محاكمة جزائريين خططوا للتسلل إلى غزة عبر قوافل المساعدات من مصر
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
جرت، اليوم الأحد، جلسة بمحكمة الجنايات الابتدائية بالدار البيضاء في الجزائر العاصمة لمحاكمة أربعة متهمين جزائريين بالسعي إلى التسلل داخل قطاع غزة عبر مصر للمشاركة في العمليات القتالية.
ووفق صحيفة "النهار" الجزائرية، يتعلق الأمر بأربعة متهمين، بينهم مدان سابق في قضية إرهاب، خططوا لدخول قطاع غزة للمشاركة في عمليات القتال، عن طريق انتحال صفة متطوعين في الهلال الأحمر المصري، ومحاولة التسلل، تحت هذه الصفة، عبر شحنات المساعدات الإنسانية إلى داخل غزة.
وتعود بداية التخطيط للعملية، وفق المصدر نفسه، بالسفر مدينة وادي سوف، أقصى شرق الجزائر، وشراء تذاكر للسفر إلى مصر، وعند وصولهم إلى هناك حاول المتهمون التسلل عبر معبر رفح من خلال قوافل المساعدات الإنسانية، إلا أن الإجراءات الأمنية المشددة حالت دون تحقيق هدفهم.
واضطر المتهمون إلى العودة للجزائر، خصوصا بعدما برز خلاف مع أحدهم حينها سعى لإقناعهم بالالتحاق بتنظيم داعش الإرهابي في منطقة الساحل.
ووجهت السلطات القضائية الجزائرية للمتابعين تهما بينها "الانخراط في أنشطة إرهابية" و"محاولة السفر لأغراض إرهابية" و"ترويج للفكر المتطرف"، خصوصا بعد اكتشاف منشورات تتضمن إشادة بالإرهاب ونشر محتوى يناصر تنظيم داعش المتشدد.
المصدر: الحرة
إقرأ أيضاً:
«ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا»
يمر العالم اليوم بتحدّيات واضطرابات كبرى، أثرت على جميع الجوانب سياسيّا واقتصاديّا، وأخذ عالمنا العربيّ حيّزا من هذا الصّراع والاضطراب، والّذي يهمني هنا أمر عُمان في هذه المرحلة من التّغيرات العالميّة، ليس بمعنى الأنا الملغي للآخر، وليس بمعنى وهم المؤامرة في جوّه المطلق غير النّاظر في الخلل من الدّاخل، ولكن هناك من يريد أن يمتدّ هذا الصّراع والاضطراب إلى مساحات جغرافيّة أكبر، وعُمان ليست بمعزل عنه.
في الوقت ذاته، عُمان ليست وليدة اللّحظة القريبة، فلها تأريخها الموغل في القدم، ولها ثقافتها السّياسيّة المتجذّرة في التّأريخ، كما لها جغرافيّتها الاستراتيجيّة ضمن عالمها العربيّ، والّذي يمثل قلب العالم جغرافيّا، بيد أنّ قوّة الدّول ليس في تأريخها ولا جغرافيّتها من حيث الابتداء، وإنّما قوّتها في داخلها وحاضرها إذا أدرك الجميع أهميّة هذا الأمر، فهي كالسّفينة الواحدة، إن خرق جزء منها تأثرت جميع الأجزاء.
ولا يمكن بحال نشر فوضى أو اضطراب في دولة ما إذا ما كانت قويّة في داخلها، ليس أمنيّا وعسكريّا فحسب، بل في جميع أجزائها ومكوّناتها، إذا ما شعر الجميع أنّهم عائلة واحدة يجمعهم بيت واحد، أو بالمعنى الدّقيق مواطنون في ذات واحدة متساوية، وجميع الدّول الّتي سهل إحداث فوضى فيها سببه استغلال الفوارق في داخلها، واستثمار الخلافات من داخل قطرها، كانت طائفيّة أم مناطقيّة أم قبليّة أم سياسيّة، لتتمدّد وتتحوّل إلى كتل متصارعة، لتدخل البلاد في دوّامة الحروب والصّراع والفقر والتّخلّف.
وعُمان مرّت بحالات مماثلة في تأريخها، ففي العقود الأخيرة من النّصف الثّاني من القرن الثّامن عشر بدأ الصّراع السّياسيّ يتمدّد في داخلها، ومن ثمّ الانقسام بين السّلطة المركزيّة والدّاخل، خصوصا بعد عام 1913م، لتدخل عمان في صراعات أهليّة بين السّلطة المركزيّة والحركات اليمينيّة، يتبعها لاحقا طرف ثالث من الاتّجاهات اليساريّة، فنقضت غزلها بعدما كانت قوّة مهابة ولها مكانتها، لتدخل حالة الفقر والمرض والجهل، فلم تعد لعمان قيمتها، وتعيش معزولة خارج التّأريخ، وأبناؤها مشرّدون شرقا وغربا.
وشاء القدر أن تنهض عُمان والحمد لله من جديد، ويتحدّ الجميع لبناء نهضة عصريّة جديدة، في فترة سياسيّة عالميّة مضطربة نتيجة الحرب الباردة، وصراع قطبي الشّرق والغرب، وحدوث تحوّلات في المنطقة، بيد أنّها عالجت جراحاتها، وبنت نفسها خدميّا وإنسانيّا، بالقدر الّذي استطاعت الوصول إليه، وأصبحت لها مكانتها خليجيّا وعربيّا وعالميّا، وأصبح للعمانيّ مكانته وهو يسافر شرقا وغربا، وظهر العمانيّ المبدع في كافّة المجالات.
وكما أسلفت في مقالة سابقة لي «أنّ عُمان في نهايات العقد الثّاني من القرن الحادي والعشرين (2014 - 2020م) بدأ فيها شيء من التّراجع، نتيجة ما أصاب العالم من كساد وتضخم، وهي نتيجة للأوضاع السّياسيّة السّلبيّة في العالم... تزامن مع انتشار جائحة كورونا... واستمرت الجائحة لأكثر من عامين، كانت لها تداعياتها الاقتصاديّة في الخارج والدّاخل، ممّا أوقف الحياة العمليّة والاعتياديّة، فارتفع عدد الباحثين عن عمل لسبب كثرة المسرحين، كما تأثرت الشّركات الصّغيرة والمتوسطة خصوصا، نتيجة توقف حركة البيع والشّراء، كما توقفت رحلات الطّيران، وتوقفت حركة السّياحة الدّاعمة للاقتصاد المحليّ، ومع هذا استطاعت عُمان أن تحافظ على استقرارها، وحافظت على سير الرّواتب خصوصا في الجهات الحكوميّة والعسكريّة دون نقيصة، وفي موعدها، وأوجدت التّعليم والعمل عن بُعد، فلم تتوقف حركة الحياة مع شيء من المرونة، كما قامت بمحاولة تسهيل قوانين المسرحين، وفي الوقت ذاته التّعجيل في وضع قانون الحماية الاجتماعيّة، والّذي سيتوسع لاحقا إلى الباحثين عن عمل، وحماية الأسرة والطّفولة وأبناء الضّمان الاجتماعيّ».
لاشكّ هناك تحدّيّات كبرى ليست على مستوى عُمان، بل على مستوى العالم أجمع، بما في ذلك العديد من المجتمعات الغربيّة والشّرقيّة، وعلى رأسها تحدّيّات الباحثين عن عمل، والمسرحين من العمل، والأجور المنخفضة فيما لا تتناسب وتكاليف الضّرورات الحياتيّة نتيجة التّضخم في الاقتصاد العالميّ، وفي الوقت نفسه خلال الخمس السّنوات الماضية كانت هناك مراجعات جديّة في العديد من الملفات الاقتصاديّة والمعيشيّة في عُمان، وهذا مدرك تماما، وإن كان بحاجة إلى التّعجيل المحكم في بعض جوانبه، خصوصا فيما يتعلّق بالتّأمين وتحقيق درجة الاكتفاء لتشجيع دوران المال في المجتمع، بما فيها ذلك حاليا استثمار أموال الزّكاة والصّدقات مثلا، وسبق أن كتبتُ في ذلك بحثا على نهايات أزمة كورونا بعنوان «تنمية إيرادات أموال الزّكاة والصّدقات»، وتوظيفها في تحقيق الاكتفاء عند الباحثين والمسرحين عن طريق مركزيّة الدّولة نفسها، وليس عن طريق اللّجان المتناثرة.
إنّنا اليوم ينبغي أن نكون أكثر وعيا وتعقّلا أمام اضطرابات ليست بعيدة عنّا، ولا يمكن لأيّ دولة أن تعالج تحدّياتها الدّاخليّة في الجوانب الاقتصاديّة خصوصا إذا اختلّت فيها الجوانب الأمنيّة والسّياسيّة، والّتي ستقودها إلى دوامة الصّراع، ولا قدّر الله قد تقودها إلى الاحتراب والتّدخلات الخارجيّة، وحينها يصعب الرّجوع إلى النّقطة الأولى، بل ستتمدّد بشكل أكبر، وتكون جزءا من الصّراع ذاته، فلا ينبغي السّذاجة في معالجة هذه القضايا، وإنّما تعالج في مختبراتها الاقتصاديّة والوطنيّة الخالصة، والّتي غايتها المواطن ذاته، مدركة لما يدور حولها من تحدّيّات مختلفة ومتباينة.
وكما أسلفت لابدّ من الإسراع المحكم في علاج العديد من الملفات الدّاخليّة، فلست مع الإسراع غير المدروس لأجل التّسكين، ولست مع البطيء الّذي ينتج عنه تمدّد منطقة المرض، وهذا لا يحدث عن طريق الهرج والمسميات الوهميّة في وسائل التّواصل الاجتماعيّ، وإنّما عن طريق المختبرات والمراكز الاستراتيجيّة الوطنيّة، إذ يتقدّمها المخلصون، والّذين غايتهم الوطن واستقراره، والحفاظ على أمنه، وغايتهم معالجة قضاياه بعقلانيّة وواقعيّة وحكمة؛ لأنّ الجميع مدرك أنّ قوّة الوطن في الخارج هو قوّته ذاتيّا في داخله، وهذا يحتاج إلى شيء من القرب والشّفافيّة والحوار مع المكوّنات الوطنيّة، خصوصا من الشّباب والجيل الجديد، ونحن والحمد لله نعيش اليوم حالة متقدّمة جدّا من الاستقرار الأمنيّ، والاطمئنان المجتمعيّ، والتّقدّم الخدميّ والمعرفيّ، وحفاظنا على هذا القدر مع الرّغبة في استثماره إيجابا في ظلّ من الوحدة الوطنيّة؛ يجعل الطّريق مختصرا لعلاج التّحديّات الحالية وغيرها ممّا يجدُّ في المستقبل، وهذا لا يأتي إلّا عن طريق التّعقل والعمل، وليس عن طريق الشّعارات غير المنضبطة، وإلّا سنكون كالّتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.
بدر العبري كاتب مهتم بقضايا التقارب والتفاهم ومؤلف كتاب «فقه التطرف»