اعتدت أن تصطبغ الحياة في مصر باللون الأحمر يوم 4 نوفمبر من كل عام احتفالا بعيد الحب الذي دعا إليه الكاتب مصطفي أمين في منتصف السبعينيات لنشر قيم الحب والتسامح والمودة في المجتمع دون الاقتصار على مفهوم الحب الرومانسي بين الرجل والمرأة الذي يميز احتفال العالم بالحب في 14 فبراير، فهي دعوة للحب بين الجميع: المحبين، المخطوبين، المتزوجين، الأبناء، الأشقاء، الأصحاب، الجيران، الزملاء، الأقارب.
كانت محلات الزهور والهدايا تستعد ليوم الحب، وتكتسي الواجهات باللون الأحمر، وتمتلئ الأرجاء بالقلوب والدباديب الحمراء - ولا أعرف سر ارتباط الدبدوب بهدايا المحبين - وتحرص الفتيات على ارتداء ملابس باللون نفسه، وترى معظم الناس في الشوارع حاملين علب الهدايا أو الورود، كنت أحب كثيرا التنزه يوم عيد الحب لمشاهدة مظاهر الاحتفال خاصة في تجمعات الشباب في الجامعة أو النادي.
للأسف، تراجعت المظاهر الاحتفالية خلال السنوات الأخيرة وأوشكت على الاندثار، وهذا العام مر 4 نوفمبر مرور الكرام، فلم أر شخصا حاملا وردة حمراء أو شنطة هدايا، لم ألمح فتاة ترتدي الأحمر، لم أشاهد مظاهر حب!! فأين اختفت؟ ولماذا؟
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
الحب في زمن التوباكو (4)
مُزنة المسافر
إنني أعيشُ في قنينةٍ من الخوف والخرف يا جوليتا، أنا والتوباكو نعرف جيدًا أننا لا ننفع أحدًا الآن، لقد سرقوني، سلبوا كل شيء، لم يتركوا لي غير التبغ يشتعل في ألم عظيم.
جوليتا: من هم يا عمتي؟
ماتيلدا: أعدائي، لقد جاءوا ليلًا حين كنتُ نائمة، لقد سرقوا المسرح، لقد سرقوا صندوق النقود، لم أعد احتمل الكذب والسلب، نحن شرفاء يا ابنة أخي لكننا نُسرق ونُنهب لماذا؟
افعلي شيئًا من أجل عمتك الضائعة، لا أرغب أن أضيع أكثر، إننا نأكل جيدًا كل ليلة من المال الذي نجنيه من هذا المسرح، يا خيبتي، يا لحظي العائر، وقلبي الثائر، دعيهم يرحلون عني.
لقد كبرت، لا أستطيع الركض خلف اللصوص، لقد أشهروا سكينًا في وجهي يا جوليتا.
عمتك تبكي، وتشكو ضعفها، إنني قد صرتُ في القاع، هل عليَّ الانصياع؟
كنتُ حافية القدمين، كنت ناقمة على الحياة، وجعلوا من عمتك أضحوكة، بحثوا في أدراجي، وفي خزائن حياتي، كدت أموت، كدت اختفي، كدت انجلي، والآن اعتلي عرش اليأس، وقد دخل في حياتي باب النحس طبعًا، أنقذيني، أوقدي شمعة في فؤادي، وقولي لي شيئًا ينادي بالسكينة.
جوليتا: كوني صلبة يا عمتي، لقد كنتي ودودة، ولم تكوني عدوة لدودة لهم.
وجيوبهم فارغة من الرحمة والمال، إنهم قد سرقوا الأشياء لكن لم يسرقوا ذكرياتك وآمالك المعلقة حول عنق الحياة.
ماتيلدا: لم يتمكنوا من أن يأخذوا ذكرياتي وأغنياتي بالتأكيد، تعرفين يا جوليتا أنك دون أحلام لن تكوني إلّا من يخلق الوهم، وليس النغم واللحن الحلو اللذيذ الذي يلهبُ كل الأخيلة التي قد ترتسم على جدران قديمة لأجساد وأرجل راقصة، قانصة للحظة النعيم.
جوليتا: لكنني لا أستطيع غناء شيء تحبينه، إنك لا تتركيني أضع علامة بائنة لموهبتي، وأمنح نفسي النجومية المطلوبة.
ماتيلدا: ببساطة لأنك لا تملكين الذكريات والقصص يا جوليتا، عليك قول القصص وإخبارها باستعلاء كبير، وكأنه لم يعشها أحد غيرك في هذا الكون. أتعرفين؟ كان لي قصة رائعة، وكوني لها الآن سامعة.
إنها قصة رجل القطار الذي غاب عن جعبتي سنوات طويلة، أتذكره كثيرًا في هذه الأيام، لقد أراد أن يحبني حبًا إغريقيًا، إنه شاب قد دخل قطارًا بطيئًا للغاية، كنت أنا بحقيبة سفر قديمة كانت لجدتي، وكان لي فستان قرمزي يقتفي آثار جسدي جيدًا، ولا يترك أي مجال للآخرين أن لا يميزوا اللون المختلف الذي كنت ألبسه، وجاء الشاب، ودخل المقطورة وقدم لي كعكة فراولة شهية، وجاء بكوب قهوة.
وقدمه لي، هل تعرفين حين تقولين إنه شاب نبيل يا جوليتا، لقد انقرض النبلاء من الرجال في هذا الزمن البائس يا ابنة أخي، غابوا ورحلوا لكنه كان رجلًا نزيهًا، لطيفًا أثرت شفقته بلهجتي الرعناء، وصوتي الغريب.
وحين كنتُ أرددُ أغنيةً، وأسعى أن أكتب واحدةً، ردَّدَ هو أن صوتي جميل للغاية، وكانت المرة الأولى التي أعرف أن لي صوتٌ جميلٌ للغاية، وأنه يدغدغ المشاعر، وأن قلبي الشاعر يقدر على قول القصائد ويأتي بالمصائد التي يفرضها على من يأتي للمسرح ليسمعني، ورغم حركة الناس، كانت المقطورة مفطورة عن باقي المقطورات في ذاك القطار البطيء للغاية.
وكأن الزمن لم يتحرك تلك اللحظة التي كان يحدثني فيها حوارًا مُسلِّيًا وأحيانًا رومانسيًا، سألني من أنا، وماذا أكون؟ وكيف هي حياة المرء حين يُقرر أن يستقل قطارًا بطيئًا وهو وحيد.
وسألني سؤالًا غير معتاد أبدًا من رجال هذا الزمن: كيف هي أن تكون امرأة بهذا الجمال وحيدة؟ وحينها فقط عرفت أنني جميلة، وأن عيناي تشع بالحب.
وأن هناك شيئًا أُحبُهُ أكثر من الغناء، وشعرت للمرة الأولى بالسناء، وكان هو هذا اللقاء الأجمل على الإطلاق والأبهى بين كل الأشياء التي رأيتها في القطار، قلبي قفز، ورقص، وعيناي رأت الحب لأول مرة، وشعرتُ به أكثر حين كرَّر زياراته للمسرح، وكل مرة كان بقبعة زاهية وملابس باهية وسلوك لبق ومزاج رائق.
جوليتا: وأين هو الآن؟!