الأنظمة العربية الوراثية.. وحميميةُ العلاقة مع الإدارة الأمريكية
تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT
يمانيون – متابعات
انتهت المعركة الانتخابية الرئاسية الأمريكية بفوز من تريدُه الحكومةُ العميقة الرأسمالية الصهيونية المتوحشة، لشغل منصب رئيس الإدارة الأمريكية، وهذه الحكومة الموغلة في الإجرام والتوحش، تقيسُ مواقفَها من مختلف القضايا الداخلية والخارجية بما يحقّق مصالحها فحسب، دون اعتبار لحمار الحزب الديمقراطي أَو لفيل الحزب الجمهوري، وبالنسبة لأنظمة الحكم في المنطقة العربية الأصل أن تلك الانتخابات شأن داخلي أمريكي، ولا تعنيها لا من قريب ولا من بعيد، غير أن المخزي والمخجل حقًا أن وسائل إعلام الكيانات الوظيفية العربية ربطت مصير الجغرافيا العربية والإسلامية بشخص الرئيس الأمريكي المنتخب، ومن تابع القنوات الفضائية العربية، ومنها الحدث والعربية وسكاي نيوز والجزيرة وغيرها خلال أَيَّـام المعركة الانتخابية وتحديدًا اليوم الأخير منها، سيشعر بالخجل فعلًا من التغطية الواسعة والشاملة لكل تفاصيل تلك المعركة الانتخابية، من صور أيقونية أَو مواقفَ كوميدية للمرشحين أَو غيرها من التفاصيل المخجلة، في الوقت الذي توقفت فيه تمامًا ولساعات على الأقل عن تغطية أفعال جريمة الإبادة الجماعية المقترَفة بحق أبناء الشعب الفلسطيني، فيما عمل الإعلام العربي على تغطية معركتهم الانتخابية، رغم أنه لا فرقَ بين ديمقراطي وجمهوري جميعهم في سباق لسفك المزيد من الدم العربي، ولاستنزاف ثروات وموارد الشعوب العربية.
ولقد صممت تلك القنوات استديوهات مذهلةً لتغطية تفاصيل المعركة الانتخابية الأمريكية ونقلها للمواطن العربي بدقة وجودة عالية، لم يسبق لها مثيل، ولم يسبق لها أَيْـضًا أن خصصت لأية تجربة انتخابية في محيطها الجغرافي الإسلامي ولو بنسبة عشرة بالمِئة من الوقت والاهتمام الذي خصصته للانتخابات الأمريكية، رغم أن تجارب المحيط الإسلامي يمكنها رفع مستوى وعي الشعوب العربية بعشرات الدرجات أكثر من الانتخابات الأمريكية، لكن الواضح أن الأنظمة العربية الوظيفية غير معنية بوعي المواطن العربي، وكلّ ما يعنيها هو الترويج لمشغِّلها الأمريكي جمهوري أَو ديمقراطي ومن ورائهما المشغل الأكبر الرأسمالية المتوحشة، التي يعنيها فقط أن ترسي المزاد الانتخابي على مصالحها، بغض النظر عن شخص المرشح أَو حزبه، فلو انصرفت إرادَة السلطة العميقة الحاكمة في أمريكا لاختيار قرد أَو خنزير لمنصب الرئاسة لكان لها ذلك، ولروّجت وسائل إعلام الأنظمة العربية الوظيفية للحدث بأنه نوع من التطور والتغيير المذهل لشغل منصب رئاسة الإدارة الأمريكية!
ولو أن وسائل الإعلام العربية اهتمت بمعركة الانتخابات الحقيقية الواقعية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، واهتمت بنتائجها وخصّصت لها جزءًا من وقتها واهتمامها، لكان ذلك الاهتمام في محله، ولكان أجدى لشعوب الأُمَّــة العربية من تجريعها زيف وخداع وتضليل المعركة الانتخابية الأمريكية، والأدهى من ذلك والأمرُّ أن وسائل إعلام الكيانات العربية الوظيفية تعاطت مع نتائج هذه الانتخابات دون حياء أَو خجل، بوصفها عقابًا من الشعب الأمريكي للحزب الديمقراطي على أدائه المتدني! وهي بذلك التعاطي تستحمر الشعوب العربية أيما استحمار، فهذه الشعوب لم يسبق لها أبدًا أن عاقبت حكامها! بل لم يسبق لها أن حاسبتهم! بل لم يسبق لها حتى أن عاتبتهم، ليس على أدائهم المتدني! بل على غبائهم المستفحل، وعلى تسخيرهم لمقدرات الشعوب للمستعمر الأجنبي، وجعل أنفسهم مُجَـرّد أدوات بيده يستخدمها متى شاء وكيف ما شاء، نعم لقد كرّرت وسائل الإعلام العربية عرضها لنتيجة الانتخابات الأمريكية بأنها عقاب من الشعب الأمريكي لكاميلا هاريس ولحزبها الديمقراطي صاحب رمز الحمار واختار ترامب وحزبه الجمهوري صاحب رمز الفيل!
هذه الوسائل الإعلامية لم تكلف نفسها أبدًا مناقشة نتيجة الانتخابات السابقة التي فاز فيها بايدن مرشح حزب الحمار، وسقط فيها ترامب مرشح حزب الفيل! ولم تثر حينها أن ذلك كان عقابًا من الشعب الأمريكي لحزب الفيل، ولم تدرك وسائل الإعلام العربية حينها أن مرشح هذا الحزب حطّم بتصرفاته الغبية الغوغائية جزءًا من مصالح الحكومة الرأسمالية الصهيونية العميقة، التي أسقطت ترامب وغوغائيته ورفعت بايدن وزهايمره! وها هي اليوم قد أعادت للواجهة ترامب بعد إدخَال بعض التحسينات التي من شأنها إلزامه بالحفاظ على مصالحها الرأسمالية تحت عنوان عريض وهو (أمريكا أولًا)!
والعجيب أن وسائل الإعلام العربية -في تغطيتها لتفاصيل المعركة الانتخابية الرئاسية الأمريكية- لم تضع في اعتبارها ولو نسبة ضئيلة لتأثر الشعوب العربية بما جرى من تنافس انتخابي في أمريكا وما تلاه من عقاب شعبي، حسب وصفها، تجسد في نتيجة الانتخابات! ولم تضع هذه الوسائل الإعلامية في اعتبارها أن ترويجها الواسع لتلك الحرية الشعبيّة والديمقراطية، ولذلك التنافس المحموم في المعركة الانتخابية، أن يؤدي كُـلّ ذلك إلى أن تهفوَ الشعوب العربية إلى محاولة تقليد ومحاكاة الشعب الأمريكي، لتعبر من خلال ذلك عن اختياراتها وخياراتها، وحقها في معاقبة حكامها الذين أثقلوا كاهلها لعقود من الزمن!
ولم تفترض تلك الوسائل الإعلامية العربية أن ذلك الزخم الكبير والاحتفاء العظيم بالانتخابات الأمريكية، والتفصيل الدقيق لنتيجتها يمكن أن يدفع الشعوب العربية لكسر حالة الجمود ومحاكاة ما جرى في أمريكا، ولو من باب التقليد ولو من باب الدعابة! لكن يبدو أن وسائل الإعلام العربية وبكل أسف قد تعاطت مع المعركة الانتخابية الأمريكية بتلك الوقاحة وهي مطمئنة إلى أن عقلية المواطن العربي لا تختلف عن شعار الحزب الديمقراطي (الحمار) والجمهوري (الفيل)، وهي مطمئنة أَيْـضًا أن شعارَي هذين الحزبَينِ يمثلان حيوانيَن من البيئة الشعبيّة العربية!
والأدهى من ذلك والأمرُّ أن استحمارَ تلك القنوات للشعوب العربية قد بلغ مداه حين تنافست في عواجلها وبشكل متتابع وفي تغطياتها المُستمرّة على إبراز تهاني حكام أنظمتها وولاة عهدهم لترامب الذي وصفته بـ(المرشح المنتخَب) وأبرزت حرص أُولئك الحكام وولاة عهدهم على تطوير وتنمية العلاقات التاريخية بين أنظمة حكمهم والإدارة الأمريكية! ورغم أن المُهنأ بالفوز بمنصب الرئاسة منتخب ولمدة محدّدة بأربع سنوات لا يحق له بعدها الترشح! والمهنئ مغتصب للسلطة لمدى الحياة! ورغم أن المُهنأ يُقر بفضل الشعب الأمريكي عليه ويشكره على ثقته، ويلتزم ويتعهد أنه لن يخذله! في حين أن المهنئ المغتصِب للسلطة يشعر أنه صاحبُ الفضل على الشعب، ويمكن أن يتوعده بمرارة العيش إذَا ما لمس منه أي تنكر لفضله!
ووسائل الإعلام وهي تورد في عواجلها تهانئ الحكام التي تكرّرت وتتابعت، بل وكانت من كثرة تكرارها وتتابعها ترتجفُ خوفًا من القادم إلى البيت الأبيض، وما ذلك إلَّا تعبير عن حالة المهنئين؛ إذ لم يخطر ببال تلك الوسائل الإعلامية أن الشعوب العربية يمكن أن تُستفز! وأن تتساءل كيف لحكام غير منتخبين تهنئة حكام آخرين منتخبين شعبيًّا بكل تلك الحفاوة وكأنهم يهنئون نظراءهم بمناسبة تنصيبهم ملوكًا؛ باعتبَارهم متفقين معهم في وسيلة إسناد السلطة، أما المنتخب من الشعب فوسيلة إسناد السلطة لكُلٍّ من المهنَّأ والمهنئين مختلفة تمامًا، وإن كان هناك من تهنئة فالأصل أن تكون على استحياء احترامًا لمشاعر الشعوب! وألَّا تكون سافرة ومُستمرّة على مدى أيام! نظرًا لاختلاف مدة جلوس كُـلٍّ منهم على كراسي الحكم! وقد تتساءل الشعوب العربية: كيف للشعب الأمريكي أن يقرّر مصير الحكام رفعًا وإسقاطًا؟ ولماذا لا يكون لها مثل هذا الحق في مواجهة حكامها؟ ولماذا تسمو الإرادَة الشعبيّة ولو ظاهريًّا في أمريكا وتسمو في البلاد العربية إرادَة الحكام وتسقط الإرادَة الشعبيّة؟ ولما يتتابع تساقط الحكام هناك ويستمر الحكام في البلاد العربية مدى الحياة؟ ويتوارث الحكم الإخوة والأبناء؟ كُـلُّ هذه التساؤلات وأكثر منها واردة من حَيثُ الأصل! فلماذا لم تعرها وسائل الإعلام العربية أي اهتمام في تغطيتها للانتخابات الأمريكية؟
لعل من المقبول والمعقول أن تتعاطى وسائلُ إعلام عربية في أنظمة ديمقراطية شكلية في تغطيتها للانتخابات الأمريكية بتلك الصورة، التي تعاطت بها وسائل إعلام عربية تتبع أنظمة وراثية؛ فقد يهنئ حاكم في نظام عربي موصوف شكلًا بأنه ديمقراطي، ويمكن أن يكون ذلك مقبولًا شعبيًّا، ويمكن التعاطي مع مثل ذلك التداول بأنه سينمّي ويطوّر التجربة الديمقراطية في بلد الحاكم المُهنئ والمحتفية وسائله الإعلامية بالانتخابات الأمريكية، لا مشكلة في ذلك، لكن المشكلة تكمن في تعاطي وسائل إعلام الأنظمة العربية الوراثية في تغطيتها للانتخابات الأمريكية بكل تلك الجرأة، دون اعتبار لمشاعر الشعب المتلقي الذي ينتقل حكمه بالوراثة من حاكم إلى آخر، بغض النظر عن شخصيته وأدائه وسلوكه؛ فالشعب في ظل هذه الأنظمة الوراثية يعتبر في كُـلّ الأحوال عنصرًا من عناصر تركة المورث، وينتقل حكمُه من السلف إلى الخلف على هذا الأَسَاس!
وإذا كان بالإمْكَان اعتبار تعاطي وسائل إعلام الأنظمة العربية الموصوفة شكلًا بأنها ديمقراطية وتهانئ حكامها للرئيس الأمريكي المنتخَب بأنه مقبول ومعقول، فَــإنَّ تعاطيَ وسائل الإعلام العربية في الأنظمة الوراثية، وتهنئة حكامها، وهم الوارثون للحكم، وتعبيرهم عن حميمية العلاقة مع الإدارة الأمريكية ولرئيسها المنتخَب يمثل مظهرًا من مظاهر العهر والشذوذ السياسي!
——————————————
المسيرة| د. عبد الرحمن المختار
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: وسائل الإعلام العربیة للانتخابات الأمریکیة الانتخابات الأمریکیة المعرکة الانتخابیة الإدارة الأمریکیة الوسائل الإعلامیة الأنظمة العربیة الشعب الأمریکی الشعوب العربیة إعلام العربیة الانتخابیة ا وسائل إعلام لم یسبق لها فی تغطیتها ة الشعبی ة فی أمریکا ة العربیة أن وسائل من الشعب أن الم
إقرأ أيضاً:
من فيتنام إلى اليمن.. عندما تُهزَمُ أمريكا أمام الشعوب الحرة
يمانيون../
تناول الإعلامي حميد رزق في حلقة يوم السبت، 19 إبريل 2025م من برنامج [الحقيقة لا غير] الذي يُعرَضُ يوميًّا على شاشة قناة “المسيرة” الساعة السابعة والنصف مساءً، التاريخَ الحديث والحالي للإجرام الأمريكي، ورسالة الشعب اليمن العظيم في وجهِ دولة العدوان أمريكا المجرمة والقاتلة.
وتطرق إلى بعضِ النماذج التاريخية التي توضحُ ضَعفَ وهزيمة دولة العدوان أمريكا أمام الشعوب الحرة، وكيف كانت بداية الورطة الأمريكية في فيتنام؟، التي أصبحت درسًا تاريخيًّا للشعوب الحرة حين قصمت ظهر الغطرسة الأمريكية آنذاك.
في مشهد تاريخي يوثّق واحدةً من أهم اللحظات التاريخية والهامة، لمرتزِقة أمريكا في فيتنام، والذي يؤكّـد أن إرادَة الشعوب لا تُهزَم، وأن دولة العدوان أمريكا مثل اللِّص، إذَا وجد أهلَ البيت خائفين من تهديده، يقوم بسرقة ما يريد وربما يرتكب جرائم بحق أهل البيت أنفسهم قبل أن يغادر بما سرق، زاعمًا أنه سجَّل انتصاراتٍ وفَرَضَ الهيمنة على مَن قام بسرقتهم.
هذا هو حال أمريكا اليوم أمام مَن يخضعون لها، ولكنها أمام الشعوب الحرة ممن تمتلك الحضاراتِ الراسخةَ والأصيلة، تضطرُّ للهروب، وتترك مرتزِقتها وأدواتها لمصيرهم المحتوم، وهذا ما يؤكّـده المشهد الذي يوثّق إقلاع وهروبِ آخر طائرة مروحية أمريكية، التي كانت على سطح السفارة الأمريكية في سايغون عاصمة جنوب فيتنام.
تلك الطائرة المروحية التي قامت بالإجلاء الجوي للأمريكيين فقط، على الرغم من تكدس العشرات من المرتزِقة الفيتناميين على سطح السفارة، ولكن الشيطان الأمريكي تنكّر لهم وتركهم لمصيرهم.
لذلك وقبل الوقوف مع التجربة والمحطة التاريخية التي سقطت فيها أمريكا تحت أقدام الشعب الفيتنامي العريق والصُّلب والمقاوم والشجاع، في ستينيات القرن الماضي.
لا بد من المرور عبرَ التاريخ الحديث، إلى مجزرة الإجرام الأمريكي، في ميناء رأس عيسى، تلك المجزرة المروعة والوحشية التي طالت عشرات المدنيين من العمال والموظفين والمواطنين في تلك المنشأة المدنية والمكشوفة.
مجزرة غير مسبوقة، ارتكبها العدوان الأمريكي، جراء استهدافه المباشر منشأةً مدنية، محمية بموجبِ القوانين الدولية والإنسانية، وبموجب كُـلّ الشرائع. ومع ذلك، يخرج الأمريكي يستعرض أمام العالم ويعلن استهداف هذه المنشأة، ويتحدث عن تدميرها وقتل المدنيين بكل وقاحة وإجرام وسقوط أخلاقي وإنساني.
ومن خلال مشاهد هذه المجزرة، فقد قرأ العالَمُ دليلَ فشل وإخفاق أمريكي، أكثرَ من كونه دليلَ حِقدٍ على الشعب اليمني، من خلال قتل المواطنين والعمال ثم بعد ذلك استهداف المسعفين وطواقم الإنقاذ. هذا الاستهداف لمنشأة حيوية مدنية، هو استهداف للشعب اليمني؛ كون المنشأة مرتبطة بحياة أكثر من 30 مليون يمني.
ولهذا فَــإنَّ الأساليب التي تمارسها إدارة المعتوه والمجرم ترامب اليوم، هي نفس الأساليب التي كان يستخدمها العدوان السعوديّ خلال السنوات الماضية، حَيثُ كان يهرب من فشله إلى محاولة تصفية الحسابات مع الأبرياء والمدنيين، أَو محاولة ترهيب الشعب اليمني بالجرائم السابقة.
ولكن بعد عشر سنوات من العدوان الأمريكي، ربما إدارة المعتوه لا تدري أنها تحصد النتائج العكسية، وأن الشعب اليمني -بما في ذلك ضحايا عدوانها وإجرامها- لن يتراجع عن مواقفه الدينية والإنسانية والمبدئية تجاه إخوانهم في غزة وفلسطين المحتلّة.
لا حَـلَّ أمامَ العدوان الأمريكي سوى هذا الموقف والتماسك، والتوحد خلف قيادتنا الحكيمة والمباركة، والاعتصام بالله والتوكل عليه، والتلاحم والوحدة بين الشعب والقيادة في كُـلّ الساحات والميادين.
وهذا أَيْـضًا ما جرَّبه الشعبُ اليمني العظيم والمجاهد، خلال تسع سنوات من العدوان الأمريكي السعوديّ السابق، ومع الصبر والثبات انتصر، وأصبح اليوم بموقفه المشرِّف مع غزة، ملهمًا لشعوب العالم وأحرارها، ويُعيد الاعتبار لقيم الحق والإنسانية بعدما هزم الجميع وهرب الجميع وتراجع الجميع.
ولكي نرى هشاشة وضَعف أمريكا أمام الشعوب الحرة كما جرى في فيتنام، يجب العودة إلى بعض النماذج التاريخية التي توضح ضعف وهزيمة أمريكا أمام الشعوب الحرة، التي ثبتت وواجهت على أرضها وعرضها، فكانت النتيجة أن سطَّرَها التاريخ نموذجًا لا يُنسى وتجربةً لا تُمحَى من ذاكرة الأمم والشعوب، ومن وعي وشعور المجرمين أَيْـضًا، حَيثُ يستحيل على أمريكا نسيانُ ما حَـلَّ بها على أيدي الثوار في فيتنام، عندما قرّرت استخدامَ القوة المفرطة والإجرام والقصف والتوحش لإجبار الفيتناميين على الاستسلام، ولكنها فشلت بل هُزمت واندحرت من هذا البلد الفقير والمستضعَف في تلك الفترة.
هناك تشابُهٌ نوعًا ما بين التجربة اليمنية وما جرى في فيتنام، التي قسمها المستعمرون إلى قسمين، الشمال كان تحت الأحرار والثوار الفيتناميين، وفي الجنوب نصَّبت أمريكا رئيسًا دُميةً، تمامًا مثل المرتزِق العليمي الموجود تحت حماية الاحتلال في عدن المحتلّة.
حَيثُ تبنَّت أمريكا النظامَ العميلَ والمرتزِق في سايغون عاصمة فيتنام الجنوبية، ووفَّرت أمريكا للمرتزِقة الدعمَ العسكريَّ والاقتصادي، وكان الهدف الزحف نحو مناطق الأحرار في شمال فيتنام، والقضاء على الثوار.
التشابه بين التجربتَينِ في اليمن وفي فيتنام ليس من حَيثُ العدوانِ الأمريكي المباشر فقط كما هو حاصلٌ حَـاليًّا، بل من خلال محاولةِ أمريكا وأدواتها، تقسيمَ اليمن إلى شمال وجنوب، وَأَيْـضًا من خلال قيام أمريكا بتنصيب نظامٍ عميل ومرتزِق في سايغون عاصمة فيتنام الجنوبية، كذلك من خلال تجهيز جيش من المرتزِقة والعملاء كما هو حاصل في اليمن حَـاليًّا.
والمفارقة اللافتة في التجربتين أنه في فيتنام فشل الرئيس الأمريكي أيزنهاور، واليوم التاريخ يعيد نفسه في اليمن؛ أيزنهاور يفر ويهرب أمام الشعب اليمني وقواته المسلحة، ولكن هذه المرة لم يكن الرئيس أيزنهاور، بل أيزنهاور حاملة الطائرات الضاربة والجبارة التي تحمل اسم ذلك الرئيس.
وأمام الفشل العسكري كان الأمريكيون يهربون إلى التوحش وارتكاب المجازر والإجرام بحق المدنيين الفيتناميين، وهذا نفسُ السلوك الذي تمارسه اليوم أمريكا في عدوانها على اليمن، فما كان يعملُه العدوّ الأمريكي في فيتنام، نراه اليوم يفعلُه في اليمن كما حدث في مجزرة رأس عيسى.
والمجازر والجرائم التي كان يرتكبها العدوّ الأمريكي في فيتنام، ما هي إلا هروبٌ من الفشل العسكري إلى التوحش والإجرام، ومحاولة إرهاب الشعب الفيتنامي وكسر إرادته، ورغم ذلك لم يكن يعلم الأمريكيون أنهم وقعوا في ورطة ستكلفهم هزيمة تاريخية لا تزال هي الأكثر حضورًا في ذاكرة ووجدان الشعوب الحرة على مستوى العالم حتى اليوم.
في فيتنام -ووفق اختلال موازين القوة والقدرة- راهنت أمريكا على أمرين: الأول قدرتها على ارتكاب المجازر وعلى التدمير، على أَسَاس أن القوة والقدرة على القتل والتدمير ستجبر الشعب على الاستسلام.
الأمر الآخر هو المرتزِقة من خلال دعمهم وتمويلهم ليخوضوا المعركة البرية بالنيابة عن الجيش الأمريكي الذي كان يريد أن يكتفي بالعمليات الجوية، ولكن المرتزِقة كانوا أضعف بكثير من أن يصمدوا أمام عنفوان وثبات الأحرار والثوار في شمال فيتنام.
وعن أسباب العدوان الأمريكي على فيتنام، يؤكّـد الإعلامي حميد رزق، أن العدوان الأمريكي على فيتنام، بدأ بذريعة أن الثوار هاجموا السفنَ الأمريكية، في البحار وبالبارجات الأمريكية التي أرسلتها واشنطن في تلك الفترة إلى خليج تولكين، وكان الهدف استعراض ومحاولة إرهاب الثوار في فيتنام.
بذريعة مهاجمة السفن الأمريكية قرّرت أمريكا توسيع العمليات العدوانية ضد الشعب الفيتنامي والثوار في الشمال. أما مرتزِقة فيتنام فهم مثل أي مرتزِق في العالم يقاتلون مقابل مكاسب مالية أَو مادية، ويحملون نفسية مهزومة ومنكسرة، وبعد كُـلّ الخسائر العسكرية والاقتصادية التي لحقت بالجيش الأمريكي، وجدت أمريكا نفسها تدفع فاتورة ثقيلة جِـدًّا من جيشها، وهيبتها، ومكانتها كقوة عظمى في العالم، كما دفعت من اقتصادها ثمنًا باهظًا يزيد عن 130 مليار دولار على الحرب، في ورطة مكتملة الأركان في شمال فيتنام.
وعلى الرغم من الإمْكَانيات الاقتصادية والعسكرية والتطور العسكري الهائل في أمريكا، حتى كان الأمريكيون يعتقدون أن بإمْكَانهم سحق الثوار والشعب الفيتنامي، الذي تعرض آنذاك لأبشع مجازر الإبادة الجماعية، ولأنواع الجرائم بحق أبنائه بما في ذلك النساء والأطفال. وارتكب الأمريكيون حرب إبادة وحشية بحق قرى ومدن بأكملها.
فشلت أمريكا وجيشها ومرتزِقتها، رغم أنها تمتلك الطائرات العملاقة منها البي2 الشبح والقاذفات بي 52 والسفن الحربية والصواريخ، وهُزمت أمام إرادَة الشعب الفيتنامي المستضعَف.
وما بين تجربة شعب فيتنام، والتجربة اليمنية، نعيش حالة انتصار اليمن على هيبة أمريكا، التي أصبحت تحت أقدام أبطاله، وهذا ليس قليلًا ولا هينًا ما يفعله اليمن في هذه المرحلة التي يشهد العالم فيها هزيمة أمريكا في البحرَين الأحمر والعربي، واحتراق بارجاتها وحاملاتها، وإعطاب بعضها وإجبار أُخرى على الانسحاب.
اليمن يُسقِطُ كُـلّ يوم هيبة أمريكا بإسقاط طائراتها في سماء مختلف المحافظات اليمينة، وأفشل أمريكا في مهمتها لحماية العدوّ الإسرائيلي، وفي كسر إرادَة الشعب الذي يخرج بالملايين متحديًا ومواصلًا هذا الموقف.
ومع الأيّام فَــإنَّ التاريخ سيطوي التجربة الفيتنامية ويسطِّـرُ التجربةَ اليمنية، ويتحدث عن تجربة هذا الشعب العظيم وقيادته العظيمة ومجاهديه الأبطال.