كثير هي المفاهيم التي ترتبط بها لعبة كرة القدم من جوانب الحياة المختلفة؛ مثل الأخلاق واللعب النظيف، حيث تخضع صناعة كرة القدم لمبادئ أخلاقية؛ كاللعب النظيف والنزاهة والروح الرياضية، وحتى الفلسفة التي تتجذر في المناقشات الفلسفية حول صناعة كرة القدم.
غالبًا ما تؤكد الأندية الناجحة على فلسفة العمل الجماعي، والوحدة على حساب النجومية الفردية، حيث يؤكد مدربون مثل يوهان كرويف وبيب جوارديولا، المتأثرين بفلسفة “الكرة الشاملة”، على ذلك، وكما نرى ذلك في نادي الهلال كمنظومة، ما يوضح كيف يمكن للمبادئ الفلسفية أن تشكل أنماط اللعب، بل وإستراتيجيات الأندية، كما أن فلسفة الإستراتيجية عبارة أخرى يستخدمها مسيرو كرة القدم كناية عن خطط اللعب، حيث تعكس فلسفات الهجوم مقابل الدفاع، وكرة القدم القائمة على الاستحواذ (مثل التيكي تاكا)، وكرة القدم الهجومية المرتدة مدارس فكرية مختلفة، كما يُعرف المديرون الفنيون؛ مثل جوزيه مورينيو ويورجن كلوب وفلسفاتهم الكروية المميزة، ما يؤثر على كيفية لعب فرقهم.
أمر آخر يترك أثرًا فلسفيًا تجاه كرة القدم، وهو الهوية الثقافية والوطنية؛ حيث تشكل كيفية كرة القدم انعكاسًا للهويات الثقافية والوطنية، حيث إن كرة القدم ليست مجرد رياضة؛ فهي بالنسبة للكثيرين رمز ثقافي يمثل الفخر والهوية الوطنية، وحتى الإيديولوجيات السياسية، فعلى سبيل المثال؛” كرة قدم السامبا” في البرازيل، أو أسلوب الدفاع التاريخي في إيطاليا (“كاتيناتشو”) متجذران في فلسفات ثقافية أعمق حول التعبير والبراجماتية والهوية.
إن التأثيرات الثقافية والاجتماعية لكرة القدم تنعكس على المشجعين في جميع أنحاء العالم للتعبير عن الولاء والشغف بفرقهم، ولكنها أصبحت وسيلة للتواصل، وللعلامة التجارية والاعتبارات الأخلاقية والتفكير الإستراتيجي والأهمية الثقافية للرياضة.
بُعد آخر..
ما قام به ألتراس باريس سان جيرمان من دعم لفلسطين، وردة الفعل تجاههم دليل على أنه لم يعد بالإمكان فصل أي أمر عن الآخر هذه الأيام.
@MohammedAAmri
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: محمد العمري کرة القدم
إقرأ أيضاً:
صناعة الفوضى
قرأت تصريحاً مستفزاً للغاية لمستشار اﻷمن القومي اﻷمريكي مايك والتز، قال فيه نصاً: "إن إدارة الرئيس دونالد ترامب ورثت حالة من الفوضى حول العالم، لا سيما في الشرق اﻷوسط من قبل سلفه جو بايدن"، ومبعث الاستفزاز والاستغراب معاً أن المسؤول الأمريكي رفيع المستوى تجنب اطلاعنا على المتسبب في هذه الفوضى العارمة والمأساوية التي يشتكي بمرارة من توابعها وأعراضها الجانبية المباشرة وغير المباشرة.
فهو سيحجم بلا شك عن الاعتراف بأن الولايات المتحدة كانت سبباً جوهرياً في استشراء الفوضى بعالمنا، وأن لها باعاً طويلاً في صناعتها، ولعل المثال اﻷبرز واﻷشهر كانت كوندوليزا رايس وزير الخارجية الأسبق، التي بشرتنا في تسعينيات القرن العشرين بما اسمته "الفوضى الخلاقة"، وهما أمران يصعب اجتماعهما معاً، ﻷنهما نقيضان، وجرى تطبيقها بفجاجة في منطقتنا بتدخلات وسياسات قادت لتقويض وتخريب أسس الدولة الوطنية بعدة دول، منها العراق وسوريا وأفغانستان، وأجهضت كثيراً من التجارب الديمقراطية الواعدة في أرجاء المعمورة، وضربت في مقتل الجيوش الوطنية التي سعت لتفكيكها واستبدالها ميليشيات مسلحة منفلتة، لا تعرف الضبط والربط ولا النظام وتحتكم لسلاحها في كل كبيرة وصغيرة وشاردة وواردة.
وإن وجهنا أنظارنا صوب الحاضر راجين منه الإجابة عن تساؤلي التالي: مَن الذي يمنح إسرائيل شيكاً على بياض لفعل ما بدا لها وبرعونة منقطعة النظير، دون أن تعبأ باحترام القوانين واﻷعراف الدولية المتعلقة بالمناطق المحتلة، وحقوق شعوبها المكفولة في الحصول على أدنى الخدمات التي تمكنهم من العيش في ظل حياة كريمة من كهرباء، ومياه نظيفة صالحة للشرب، ومستشفيات يتلقون فيها العلاج، وحرية الحركة والسفر، وعدم استخدام اﻷسلحة المحرمة دولياً، أو استباحة سيادة دول الجوار، واحتلال أجزاء منها بحجة حماية حدودها؟
وهل ما سلف ليس باعثاً على شيوع الفوضى، وإثارة اﻷحقاد والضغائن والرغبة في الثأر من دولة تعتبر نفسها فوق القانون والمحاسبة؟ ومَن الذي يتكفل عن طيب خاطر بتبرير أفعالها ويوفر لها مظلة حماية داخل المنظمات والهيئات الدولية ويؤمنها من المساءلة وفرض العقوبات مثلما تفعل مع اﻵخرين، وتنجو من العقاب على جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والاعتداء على دور العبادة والمقدسات الإسلامية بالقدس المحتلة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، بخلاف تنكر تل أبيب لحل الدولتين كركيزة لإنهاء الصراع المزمن في الشرق الأوسط، الذي يؤثر على الاستقرار والأمن الدوليين.
أيضاً مَن الذي أشعل فتيل حرب اقتصادية سوف تتسع رقعتها بزيادة التعريفات الجمركية اﻷمريكية على السلع والبضائع القادمة من دول الإقليم والقارة اﻷوروبية، ويدعو لضم كندا لتصبح ولاية أمريكية وشراء جزيرة "غرينلاند" ولتهجير الفلسطينيين من أرض آبائهم وأجدادهم، بذريعة إعادة بناء قطاع غزة وتحويلها إلى ريفييرا يقصدها اﻷثرياء والوجهاء في العالم، للاستمتاع بأجوائها الخلابة، وبالنسبة لسكانها الأصليين فليتم تهجيرهم بلا ضوضاء لإسعاد إسرائيل.
وليتحل المسؤول اﻷمريكي الكبير بقدر من الصبر والهدوء ليخبرنا عمَن يعطي ظهره للتحالف الممتد منذ عقود بين واشنطن والحلفاء اﻷوروبيين ويتصرف من قاعدة المن، وأن أوروبا لن تقدر على مواجهة التحديات اﻷمنية بدون أمريكا، وأن حلف شمال اﻷطلنطي "الناتو" لا يساوي أي شيء بدونها، وهو ما تسبب في فوضى سياسية عارمة بالعلاقات اﻷمريكية-اﻷوروبية ومرشحة لمزيد من التدهور في الفترة المقبلة، ما دام ترامب يواصل حملاته وتصريحاته غير الدبلوماسية مع حلفاء بلاده اﻷقربين بالقارة العجوز.
تلك هي الحقائق الماثلة أمام أعين الجميع، وعوضاً أن يكون الصادر من واشنطن محفزاً وباعثاً على التخفيف من حالة الفوضى التي تحدث عنها مستشار الأمن القومي الأمريكي، فإن الحاصل على العكس تماماً، لأن الإدارة الأمريكية تتصرف بطريقة وأسلوب يشجع على دعم صناعة الفوضى، وفتح ثغرات وفجوات أكثر في النظام الدولي المهترئ وغير المنصف الذي يترك شعباً محتلاً يقتل هكذا بلا شفقة ولا رحمة، ولا يستطيع وقف إسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة عند حدودها، بغية صون السلم والأمن العالميين.