منذ إعلانِ نتائجِ الانتخاباتِ الرئاسيةِ الأمريكية، يعيشُ العالمُ على توقيتِ رجلٍ اسمُه دونالد ترامب. لم نعاينْ مثلَ هذا المشهدِ من قبل.
لم يحبسِ العالمُ أنفاسَه حينَ سلَّمتْ روسيا في بدايةِ القرنِ مفاتيحَ الكرملين إلى رجلٍ غامضٍ جاءَ من أروقةِ الـ«كي جي بي» واسمُه فلاديمير بوتين، ولا حينَ تُوِّج شي جين بينغ إمبراطوراً على عرشِ بلادِ ماو تسي تونغ.
نادراً ما يلتفتُ العالمُ إلى ساعتِه بسببِ إطلالةِ رجل. هل هِيَ هالتُه، أم هالةُ بلادِه، أم التقاءُ الهالتين؟ ثم إنَّ العالمَ عرفَه في ولايةٍ سابقةٍ وجرَّبَه، ورآه بعدها مطارَداً أمامَ المحاكمِ وفي وسائلِ إعلامٍ كبرى، ثم رآهُ يخوضُ السّباقَ مجدَّداً، يريدُ استعادةَ عظمةِ أمريكا، يطلقُ الجُمَلَ القصيرةَ المسنونة، ويرقصُ، وينجو من محاولاتِ اغتيال، ويرفعُ قبضتَه، ويلمعُ الدَّمُ مع ربطةِ العنقِ الحمراء.
نادراً ما يلتفتُ العالمُ إلى ساعتِه من أجلِ رجلٍ واحد، لكنَّه فعل. سادَ اعتقادٌ بأنَّ الأمريكيين ألقوا حجراً هائلاً في بحيرةِ القريةِ الكونية، وتخوَّفَ كثيرون من تسونامي يُعيدُ ترتيبَ المقاعدِ في مناطقَ قريبةٍ وبعيدة، يعرفُ الأوروبيون أنَّه لا يفردُ للقارَّةِ القديمةِ موقعاً مميزاً في قراءةِ العالمِ بأخطارِه وحلوله. سبقَ أن وبَّخَهم؛ لأنَّهم يُلقون على أمريكا مسؤوليةَ الدّفاعِ عنهم، ويَبخلونَ في دفعِ الأثمان، يعرفونَ أنَّه عازفٌ منفرد، وأنَّه لن يستأذنَ قبلَ إطلاقِ مفاجآتِه لا الرئيسَ الفرنسي، ولا رئيسَ الوزراء البريطاني، ولا المستشارَ الألماني.
البيتُ الأبيضُ في عُهدةِ رجلٍ قوي، رجلٍ يزعمُ أنَّه يملك علاجاتٍ حاسمةً لمريضٍ اسمُه العالم؛ علاجاتٍ في الأمن والاقتصادِ والهجرة والأزماتِ المفتوحة، علاجاتُه لا تتَّكئُ على تشخيصاتِ أنطونيو غوتيريش وعيادتِه. الدَّواءُ المرُّ هو الصفقة، ومن يرفض تناولَ الدواءِ يستحق غضبَ السيد الرئيس، وهو الطبيبُ الوحيد، لهذا بدا زيلينسكي حزيناً بعد إعلان النتائج. انتهَى عهدُ التفويضِ المفتوح، وانتهَى عهدُ ضخ الملياراتِ والأسلحة في العروق الأوكرانية، في العلاج الذي يمكنُ أن يُوقِفَ تقدّمَ قواتِ القيصرِ لا بد لبلاد زيلينسكي من تجرُّع بعضِ السُّم. لا يرى بوتين روسيا مصدراً للخطرِ الكبير حتى ولو أُحضرت إلى أوروبا قواتُ «صديقه» كيم جونغ أون. الخطرُ الكبيرُ يأتي من الصّين، وهو أعدَّ لها علاجاتٍ قد تكون مؤلمةً لاقتصادِها واقتصادِ العالم معها.
كانَ عامُ الانتخابات الأمريكية مثيراً، وكانَ عام الشرق الأوسط رهيباً، تابَع أهلُ المنطقةِ سباق البيت الأبيض على وقع الغاراتِ والصواريخ والمسيّرات. على وقع المجازرِ الجوّالة، تحوَّلت غزةُ بحيرةَ دمٍ تختنقُ بالركام والجثثِ وأمواج النازحين، والآنَ تتكرَّر المشاهدُ الغزاويةُ في لبنان. لنترك جانباً الملاحظات على إدارة «حماس» لمشهدِ ما بعد «الطوفان»، وخيار «حزب الله» في إطلاقِ «جبهة الإسناد»، وقدرة لبنان على احتمالِ دورٍ إقليمي يفوق طاقته، السُّؤالُ الأوَّلُ الآن هو عن وقفِ القتل.
من حق أي فردٍ في الشرقِ الأوسط أن يحبَّ أمريكا أو يكرهَها، الأمرُ نفسُه بالنسبة إلى دونالد ترامب، لكن أهل المنطقة يجدون أنفسَهم أمام أمرٍ واقع لا مناصَ منه، وهو أنَّ الرجلَ الذي استعاد البيت الأبيض هو الوحيد القادر على وقف القتل حتى قبل تسلُّمه مهامَّه رسمياً.
وقفُ النَّارِ ليس مطلباً جديداً، طُرح مراتٍ عدة في الشهور الماضية، واصطدمَ دائماً بإصرارِ بنيامين نتنياهو على استكمال ما سمَّاه أهدافَ «الحرب الوجودية» التي تخوضُها إسرائيل، ذهبَ أبعدَ من ذلك، وتحدَّث عن إطلاقِ انقلاب على موازين القوى السابقة في الشرق الأوسط، وانتقلتِ المعركةُ عنده من مواجهة «أذرع» إيرانَ إلى تبادُلِ الضربات معها. حاول جو بايدن العملَ من أجل صفقةٍ في غزةَ تشمل إطلاق الرهائن، وحاول استكشافَ إمكانِ وقف النار على جبهة لبنان، التفّ نتنياهو على كلّ الضغوطِ الأمريكية، ولم يُرِدْ تقديمَ هدية لبايدن، وبدا أنَّه يراهن على وصولِ ترامب.
أعطَى الأمريكيون ترامب تفويضاً واسعاً، وهو تعهّد بطَيِّ صفحة الحروبِ من أوكرانيا إلى غزةَ ولبنان، وهناك من يعتقد أنَّ نتنياهو غير قادرٍ على الامتناع عن تقديم هديةٍ لترامب، ولهذا تجدَّد الحديثُ عن جهودِ المبعوث الأمريكي آموس هوكستين.
يحتاج لبنان إلى وقفِ النَّار سريعاً. تمديدُ الحربِ يعني تمديدَ الكارثة، وباستطاعة أمريكا أن ترفقَ تطبيق القرار 1701 بتعهدٍ بحلّ الخلافاتِ الحدودية سريعاً، ويحتاج نجاحُ وقف النار إلى موقفٍ لبناني يعكس قراراً صريحاً بإعادة جبهة جنوب لبنان إلى كنفِ الدولة اللبنانية، وإخراجها من أي مهماتٍ ذاتِ طابع إقليمي. تزداد أهميةُ وضوحِ الموقفِ اللبناني بعد كلامٍ يتردَّد في المجالس الخاصة من أنَّ دولَ العالم «لن تنخرطَ في المساعدة في إعادةِ إعمار لبنان إذا كانتِ الحربُ ستعود بعد حفنةِ سنوات».
إخراجُ جبهةِ جنوب لبنان من الشِّقِّ العسكري في النزاع مع إسرائيل ليس قراراً بسيطاً بالنسبة إلى «حزب الله» وإيران، لكن هل يملك اللبنانيون خياراً آخرَ لوقف الحربِ التي فاقت أهوالُها وخسائرُها الحروبَ السابقة؟ للخروج من المأساة لا بدَّ من قراراتٍ صعبة، ومن حق الدولةِ اللبنانيةِ أن تقتديَ بسوريا والعراق في محاولتهما الابتعادَ عن دائرةِ النار، خصوصاً بعدما دفعت ثمناً باهظاً للإقامة فيها.
مهمةُ وقفِ النَّار ليست سهلةً، تحتاج إلى دورٍ أمريكي حازمٍ ومتبصّرٍ. لا بدَّ من ترميمِ الدَّولةِ في لبنان، ولا بدَّ في غزةَ من إعادةِ فتحِ أبواب الأملِ أمام الشعب الفلسطيني، الأمل بفتحِ الطريقِ إلى قيام دولة فلسطينية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عودة ترامب
إقرأ أيضاً:
تعهد بأكبر ترحيل في التاريخ.. تهديدات القتل تلاحق مسؤول الحدود في إدارة ترامب
كشف توم هومان، مسؤول الحدود الجديد الذي عينه الرئيس المنتخب دونالد ترامب، أنه وعائلته تلقوا تهديدات بالقتل منذ تعيينه.
وحسب مجلة "نيوزويك" الأمريكية، قال هومان على قناة "فوكس آند فريندز"، إن "عائلته ليست في المنزل حالياً بسبب التهديدات بالقتل".
وتعهد هومان بأن هذه التهديدات لن تردعه عن مهمته، وأضاف "إن هذا أمر سوف نتعامل معه. لن يسكتوني ولن يجبروني على الرحيل. هذه هي أكبر ثغرة أمنية وطنية شهدتها هذه الأمة منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول). يتعين علينا أن نصلحها".
Donald Trump’s newly named “Border Czar” Tom Homan to Democrat Governors and Sanctuary Cities????
“If you don’t want to help us, get the hell out of the way, because we’re coming.” pic.twitter.com/hGPIpKPIIC
ووفق المجلة، كانت أمن الحدود والترحيل الجماعي من القضايا المركزية على منصة الحزب الجمهوري، ولعبت دوراً محورياً في الفوز الحاسم الذي حققه دونالد ترامب على نائبة الرئيس كامالا هاريس .
وباعتباره قيصر الحدود الجديد، تم تكليف هومان بتنفيذ وعد ترامب بتطبيق سياسات هجرة أكثر صرامة.
وقال إنه سيكون من وظيفته تنفيذ سياسة ترامب الرائدة، لتنفيذ "أكبر عملية ترحيل في التاريخ"، وأنه سيبدأ باستهداف أولئك الذين "قال قاض فيدرالي إنه يجب عليك أن ترحلهم ولم يفعلوا".
ترامب يعيد "قيصر الحدود" لتولي مسؤولية إنفاذ قوانين الهجرة - موقع 24أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، أنه سيعيد توم هومان، القائم بأعمال مدير وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك السابق، ليشغل منصب "قيصر الحدود" في إدارته المقبلة.وأوضح "لقد كنت على هذه الشبكة لسنوات أشتكي مما فعلته هذه الإدارة بهذه الحدود. كنت أصرخ وأصرخ بشأن ذلك وما يجب عليهم فعله لإصلاحه. لذا عندما سألني الرئيس، هل ستعود لإصلاحها؟ أجبته بالطبع. سأكون منافقاً إذا لم أفعل".
وتابع هومان "أنا أشعر بالتكريم لأن الرئيس طلب مني أن أعود، وأساعد في حل أزمة الأمن القومي هذه، لذا فأنا أتطلع إلى ذلك".
وأردف قائلاً: "لديك الحق في طلب اللجوء. لديك الحق في مقابلة قاض. نحن نعمل على تحقيق ذلك.. ولكن إذا قال القاضي إنك يجب أن تعود إلى وطنك، فيتعين علينا أن نعيدك إلى وطنك".
وارتفعت حالات عبور الحدود غير القانونية في عهد إدارة بايدن-هاريس، لتصل إلى ما يقرب من 3 ملايين في السنة المالية 2024، وفقاً لوزارة الأمن الداخلي . وفي عهد رئاسة جو بايدن ، كان هناك أكثر من 10.8 مليون مواجهة غير قانونية.
ومن المتوقع أن يكون تعيين هومان محورياً في معالجة القضايا المتعلقة بالحدود الجنوبية: أمن الحدود، والترحيل الجماعي، والقضاء على الكارتلات .
وأشارت "نيوزويك" إلى أن دوره يقع على الخط الأمامي لسياسة الهجرة، وقد يكون هذا الدور مفتاحاً لنجاح أو فشل إدارة ترامب.
فصل وعنصريةومن جهتها، قالت إيمي فيشر، مديرة حقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة العفو الدولية بالولايات المتحدة، تعليقاً على تعيين هومان: "لقد أعلن الرئيس المنتخب ترامب صراحة عن نيته، تنفيذ سياسات تتجاهل تماماً حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية ووحدة الأسرة".
وأضافت "لقد كرر الرئيس المنتخب أكاذيب ضارة حول المجتمعات المهاجرة، ونشر اتهامات لا أساس لها من الصحة حول الأشخاص، الذين يسعون إلى الأمان في الولايات المتحدة".
وتابعت "والآن تشير التقارير الإخبارية إلى أن الرئيس المنتخب ترامب، يهدف إلى تعيين مسؤولين لديهم تاريخ في تنفيذ سياسة فصل العائلات والترحيل الجماعي".
Olivia Troye said about Tom Homan's track record: "Extreme & ineffective policies that targeted all immigrants not just criminals." https://t.co/H4Ws7PGfTz
— Newsweek (@Newsweek) November 11, 2024وأوضحت "إن السياسات المقترحة متجذرة في العنصرية وكراهية الأجانب بهدف وحيد، هو التسبب في معاناة قاسية وهائلة للأشخاص القادمين إلى الولايات المتحدة، لإعادة بناء حياتهم. إن المجتمعات المهاجرة هي أعضاء مهمة في البلاد، يساهمون في الاقتصاد ويدفعون الضرائب ويساعدون المدن على الازدهار".