شمسُ الحق وشعاعُ الحقيقة في عصر الظلام
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
طلال محمد الحمامي
إن عالم اليوم يعيش في ظل عصرٍ تتزاحم فيه الأحداث، وتتضارَبُ فيه المواقف، ويغمرُه الضباب، والشكوك، والحذر. ويبرز الحق والحقيقة كمنارة مشعّة في ظلام الجهل والتضليل. إن السعي وراء الحقيقة رحلة ليست بالسهلة، لكنها ضرورية لبناء الأُمَّــة الحرة في وعيها، لتصبح قادرة على مواجهة التحديات والأخطار.
تعتبر القضية الفلسطينية شمس الحق المشعة على ظلمات قوى الاستكبار وثلاثي الشر: أمريكا، وبريطانيا، و”إسرائيل”. لقد فشلت تلك القوى في طمس القضية الفلسطينية، بالرغم من حجم الاستهداف الممنهج للإسلام في نهجه قبل أرضه من قبل دول استعمارية، نشأت على الظلم وسفك الدماء وسلب الحقوق. ومعروفٌ ما فعلته أمريكا بحق الهنود الحمر؛ إنه الشيء نفسُه الذي تمارسه “إسرائيل” بحق الشعب الفلسطيني، حَيثُ يقتلون الأطفال والنساء، وينتهكون الحرمات دون اعتبار لأيٍ من المبادئ والقيم.
ولا تتوقف أهدافهم عند ذلك، بل يسعون لما هو أكبر لإقامة ما يدعون أنه “دولة يهودية” تشمل بلدانًا عربية عدة من النيل إلى الفرات، وليس فلسطين وحسب، غير مكترثين بما سينتج عن ذلك من مصادرةٍ لحقوق شعوبٍ بأكملها، وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني.
يرى هؤلاء في الأرض العربية منطقةً استراتيجيةً للسيطرة على العالم، وهذا خطرٌ مستفزٌّ بالنسبة للعرب أولًا، وللبشرية جمعاء.
وفي المقابل، أصبحت الأُمَّــة الإسلامية بين خيارين: إما السلة وإما الذلة، ودينها يفرض عليها التحَرّك تحت عنوان الجهاد لدفع الشر عن البشرية كلها، فكيف بها وهي المستهدفة؟ وللأسف، ظهر من أبناء الأُمَّــة تيارٌ يعمل لصالح أمريكا و”إسرائيل”، وينخر في الأُمَّــة من داخلها من خلال نشر الفتن وتدجين الشعوب باسم الدين، حتى أصبحوا جنودًا يتحَرّكون وفق ما تريد أمريكا وترغب به “إسرائيل”، جاعلين من ثرواتهم ودمائهم وسيلةً تستغلها أمريكا للقمع ومواجهة كُـلّ من يسعى للتصدي لخطرها، تمامًا كما يعمل النظام السعوديّ استجابة لما تريد أمريكا، حَيثُ قاد تحالفًا على اليمن، وزج بقيادة من “حماس” في السجون دون أي مبرّر أَو ذنب سوى الرضوخ لأمريكا.
ومع كُـلّ ذلك، لم يستطيعوا الخروجَ من مربع الفشل والهزائم على طول تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وُصُـولًا إلى معركة (طُـوفَان الأقصى)، حَيثُ كانت الضربة القاصمة لظهر الكيان الصهيوني والفاصلة بين الحق والباطل. بعد عام وشهر من تلك العملية الخالدة، يجب أن نقف قليلًا ونسلط الضوء على أبرز المواقف والحقائق المهمة، حتى نعرف أين موقعنا من الصراع.
أليس الشعب الفلسطيني شعبًا مسلمًا؟ أليست غزة المحاصَرة جزءًا لا يتجزأ من أرض الإسلام، وأهلُها مسلمون؟ أليس المسجد الأقصى أولى القبلتين ومسرى خاتم الأنبياء والمرسلين؟ إذًا، لماذا لم يقف المسلمون لنصرتهم، ويستمعون لصراخهم وندائهم؟ لماذا لا يزعجهم حديث النبي محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-، حَيثُ قال: “من سمع مناديًا ينادي يا للمسلمين ولم يجب فليس من المسلمين”؟ كم صرخ أطفال غزة: “أين العرب؟ أين المسلمون؟” لكن اليأس كان دائمًا يجيبهم قائلًا: “عذرًا، لا حياة لمن تنادي”.
لقد غلب الصمت على أُمَّـة الإسلام، وخيّم عليها التخاذل. وبين هذا التفريط الفظيع والظلمة الموحشة، كان الله حاضرًا، لم يكن غافلًا عن تلك المظلومية الفظيعة والوحشية الرهيبة. ومن يؤمنون وحدهم يدركون معنى قوله تعالى: “وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ”.
وعوضًا عن التخاذل والصمت المخزي، اقتضت إرادَة الله أن تكون جبهات الجهاد والإسناد في اليمن وإيران والعراق ولبنان خير أُمَّـة أخرجت للناس، تنصر المظلومين في غزة ولبنان، وتستهدف قوى الاستكبار حيثما كانت، في البر والبحر والجو. لقد كسرت هذه الجبهات معادلة الصمت والاستضعاف، ودحضت حجج المطبعين والمتربصين، فما كانت لتكون لولا أنها آمنت بعدالة قضيتها وحتمية انتصارها، حَيثُ اتخذت من الجهاد عنوانًا للانطلاق، ومن الصبر ثباتًا على الموقف، ومن الإرادَة طوفانًا وعنفوانًا.
وهنا يتجلى لنا أن فلسطين كانت وما زالت وستبقى حصنًا منيعًا وقلعةً شامخة بأبطالها، تحميها جبهات الإسناد، جبهةً باطنها الرحمة وظاهرها من قبلها العذاب على اليهود الصهاينة والمطبعين المتصهينين. وإن طال زمن البطش والجبروت، فالنصر صبر ساعة أَو هو أقرب.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
صوت الحق في زمن الانكسار
في زمنٍ تكالبت فيه الأمم على الأمة العربية والإسلامية، ووسط طغيانٍ أمريكيٍّ متغطرس، يتوهّم أنه الحاكم المطلق والآمر الناهي، خرج صوتٌ صداحٌ بالحق، صوتٌ لم يخضع، لم ينكسر، لم يساوم. إنه صوت القائد الرباني السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، يحفظه الله، الذي أثبت للعالم أن هناك من لا يخشى في الله لومة لائم، ولا يركع إلا لله الواحد القهّار.
لقد جاء خطابه الأخير ليكون صاعقةً على رؤوس الطغاة، فقد عرّى المتخاذلين، وأسقط ورقة التوت عن عورات الأنظمة العربية التي لا تزال صامتةً صمت القبور أمام جرائم المحتل الصهيوني في فلسطين، بل وأمام دعوات التهجير القسري التي يتبجّح بها الأمريكي دون خجل.
إن الفرق بين خطاب الهيمنة الأمريكية وخطاب القائد الرباني كالفرق بين الليل والنهار، بين الظلمة والنور، بين الاستكبار والخضوع لله. الأول يتحدث بلغة الاستعلاء، بلغة السوط والسيف، بلغة “أريد فيكون”، كأنه إله الأرض الذي لا يردّ له أمر. أما الثاني، فهو خطاب الحق الناصع، الخطاب الذي لا يعرف المواربة ولا الالتفاف، بل يُعلنها صريحةً مدويةً: لا للهيمنة، لا للاحتلال، لا للصمت المخزي!
لقد أحرج السيد القائد حكّام العرب الذين لا يزالون غارقين في بياناتهم الخجولة ومواقفهم الرمادية، فوقف وحده كالجبل الأشم، يحمل لواء العزة والإباء، يُذكّر الأمة بواجبها، ويُعيد إلى الأذهان سيرة النبي المختار وحيدر الكرار، عليهم صلوات الله وسلامه .
وحينما ننظر إلى واقع الأمة، نجد أن صنعاء، برغم الجراح، قد تحوّلت إلى قلعةٍ للأحرار، إلى قبلةٍ للمقاومين، إلى صوتٍ صارخٍ في زمن الصمت والخذلان. إنها اليوم العاصمة التي تجسّد كرامة الأمة، حيث يجتمع فيها صوت الشرفاء، بعيدًا عن القصور العاجية والولائم السياسية التي يُشترى بها الذمم وتُباع بها القضايا.
إن من يتأمل في مواقف السيد القائد عبدالملك الحوثي، لا يسعه إلا أن يرى فيه الأمل، أمل الأمة، وخلاص المستضعفين. وإنه لحريٌّ بكل شريفٍ وحرٍّ أن يتجه إلى صنعاء التاريخ، صنعاء العز، ليوالي ويؤيد ويساند ويبارك هذا الصوت الصادق، وليكون جزءًا من مشروع التحرر الذي لم يعد خيارًا، بل ضرورةً ملحّةً لبقاء الأمة.
لقد علّمنا التاريخ أن الأمم لا تنهض إلا بالرجال، وأن الحق لا ينتصر إلا بالتضحيات، وأن الصمت في زمن الخنوع جريمةٌ لا تغتفر. وبينما تستمر عجلة الطغيان الأمريكي في دورانها، فإننا على يقينٍ بأن عجلة المقاومة أشد بأسًا، وأكثر مضاءً، وأن الغلبة ستكون في نهاية المطاف لأصحاب المواقف الثابتة، لمن لم تستهوهم كراسي السلطة ولا موائد الذل، لمن اختاروا طريق الحرية، مهما كان شائكًا ومليئًا بالأشواك.