبال الهندكوش، وبينما تنتشر البيوت الطينية أو الحجرية في كل مناطق أفغانستان، تتميز نورستان عن غيرها بالبيوت الخشبية، التي تبنى من الخشب المحلي الذي يجمع من الغابات الكثيفة والأحراش الغزيرة التي تغطي كل جبالها.

كما تمتاز نورستان بالصناعات اليدوية الخشبية، كالأطباق والأواني ومعظم الأدوات المنزلية، ويصفها محمد أفضل وهو أحد النورستانيين المتخصصين في الأعمال الخشبية ويملك محلا تجاريا يعرض فيه مصنوعاته الخشبية، بأنها "الأفضل في أفغانستان".

ويقول "توارثنا المصنوعات الخشبية النورستانية عن أجدادنا، الحمد لله جبال نورستان مليئة بالأشجار، ونحن نستخدم هذه الأخشاب في بناء البيوت، وصناعة الأواني المنزلية، ويأتي إلينا مشترون من جميع أفغانستان ليشتروا هذه الأواني والتحف الخشبية، ويتباهون أمام الآخرين بامتلاكها".

كما تنتشر في جبال نورستان بعض مصانع الخمر التقليدية المهجورة، وهي بعض ما تبقى من الحقبة الوثنية، ويشرح حقيقتها بهرام الدين وهو أحد المسؤولين المحليين ويقول إن "هذه المصانع منتشرة في جبالنا، حيث كان أجدادنا يشربون الخمر قبل الإسلام، وهي عبارة عن تجويفين صخريين أحدهما كبير والثاني أصغر، وتفصل بينهما قناة صغيرة".

ويضيف "يتم وضع العنب في التجويف الكبير ويقومون بعصره عن طريق الدوس بالأقدام، ويخرج عصير العنب من القناة إلى التجويف الثاني، وبعد أن يمتلئ بالعصير يتم نقله إلى خزان كبير محفور في الصخر، وفي قمته فتحة صغيرة، وبعد أن يمتلئ الخزان يتم غلقه لمدة عام على الأقل ليتم استخدامه لاحقا" مستدركا في حديثه "لكننا اليوم وبعد أن دخل أجدادنا في الإسلام والحمد لله فقد أصبحت هذه المصانع مهجورة وجزءا من التاريخ السالف".

لا توجد رعاية صحية وتعليمية كافية في مناطق أفغانستان النائية (شترستوك) مطالب

يعاني النورستانيون بشكل شديد من الفقر وعدم توفر المرافق الصحية والتعليمية الكافية، حيث لم يحظوا على مر التاريخ بالاهتمام الحكومي الكافي، ولم يحدث أن وصل أي منهم لمرتبة وزير أبدا، وإن كان لديهم نواب في البرلمان وأعيان في مجلس الشيوخ، بينما وصل عدد منهم لوظائف حكومية عالية في العهد الجمهوري.

وقبل شهرين سافر مولوي عبد الكبير، نائب وزير الخارجية، إلى ولاية نورستان، والتقى بعدد من شيوخ القبائل فيها، واستمع إلى مطالبهم وأشاد بتعاونهم مع حركة طالبان، ووعدهم بحمل مطالبهم إلى الحكومة والعمل على تحقيقها، وأشار إلى أن نورستان بموقعها وبيئتها المميزة "ستصبح مركزا سياحيا مميزا"، مؤكدا على أن المسؤولين في حكومة طالبان يولون اهتماما خاصا بهذه الولاية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی الإسلام

إقرأ أيضاً:

مفوضية اللاجئين: باكستان ترحل نحو 9 آلاف لاجئ أفغاني في غضون أسبوع

قالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين -اليوم الثلاثاء- إن باكستان رحلت أكثر من 8 آلاف مواطن أفغاني خلال الأسبوع الماضي، في حملة جديدة لإعادتهم إلى وطنهم بعد انتهاء المهلة المحددة في 31 مارس/آذار الماضي.

وأصدرت إسلام آباد تحذيرا لجميع المواطنين الأفغان الذين لا يملكون وثائق إقامة قانونية ولا يحملون بطاقات المواطنة الأفغانية بالعودة إلى وطنهم، وإلا سيواجهون الترحيل.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الألغام ومخلفات الحرب تسقط مئات السوريين منذ سقوط نظام الأسدlist 2 of 2ارتفاع عدد الصحفيين الشهداء في غزة إلى 210end of list

وقالت السلطات الباكستانية إنها أنشأت مراكز مؤقتة في مدن مختلفة لإيواء المواطنين الأفغان قبل نقلهم إلى معبر طورخم الحدودي شمال غربي البلاد.

وأفادت المفوضية الأممية -في رسالة عبر تطبيق واتساب- بأنه جرى ترحيل ما لا يقل عن 8906 مواطنين أفغانيين منذ الأول من أبريل/نيسان الجاري.

أما إسلام آباد فتؤكد أن عملية الترحيل الحالية جزء من حملة تسمى "خطة إعادة الأجانب غير الشرعيين" التي أُطلقت أواخر 2023.

الحكومة الأفغانية تؤكد ضرورة الاتفاق على آلية تضمن عودة كريمة لمواطنيها (الفرنسية) ترحيل قسري

وبينما تلقي باكستان باللائمة في الهجمات والجرائم المسلحة على المواطنين الأفغان الذين يشكلون النسبة الكبرى من المهاجرين في البلاد، ترفض أفغانستان هذه الاتهامات، وتصف عملية إعادة مواطنيها بأنها ترحيل "قسري".

إعلان

وتفاعلا مع الأحداث الجارية، قال عبد المطلب حقاني، المتحدث باسم وزارة توطين اللاجئين الأفغانية، في بيان اليوم: "لا شك أن الترحيل القسري للمهاجرين الأفغان والإجراء الأحادي الجانب يتعارض مع جميع المبادئ الدولية والإسلامية ومبادئ حسن الجوار".

وأضاف المسؤول الأفغاني "بما أن هذه المسألة تتعلق ببلدين، فمن الضروري العمل على آلية متفق عليها بشكل متبادل، لضمان العودة الكريمة للأفغان إلى وطنهم".

وأعلنت باكستان أنها تخطط لتسريع جهود إعادة نحو 4 ملايين أفغاني عبروا الحدود خلال 40 عاما من الصراع المسلح في بلدهم الأصلي، وبعد وصول طالبان إلى السلطة عام 2021.

وأثارت عملية الترحيل الجارية مخاوف لدى ممثلي الهيئات والمنظمات الحقوقية، إذ اعتبرت ممثلة منظمة هيومن رايتس ووتش في أفغانستان أن باكستان "تتخلى عن التزامها الدولي بعدم إعادة الأشخاص إلى حيث تتعرض حقوقهم للخطر".

وأكدت المنظمة أن جميع الدول التي تستضيف اللاجئين الأفغان يجب عليها أن "تحافظ على موقفها الذي ينص على أن أفغانستان غير آمنة للعودة"، وفق تعبيرها.

ويشعر عدد من اللاجئين الأفغان المقيمين في باكستان بالقلق بشأن ترحيلهم القسري من باكستان بعد انتهاء المهلة التي حددتها الحكومة الباكستانية، ويقولون إنه بالإضافة إلى البطالة والضغوط الاقتصادية، فإنهم سيواجهون تهديدات أمنية في أفغانستان.

ومع القلق الذي ينتابهم من العودة إلى أفغانستان، فإن كثيرا من العائلات الأفغانية اللاجئة في باكستان تعيش أوضاعا إنسانية قاسية، حيث يضطر كثير منهم إلى الإقامة في مخيمات مؤقتة مزدحمة، وتفتقر هذه المخيمات إلى الخدمات الأساسية، مثل الماء النظيف والصرف الصحي، مما يجعل سكانها عرضة لخطر انتشار الأمراض والأوبئة.

كما أن نقص المساعدات الغذائية والطبية أدى إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية، خاصة بين الأطفال وكبار السن، الذين يواجهون خطرا متزايدا بسبب ضعف الرعاية الصحية المتاحة لهم.

إعلان

مقالات مشابهة

  • من سويسرا إلى «لام شمسية».. ياسمينا العبد: بدأت التمثيل بعمر الـ11 عاما
  • النظام الصحي الأفغاني يلفظ أنفاسه الأخيرة مع تقليص المساعدات الأميركية
  • الشارة الخشبية للحازمي
  • كيف أثرت سياسة ترامب في حياد سويسرا العسكري ودفعها إلى تعزيز تسليحها؟
  • عمليات التبريد أبرز التحديات لمحاصيل أفغانستان الزراعة
  • مفوضية اللاجئين: باكستان ترحل نحو 9 آلاف لاجئ أفغاني في غضون أسبوع
  • إيران تحذر: أي صراع جديد سيكلّف تريليونات ويتجاوز حربَي أفغانستان والعراق
  • صناعة السفن الخشبية العمانية إرث بحري وجذور تاريخية تعود إلى آلاف السنين
  • سعيد البطاشي .. حرفي يعيد إحياء التراث العماني عبر الأعمال الخشبية
  • المحكمة الفيدرالية في سويسرا تؤكد تغريم الزمالك