منذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة والدعم السريع في 15 ابريل 2023 توقفت 25 صحيفة ورقية، وأكثر من 7 محطات تلفزيونية، إلى جانب 12 محطة إذاعية تعمل على نطاق بث "الأف أم ، وأصبحت وسائل الإعلام المستقلة، خاصة تلك التي تنطلق من خارج البلاد، هي المصدر الرئيس للمعلومات، بجانب وسائل الإعلام الأجنبية ووسائل التواصل الاجتماعي.



منتدي الاعلام السوداني : غرفة التحرير المشتركة
اعداد وتحرير/ راديو دبنقا

امستردام : 10 نوفمبر 2024 - منذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة والدعم السريع في 15 ابريل 2023 توقفت 25 صحيفة ورقية، وأكثر من 7 محطات تلفزيونية، إلى جانب 12 محطة إذاعية تعمل على نطاق بث "الأف أم ، وأصبحت وسائل الإعلام المستقلة، خاصة تلك التي تنطلق من خارج البلاد، هي المصدر الرئيس للمعلومات، بجانب وسائل الإعلام الأجنبية ووسائل التواصل الاجتماعي.

ومع تطور أساليب وسائل الإعلام في كشف الحقيقة وعكسها مجردة، ومواجهة ركام التضليل الإعلامي الكثيف، تتطور طرائق ملاحقة أطراف الحرب للإعلام الحر المستقل بهدف كتم الصوت الإعلامي وصولاً إلى حالة الإظلام الإعلامي التام.

ويتعرض الصحفيون للاستهداف الممنهج خلال الحرب الدائرة، ووفقاً لتقرير نقابة الصحفيين فإن 445 صحفيًا وصحفية تعرضوا للقتل، الاعتقال، التعذيب، أو تدمير المنشآت الإعلامية. حيث قُتل 11 صحفيًا، بينهم صحفيتان، وأُطلق النار بشكل مباشر على 28 صحفيًا وصحفية، كما تم تسجيل 11 حالة اعتداء جسدي مباشر، شملت 4 صحفيات، في حين تعرض 54 صحفيًا، من بينهم 7 صحفيات، للإخفاء القسري أو الاعتقال.

كما تشن أطراف الصراع حربا من نوع آخر على وسائل الإعلام المستقلة التي لم يستطيعوا استهدافها المباشر وذلك عبر الهجمات الإلكترونية، حيث أعلنت صحيفة سودانايل الإلكتروني في أكتوبر الماضي أنها احبطت عملية تهكير خطيرة أدت إلى توقف موقعها لمدة أسبوع.

وقال طارق الجزولي رئيس تحرير صحيفة سودانايل، لراديو دبنقا، إن عملية التهكير هدفت إلى مسح كل محتويات موقعها الإلكتروني لأربع وعشرين عاما مبينا إن الصحيفة تمكنت من استرداد المحتويات، وأضاف” استطعنا استرداد الموقع مع خسارة محتويات الثلاثة أشهر الماضية". وقال إن الصحيفة ظلت تتعرض لحملة شرسة ومحاولات تهكير متكررة خاصة بعد اندلاع الحرب.

حرب من نوع آخر

ويقول منتصر عبد الواحد، رئيس تحرير صحفة مداميك، لراديو دبنقا إن وسائل الإعلام المستقلة تواجه حرباً من نوع آخر من أجل تعتيم الحقيقة في ظل الحرب العبثية التي تدور في البلاد.

ويضيف أن الحقيقة هي الضحية الأولى في أي حرب مشيراً إلى أن أطراف الصراع تحاول تغطية جرائمها واستهداف الصحف المستقلة حتى لا تفضح ممارساتها.

وحول تجربة صحيفة مداميك الإلكترونية، يقول منتصر عبدالماجد "تعرضنا لمحاولات تهكير عديدة نجح بعضها ولكننا تمكنا من استعادة الموقع) وتابع قائلاً تعرضنا لمحاولات حجب الموقع وتهكير حسابات الصحفيين"، مبيناً أن حساباته الشخصية على تطبيقي فيسبوك وواتساب تعرضت للانتحال خلال الأيام الماضية.

ويوضح منتصر عبدالماجد أن طرفي الصراع يوظفون غرف إعلامية لاستهداف وسائل الإعلام المستقلة باعتبارها خط الدفاع الأول لصالح المواطنين خلال الحرب الدائرة، ويبذلون مجهودات جبارة من أجل تضليل الرأي العام.

ونبه إلى وجود آلاف الحسابات والغرف الالكترونية والمجموعات التي تقوم بالقرصنة على المواقع وتهكير النشطاء السودانيين بجانب حملات دعائية منظمة لمساندة الحرب والتعتيم الانتهاكات. وأكد ضرورة تضافر من أجل لحماية المعلومة الصادقة وضمان انسيابها.

وشدد على أن الحرب الدائرة حالية هي حرب إعلامية في المقام الأول وتعتمد على التضليل ونشر المعلومات المزيفة، وإخفاء الجرائم المرتكبة، وأضاف (يحاولون قتل الحقيقة بعد قتل المواطنين عبر إعاقة تمليك المعلومات المروعة).

وأشار إلى أن 22 ألف موقع الكتروني وقناة إعلامية سودانية تنشط في الفضاء الرقمي، وتحاول تضليل الرأي العام، ونشر معلومات، وعبر تحليل محتواها وقراءة اتجاهات الرأي العام نجدها قائمة على تدليس الحقائق وحشد الطاقات للحرب.

شراكات أمنية

من جانبه، يقول مصعب بابا وهو مستشار اعلامي ومدرب في مجال الحماية الرقمية لراديو دبنقا إن الفضاء الرقمي، خلال العشرين عاما الماضية، أصبح المصدر الأساسي لتبادل المعلومات مبينا إن الكثير من الصحفيين باتوا يستخدمون وسائل التواصل والإعلام الإلكتروني كمنصات للنشر.

وأوضح أن نظام البشير كان يحاول تكميم أفواه الصحفيين وحرية الرأي، حيث استعان جهاز الأمن بشركات أجنبية لتولي مهمة تكميم الأفواه والتهكير والمراقبة والهجوم على الصفحات والمواقع الإلكترونية، مشيرا إلى بذل أموال طائلة مقابل الاستهداف.

ويضيف قائلاً إنه بعد سقوط نظام البشير تم توريث هذا الأمر للاستخبارات العسكرية واستخبارات الدعم السريع، حيث ترددت أنباء عن استجلاب قوات الدعم السريع تكنولوجيا مراقبة من إسرائيل، وتابع (القوات المسلحة والدعم السريع لديهم شركاء أمنيون، حيث يعتمد الجيش على الاستخبارات المصرية للمراقبة والاختراق، بينما تعتمد قوات الدعم السريع يعتمد على الإمارات في مسائل الاختراق).

وقال مصعب بابا إن السلطات تستخدم قوانين جرائم المعلوماتية لاستهداف الصحفيين الذين يعملون على تغطية قضايا الحرب والنزاعات فضلا عن استخدام سلاح التهكير والقرصنة الإلكترونية لافتا إلى أن الجهات الأمنية استدعت صحفيين وعرضت عليهم رسائل أرسلوها عبر الواتساب أو وسائل التواصل الاجتماعي، مما يشير لتمكن تلك الجهات من اختراق حساباتهم واعتبر ذلك مؤشراً لعدم احترام السلطات للخصوصية وحرية الصحافة.

بلاغات وزيارات

من جهته، يشير مسئول وسائل التواصل الاجتماعي لراديو دبنقا إلى أن صفحة راديو دبنقا على فيسبوك تتعرض بانتظام لبلاغات منظمة مما يؤدي في بعض الأحيان إلى قلة الوصول العادي إلى المتابعين وضعف التفاعل، وأشار إلى أن البلاغات تؤدي إلى حجب وصول المواد الإعلامية لآلاف المتابعين. كما تنشط الغرف الإلكترونية في نشر تعليقات منتظمة للتشويش على الرسالة الإعلامية للراديو.
من جانبه، قال محمد ناجي، رئيس تحرير موقع سودان تريبيون أن الهدف من عمليات التهكير هو توجيه رسالة محددة للجهة المستهدفة ويمكن أن يصل الأمر إلى حد التهديد. وقال إن موقع سودان تريبيون قد تعرض لعدد من الهجمات السيبرانية آخرها قبل عدة أشهر.

وأوضح الأستاذ محمد ناجي أن موقعهم تعرض للهجوم عن طريق إغراقه باصطناع زيارات تفوق طاقة الموقع المصمم من أجلها بما يوقفه عن العمل. وقال إن طرفي الحرب عملوا على تجييش وحدات إعلامية مهمتها محاربة كل من يخرج عن الخط الذي يدعو لها أحد الجانبين وهي حرب عنيفة وتستخدم فيها كل الوسائل. وربط محمد ناجي تنامي ظاهرة الهجمات السيبرانية على المنصات الإعلامية المستقلة مع الهجمات التي يتعرض لها الإعلاميين منذ بداية الحرب.

تصيد احتيالي

وحول طرق التهكير والقرصنة للمواقع الإعلامية، يقول خطاب حمد، الباحث في الحقوق الرقمية، في حديث لراديو دبنقا إن الهجمات الإلكترونية يمكن أن تتم عبر التصيد الاحتيالي باستخدام الهندسة الاجتماعية، وذلك عن طريق استهداف أحد مديري أو مشرفي الموقع والعثور على ثغرة في تأمينه.

وأضاف الباحث في الحقوق الرقمية أنه عن طريق هذه الثغرة يتم ارسال ملف أو رابط ملغوم الأمر الذي يسهل اختراق الموقع. وأكد أن هذا المنهج استخدام في الاعتداء على حساب حزب المؤتمر السوداني وحساب رئيسه، عمر الدقير، على منصة الفيسبوك. وقال إن التأمين الرقمي يحتاج إلى إمكانيات مادية وتقنية أكبر من الجهة المقرصنة لسد الثغرات.

طرائق التصدي

وحول طرائق التصدي للهجمات السيبرانية، يقول منتصر عبدالماجد رئيس تحرير صحيفة مداميك إنهم نفذوا احترازات تتعلق باستخدام حائط امان Firewall للموقع الإلكتروني وكل القنوات الالكترونية، فضلاً عن تنظيم ورش إلكترونية حول الأمن الإلكتروني للصحفيين والإداريين، وتمليكهم بعض الأدوات والبرامج لحماية الخصوصية.

وحول خطوات المعالجة، أكد منتصر عبد الماجد ضرورة الالتزام ببروتوكول الحماية الإلكترونية باستخدام برامج وحوائط حماية ورصد على مدار الساعة، مبينا إن أولى علامات القراصنة عدم القدرة على فتح الموقع الإلكتروني بسهولة، وبين إن بروتوكول الأمن الإلكتروني متوفر على نطاق واسع ويمكن شراءه أو الحصول عليه مجانا. ودعا نقابة الصحفيين ومنتدى الاعلام السوداني لإصدار نشرات للأمن الإلكتروني للصحفيين عبر خبراء في الأمان الرقمي وتبني ورش تدريبية لاستعمال الأمان الصحفي.

ويقول محمد ناجي رئيس تحرير سودان تريبيون لراديو دبنقا إنهم عملوا على فصل الموقعين العربي والإنجليزي عن بعضهما تفادياً للهجمات الإلكترونية عبر الإغراق بالزيارات. مشيراً إلى استضافة الموقعين المنفصلين في مخدمات ضخمة ذات طاقة استيعابية هائلة بما يمنح الشركة الموفرة للاستضافة الوقت للتعامل مع التزايد المفاجئ في أعداد الزائرين ورصد الهجمات بشكل مبكر وتفعيل أدوات الحماية لمواجهتها.

من جانبه أكد مصعب بابا المستشار الإعلامي والمدرب في مجال الحماية الرقمية لراديو دبنقا ضرورة أن يحمي الصحفيون أنفسهم ومصادرهم باستخدام أدوات محددة. ودعا لتشفير (الوايف اي) عبر استخدام البرامج وتطبيقات في بي إن، وذلك لتشفير الاتصالات من أجل تقليل خطر المراقبة. كما دعا لاستخدام مضادات الفيروسات لتفادي الفيروسات عبر الايميل والأقراص الإلكترونية مبيناً إن معظم الفيروسات تستخدم للمراقبة.
ودعا إلى تفصيل التحقق عبر الخطوتين في وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام كلمات سر قوية
ومعقدة.

ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني

#SilenceKills
#الصمت_يقتل
#NoTimeToWasteForSudan
#الوضع_في_السودان_لا_يحتمل_التأجيل
#StandWithSudan
#ساندوا_السودان
#SudanMediaForum
#منتدى_الإعلام_السوداني

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعی رئیس تحریر محمد ناجی وقال إن صحفی ا إلى أن من أجل

إقرأ أيضاً:

الأنظمة العربية الوراثية.. وحميميةُ العلاقة مع الإدارة الأمريكية

يمانيون – متابعات
انتهت المعركة الانتخابية الرئاسية الأمريكية بفوز من تريدُه الحكومةُ العميقة الرأسمالية الصهيونية المتوحشة، لشغل منصب رئيس الإدارة الأمريكية، وهذه الحكومة الموغلة في الإجرام والتوحش، تقيسُ مواقفَها من مختلف القضايا الداخلية والخارجية بما يحقّق مصالحها فحسب، دون اعتبار لحمار الحزب الديمقراطي أَو لفيل الحزب الجمهوري، وبالنسبة لأنظمة الحكم في المنطقة العربية الأصل أن تلك الانتخابات شأن داخلي أمريكي، ولا تعنيها لا من قريب ولا من بعيد، غير أن المخزي والمخجل حقًا أن وسائل إعلام الكيانات الوظيفية العربية ربطت مصير الجغرافيا العربية والإسلامية بشخص الرئيس الأمريكي المنتخب، ومن تابع القنوات الفضائية العربية، ومنها الحدث والعربية وسكاي نيوز والجزيرة وغيرها خلال أَيَّـام المعركة الانتخابية وتحديدًا اليوم الأخير منها، سيشعر بالخجل فعلًا من التغطية الواسعة والشاملة لكل تفاصيل تلك المعركة الانتخابية، من صور أيقونية أَو مواقفَ كوميدية للمرشحين أَو غيرها من التفاصيل المخجلة، في الوقت الذي توقفت فيه تمامًا ولساعات على الأقل عن تغطية أفعال جريمة الإبادة الجماعية المقترَفة بحق أبناء الشعب الفلسطيني، فيما عمل الإعلام العربي على تغطية معركتهم الانتخابية، رغم أنه لا فرقَ بين ديمقراطي وجمهوري جميعهم في سباق لسفك المزيد من الدم العربي، ولاستنزاف ثروات وموارد الشعوب العربية.

ولقد صممت تلك القنوات استديوهات مذهلةً لتغطية تفاصيل المعركة الانتخابية الأمريكية ونقلها للمواطن العربي بدقة وجودة عالية، لم يسبق لها مثيل، ولم يسبق لها أَيْـضًا أن خصصت لأية تجربة انتخابية في محيطها الجغرافي الإسلامي ولو بنسبة عشرة بالمِئة من الوقت والاهتمام الذي خصصته للانتخابات الأمريكية، رغم أن تجارب المحيط الإسلامي يمكنها رفع مستوى وعي الشعوب العربية بعشرات الدرجات أكثر من الانتخابات الأمريكية، لكن الواضح أن الأنظمة العربية الوظيفية غير معنية بوعي المواطن العربي، وكلّ ما يعنيها هو الترويج لمشغِّلها الأمريكي جمهوري أَو ديمقراطي ومن ورائهما المشغل الأكبر الرأسمالية المتوحشة، التي يعنيها فقط أن ترسي المزاد الانتخابي على مصالحها، بغض النظر عن شخص المرشح أَو حزبه، فلو انصرفت إرادَة السلطة العميقة الحاكمة في أمريكا لاختيار قرد أَو خنزير لمنصب الرئاسة لكان لها ذلك، ولروّجت وسائل إعلام الأنظمة العربية الوظيفية للحدث بأنه نوع من التطور والتغيير المذهل لشغل منصب رئاسة الإدارة الأمريكية!

ولو أن وسائل الإعلام العربية اهتمت بمعركة الانتخابات الحقيقية الواقعية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، واهتمت بنتائجها وخصّصت لها جزءًا من وقتها واهتمامها، لكان ذلك الاهتمام في محله، ولكان أجدى لشعوب الأُمَّــة العربية من تجريعها زيف وخداع وتضليل المعركة الانتخابية الأمريكية، والأدهى من ذلك والأمرُّ أن وسائل إعلام الكيانات العربية الوظيفية تعاطت مع نتائج هذه الانتخابات دون حياء أَو خجل، بوصفها عقابًا من الشعب الأمريكي للحزب الديمقراطي على أدائه المتدني! وهي بذلك التعاطي تستحمر الشعوب العربية أيما استحمار، فهذه الشعوب لم يسبق لها أبدًا أن عاقبت حكامها! بل لم يسبق لها أن حاسبتهم! بل لم يسبق لها حتى أن عاتبتهم، ليس على أدائهم المتدني! بل على غبائهم المستفحل، وعلى تسخيرهم لمقدرات الشعوب للمستعمر الأجنبي، وجعل أنفسهم مُجَـرّد أدوات بيده يستخدمها متى شاء وكيف ما شاء، نعم لقد كرّرت وسائل الإعلام العربية عرضها لنتيجة الانتخابات الأمريكية بأنها عقاب من الشعب الأمريكي لكاميلا هاريس ولحزبها الديمقراطي صاحب رمز الحمار واختار ترامب وحزبه الجمهوري صاحب رمز الفيل!

هذه الوسائل الإعلامية لم تكلف نفسها أبدًا مناقشة نتيجة الانتخابات السابقة التي فاز فيها بايدن مرشح حزب الحمار، وسقط فيها ترامب مرشح حزب الفيل! ولم تثر حينها أن ذلك كان عقابًا من الشعب الأمريكي لحزب الفيل، ولم تدرك وسائل الإعلام العربية حينها أن مرشح هذا الحزب حطّم بتصرفاته الغبية الغوغائية جزءًا من مصالح الحكومة الرأسمالية الصهيونية العميقة، التي أسقطت ترامب وغوغائيته ورفعت بايدن وزهايمره! وها هي اليوم قد أعادت للواجهة ترامب بعد إدخَال بعض التحسينات التي من شأنها إلزامه بالحفاظ على مصالحها الرأسمالية تحت عنوان عريض وهو (أمريكا أولًا)!

والعجيب أن وسائل الإعلام العربية -في تغطيتها لتفاصيل المعركة الانتخابية الرئاسية الأمريكية- لم تضع في اعتبارها ولو نسبة ضئيلة لتأثر الشعوب العربية بما جرى من تنافس انتخابي في أمريكا وما تلاه من عقاب شعبي، حسب وصفها، تجسد في نتيجة الانتخابات! ولم تضع هذه الوسائل الإعلامية في اعتبارها أن ترويجها الواسع لتلك الحرية الشعبيّة والديمقراطية، ولذلك التنافس المحموم في المعركة الانتخابية، أن يؤدي كُـلّ ذلك إلى أن تهفوَ الشعوب العربية إلى محاولة تقليد ومحاكاة الشعب الأمريكي، لتعبر من خلال ذلك عن اختياراتها وخياراتها، وحقها في معاقبة حكامها الذين أثقلوا كاهلها لعقود من الزمن!

ولم تفترض تلك الوسائل الإعلامية العربية أن ذلك الزخم الكبير والاحتفاء العظيم بالانتخابات الأمريكية، والتفصيل الدقيق لنتيجتها يمكن أن يدفع الشعوب العربية لكسر حالة الجمود ومحاكاة ما جرى في أمريكا، ولو من باب التقليد ولو من باب الدعابة! لكن يبدو أن وسائل الإعلام العربية وبكل أسف قد تعاطت مع المعركة الانتخابية الأمريكية بتلك الوقاحة وهي مطمئنة إلى أن عقلية المواطن العربي لا تختلف عن شعار الحزب الديمقراطي (الحمار) والجمهوري (الفيل)، وهي مطمئنة أَيْـضًا أن شعارَي هذين الحزبَينِ يمثلان حيوانيَن من البيئة الشعبيّة العربية!

والأدهى من ذلك والأمرُّ أن استحمارَ تلك القنوات للشعوب العربية قد بلغ مداه حين تنافست في عواجلها وبشكل متتابع وفي تغطياتها المُستمرّة على إبراز تهاني حكام أنظمتها وولاة عهدهم لترامب الذي وصفته بـ(المرشح المنتخَب) وأبرزت حرص أُولئك الحكام وولاة عهدهم على تطوير وتنمية العلاقات التاريخية بين أنظمة حكمهم والإدارة الأمريكية! ورغم أن المُهنأ بالفوز بمنصب الرئاسة منتخب ولمدة محدّدة بأربع سنوات لا يحق له بعدها الترشح! والمهنئ مغتصب للسلطة لمدى الحياة! ورغم أن المُهنأ يُقر بفضل الشعب الأمريكي عليه ويشكره على ثقته، ويلتزم ويتعهد أنه لن يخذله! في حين أن المهنئ المغتصِب للسلطة يشعر أنه صاحبُ الفضل على الشعب، ويمكن أن يتوعده بمرارة العيش إذَا ما لمس منه أي تنكر لفضله!

ووسائل الإعلام وهي تورد في عواجلها تهانئ الحكام التي تكرّرت وتتابعت، بل وكانت من كثرة تكرارها وتتابعها ترتجفُ خوفًا من القادم إلى البيت الأبيض، وما ذلك إلَّا تعبير عن حالة المهنئين؛ إذ لم يخطر ببال تلك الوسائل الإعلامية أن الشعوب العربية يمكن أن تُستفز! وأن تتساءل كيف لحكام غير منتخبين تهنئة حكام آخرين منتخبين شعبيًّا بكل تلك الحفاوة وكأنهم يهنئون نظراءهم بمناسبة تنصيبهم ملوكًا؛ باعتبَارهم متفقين معهم في وسيلة إسناد السلطة، أما المنتخب من الشعب فوسيلة إسناد السلطة لكُلٍّ من المهنَّأ والمهنئين مختلفة تمامًا، وإن كان هناك من تهنئة فالأصل أن تكون على استحياء احترامًا لمشاعر الشعوب! وألَّا تكون سافرة ومُستمرّة على مدى أيام! نظرًا لاختلاف مدة جلوس كُـلٍّ منهم على كراسي الحكم! وقد تتساءل الشعوب العربية: كيف للشعب الأمريكي أن يقرّر مصير الحكام رفعًا وإسقاطًا؟ ولماذا لا يكون لها مثل هذا الحق في مواجهة حكامها؟ ولماذا تسمو الإرادَة الشعبيّة ولو ظاهريًّا في أمريكا وتسمو في البلاد العربية إرادَة الحكام وتسقط الإرادَة الشعبيّة؟ ولما يتتابع تساقط الحكام هناك ويستمر الحكام في البلاد العربية مدى الحياة؟ ويتوارث الحكم الإخوة والأبناء؟ كُـلُّ هذه التساؤلات وأكثر منها واردة من حَيثُ الأصل! فلماذا لم تعرها وسائل الإعلام العربية أي اهتمام في تغطيتها للانتخابات الأمريكية؟

لعل من المقبول والمعقول أن تتعاطى وسائلُ إعلام عربية في أنظمة ديمقراطية شكلية في تغطيتها للانتخابات الأمريكية بتلك الصورة، التي تعاطت بها وسائل إعلام عربية تتبع أنظمة وراثية؛ فقد يهنئ حاكم في نظام عربي موصوف شكلًا بأنه ديمقراطي، ويمكن أن يكون ذلك مقبولًا شعبيًّا، ويمكن التعاطي مع مثل ذلك التداول بأنه سينمّي ويطوّر التجربة الديمقراطية في بلد الحاكم المُهنئ والمحتفية وسائله الإعلامية بالانتخابات الأمريكية، لا مشكلة في ذلك، لكن المشكلة تكمن في تعاطي وسائل إعلام الأنظمة العربية الوراثية في تغطيتها للانتخابات الأمريكية بكل تلك الجرأة، دون اعتبار لمشاعر الشعب المتلقي الذي ينتقل حكمه بالوراثة من حاكم إلى آخر، بغض النظر عن شخصيته وأدائه وسلوكه؛ فالشعب في ظل هذه الأنظمة الوراثية يعتبر في كُـلّ الأحوال عنصرًا من عناصر تركة المورث، وينتقل حكمُه من السلف إلى الخلف على هذا الأَسَاس!

وإذا كان بالإمْكَان اعتبار تعاطي وسائل إعلام الأنظمة العربية الموصوفة شكلًا بأنها ديمقراطية وتهانئ حكامها للرئيس الأمريكي المنتخَب بأنه مقبول ومعقول، فَــإنَّ تعاطيَ وسائل الإعلام العربية في الأنظمة الوراثية، وتهنئة حكامها، وهم الوارثون للحكم، وتعبيرهم عن حميمية العلاقة مع الإدارة الأمريكية ولرئيسها المنتخَب يمثل مظهرًا من مظاهر العهر والشذوذ السياسي!
——————————————
المسيرة| د. عبد الرحمن المختار

مقالات مشابهة

  • كيف نحمي أجهزتنا وحساباتنا الإلكترونية من الاختراق؟
  • البحوث الفلكية تكشف حقيقة وجود كائنات في باطن الأرض
  • الاعلام اختتم برنامج صناعة المحتوى المرئي الاجتماعي المؤثر
  • الكيان الصهيوني يُجير وسائل إعلامه لترسيخ دور “الضحية”
  • لأول مرة| التشويش على وسائل الغش الإلكترونية في امتحانات الثانوية العامة
  • الهجمات السيبرانية.. حرب أخري لإسكات وسائل الاعلام المستقلة
  • الأنظمة العربية الوراثية.. وحميميةُ العلاقة مع الإدارة الأمريكية
  • قانون الإعلام.. لحظة تستحق أن نحتفي بها
  • الأردن يكشف عن خسائره الاقتصادية السنوية جراء الهجمات السيبرانية