ما حدث بالعاصمة الهولندية أمستردام لنحو 3 آلاف صهيوني مشجّع لفريق “مكابي تل أبيب” من ضرب ومطاردات مُذلّة في الشوارع، ليس سوى نتيجة طبيعية للاستفزازات الصارخة التي قام بها هؤلاء الحاقدون تجاه الفلسطينيين والعرب طيلة يوم كامل؛ إذ اعتدوا قبل المباراة الكروية على سائق تاكسي مغربي، ثم أنزلوا العلم الفلسطيني من واجهة إحدى البنايات ومزّقوه وأحرقوه، كما كانوا يردّدون “الموت للعرب” طيلة المباراة التي رفضوا فيها حتى الوقوف دقيقة صمت على 205 ضحية من الإسبان الذين توفوا نتيجة الإعصار الأخير، فأشعلوا الألعاب النارية في المدرّجات ابتهاجا، وكذا نكاية في الحكومة الإسبانية التي رفضت حرب الإبادة في غزة، ومنعت سفنا صهيونية محمّلة بالأسلحة من الرسوّ في موانئها.
ونتيجة لكل هذا الكمّ من الاستفزازات التي لا تُطاق، فقد تلقّى هؤلاء الرّعاع المتبجّحون ما يستحقّون من عقاب، وطاردهم آلاف الهولنديين والمهاجرين العرب والمسلمين في الشوارع وضربوهم وكسروا عجرفتهم وأذلّوهم إلى درجة إجبار بعضهم على ترديد عبارة “فلسطين حرّة”.
المفارقة أنّ هذه الأحداث لم تقع لسياح صهاينة في أيّ عاصمة من عواصم التطبيع العربية التي يسرح فيها الصهاينة ويمرحون بلا ضوابط، بل جرت في العاصمة الهولندية التي عادة ما يوصف ناديها الكروي الشهير “أجاكس أمستردام” بـ”النادي اليهودي”، ومن طرف الهولنديين وثلّة من المغاربة والمهاجرين العرب والمسلمين، وهذا الأمر له دلالة واضحة لا تخفى عن لبيب؛ فحرب الإبادة بغزة التي تتواصل منذ 13 شهرا كاملا، وما جرى فيها من مذابح ضد الأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين عامّة، وما حدث من تدمير للمساكن والمدارس والمستشفيات وحتى لآبار المياه وغيرها من منشآت البنية التحتية للفلسطينيين، بدأت تفتح عيون شعوب العالم على الحقيقة الإجرامية الفاشية الحاقدة لهذا الكيان الذي يتصرف خارج أي قواعد للقانون الدولي الإنساني، ومن ثمّة، فقد تصاعدت موجات الكراهية ضدّه حتى أنّنا رأينا مئات المسيرات الشعبية في شتى العواصم والمدن الأوروبية والغربية.
ومع تواصل الحرب الآن، وحصار شمال غزة ومنع الطعام والماء والدواء عن عشرات الآلاف من الفلسطينيين هناك منذ أزيد من شهر، فقد تصاعدت مشاعر الكراهية لهذا الكيان النازي البغيض في قلوب أحرار العالم، ومنهم أحرار هولندا الذين هاجموا الأوباش الصهاينة وضربوهم وأذلّوهم، فضلا عن شرفاء المغرب الذين أكّدوا مجدّدا أنّهم في واد والمخزن المتصهين في واد آخر.
لأنّها مؤشّر واضح على بداية انهيار السردية الصهيونية واتّساع دائرة التعاطف العالمي مع الفلسطينيين
ولأنّ الأحداث وقعت في عاصمة أوروبية كبيرة وليس في بلد عربي مطبّع كما أسلفنا، فقد كان وقعه شديدا على قادة الاحتلال الذين وصفوها بـ”المروعة”، لأنّها مؤشّر واضح على بداية انهيار السردية الصهيونية واتّساع دائرة التعاطف العالمي مع الفلسطينيين، وهنا لم يجد قادة العدوّ سوى ترديد عبارات ممجوجة لترهيب الهولنديين، من قبل أنّها هجمات “معادية للسامية”.
بل إنّ سفير الاحتلال لدى الكيان الصهيوني بالغ بشكل مهول في تضخيم أحداث الضرب، ووصفها بـ”الاضطهاد” و”العنف الشديد” الذي زعم أنّه يمارس على “اليهود في شوارع هولندا”، وقال إنها “مذبحة تجري حاليا في أوروبا في سنة 2024″؟! أليس هذا أمرا مثيرا للسخرية؟ إذا كانت مطاردة مئات الصهاينة في شوارع أمستردام وتوجيه لكمات وركلات إليهم “مذبحة!”، فكيف يصف إذن هذا السفير ما يجري في غزة منذ 13 شهرا من تمزيق أجساد آلاف الأطفال والنساء إلى أشلاء؟
ولماذا يزعم السفير أن “يهود هولندا” يتعرّضون لـ”الاضطهاد” و”العنف الشديد” والحال أنّ الأمر يتعلّق بمستوطنين قدموا من الكيان لمناصرة فريقهم الصهيوني، وليس بيهود هولندا الذين يعيش 15 ألف منهم في هذا البلد سلميا مع المهاجرين المسلمين منذ عقود من دون أن يحدث ضدّهم أدنى اعتداء؟ أليس هذا قلب للحقائق بغية استدرار عواطف الأوروبيين وتحريضهم على المسلمين وتغذية الإسلاموفوبيا؟
إنّه تلاعب صارخ بالكلمات من صهاينة تعوّدوا على التهويل حينما يتعلّق الأمر بهجمات تطالهم ولو اقتصرت على اللكم والرّكل والشّتم، أمّا حينما يرتكب جيشهم مجازر مهولة بقنابل عملاقة تزن 970 كيلوغرام، ويدمّرون بها المدارس ويقتلون الأطفال، فيبرّرونها بـ”الدفاع عن النفس” ويشيد بها مستوطنوهم ويتغنّون بها في الملاعب، ألم يردّد هؤلاء الحاقدون عبارة “لا توجد مدارس في غزة، لأنّه لم يعد هناك أطفال”!
في جميع الأحوال: شكرا يا أحرار هولندا، وشكرا لكلّ المهاجرين العرب والمسلمين الذين طاردوا هؤلاء الحثالات في شوارع أمستردام وأشبعوهم ضربا ولقّنوهم درسا قاسيا، لقد فعلتم ما كان يتوجّب فعله في شوارع دول عربية متصهينة منبطحة، ونأمل أن يتكرّر كثيرا هذا المشهد المشرّف في مدن أوروبية وعالمية أخرى.
الشروق الجزائرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه أمستردام غزة هولندا غزة هولندا أمستردام مكابي تل ابيب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة مقالات رياضة صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی شوارع
إقرأ أيضاً:
تذكّروهم.. حيثما كانوا
(1)
ها هو شهر رمضان يلملم أوراقه الأخيرة، ليترك مكانه لزائر كريم آخر، هو العيد، وما أدراك ما العيد، إنه الأيام الثلاثة الأكثر بذخا لدى «بعض» المسلمين، الذين تفـيض موائدهم عن حاجة نصف سكان الأرض، بينما يتضور الكثير الآخر منهم جوعا، وظمأ، يعيشون دون طعام، يأكلون الفتات، ويشربون ماء البحر، ويموتون عطشا، وبردا، صائمون قبل رمضان وبعده، لم يعودوا يفرّقون بين الأيام، ولا يهتمون بالوقت، ولا ينظرون إلى السماء ليعرفوا فـي أي شهر (عربيّ) هم، إنه التناقض المريع الذي يعيشه المسلمون، التشرذم المقيت الذي يحيونه، الإحساس المعدوم الذي افتقدوه بالآخر، يرون، ويسمعون، ويقرأون عن حرب إبادة إخوانهم فـي «غزة» ولا يلتفتون إليهم، بل أصبح بعض العرب أكثر قسوة من عدوهم، يؤيدونه، ويمدونه بالمال والسلاح، ليقضي على «أخوانهم»، تماما كما هي قصة «قابيل وهابيل» الأزلية، لقد أصبحت شعائر الله مجرد عادات، وتقاليد لدى الكثيرين، لا يحرك فـيهم ضميرا، ولا نخوة، ولا رجولة، ولا إنسانية، وتمر عليهم آية «..إنما المؤمنون أخوة..» دون أن يراعوا حقها.. فأي صوم ذاك الذي صاموه «بالعادة»، بينما هم غائبون، أو مغيّبون عن فقهه، ومعانيه النبيلة الأكثر عمقا، وفهما؟!!
(2)
بينما يحتفل الناس بالعيد، بين أهاليهم، هناك من هم يعملون من أجل أن ينعم المواطنون بالراحة، والأمان، والرفاهية أحيانا، هناك رجال الأمن (الشرطة والجيش) الذين يؤمنون بواجبهم الوطني المقدس، والذين يحرسون هذا الوطن، ومن سكن على أرضه، لينعم كل مواطن ومقيم بالهدوء، والسلام، والطمأنينة.
تحية لأولئك الأطباء والممرضين، والمناوبين من رجال الإعلام، والبلديات، وغيرهم من المرابطين على رؤوس أعمالهم، فـي مثل هذه الأيام التي ينتظرها كل فرد، ليعيش بهجة أول أيام العيد مع أهله، وذويه يشاركهم المتعة، والفرحة، ويعيّد على أولاده، وأسرته، وأهله، هؤلاء الذين يضحون بأوقاتهم السعيدة، من أجل الوطن، يستحقون منا كل إجلال، وإكبار.
(3)
فـي المستشفـيات أولئك الذين أنهكهم المرض، وفتّ عضدهم السقم، والذين يعاونون على فراش المشفى، ينتظرون زيارة من ولد، أو زوج، أو قريب، أو بعيد، ينظرون إلى الممرات، وعيونهم مشرعة على أبواب العنابر، علّهم يرون من يخفف عنهم، ويشاركهم فرحته، ويفتح لهم أبواب الأمل، ويعيد إليهم روح التفاؤل، ويرفع من روحهم المعنوية أيام العيد، ويصبّرهم على معاناتهم، مرضى مزمنون، وأمراض فتاكة، ووقت طويل بين الثانية، والثانية، إنهم يستحقون منا بعض الوقت، لزيارتهم، والتخفـيف من معاناتهم، والوقوف معهم أيام العيد.
(4)
هناك النزلاء فـي السجن، الذين يبكون حرقة على ما فرطوا فـي حق أنفسهم، وأسرهم، يحسبون الثواني، والدقائق، ويتلهفون للحظة التي يرون فـيها نور الحرية، أولئك الذين يدفعون ثمن أفعال لم يحسبوا لها حسابا، والذين ضاعت زهرة شبابهم وهم بين جدران السجن، بين حاضر مؤلم، ومستقبل معتم، يغمضون أعينهم كي يروا العالم من جديد، ويفتحون قلوبهم كي يشعروا ببعض الحياة التي تنتظرهم.
هؤلاء يستحقون منا أن نتعاطف معهم، وننتظر فرجهم، ونخفف عنهم، ونسأل الله أن يفرّج كربهم، فتحية لهم، وتحية لرجال الأمن فـي السجون الذين تخلصوا من عقدة «السجين والسجان»، والذين يخففون من معاناتهم، ويتفهمون ظروفهم، ويعايشون تحولاتهم، فلهم كل الأجر، والثناء، والتحية.
(5)
تحية لكل هؤلاء، لكل أم تنتظر ولدها، لكل أب يعمل من أجل أسرته، لكل مغترب ذهب ليؤدي واجبه فـي الخارج، لكل دارس فـي بلاد الدنيا يسعى ليعلي اسم وطنه.. تحية لكل هؤلاء فـي العيد السعيد.. تذكروهم، ولا تنسوهم.
وكل عيد والجميع مؤتلفـين، متآلفـين، يحتفلون مع أحبائهم بسعادة ومحبة.