مخلد بركات في مجموعته القصصية “حوافر مسافرة”
تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT
(حياة البسطاء)
سليم النجار
تسعى قصص “حوافر مسافرة” للقاصّ مخلد بركات إلى التنظير إبداعاً وكتابة وعلى تعدّد الأصوات، واختلاف اللّغات والأساليب. وتعدّد الثيمات والمضامين الفكرية، وتباين الرؤى الأيديولوجية، وتعدّد الرّواة والمنظورات السردية٠
ومن هنا تعد قصة (الأوراق الأخيرة في منفاه- سالم… أنا فقط أُعيد ترتيب “أوراق المنفى”)، خطاباً تنظيرياً أو لغةً وصفيةً متعالية موضوعية، ترصد خصائص الإبداع القصصي تقنية، وبناء، تشكيلات، حيث يدعو القاص إلى قصة حداثية تجريبية قائمة على تشظية الأزمنة استباقا واسترجاعاً (أنتم هكذا، تقتاتون على حزن الموتى، تصنعون أسطورة بقائكم من حفيف الذبلانة.
إنّ تكسير الإيقاع الحدثي انزياحاً، وانتهاكاً، وتخريباً، بتدمير وحدة التتابع المنطقي والزمني، واستعمال تقنية التداعي، والإكثار من المنولوجات المختلفة، والاستفادة من الطريقة السينمائية المشهدية، بتوظيف تقنية السيناريو وخلخلة أفق انتظار القارئ.. كأنّي بالكاتب القاصّ يدعو إلى كتابة قصّة سيكولوجية حداثية كما نقرأ في قصّة (هلوسات)، (وأخيرا بعصبيّة يقفُ وقد تهدّل كرشه واستشرّ شعر لحيته، يغلق التلفزيون ويخاطبها. وهي محض دمية مترّعة بالشخير ص١٠٣).
يتبيّن لنا أنّ هذه التعليقات النقدية من خصائص القصّة القصيرة الحداثية التي تميل إلى الانزياح، وانتهاك معايير السرد الكلاسيكي تحكييا، وتخطيبا، ورؤية؛ ومن جهة أخرى، نجد بركات يمارس النقد في قصّة (حزانى تطردهم الريح)، (وقاع عمّان يؤمّه الصعاليكُ الثمالى، وبلا بائعي عرق سوس، حينها أشرتَ إلى المقهى ونسبتَ:
-سيرحلُ هذا، مثلما رحل إخوان سلّمى في متاهات النسيان ص٣١).
لا شكّ أنّ المركزيات القلقة للخطاب القصصي كما في قصّة “حزانى تطردهم الريح” كانت نتاج الإخفاق الجماعي، مشجعةً على استرجاع المجهول الرّافض للواقع أي كان هذا الواقع، والرافض للمغامرة أي للانتماء إلى قيم الثقافة التي يراها هذا الخطاب إنّها ما زالت ملتبسة عليه.
تركز بعض قصص بركات على تصوير الصراع الشخصية القصصية مع الشخصية الأولى في القصة (الحارُ الكبيرة وشجرةُ المشمش!!) إلى تراقص بين سطور النصّ النرجسي للمؤلِّف السارد، لنعرف وجود المتاورائي على مخيال ذلك الكاتب الضمني، تتمرّد على خطّة السّارد، فتعلن انشقاقها ورفضها لرؤية السارد وهيمنته، كما يبدو جليّا في قصّة (أيقونة)، التي وظّفت تقنية حاسوب مدجّج إخباريًّا، (تنحّى جانباً وطالع الأفق من خلال كوّة الزنزانة، لم يدرك حجم المرارة إذ تمرُّ في مخيّلته محمّلة بالتوابيت، تحرسها الخيول بوقعِ حوافرها، تطير قبرّته نحو كوخٍ من لُعاب…!! ص٩٥).
قصص مخلد بركات “حوافر مسافرة” على تشكيل ذهني والعديد من الآليات أو الأنساق المتميِّزة وظيفيَّا، وهذا هو سبب تسمية “حوافر مسافرة” قادرة على دمج وتأليف الخروج المولَّدة عن الأنساق التي وضعها القاص في قوالب متعدِّدة لتكون في نهاية المطاف في قالب واحد “حوافر مسافرة”.
كانت قصص “حوافر مسافرة” نبضها الأحداث المستقرة في عمق قيعانها السحيقة، وتلك المشاهد البصرية الماضية والمستيقظة بكامل عنفوانها بعدما نفضت عنها غبار الزمن، تتدافع وتتقاذف أمام أعين المتلقي مثل أمواج البحر الغاضبة، تتلاطم، تسحب وتجرّ لتأتي على ما تبقّى من سفر، أو تنتظر حوافر غير مسافرة، وفي كلتا الحالتين كان مخلد بركات يسعى إلى رسم مجسد أصم لينطقه قصصا مثقلة بضميرها مستحضرة الماضي في برهة قصّة قصيرة.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: فی قص ة
إقرأ أيضاً:
“لقاء الأربعاء”
اجتمع بلينكن- في بداية طوفان الأقصى- مع أعضاء مجلس حرب الكيان، ثمّ أنّه- في البدء- حدّد موقفه: بوصفه يهوديًّا، لا بصفته وزيرًا لخارجيّة أمريكا!
ولو عدنا نصف قرنٍ إلى الوراء، إلى حرب أكتوبر ??م، فمن الميسور أن نفهم الآن أن هنري كيسنجر- وزير خارجيّة أمريكا آنذاك، وأدهى ساسة أمريكا في القرن الفائت- كان يتحرّك في المنطقة أيضًا على هذا الأساس، ومن هذا المنطلق، أي: بوصفه يهوديًّا في المقام الأول.
الفارق فحسب، هو أن كيسنجر لم يكن آنذاك يفصح عن منطلقاته، وإن أبان عنها لاحقًا، أي في كتاباته اللاحقة، مذكراته، وفي تنظيراته حتى وفاته.
لاحقًا، وفيما لو أمعنت البحث، فإنك ستعرف أنّ هنري كسينجر- حتى وفاته- كان من أهم أعضاء “نادي نخبة ببليدربرغ”!
لننتقل من كسينجر، على أيّة حال! ولنتذكر أنّ بايدن، في وقتٍ سابق، زار الكيان المؤقت، وصرّح آنذاك بأنّه صهيونيّ العقيدة وإن لم يكن يهوديّ الديانة.
ثمّ أنّه قال، وفي أكثر من مناسبة: لو لم يكن “الكيان المؤقت” موجودًا، لقمنا باستحداثه!
وبالطّبع، تخطئ مرّةً أخرى لو حصرت منطلقات تصريحاته بمقتضيات “المصلحة الاستعمارية” لأمريكا! الأمر أبعد من ذلك: ثمّة منطلقاتٍ عقائديةٌ كامنةٌ وراء “فلتات” لسان بايدن، أو حتّى فلتات لسان بلينكن.
أمّا قبل بايدن، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر- ولمن يتذكّر- فقد كان أن أشار بوش الإبن إلى موجة “حروب صليبيّة” جديدة، هاجت الدنيا وقتها، على أن “فلتات اللسان” تبقى هي الأصدق قيلا، وحينما يتعلّق الأمر بالتعبير عن كوامن النفوس، عقيدتها المتأصلة، وما يتشبّع به العقل الباطن. فإن ما صرّح به بوش الإبن آنذاك لم يكن عبثًا،
تمامًا- وبالقدر ذاته- فإنّ قوله: “من ليس معنا فهو ضدنا”، لم يكن من قبيل العبث، ولا ينبغي تفسيره على هذا النحو!
في كليات الاقتصاد والعلوم السياسية، في القنوات التليفزيونية وفي الصحف، في كلّ مكانٍ سيتم إخبارك- بتكرارٍ متعمّد- أنّه لا وجود لصداقةٍ دائمة في السياسة، ولا وجود لعداوة دائمة، إنها فحسب: مصالح دائمة!
وقد تصادف في طريقك بغلًا يحمل درجة الدكتوراه، يخبرك بيقينٍ يُحسد عليه ما هو آت لا وجود لنظرية المؤامرة!
هكذا- ومع الوقت- يتم تدجينك، وما دمت تفهم بأن السياسة قيمةٌ سائلةٌ لا ثابت فيها إلا المصلحة؛ فإن مواقفك ستصبح- أيضًا- سائلة! وبالتالي فإنّ موقفك من فلسطين اليوم- وبالطبع- سيكون سائلًا، لا يحكمه ولا يتحكم باتجاهاته إلا موقفك من مصلحتك.
حسنًا! لا تجهد ذاتك حتّى بتفسير ماهيّة مصلحتك، فالمؤكد أن أمريكا ستقوم بإرسال مندوبيها إليك، وهم الذين سيقومون بتفسير مصلحتك بالنّيابة عنك، بشكلٍ مباشر، أو عن طريق الإعلام المدروس، والموجّه!
على أن أمريكا- في المقابل- تصنّف دولًا باعتبارها “محور الشر”، وبوش الإبن الذي أخبرك بأن: من ليس معي فهو ضدي، هو ذاته بوش الإبن الذي ينتمي لتيار المحافظين الجدد، التيار ذاته الذي يؤمن بضرورة دعم الكيان المؤقت، كجزءٍ أصيلٍ من عقيدته.
وفي كلّ الأحوال، وبمنأى عمّن يحكم أمريكا، فإن الوقوف مع الكيان الصهيوني واجبٌ بالنسبة لمن يحكمها، وبالنسبة للنخبة فيها، ومن منطلقٍ عقائدي، أي أنّ السياسة بالنسبة إلى أمريكا محض عداوةٍ دائمة، أو صداقةٍ دائمة!
ولو أمعنت، فعبارة “محور الشر” لا تتفق مع ما يتم إفراغه في أذنيك يوميّا، إنها ليست عبارةً سائلةً إذن، فكرة الشرّ ثابتةٌ ثبات فكرة الخير، وحينما تصنفك أمريكا من محور الشر، فهذا يعني أنها تعتبرك عدوًّا دائمًا، من حيث المبدأ، ومن منطلقٍ عقائدي.
سيخبرك بغلٌ يحمل درجة الدكتوراه أنّ ما تقوله محض هراء! وأن السياسة الأمريكية تنبني على ما يخدم مصلحة أمريكا!
حسنًا! فلنتفق معه مبدئيًا، وجدلًا! على أن السؤال يبقى قائمًا:
ما هي أمريكا؟ أين عقلها؟ وكيف يعمل؟
هل الدولة- كشخصٍ معنوي- قادرةٌ فطريًّا على معرفة مصالحها؟ هل يتم تقدير المصلحة بناءً على استفتاء، مثلًا؟
في الحقيقة لا، مصالح أمريكا تفسّرها دائرةٌ ضيّقة من النخبة!
على أنك في المقابل- ولكي تصبح فردًا من النخبة- لا بدّ أن تكون متشبّعًا بالأفكار التي يتم حقنك بها عبر عدة مؤسسات، تؤمن على اختلافاتها- ويا للمصادفة البريئة- بالمعتقدات الصهيونيّة!
ولكي تصبح من نخبة أمريكا- ويا لها من مصادفةٍ أيضًا- فلا بد أن تكون مدعومًا بالمال وبالإعلام معًا، ومن يسيطر عليهما معًا- وبالطبع- هو اللوبي الصهيوني!
في قائمة رؤساء أمريكا كان جون كينيدي – الرئيس الكاثوليكيّ الوحيد، وكان قبل اغتياله- ويا للمصادفة أيضًا- قد حذّر من أهمّ خطرٍ يتهدد الدولة، أي: الماسونيّة!
بقيّة الرؤساء ينتمون عقديًّا إلى المسيحية الغربية اليمينيّة المتطرفة، ويقصد بهذه المسيحية- تبسيطًا- المسيحيّة المحقونة بأهم أفكار التلمود، أي: فكرة المسيا وفقًا للمنظور اليهودي، مملكة ديفيد، الهيكل، وكنتيجةٍ بالغة الاختزال:
يؤمنون جميعهم- ومن منطلق عقائدي- بضرورة الدعم المطلق للكيان المؤقت!
وفي صبيحة الأربعاء القادم، في الزاوية ذاتها بإذن الله.
يبقى لنا حديث.