أحلام عائلية عابرة.. قراءة في أفلام مهرجان القاهرة السينمائي
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تعتبر ثيمة العائلة من الثيمات الشائعة في العديد من الأعمال السينمائية، فهي من الثيمات السادسة والثلاثين الأساسية التي وضعها الكاتب الفرنسي جورج بلوتي، ضمن قائمة الحبكات الكلاسيكية الأشهر في التاريخ والتي لا يخرج عنها أي عمل فني.
وخلال فعاليات نسخته الـ45، ترتكز عدد من أفلام المسابقة الرسمية لـ مهرجان القاهرة السينمائي على هذه الثيمة الثرية بتنويعات ومعالجات مختلفة، لا يمكن فصلها بشكل أو بآخر عن معطيات العصر الحالي.
في فيلمه الروائي الأول، يستكشف المخرج التركي نجمى سنجاك في شريطه "Ayse" (آيشا)، الصراع العائلي ما بين الواجب والعاطفة الذي تعيشه السيدة الأربعينية آيشا، التي تعيش مع شقيقها الأصغر رضوان، الذي يعاني من متلازمة داون. ولكن هذا الصراع يتأجج عندما تتلقى آيشا عرض زواج من سائق شاحنة دولي يتوقف في محطة الوقود التي تعمل بها، لتجد هذه السيدة نفسها أمام اختيار بين قدرها وأحلامها.
يمكن أن يتقاطع هذا الصراع في فيلم سنجاك، مع صراع عائلي آخر في فيلم الدراما البرازيلي "Malu" (مالو) للمخرج بيدرو فريري، والذي نافس هذا العام على جوائز مسابقة السينما العالمية بمهرجان صندانس السينمائي. حيث تعيش الممثلة الخمسينية العاطلة ذات المزاج المتقلب مالو، مع والدتها المحافظة في منزل متداعٍ بأحد أحياء الصفيح في ريو دي جانيرو، لكن صراعات هذه الممثلة تتشابك مع تواجهات والدتها وعلاقتها المتوترة بابنتها البالغة، وفي الوقت ذاته تعيش على ذكريات ماضيها الفني المجيد.
أما الفتاة "يانا" في فيلم "Postmarks" (طوابع بريد) للمخرجة الروسية ناتاليا نزاروفا، فهى لا تقع أسيرة الواجب والعاطفة كحال "آيشا"، لكنها تعيش حياة رمادية تمارس عملها بأحد مكاتب البريد بينما تنتظر عودة الأب الغائب الذي لا أمل في عودته. ورغم الحالية الصحية الحرجة لهذه الشابة التي تعاني من تأثيرات الشلل الدماغي بطريقة غير ملحوظة، إضافة إلى عرجها البسيط الذي يضفي عليها سحرًا إضافيًا، إلا أنه في أحد الأيام، يأتي البحار بيتر إلى مكتب البريد، فتتغير حياة يانا للأبد.
Snow Dropوفي مقابل الانتظار الذي بدا في إلتهام "يانا"، هناك عودة للأب في الفيلم الياباني "Snow Drop" (قطرات الثلج) للمخرج يوشيدا كوتا، الذي سبق وشارك بمهرجان أوساكا للأفلام الأسيوية. هنا، تتفاجأ ناوكو هانامي، التي تعيش مع والدتها كيو، بعودة والدها إيجي، الذي اختفى لسنوات عديدة. فتبدأ ناوكو بالشعور بالارتباك بسبب عودة والدها المفاجئة، لكنها تقبل طلب والدتها لاستقباله ويبدأون في العيش معًا، في انتظار المجهول.
إن دوافع عودة الأب المفقود والخرف من الموضوعات التي زادت بشكل ملحوظ في الأفلام اليابانية. وفي الآونة الأخيرة، كان فيلما "Ripples" و"Great Absence" مثالين آخرين لهذه الدراما العائلية التي تمزج بين القضايا الاجتماعية والمرض وأنواع معينة من الهوس.
وبعيدًا عن غياب وعودة الأب، في الفيلم الإيطالي "Vittoria" (فيتوريا) للمخرجين أليساندر كاسيجولي وكيسي كوفمان، الفائز بجائزة أفضل فيلم إيطالي بمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، تنقلب حياة امرأة رأسًا على عقب بعد وفاة والدها، حيث تواجه حلمًا متكررًا بفتاة صغيرة، مما يدفعها إلى الانغماس في التبني الدولي، مما يعرض زواجها واستقرار أسرتها وبوصلتها الأخلاقية للخطر.
2 Januaryوإذا كان أبطال الأفلام السابقة يحاولون التمسك بالعائلة، فإن "كلارا" تتطلع إلى التخلي عن زوجها في الدراما المجرية "2 January" (2 يناير) للمخرجة صوفيا سيلاجي، الحائز على جائزة (فيبريسي) بمهرجان ميسكولك السينمائي الدولي في المجر.
في هذا العمل الذي ينتمي إلى دراما الطريق، تدور أحداث الفيلم حول قصة واقعية مصغرة عن الانفصال، من وجهة نظر أفضل صديقة كلارا المقربة. تنتقل كلارا للعيش بعيدًا عن زوجها وتساعدها صديقتها آجي. يقطعان ما مجموعه سبع جولات بالسيارة. ورغم أنهما يسلكان نفس الطريق ذهابًا وإيابًا في كل مرة، إلا أن كل جولة تختلف عن الأخرى.
وفي مقابل انفصال كلارا الاختياري، هناك انفصالا آخر إجباري في الفيلم البنغالي "Dear Maloti" (عزيزتي مالوتي) للمخرج شانكا داس جوبتا، والذي يشهد عرضه العالمي الأول بمهرجان القاهرة السينمائي. فبعد وفاة الزوج في حريق مدمر، تقع مالوتي، وهي ربة منزل حامل في متاهة بيروقراطية تُشكك في مبادئها الأخلاقية، وتستهدف هويتها الدينية، وتعرض مستقبل جنينها للخطر.
وفي وقت تحاول السينما البنغالية استكشاف قصصها الفريدة عقب الإطاحة بنظام الشيخة حسينة الإستبدادي، ذكر جوبتا أنه فيلمه يستكشف تجارب الحياة العادية، لكنه في الوقت نفسه ينسج منظورًا سياسيًا فريدًا، وهو ما يُعتقد أنه سيلقى صدى لدى المشاهدين. ويرى المخرج الشاب أن فيلمه "يعكس الكثير من فلسفتي الشخصية ويهدف إلى إظهار أن الفن لا ينفصل أبدًا عن السياسة".
Dear Malotiوفي أول ظهور روائي طويل لها، تستكشف المخرجة الأمريكية ذي الأصول الصينية كونستانس تسانغ، في فيلمها "Blue Sun Palace" (قصر الشمس الزرقاء)، الفائز بجائزة اللمسة الفرنسية بمسابقة أسبوع النقاد بمهرجان كان السينمائي هذا العام، تجربة البحث عن العائلة.
ورغم أن الفيلم يعد بمثابة تجربة عنيفة، إلا أنه يحفز روابط عائلية وأسرية ما بين مهاجرتين صينتين في أمريكا. فعلى بُعد آلاف الأميال من الوطن وداخل صالون تدليك في نيويورك، تنتقل إيمي وديدي بين الرومانسية والسعادة وواجبات الأسرة. على أمل العثور على عائلة، لكنها تصبح على المحك خلال رأس السنة القمرية الجديدة.
وفي مراجعتها للفيلم بموقع "فارايتي"، قالت الناقدة أليسا سيمون، إن الفيلم أقرب إلى الأفلام الفنية الأوروبية منه إلى الأفلام المستقلة الأميركية، فهو يعطي الأولوية للمزاج على الحبكة. وتمنح تسانغ ممثليها ذوي الخبرة مساحة كبيرة للتنفس للتعبير عن الحزن الذي يحيط بوجودهم في مواقف حيث من المرجح أن يتم تأجيل الأحلام بدلاً من أن تتحقق، ولكنها ضرورية على الرغم من ذلك.
وبالحديث عن تيمة العائلة الغالبة على أفلام هذه المسابقة، لا يمكننا أن نغفل شريط المخرج رشيد مشهراوي "أحلام عابرة" (Passing Dreams)، والذي يفتتح فعاليات النسخة الـ45 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي. يتتبع صانع الأفلام الفلسطيني شخصية سامي، صبي يبلغ من العمر 12 عامًا، يطارد حمامًا زاجلًا على طول الخط الأخضر الفاصل بين فلسطين وإسرائيل.
يمكن أن تكون قصة الفيلم بعيدة عن ثيمة العائلة، لكن خلال الرحلة التي ينطلق خلالها الصبي عبر فلسطين تتشكل رابطة عائلية ليس بتعريفها التقليدي، حيث يلتقي الصبي بفلسطينيين آخرين يتشاركون جميعهم الحكايات تمامًا كأسرة واحدة، ليقتنع الصبي بأن الطائر قد عاد إلى صاحبه الأصلي.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مهرجان القاهرة السينمائي فيلم أحلام عابرة القاهرة السینمائی فی فیلم
إقرأ أيضاً:
أوروبا في مواجهة ترامب جحيم نووي.. رؤية الرئيس الأمريكي الاستعمارية تجعل مشاهد أفلام الحرب حقيقة واقعة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يحلم ترامب بإمبراطورية ماجا، لكنه على الأرجح سيترك لنا جحيمًا نوويًا، ويمكن للإمبريالية الجديدة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن تجعل العالم المروع الذى صوره صانعو أفلام الحرب الباردة حقيقة.. هكذا بدأ ألكسندر هيرست تحليله الشامل حول رؤية ترامب.
فى سعيه إلى الهيمنة العالمية، أصبحت رؤية ترامب لأمريكا الإمبريالية أكثر وضوحًا. ومع استعانة الإدارة الحالية بشكل كبير بدليل استبدادى وإظهار عداء متزايد تجاه الحلفاء السابقين، أصبحت خطط ترامب للتوسع الجيوسياسى واضحة. تصور الخرائط المتداولة بين أنصار ترامب، والمعروفة باسم "مجال الماجا"، استراتيجية جريئة لإعادة تشكيل العالم. كشف خطاب ترامب أن أمريكا الإمبريالية عازمة على ضم الأراضى المجاورة، بما فى ذلك كندا وجرينلاند وقناة بنما، مما يعكس طموحه المستمر لتعزيز السلطة على نصف الكرة الغربى.
تعكس هذه الرؤية لعبة الطاولة "المخاطرة" فى طموحاتها، مع فكرة السيطرة على أمريكا الشمالية فى قلب الأهداف الجيوسياسية لترامب. ومع ذلك، فإن هذه النظرة العالمية تضع الاتحاد الأوروبى أيضًا كهدف أساسى للعداء. إن ازدراء ترامب للتعددية وسيادة القانون والضوابط الحكومية على السلطة يشير إلى عصر من الهيمنة الأمريكية غير المقيدة، وهو العصر الذى قد تكون له عواقب عميقة وكارثية على الأمن العالمى.
مخاطر منتظرةمع دفع ترامب إلى الأمام بهذه الطموحات الإمبريالية، يلوح شبح الصراع النووى فى الأفق. لقد شهدت فترة الحرب الباردة العديد من الحوادث التى كادت تؤدى إلى كارثة، مع حوادث مثل أزمة الصواريخ الكوبية فى عام ١٩٦٢ والإنذار النووى السوفيتى فى عام ١٩٨٣ الذى كاد يدفع العالم إلى الكارثة. واليوم، قد تؤدى تحولات السياسة الخارجية لترامب، وخاصة سحب الدعم الأمريكى من الاتفاقيات العالمية وموقفه من أوكرانيا، إلى إبطال عقود من جهود منع الانتشار النووى.
مع تحالف الولايات المتحدة بشكل متزايد مع روسيا، يصبح خطر سباق التسلح النووى الجديد أكثر واقعية. الواقع أن دولًا مثل اليابان وكوريا الجنوبية وكندا، التى اعتمدت تاريخيًا على الضمانات الأمنية الأمريكية، قد تشعر قريبًا بالحاجة إلى السعى إلى امتلاك ترساناتها النووية الخاصة. وفى الوقت نفسه، قد تؤدى دول مثل إيران إلى إشعال سباق تسلح أوسع نطاقًا فى مختلف أنحاء الشرق الأوسط، إذا تجاوزت العتبة النووية.
رد أوروبابدأ الزعماء الأوروبيون، وخاصة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، فى الاعتراف بمخاطر عالم قد لا تكون فيه الولايات المتحدة حليفًا موثوقًا به. وأكدت تعليقات ماكرون الأخيرة على الحاجة إلى استعداد أوروبا لمستقبل قد لا تتمسك فيه الولايات المتحدة بضماناتها الأمنية، وخاصة فى ضوء سياسات ترامب الأخيرة. فتحت فرنسا، الدولة الوحيدة فى الاتحاد الأوروبى التى تمتلك أسلحة نووية، الباب أمام توسيع رادعها النووى فى مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبى. ومع ذلك، يظل السؤال مطروحًا: حتى لو مدت فرنسا قدراتها النووية إلى أعضاء آخرين فى الاتحاد الأوروبى، فهل سيكون ذلك كافيًا لحماية أوروبا من التهديدات الوشيكة التى تشكلها كل من روسيا والدول المسلحة نوويًا الأخرى؟
إن التوترات المتصاعدة بين حلف شمال الأطلسى وروسيا بشأن غزو أوكرانيا والتهديدات النووية الروسية المتكررة تؤكد على الحاجة الملحة إلى أوروبا فى سعيها إلى رادع أكثر استقلالية وقوة. وإذا لم تتمكن أوروبا من الاعتماد على الولايات المتحدة، فقد تحتاج فى نهاية المطاف إلى إنشاء آلية دفاع نووى خاصة بها.
عالم منقسمقد تكون تداعيات رؤية ترامب كارثية. فمع إعادة تسليح العالم بسرعة، ترتفع مخزونات الدفاع، ويرتفع الإنفاق العسكرى إلى مستويات غير مسبوقة. ويتم توجيه الموارد التى ينبغى استثمارها فى الرعاية الصحية والتعليم وحماية البيئة واستكشاف الفضاء بدلًا من ذلك إلى ميزانيات الدفاع. وإذا سُمح لسياسات ترامب بالاستمرار، فقد تؤدى إلى عالم حيث تصبح الحرب حتمية، أو على الأقل، حيث يتحول توازن القوى العالمى بشكل كبير. مع ارتفاع الإنفاق الدفاعى العالمى، هناك إدراك قاتم بأن البشرية تتراجع إلى نظام عالمى خطير ومتقلب، حيث يتم التركيز بدلًا من ذلك على العسكرة والصراع.
ضرورة التأملويمضى ألكسندر هيرست قائلًا: فى مواجهة هذه التحولات الجيوسياسية، أجد نفسى أفكر فى التباين بين العالم الذى حلمت به ذات يوم والعالم الذى يتكشف أمامنا. عندما كنت طفلًا، كنت أحلم بالذهاب إلى الفضاء، ورؤية الأرض من مدارها. اليوم، أود أن أستبدل هذا الحلم بالأمل فى أن يضطر أصحاب السلطة إلى النظر إلى الكوكب الذى يهددونه من الأعلى. ولعل رؤية الأرض من الفضاء، كما ذكر العديد من رواد الفضاء، تقدم لهم منظورًا متواضعًا، قد يغير وجهات نظرهم الضيقة المهووسة بالسلطة.
إن رواية سامانثا هارفى "أوربيتال" التى تدور أحداثها حول رواد الفضاء، تلخص هذه الفكرة بشكل مؤثر: "بعض المعادن تفصلنا عن الفراغ؛ الموت قريب للغاية. الحياة فى كل مكان، فى كل مكان". يبدو أن هذا الدرس المتعلق بالترابط والاعتراف بالجمال الهش للحياة على الأرض قد ضاع على أولئك الذين يمسكون الآن بزمام السلطة. وقد يعتمد مستقبل كوكبنا على ما إذا كان هؤلاء القادة سيتعلمون يومًا ما النظر إلى ما هو أبعد من طموحاتهم الإمبراطورية والاعتراف بقيمة العالم الذى نتقاسمه جميعًا.
*الجارديان