سامح فايز يكتب: الحرب الثقافية (2)
تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT
تعددت أشكال الحروب الثقافية؛ المسألة أكثر تعقيداً من جمع تفاصيلها فى مجرد مقال أو حتى عشرات المقالات، لكن نستطيع أن نعرج على بعض التفاصيل التى تكشف حقيقة تلك الحرب. وربما تصبح باباً لمن يريد أن يتعمق بشكل أكبر.
سبق أن تحدثنا، فى مقال الأسبوع الماضى، عن السينما وهوليوود. واليوم أردت أن أعود بالتاريخ إلى السبعينات، مع ظهور أشرطة الكاسيت، والتى كانت المتنفس الأهم فى العمل الدعوى لجماعات الإسلام السياسى مجتمعة، بعد أن استلهموا التجربة الإيرانية وانتشار أفكار ثورة الخومينى من خلال أشرطة الكاسيت.
الأناشيد الموجهة للأطفال من خلال تلك القنوات دشن لها فى سبعينات القرن الماضى شاب سورى يُدعى «رضوان خليل عنان»؛ كان ابن الخامسة عشرة فى حينها مغرماً بالأغنيات الوطنية التى يصدح بها المطربون العرب فى الإذاعات المختلفة، تأثر بالنغمة القومية التى أغنت الكلمات المغناة فى تلك المرحلة، فعمل على تلحين وغناء أناشيد إسلامية حديثة ممزوجة بروح الأغنية الوطنية واللحن الحماسى اختلفت عن شكل النشيد الدينى القديم، ليصبح ذلك الشاب الصغير فى أدبيات الجماعات الإسلامية رائداً لما اصطلح على تسميته بـ«النشيد الحركى»، أو «النشيد الإسلامى الحديث»، واشتهر على إثر ذلك بين أبناء الصحوة الإسلامية فى العالم باسم «أبومازن».
فى الثامنة عشرة من عمره كان أبومازن قد انتهى من تسجيل تسعة أشرطة تضمنت أناشيد حركية كتب أشعارها سيد قطب وأحمد حسن الباقورى وعبدالحكيم عابدين وإبراهيم عزت ومحمد إقبال.
ورغم أن النشيد الدينى معروف وموجود تاريخياً منذ عهد النبوة إلا أن رغبة جماعات الإسلام السياسى فى أسلمة تفاصيل الحياة على طريقتهم الخاصة دفعتهم لتدشين النشيد الإسلامى الحديث، المعتمد على الإنشاد الحماسى والكلمات الرسالية، والقائم على ألحان أشبه بنسق المارشات العسكرية والأناشيد الوطنية.
مع موجات الربيع العربى وانفتاح عالم الفضاء المرئى والمسموع أمام جماعات الإسلام السياسى انتشرت العديد من القنوات الموجهة للأطفال والتى تمتزج برامجها بمناهج التربية المعتمدة لتلك الجماعات، فبعد أن كانت المناهج التربوية للنشء داخل الجماعات الدينية مقتصرة على من يحضرون الأسر والتجمعات المغلقة أصبح من السهل إيصال محتوى أى جماعة عن طريق نشيد إسلامى أو فيلم كارتون أو برنامج دينى موجه للأطفال. وتخصصت قنوات أخرى فى النشيد الإسلامى الموجه للطفل؛ مع إدراكهم لقوة النشيد فى إيصال الرسائل المطلوبة بشكل أفضل وأسرع
رصد نشأة النشيد الحركى وتتبع تطوره تاريخياً وصولاً إلى انتشار قنوات الأطفال التى تنشر تلك الأناشيد داخل كل بيت، إلى جانب ذلك الأثر التى تركته فى نفوس أعضاء جماعات الإسلام السياسى، يطرح سؤالاً مهماً عن الأبواب الخلفية التى تنتهجها الجماعات لنشر أفكارها والوصول لأكبر قدر من معتنقى أفكارها، حتى وإن كانت مجرد قناة للأطفال تقدم أناشيد دينية لا تجد الأسر أى غضاضة فى أن يستمع لها أطفالهم، فهى فى عرف الأسر أولاً وأخيراً مجرد أناشيد إسلامية! يدندنها الأطفال، ولا ضير من بعض المرح واللعب، وفى النهاية هم لا يزالون أطفالاً، وللأسف تلك النظرة هى الأخطر فى التعامل مع الحروب الثقافية، فالطفولة هى البذرة الأولى والأهم فى تشكل ثقافتنا!
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الحرب الثقافية الخطب الدينية المحاضرات تاريخ الحركة الإسلامية
إقرأ أيضاً:
سوريا تغلي في مواجهة الجماعات المسلحة
هيئة تحرير الشام تحصل على دعم أمريكي وسعودي وإسرائيلي .. وتخشى تمدد المواجهات إلى محافظات أخرى غارة إسرائيلية على مدينة جبلة في ظل عجز التكفيريين عن السيطرة على المدينة مقتل 147 مدنيا في عمليات في مدن الساحل السوري، والمرصد السوري يتحدث عن إعدام 87 مدنيا في الشوارع خلال الساعات الماضية مقاطع فيديو للتكفيريين توثق عمليات قتل في الشوارع وتنكيل لا يستثني الأطفال. مروحيات للتكفيريين ترمي بقذائف ثقيلة على المناطق السكنية في اللاذقية
تقرير/ إبراهيم الوادعي
بشكل متسارع تصاعدت وتيرة الاحداث في سوريا وخاصة في مدن الساحل السوري ودرعا، جنوب البلاد ضد المجموعات المسلحة التي تسيطر على الحكم في سوريا عقب الإطاحة بنظام الأسد..
حتى مساء أمس، جرى الحديث عن مقتل أكثر من 147 مدنيا، في مناطق بمدن جبلة واللاذقية وطرطوس وطريق حمص وطرطوس وكذلك حلب واللاذقية.
وفرضت الجماعات المسلحة حظر تجوال في تلك المناطق حتى صباح اليوم السبت.
وأظهرت المشاهد المصورة من مناطق الساحل السوري عمليات إعدام ميداني بناءً على تصنيفات طائفية وتكفيريه، وجثثا للقتلى ممرية على الطرقات وبعضها جرى إحراقها .
كما أظهرت المقاطع التي صورها التكفيريون أنفسهم، التلذذ بتعذيب أطفال تحت إطلاق الرصاص، والأسرى الذين ينتهي بهم المطاف إلى القتل في نهاية الفيديو .
كما أظهرت المقاطع المصورة عمليات إلقاء للقذائف الكبيرة من المروحيات على المنازل في مدينة اللاذقية في مفارقة تعيد التذكير باتهامات لنظام الأسد باستخدام البراميل المتفجرة على المنازل، وإلقاء القنابل من المسيرات، وسط اطلاق شعارات تكفيرية من المروحيات، وتحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مقتل 87 مدنيا في مدن الساحل السوري، خلال الساعات الماضية.
فمنذ سقوط نظام الأسد عمدت المجموعات المسلحة إلى استفزاز الطوائف العلوية والدرزية، فيما بلعت لسانها وخفضت سلاحها أمام الجيش الصهيوني الذي احتل ما يزيد عن 600 كيلو متر من الأراضي السورية، وطرد ممثليها من محافظة القنيطرة، وهو يواصل التوغل وبات على بعد اقل من 20 كيلو متراً من دمشق العاصمة، وسياسيا يستمر قادة الاحتلال بكيل الشتائم والإهانات لقادة المجموعات المسلحة.
ومنذ سقوط الأسد وعمليات التنكيل بالطوائف قائمة في أرياف حمص ومدن الساحل السوري، حيث الطائفة العلوية التي قبلت بالنظام التكفيري الجديد ولم يقبل هو بها، فيما ظلت الطائفة الدرزية تحمي نفسها عبر الحفاظ على تشكيلات مسلحة.
وخلال الأسبوع الماضي، اندلعت أول اشتباكات مسلحة مع الدروز، انتهت بسيطرة غير مطلقة للمجموعات المسلحة على جرمانا – التي تبعد 5 كيلو مترات عن العاصمة.
وعلى أعقاب حملات القمع والتحريض والاعتقالات وحتى التصفيات، تشكلت مقاومات سلمية، بدأت بتظاهرات دعا لها المجلس الإسلامي للتنديد بالانتهاكات التي تقوم بها الجماعات المسلحة، لكنها سرعان ما تحولت إلى مواجهات مسلحة، تشهدها مناطق الساحل السوري، قتل فيها أيضا العديد من العناصر التكفيرية، فيما يبدو انها حالة شعبية توشك على التحول إلى ثورة، اضطرت معها الجماعات التكفيرية إلى قطع الكهرباء عن مناطق الساحل السوري، وإعلان حظر التجوال.
وتظهر مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، تقدم قوات الأمن إلى الشمال على طول الساحل، إلى مدينة جبلة، أمس الجمعة، بالقرب من القاعدة الجوية الروسية في حميميم، وأظهرت مقاطع أخرى قوات تكفيرية تدخل القرداحة، مسقط رأس عائلة الأسد، وسط انفجارات وأعمدة من الدخان.
تكفيريو هيئة تحرير الشام حصلوا على دعم من الولايات المتحدة والسعودية التي أعلنت عن دعمها للجماعات المسلحة، واتهم النائب الأمريكي جو ويلسون، عبر منصة «إكس» (تويتر سابقا) الأسد بـ»محاولة زعزعة استقرار سوريا».
وأعلنت المملكة العربية السعودية، عن دعمها القوي لما أسمته الإدارة السورية الحالية، وإدانتها لما وصفتها بالجرائم التي ارتكبتها مجموعات خارجة عن القانون» في سوريا، حد قولها.
وللمفارقة، فهذه المواقف للولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي والسعودية الداعمة بوضوح للتكفيريين، تتناقض تماما مع ما يجري في جنوب سوريا، حيث تتوغل القوات الإسرائيلية، وأعلنت القيادة الصهيونية أنها حاضرة لدعم الدروز في مواجهة الجماعات المسلحة، وأيدتها الولايات المتحدة الامريكية.
التصعيد والتوتر الذي يشهده الساحل السوري ودرعا في الجنوب ضد تكفيريي هيئة تحرير الشام، هو الأعنف منذ الثامن من ديسمبر ويفتح مسارا متصاعدا جراء الأعداد الكبيرة من القتلى والتصفيات خلال الساعات الماضية، وسط تجاهل دولي وإقليمي ووسط رغبة لدى التكفيريين في دمشق بالسيطرة على الأوضاع الميدانية في الساحل قبل أن تتوسع إلى محافظات أخرى أو تحفز جماعات مسلحة متقاطعة مع الجولاني، وقد نرى تسريعا للتطبيع مع الكيان الصهيوني الذي شارك في مواجهات الساحل عبر غارة شنتها طائراته غارة على مدينة جبلة، حيث تدور اشتباكات عنيفة ويعجز تكفيريو هيئة تحرير الشام عن السيطرة على المدينة .
ولربما يجد تنظيم الجولاني في تصعيد القمع ضد الطوائف مخرجا لصرف الأنظار عن انبطاحه أمام العدو الإسرائيلي وتسليمه جبل الشيخ أعلى قمة في شمال الجزيرة العربية للعدو الإسرائيلي، ومنطقة عازلة خالية من السلاح، بما يقارب ألف كيلو متر مربع.
وأظهرت مقاطع مصورة دبابات إسرائيلية تجوب أرجاء قرى جنوب العاصمة دمشق بأقل من 20 كيلو مترا، وسط ذهول السكان وغياب تام للمسلحين .
سوريا في ظل حكم الجولاني تغلي على صفيح من نار، وبرغم التضليل الذي تمارسه قنوات كالجزيرة والعربية على الأوضاع هناك، يبدو أن سوريا في طريقها لتشهد ثورة على التكفيريين وبأسرع مما توقع أفضل المتفائلين