ضفادع تشيرنوبل تتكيف مع الإشعاع دون التأثير على الشيخوخة أو هرمونات التوتر!
تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT
روسيا – أظهرت دراسة جديدة أن مستويات الإشعاع التي تعرضت لها الضفادع في منطقة تشيرنوبل لا تؤثر على العمر أو معدل الشيخوخة لديها، ولا حتى على هرمونات التوتر.
ولم تظهر أي اختلافات بين الضفادع التي تعيش في مناطق ذات مستويات إشعاع عالية وتلك التي تعيش في مناطق خالية من الإشعاع. كما لم يتم العثور على فروقات في مستوى هرمون الكورتيكوستيرون، الذي يرتبط بالاستجابة للإجهاد، بناء على مستوى الإشعاع الذي تعرضت له هذه البرمائيات.
وفي عام 1986، أدت كارثة تشيرنوبل النووية، حينما انفجر مفاعل تشيرنوبل الرابع لتوليد الطاقة، بسبب خلل في أحد المولدات التوربينية، أثناء تجربة كانت تجرى عليه، إلى أكبر إطلاق للمواد المشعة في البيئة في تاريخ البشرية. وقد كانت كارثة لجميع أشكال الحياة البرية.
وكشفت نتائج الدراسة الجديدة أن “ضفدع الأشجار الشرقي” (Hyla orientalis) يبدو أنه لم يتأثر بشكل كبير، إذ أن التعرض المزمن للإشعاع في البيئة المحيطة لم يؤثر على عمره أو مستوى التوتر أو الشيخوخة لديه.
وقال بابلو بوراكو، مؤلف الدراسة وباحث ما بعد الدكتوراه في المركز البحثي الإسباني Estación Biológica de Doñana: “أعتقد أن مستويات الإشعاع الموجودة حاليا في منطقة تشيرنوبل ليست كافية لإحداث ضرر ملحوظ للكائنات الحية في الحياة البرية، على الأقل في معظم مناطق تشيرنوبل. ولست مندهشا من ذلك”.
وتابع: “في غضون أسبوعين من العمل في بعض المناطق شديدة التلوث (لعدة ساعات كل يوم) تراكم لدينا نفس مستوى الإشعاع الذي يتعرض له المرء في زيارة واحدة لطبيب الأسنان. وذلك لأن أخطر النظائر المشعة التي تم إطلاقها في لحظة حادث تشيرنوبل لها “عمر نصف قصير جدا”، لذلك انخفضت مستويات الإشعاع بسرعة بعد عدة أشهر أو سنوات”.
ويستخدم مقياس عمر النصف لمادة نشيطة إشعاعيا للإشارة إلى مقدار الوقت اللازم للكمية لتنخفض إلى نصف قيمتها التي تم قياسها في بداية الفترة الزمنية لتحلل إشعاعي.
وكان بوراكو جزءا من فريق بقيادة جيرمان أوريزولا الذي أجرى عملا ميدانيا في تشيرنوبل بين عامي 2016 و2018، وفحص مجموعات الحيوانات مع التركيز بشكل خاص على ضفدع الأشجار الشرقي.
وقد أخذوا عينات من مجموعات الضفادع في تشيرنوبل تغطي كامل تدرج التلوث الإشعاعي الموجود في المنطقة، وجمعوا أكثر من 200 ضفدع ذكر.
وفي بيئة معملية، قاموا بتقييم أعمار الضفادع، وكمية الإشعاع التي امتصتها، ومستويات هرمون التوتر الكورتيكوستيرون لديهم، وحددوا معدل الشيخوخة لديهم باستخدام طول التيلومير كعلامة.
وأظهرت النتائج عدم وجود فرق بين متوسط العمر ومعدل الشيخوخة ومؤشرات الإجهاد في ضفادع الأشجار في تشيرنوبل مقارنة بتلك التي تعيش في مناطق خالية من الإشعاع، ما يشير إلى أن مستويات الإشعاع في المنطقة لم تعد كافية للتسبب في أضرار مزمنة.
ويقول المؤلفون إن النتائج تعزز دور منطقة تشرنوبل المحظورة كملجأ للحياة البرية يجب الحفاظ عليه، خاصة وأن التأثير الحالي للحادثة يبدو قابلا للإدارة بالنسبة للضفادع.
وأوضح بوراكو: “حتى لو لوحظ انخفاض طفيف في متوسط العمر في الحياة البرية، فقد تكون العواقب البيئية والتطورية منخفضة. لقد سمح غياب البشر بالتأكيد بزيادة هائلة في عدد الحيوانات البرية في تشيرنوبل الحالية”.
وكشفت دراسة سابقة شارك فيها بوراكو تغيير مذهل في صبغة الضفادع، حيث تحولت من اللون الأخضر إلى الأسود بطريقة يمكن أن تحميها من الإشعاع.
ويسعى الفريق الآن إلى مواصلة عملهم حتى يتمكنوا من إجراء أفضل تقييم للتأثير الحالي لحادثة تشيرنوبل على الحياة البرية.
نشرت الدراسة في مجلة Biology Letters.
المصدر: iflscience
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: مستویات الإشعاع الحیاة البریة فی تشیرنوبل
إقرأ أيضاً:
حاضنات الابتكار الاجتماعي .. بلورة التوافق وإحداث التأثير
هيمنت العلوم الأساسية والتطبيقية على المشهد الابتكاري لعقود طويلة، واقتصر فهمنا للابتكار -تقليديا وتاريخيا- على خلق القيمة الاقتصادية من الاختراعات العلمية والتكنولوجية، وتحقيق الميزة التنافسية، وعندما يأتي الحديث عن حاضنات ومسرعات الأعمال كإحدى أدوات اكتساب القيمة من مخرجات المعرفة والابتكار، فإن الابتكارات الاجتماعية تكون غالبا غير بارزة، فهل حان الوقت للالتفات إلى هذه الابتكارات التي لا يقتصر تأثيرها على قطاع اقتصادي محدد مثل الابتكارات التكنولوجية، ولكن يتم استحقاق القيمة من الابتكار الاجتماعي والتأثير على الاقتصاد والمجتمع ككل؟
فإذا تتبعنا نشأة مفهوم الحاضنات والمسرعات، نجدها قد ظهرت في منظومات الابتكار كأطراف وسيطة، وذلك من أجل سد الفجوة بين الأوساط الأكاديمية وريادة الأعمال، ويتلخص دورها في ترجمة الأفكار المبتكرة إلى تطبيقات عملية، وتعمل الحاضنات في الواقع على منهجيات بسيطة وإن كان دورها الفعلي هام ومحوري، ووجودها في العملية الابتكارية يمكنه أن يحدث فرقا كبيرا في المخرجات، فالحاضنات في الإجمال توفر البيئة الداعمة للأفكار أو بذور الأفكار، وتوظف مختلف أشكال التعلم والتبادل المعرفي وتأسيس شبكات التعاون، والتكامل والتشبيك مع جميع أصحاب المصلحة والشركاء والمستفيدين، وعلى الرغم من أن الجيل الأول من الحاضنات والمسرعات لم يكن مرتبطا بشكل حصري بالابتكارات العلمية والتكنولوجية، إلا أنه قد جرى العرف بألا تضم هذه الحاضنات ابتكارات في التخصصات الاجتماعية ومختلف فروع العلوم الإنسانية، وهذا ما تسبب في تأخر ظهور حاضنات الابتكار الاجتماعي، ومع تنامي الأصوات التي كانت تنادي بأهمية قيادة الابتكار الاجتماعي وعملية وضع حلول التحديات الاجتماعية، وبأن الحلول التكنولوجية لوحدها ليست كافية في معالجة القضايا الاجتماعية، فقد تم تخصيص حاضنات ومسرعات للابتكار الاجتماعي، وتطور مسماها مع الوقت إلى ما يطلق عليه الآن «حاضنات التأثير الاجتماعي».
ففي سياق الابتكار الاجتماعي، يرتبط إحداث التأثير الإيجابي بتسهيل عملية اقتران الأفكار الإبداعية والابتكارية بأشكال جديدة وواسعة المدى من ريادة الأعمال التي تؤدي إلى النتائج الاجتماعية المنشودة. ويتطلب ذلك وجود هياكل مؤسسية، وعمليات معيارية منظمة لهذا الاقتران، ولهذا السبب، يجب أن يتم توفير البيئة التي يحدث فيها هذا الإبداع الاجتماعي، ويمكن اعتبار حاضنات التأثير الاجتماعي بأنها المكان المكافئ للحاضنات العلمية الداعمة للبيئات الصناعية والإنتاجية القائمة على التكنولوجيا، ولكن في صورة مختلفة ومغايرة تماما للمفهوم التقليدي للحاضنات العلمية، فالتحديات الاجتماعية تحدث في واقع حياة المجتمعات، وهذا عكس التحديات الصناعية التي تنشأ في نقاط دقيقة في خط الإنتاج، والتي يسهل تجريب الحلول المقترحة وتقييمها، ولكن ينفرد الابتكار المجتمعي بأنه متطلب من حيث الفترة الزمنية التي تمر بها هذه الحلول لتقييم نتائجها، وكذلك من حيث النطاق الواسع الذي يرافق تنفيذها، ونظرا لهذه الاختلافات الجوهرية في مقومات وركائز الابتكار الاجتماعي مقارنة بالابتكارات العلمية والتكنولوجية، فلا بد من التأكيد على أهمية الفهم الواعي لتفعيل حاضنات التأثير الاجتماعي دون استنساخ تجربة الحاضنات العلمية بحذافيرها، مما يستوجب وضع استراتيجية شاملة للابتكار الاجتماعي، بحيث تضمن تعزيز ومواءمة الإبداع الاجتماعي مع التوافق الاستراتيجي في معالجة الاحتياجات الاجتماعية الملحة، وتحقيق التأثير المطلوب، مع التفكير في إطلاق أشكال هجينة وغير تقليدية من الحاضنات والمسرعات لكونها محركات أساسية لتحقيق الابتكار الاجتماعي.
وعلى المستوى التشغيلي، يُعد الحيز المكاني لموقع الحاضنات العلمية من أهم العوامل المحددة لنجاح الابتكارات العلمية، حيث إن القرب المكاني للحاضنات العلمية من المراكز البحثية والابتكارية يساعد بشكل كبير في عملية انتشار المعرفة، واستقطاب الكفاءات العلمية، وتعزيز اكتساب المهارات التقنية، وهي جميعها عوامل حاسمة في تطوير الابتكارات التكنولوجية إلى منتجات أو خدمات قابلة للتصنيع والتسويق، وفي الجهة المقابلة فإن الابتكارات الاجتماعية لا تعتمد بشكل كامل على مخرجات الأبحاث النظرية، أو الرؤى الفلسفية وحسب؛ ولكنها تقوم على القيمة المكتسبة تشاركيا من المعرفة النظرية، والحكمة، والخبرة العملية، والفهم العميق للقضايا والتحديات الاجتماعية الأساسية، والتي من شأنها أن تعزز الاستجابة الريادية لهذه التحديات، وهذا بدوره يجعل من الموقع المكاني للحاضنات والمسرعات محورا ثانويا، وفي ذات الوقت يُظهر أهمية تعزيز روابط الابتكار، والاستثمار في رأس المال الاجتماعي، ولا يقتصر ذلك على مشاركة جميع الفاعلين والمستفيدين من العملية الابتكارية، ولكنه يتطلب صناعة جيل من رواد الأعمال الاجتماعية الذين يمكنهم تحفيز التفاعل بين منتجي المعرفة والابتكار الاجتماعي وبين قطاعات الأعمال والمجتمع بأكمله من جهة، ومن جهةٍ أخرى، يمكن لرواد الأعمال الاجتماعية أن يلعبوا دورا حاسما في خلق الطلب على الابتكارات الاجتماعية مما يساعد على إنتاج المزيد من الأفكار الابتكارية في المجالات الاجتماعية، وتوليد رؤى أكثر ثراء حول الروابط الإنتاجية بين حاضنات التأثير الاجتماعي والجهات المنتجة لهذا الابتكار، والمساهمة بشكل مباشر في تسريع جعل الابتكار الاجتماعي محركا مركزيا في أجندات ريادة الأعمال، وترسيخ تكاملها مع أبعاد مترابطة من أنواع الابتكارات الأخرى، والتي تقوم جميعها على بناء القدرات وإحداث التأثير المطلوب.
وبذلك يمكن القول بأنه لا يتمثل التحدي في الافتقار إلى الابتكارات الاجتماعية بحد ذاتها، بل في ضرورة تعزيز منظومة مستدامة لتوليد الابتكار الاجتماعي الذي يتسم بالفعالية في استكشاف الحلول الابتكارية ذات الإمكانات الواعدة، والتوافق بشكل وثيق مع الاحتياجات الاجتماعية، والقدرة على إحداث الأثر المنشود، وقد حان الوقت لإبراز هذا النوع من الابتكار، وتمكينه ليأخذ دوره بجانب الابتكارات العلمية والتكنولوجية، وتوفير البيئة المحفزة له على المستوى التنظيمي والتشغيلي، وتأتي حاضنات التأثير الاجتماعي كحلقة الوصل في تمكين هذا المسار، وذلك من حيث تسهيل الوصول إلى المؤسسات الابتكارية، والمبتكرين الأفراد الذين يمتلكون الفهم العميق للتحديات الاجتماعية، وفي الوقت نفسه، لديهم الأفكار حول كيفية حلها، ولكن تنقصهم القدرة التنظيمية الكافية لتطوير وتسريع هذه الأفكار بمفردهم، وتحويلها إلى مبادرات ومشروعات ذات قيمة ومردود، وكذلك تنقصهم أدوات توظيف رأس المال الاجتماعي، الذي يمثل الدعامة الأساسية في إنجاح الابتكار الاجتماعي، والوصول إلى الهدف الأوسع والمتمثل في خلق تأثير إيجابي وبطريقة مبتكرة ومستدامة وتمكينية للاقتصاد والتنمية الاجتماعية.