كيف استوحى ترامب من استراتيجية كلينتون للفوز بالرئاسة؟
تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT
استيقظ الأميركيون والعالم أجمع صباح الأربعاء، السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، ليتفاجأ الجميع بالفوز الساحق للرئيس السابق دونالد ترامب بالانتخابات الأميركية، وعودته مجددًا لاعتلاء سدة الحكم في البيت الأبيض في يوم العشرين من يناير/ كانون الثاني القادم، ليبدأ كتابة فصل جديد في مسيرة الولايات المتحدة الأميركية والعالم، لا يستطيع المرء حاليًا التنبؤ بتداعياته السلبية أو الإيجابية.
حاول الحزب الديمقراطي الأميركي بكل الوسائل الممكنة كبح جماح حركة ترامب السياسية ومنعه من الوصول للبيت الأبيض مرة ثانية، تارة من خلال اتهام الرئيس ترامب مرتين بانتهاك الدستور الأميركي في مجلس النواب – قبل فشل إدانته في مجلس الشيوخ الأميركي – وتارة من خلال الملاحقات القضائية التي أدانته في أكثر من قضية، ليصبح أول رئيس أميركي سابق مدان قضائيًا في المحاكم الأميركية.
لم يكن ترامب مرشحًا تقليديًا للرئاسة الأميركية، فقد حطّم كثيرًا من القواعد والتقاليد الأميركية للمرشحين الرئاسيين، سواء من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري.
وبينما نجح ترامب في استغلال حالتي الخوف والغضب لدى الكثير من الناخبين الأميركيين حيال العديد من القضايا الأساسية، مثل: الاقتصاد، والهجرة غير الشرعية، والأمن والسلام العالمي استغلالًا بارعًا، فشلت حملة هاريس في مخاطبة هذه القضايا بما يزيل المخاوف، ويقلل من حدة الغضب الأميركي تجاه مستقبل بلادهم.
راهنت هاريس رهانًا فاشلًا على إقناع الناخب الأميركي بأن ترامب المدان قضائيًا في المحاكم الأميركية والمتهم مرتين بخرق الدستور الأميركي في مجلس النواب يشكل خطرًا على الديمقراطية الأميركية.
بيدَ أن الدعايات الانتخابية لترامب ركزت علانية على القضايا الأساسية التي يواجهها الشعب الأميركي ورؤية الكثيرين الذين، ربما لا يروقهم السلوك الشخصي لترامب، إلا أنهم يعتقدون أنه أكثر قدرة على حل هذه القضايا من كامالا هاريس.
"الاقتصاد، أيها الغبي!" مرة أخرىجاءت هزيمة هاريس القاسية لتعيد للأذهان العبارة الشهيرة التي أطلقها جيمس كارفيل، كبير مديري حملة كلينتون الانتخابية لعام 1992، لتصبح شعار حملة كلينتون الانتخابية "إنها مشكلة الاقتصاد، أيها الغبي!"، وليحقق كلينتون فوزًا ساحقًا ضد الرئيس جورج بوش الأب، رغم شعبية الأخير الجارفة عقب انتصاره في حرب الخليج الثانية، وتحرير الكويت من قبضة قوات الرئيس العراقي صدام حسين عام 1991.
يبدو من خلال إجابات استطلاعات الرأي – للناخبين الذين أدلوا بأصواتهم – أن قضية الاقتصاد الأميركي، وصعوبة الظروف المعيشية في الولايات المتحدة لمعظم أفراد المجتمع الأميركي، هي إحدى الأسباب الرئيسة لفوز ترامب.
والغريب في الأمر هنا أن الاقتصاد الأميركي نجح في تجاوز أزمة (COVID-19) الصحية العالمية، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي أوجدتها، بفضل سياسة بايدن الاقتصادية وتحفيزه للاقتصاد الأميركي، ودعمه للأسر الفقيرة، وخاصة الأسر ذات الدخل المنخفض المُعِيلة لعدد من الأطفال.
بيدَ أن معدلات التضخم العالية جدًا، التي لم تشهدها الولايات المتحدة منذ عدة عقود، أثرت تأثيرًا واضحًا في ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأميركية بشكل لم يتعوّد عليه المستهلك الأميركي من قبل.
كذلك، أدت معدلات الفائدة المرتفعة، وخاصةً فيما يتعلق بالرهون العقارية، إلى إحجام الملايين عن تحقيق "حلمهم الأميركي" بامتلاك بيتٍ لأسرهم، مما اضطرّ الأسر لمواجهة أسعار إيجار العقارات والشقق السكنية المتصاعدة تصاعدًا جنونيًا.
لم تنجح معدلات النمو الاقتصادي الإيجابية ولا معدلات نمو الوظائف العالية في عهد بايدن بإقناع الناخب الأميركي بتحسن الأوضاع الاقتصادية في عهده، وذلك لما يشعر به الناخب الأميركي من معاناة شبه يومية في تلبية احتياجاته المادية الأساسية.
ومن المفارقات العجيبة أن ترامب سيرث اقتصادًا قويًا بدأ في التعافي من معدلات التضخم العالية؛ نتيجةً لسياسات بايدن الحالية، والذي لم يمنحه الناخب الأميركي صوت شكرٍ عليها في هذه الانتخابات.
قضية الهجرة غير الشرعيةيدرك الأميركيون عمومًا استفحال قضية الهجرة غير الشرعية عبر الحدود البرية الطويلة مع جارتهم دولة المكسيك. فعلى سبيل المثال، وصل إلى الولايات المتحدة أكثر من 10 ملايين مهاجر غير شرعي في عهد إدارة الرئيس بايدن، مقابل حوالي 2 مليون في عهد الرئيس ترامب.
جعل ترامب من قضية محاربة الهجرة غير الشرعية وبناء جدار حدودي عازل مع المكسيك، وترحيل المهاجرين غير الشرعيين قضية مركزية في جميع حملاته الانتخابية في الأعوام: 2016، 2020، و2024.
وفي المقابل، تجاهل الديمقراطيون معالجة قضايا الهجرة غير الشرعية والحدود المفتوحة، وعدم إكمال الجدار الحدودي الذي بدأه ترامب، وكذلك معالجة طلبات اللجوء السياسي عند الحدود المكسيكية.
لم يتحرك الديمقراطيون في قضية الهجرة غير الشرعية إلا عند اقتراب موسم الانتخابات الأميركية، عندما حاولوا تمرير تشريع لمواجهة هذه الظاهرة المتفاقمة، بمساعدة الجمهوريين في الكونغرس، إلا أن ترامب كان أكثر ذكاءً حين ضغط على أعضاء حزبه لإفشال هذا المشروع التشريعي؛ حتى يواجه الديمقراطيون تبعات سياستهم في هذا المجال في هذه الانتخابات.
حاولت حملة هاريس دون جدوى اتهام ترامب بالعنصرية والسخرية من الأقلية اللاتينية في أميركا لنيل أصواتهم، لكنها فشلت في جذب أصوات الرجال من هذه الأقلية. وفي محاولة يائسة، توقع بعض المحللين السياسيين نجاحها، ربطت هاريس بين نكتة قالها كوميدي ساخر غير معروف بشأن جزيرة بورتوريكو، لتذكّر الناخبين من أصول لاتينية في ولاية بنسلفانيا وغيرها باحتقار ترامب لخلفيتهم العرقية.
خسرت هاريس ولايات ما يسمى بالجدار الأزرق ذات الولاء العميق للحزب الديمقراطي، مثل: بنسلفانيا، وميشيغان، لفشلها في حشد دعم الأقليات اللاتينية فيهما حتى فيما يتعلق بقضايا الهجرة.
قضية النزاعات والسلام العالميلطالما حذّر ترامب من مخاطر حدوث حرب عالمية ثالثة في حال فوز هاريس، وذلك لكونها امتدادًا لسياسات بايدن في العلاقات الدولية وتشجيعها للحروب في أوكرانيا وغيرها.
زعم ترامب مرارًا أن مثل هذه الحروب لم تكن لتحدث في عهده لما يُكنّه قادة العالم من احترامٍ ومهابةٍ لشخصه. كما تباهى بكونه أول رئيس أميركي في العصر الحديث لم يرسل الجنود الأميركيين في حروب جديدة.
أثرت حرب غزة الدامية وعجز إدارة بايدن وهاريس عن إيقافها في فقدان العرب والمسلمين الأميركيين تعاطفهم ودعمهم لهاريس في ولايات انتخابية متأرجحة مثل ميشيغان.
أعلن عمدة مدينة هامترامك في ميشيغان، وهو أميركي من أصل يمني، دعمه لحملة ترامب لأنه – حسب زعمه – سيجلب السلام في الشرق الأوسط. وفي المقابل، كانت كامالا هاريس تصطحب معها النائبة الجمهورية السابقة ليز تشيني، إحدى أكبر المنتقدين الجمهوريين لترامب، مما جعل الأخير يستغل هذه العلاقة بين هاريس وتشيني، ليذكّر الناخبين المسلمين والعرب بماضي والد الأخيرة، "ديك تشيني" نائب الرئيس السابق جورج بوش الابن، في غزو وتدمير بلدين مسلمين هما أفغانستان والعراق.
تردد بايدن في الاعتزالوتظل كيفية ترشح هاريس للانتخابات سببًا جوهريًا آخر يضاف إلى ما سبق. بينما حسم الحزب الجمهوري مرشحه للرئاسة باختيار ترامب في الانتخابات الأولية، أصرّ بايدن على خوض الانتخابات الأولية وفاز بها دون منافسة حقيقة، قبل أن يقرر متأخرًا الاعتزال قبيل انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي العام؛ نتيجةً لأدائه الضعيف في المناظرة الرئاسية مع ترامب.
لم تجد هاريس غير حوالي ثلاثة أشهر لإدارة حملة انتخابية، في حين يحتاج المرشحون للرئاسة عادةً لعامين على الأقل لتأسيسها. ورثت هاريس حملة بايدن الانتخابية، ورغم الدعم المادي الضخم الذي تدفق عليها، فقد فشلت في النأي بنفسها عن سياسيات بايدن الداخلية والخارجية.
فاز ترامب بهذه الانتخابات ليس لحبّ الأميركيين لشخصيّته، وإنما لاعتقادهم أن فوز هاريس يعني أربع سنوات أخرى من حكم بايدن.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الهجرة غیر الشرعیة الولایات المتحدة الناخب الأمیرکی
إقرأ أيضاً:
أخطاء هاريس الكبرى
عندما يتجاوز الظالمون الحدود، تأتي العواقب غالبًا من حيث لا يتوقعون، وهي قاعدة ثابتة في التاريخ الإنساني؛ إذ إن الخسائر غالبًا ما تأتي من جهات غير متوقعة.
في هذا السياق، تثار تساؤلات حول سياسة الولايات المتحدة بقيادة الرئيس جو بايدن وفريقه في الحزب الديمقراطي، ودعمهم المستمر لإسرائيل في مواجهتها الحالية في غزة. يتمثل هذا الدعم في توفير الأسلحة والتمويل والتغطية الدبلوماسية والسياسية، على الرغم من الدمار والخسائر البشرية التي خلفها الصراع في صفوف المدنيين.
ورغم الانتقادات الواسعة من داخل الولايات المتحدة وخارجها، بما في ذلك احتجاجات طلابية وشبابية ومظاهرات في عدد من دول العالم، تواصل الإدارة الأميركية موقفها، مما يثير دعوات لوقف العنف والبحث عن حلول سياسية تحترم حقوق الفلسطينيين.
رغم التقارب في استطلاعات الرأي بين الديمقراطيين والجمهوريين، كان العديد من صناع الرأي العام يروِّجون لفكرة أن دونالد ترامب شخصية مثيرة للجدل، تعتمد على الشعبوية وصعود اليمين المتطرف، وأنه لن يستطيع مجددًا تحدّي مؤسسات الولايات المتحدة الراسخة.
لكن النتائج جاءت مخالفة للتوقعات، إذ تعرض الديمقراطيون لهزيمة واسعة النطاق، شملت فقدانهم الرئاسة والأغلبية في المجلسَين، إلى جانب خَسارتهم عدة معاقل تقليدية كانت تُعد مناطق نفوذ ثابتة لهم.
إن الأسباب التي جعلت كامالا هاريس تخسر الانتخابات كثيرة منها ما يلي:
أهم تلك الأسباب تراجعها في أصوات الناخبين المحسوبين دومًا على الديمقراطيين، وهي أصوات السود واللاتينيين، حيث ارتفع التصويت لصالح ترامب عند السود من 8% إلى 13% وعند اللاتينيين من 32% إلى 45%.وهؤلاء يمثلون أكثر الشرائح الاجتماعية تضررًا من الأزمات الاقتصادية للنظام الرأسمالي المتوحش، الذي لا فرق بشأنه بين الديمقراطيين والجمهوريين، إذ إن كليهما يشتغل أساسًا لصالح اللوبيات المالية والتوجهات الاقتصادية المركزة للثروة في أيادٍ قليلة من الناس، بل إن أوضاع تلك الشرائح الاجتماعية ساءت أكثر في زمن بايدن مما كانت عليه في عهدة ترامب السابقة، فيما يتعلق بالتضخم وارتفاع مستوى المعيشة، ووقود السيارات، وغير ذلك، رغم الوعود العريضة التي عادة ما يقدمها الديمقراطيون بهذا الخصوص.
كما أن العديد من تلك الفئات صارت تشعر بأن حكامهم الديمقراطيين صاروا يهتمون بمصير الإسرائيليين أكثر من اهتمامهم بمصير الأميركيين. كما أن ثمة عاملًا آخر رصده المتابعون لتوجهات الرأي العام في أميركا، وهو ما يتعلق برفض كثير من اللاتينيين المسيحيين، خصوصًا الكاثوليكيين، التوجهات التي باتت تميل أكثر فأكثر إلى ما يخالف قناعاتهم والتزاماتهم الدينية بخصوص العائلة ومسائل الجندرة والمثلية وغير ذلك.
ثم هناك الأداء السيئ لبايدن، وحالة الخرف التي ظهر بها، والانطباع الذي ساد في الأذهان عن حالة ضعفه، وتسلط توجهات متطرفة على قراراته في البيت الأبيض، على رأسها اللوبي الصهيوني، الذي مثل وزير الخارجية توني بلينكن الوجه العلني الأبرز فيه.وقد كان حرصه على الترشح مخالفًا لوعد كان قد قطعه بأنه لن يترشح إلا لعهدة واحدة؛ لضمان حسن الانتقال من المرحلة الكارثية التي مثلها ترامب للمؤسسية الأميركية، على حد ظنه، ثم كان تراجعه عن الترشح في يوليو/ تموز 2024، بعد افتضاح ضعف قدراته الذهنية متأخرًا جدًا لم يعطِ الوقت لهاريس في الثلاثة أشهر المتبقية لتخرج من عباءته قاتمة المنظر.
كما أنها هي ذاتها لم تسعَ لذلك، ولم تتبرأ من أي سلوك سيئ السمعة لرئيسها، وهو أمر مهم جدًا في الديمقراطية الأميركية، بل وقعت في خطأ جسيم استغله ترامب بكثافة في خطبه وأشرطته الإشهارية، وذلك حين قالت بعد تردد: " لا شيء يخطر ببالي!" في جوابها على سؤال طرحه عليها مذيع قناة ABC يوم 8 أكتوبر/ تشرين الأول قائلًا: "هل كنت ستتصرفين بشكل مخالف لجو بايدن في الأربع سنوات من رئاسته"، وكان يقصد القضايا الاقتصادية والهجرة ودعم إسرائيل.
وقد كشف فريق كامالا هاريس عن قناعتهم وحملوا بايدن مسؤولية الخسارة، ولكن بعد فوات الأوان حين دوّت الهزيمة التاريخية.
كما أن كثيرًا من المتخصصين أكدوا ذلك، مثل الأستاذ في العلوم السياسية في جامعة فرجينيا لاري ساباتو الذي بيّن أن المعركة كانت خاسرة منذ أن قرر جو بايدن الترشح وعمره ثمانون سنة، وكيف أن الاستبدال الذي وقع في آخر لحظة لم يكن ناجحًا، حيث لم تدخل هاريس المنافسة الانتخابية بأي برنامج يخصُّها.
وعلاوة على ذلك، ما ساهم به التيار "غير الملتزم" الذي تشكل من القواعد النضالية للحزب الديمقراطي، من الطلبة والشباب البيض خاصة، ومن معهم من العرب والمسلمين، على إثر الجرائم التي شارك فيها قادة حزبهم في غزة، وقد نشط هؤلاء كثيرًا في الجامعات، من خلال التظاهرات والاعتصامات في كلياتهم، والاحتجاجات المتواصلة ضد أي مساهمة لإدارتها ومشاريعها في دعم الكيان الصهيوني، حيث تمكّن هؤلاء من تشكيل تيار فاعل لعدم التصويت، وقد مثل ذلك إعاقة إضافية لهاريس وحزبها، بدأت ملامحها تظهر منذ الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي، حين خسر بسببها جو بايدن نصف مليون صوت، ولكن لم تصحح هاريس هذا المعطى المهم فدفعت ثمنه. الحملة الانتخابية الجيدة لدونالد ترامب، حيث عرف كيف يصوب نقده إلى نقاط ضعف الديمقراطيين والأداء السيئ لبايدن، ومن ذلك تحميلهم تراجع مستوى المعيشة وإظهار المقارنات الرقمية بين عهدته وعهدة الديمقراطيين بعده، كما عرف كيف يدافع عن برنامجه بخصوص الهجرة غير القانونية التي تثير ناخبيه البيض كثيرًا، دون أن يخيف الناخبين من غير البيض، بتركيزه على العامل غير الشرعي للهجرة، وتصويرها بأنها تتسبب في تضييع فرص عمل السود واللاتينيين، وأن هجرة هؤلاء إلى أميركا مرحب بها في إطار القانون.ومن جهة أخرى، رسم لنفسه صورة الشخصية السياسية المرتبطة بالشعب البسيط وسكان الأرياف، إذ ترك المجمعات السكنية الكبرى لتوجهاتها الانتخابية الاعتيادية، وذهب لزيارة سكان التجمعات الهامشية وفي الأطراف والأرياف الذين لا يلتقي بهم الساسة بشكل مباشر عادة، وهو الخطأ الذي وقعت فيه هاريس كذلك.
علاوة على خطابه الاعتيادي المتعلق بالوعود الاقتصادية وتحسين ظروف المعيشة، والحديث المثير للنزعة القومية كإعادة مجد أميركا، ومكانتها الدولية، وضبط الفوضى في العالم، وتحقيق السلام وإنهاء الحروب.
وبخصوص الناخبين العرب والمسلمين، فإنه يمكن القول بأنه وقع تحول تاريخي في سلوكهم الانتخابي من زاويتين، من حيث عدم التصويت للديمقراطيين، على غير العادة، بالمقاطعة، أو التصويت لمرشحة حزب الخضر جيل ستاين الداعمة بقوة لفلسطين، أو التصويت لترامب، ومن حيث الأثر الذي تحقق بتحويل ولاية ميشيغان التي يتركز فيها صوت العرب والمسلمين أكثر لصالح المرشح الرئاسي الجمهوري، والمساهمة في جلب الولايات المتأرجحة لصالح ترامب، وكسر ما يسمى بالجدار الأزرق.إن السبب الرئيسي لتحول الناخبين العرب والمسلمين هو العدوان على غزة، وتورط البيت الأبيض بقيادة الديمقراطيين في الجريمة، وقد عرف ترامب كيف يستغل هذا الوضع بانتقاله بنفسه للسكان العرب والمسلمين والحديث معهم ومع زعمائهم الدينيين، ووعدهم بأنه سيوقف الحرب على غزة، خلافًا لهاريس التي لم تهتم بهم ولم تزرهم ولم تتحدث معهم.
لا شك أن انتخاب ترامب لن يمثل تحولًا جذريًا لصالح القضية الفلسطينية بشكل تلقائي، حيث إن الجمهوريين في الكونغرس والرئاسة منحازون كلية لدولة الكيان، ولكن الذي سيفعل ذلك هو طوفان الأقصى وبطولات المقاومة وثبات السكان في غزة ولبنان، فهم المعطى السنني الأساسي الذي سيحدث التحولات التي تفرض على ترامب وغيره في العالم وقف الحرب وتغيير نظرتهم للقضية الفلسطينية.
وقد أحسن قادة حماس حين وضّحوا ذلك في تصريحهم بعد ظهور النتائج بالقول: "تعقيبًا على نتائج الانتخابات الأميركية التي تُظهر فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، فإن على الإدارة الأميركية الجديدة أن تعي أن الشعب الفلسطيني ماضٍ في مواجهة الاحتلال، وأنه لن يقبل أي مسار ينتقص من حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية